ربما سمعت عن شبكة المكافأة في الدماغ، تلك التي يتم تنشيطها من خلال الاحتياجات الأساسية، متضمنةً الطعام والماء والجنس، وعند تلبية هذه الاحتياجات يتم إفراز الناقل العصبي دوبامين، بكمية كبيرة.
وهو المسؤول عن الشعور الجيد في الجسم، لكنه يمكن أن يُفرز بواسطة المخدرات بكميات أكبر من تلك التي تُفرز عند تلبية الاحتياجات الأساسية.
لكن شبكة المكافأة لا تُعتبر هي الشبكة الوحيدة في الدماغ التي تتأثر باستخدام المخدرات، فقد توصل بحث جديد إلى أن إدمان المخدرات يؤثر على ست شبكات دماغية رئيسية: المكافأة، العادة، البراعة، التنفيذية، الذاكرة، والشبكات ذاتية التوجيه.
ووفقا للاستطلاع الوطني حول استخدام المخدرات والصحة، فإن 20.1 مليون شخصٍ في سن 12 وما فوقه في الولايات المتحدة في عام 2016 يعانون من اضطراب تعاطي المخدرات، وهو استطلاع سنوي عن تعاطي المخدرات، وأشارت الدراسة الجديدة التي نُشرت في السادس من حزيران في مجلة (نويرون -Neuron ) إلى أن إدمان المخدرات كان له تأثيرات مشابهة على دماغ المدمن بشكل مدهش، بغض النظر عن المادة المستخدمة.
بحثت الدراسة في أكثر من مئة دراسة أخرى وأوراق مراجعة عن إدمان المخدرات، والتي درست جميعها نوعًا من فحص الدماغ يدعى (تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي – fMRI).
وتقول آنا زيلفرستند الكاتبة الرئيسية للمراجعة البحثية الجديدة وأستاذة مساعدة في الطب النفسي في كلية أيكان للطب في ماونت سيناي بمدينة نيويورك: «إن أكثر من نصف الدراسات هناك تبحث في آثار تعاطي المخدرات على شبكة المكافأة».
وقالت زيلفرستند لـ “لايف ساينس”: «لأننا أظهرنا أن التأثيرات موزّعة بشكل كبير عبر الشبكات المختلفة الست، يمكننا أن نستنتج أن النهج الذي ينظر فقط إلى واحدة من هذه الشبكات ليس مثبتًا تمامًا، ونأمل أن يؤدي هذا البحث إلى دفع باحثين آخرين للنظر إلى ما وراء شبكة المكافأة».
قالت زيلفرستند: «فعلى سبيل المثال، تم تجاهل شبكة الذاكرة إلى حد كبير في بحث أُجري عن اضطرابات تعاطي المخدرات، وتسمح هذه الشبكة للبشر بتعلم أشياء لا تعتمد على العادة، مثل مفهوم فيزيائي جديد، أو درس تاريخ.
وقد اقترحت بعض الأبحاث أن الإجهاد عند الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات قد ينقل مهارات التعلّم والذاكرة بعيدًا عن شبكة الذاكرة إلى شبكة العادة التي تقود السلوك التلقائي مثل البحث عن المخدرات وتناولها».
وحسبما ذكرت الدراسة فإن هناك شبكة أخرى لم تُجر عليها الكثير من الدراسات، وهي الشبكة ذاتية التوجيه التي تشارك في الوعي الذاتي والتأمل الذاتي، وقد ارتبطت هذه الشبكة مع ازدياد الرغبة في تعاطي المخدرات عند الأشخاص الذين يعانون من الإدمان.
تشترك شبكتان أخريان في اضطرابات تعاطي المواد المخدرة، فالشبكة التنفيذية مسؤولة عادة عن الحفاظ على الأهداف وتنفيذها، لكن من الممكن للأدوية أن تغير هذه الشبكة أيضًا، مما يقلل من قدرة الشخص على كبح تصرفاته، كما تلتقط الشبكة البارزة إشارات مهمة في بيئة الشخص وتعيد توجيه انتباه الأفراد إليها.
يُعاد توجيه الانتباه نحو المخدرات في الأشخاص الذين يعانون من الإدمان، مما يزيد الرغبة الشديدة فيها، للبحث عنها وطلبها.
ما الذي يأتي أولًا، نشاط الدماغ أم تعاطي المخدرات؟
قالت زيلفرستند: «بالنسبة لي، الشيء الأكثر دهشةً هو مدى اتساق تأثيرات الإدمان، والمدهش أكثر من ذلك، حقيقة أن التأثيرات مستقلة تمامًا عن الاستخدام المحدد للعقاقير، إذ تشير إلى كونها شيئًا عامًا قد يسبق بالفعل تعاطي المخدرات بدلا من أن يكون نتيجة لاستخدام المخدرات».
وأعربت زيلفرستند عن أملها في إجراء المزيد من الدراسات لتحديد ما إن كان لدى بعض الأشخاص نشاط دماغي غير طبيعي في هذه الشبكات الست، وأن تفاقم ذلك النشاط عند بدء تعاطي المخدرات، وعلى حد قولها، فإنه من المهم أيضًا معرفة ما إذا كانت بعض هذه السمات تسبق تعاطي المخدرات، إذا كانت هذه هي الحالة، فقد يكون من الممكن تحديد الأشخاص المعرّضين للإدمان والتدخل قبل تلك المرحلة.
وتضيف: «وقد أشار بحث نحو هذه الإمكانية بالفعل، فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن بعض الناس لديهم صعوبات في كبح الاندفاع قبل استخدام المخدرات، فبعض هذه الاندفاعات تسبق تعاطي المخدرات، وقد تتفاقم مع تعاطي المخدرات، لكنها موجودة قبل تصاعد المشكلة. »
وفي رسالة عبر بريدها الإلكتروني، استطردت زيلفرستند بقولها: «لكن الخبر السار هو أن النشاط يعود إلى المستوى الطبيعي في أربع من هذه الشبكات الست: التنفيذية، المكافأة، الذاكرة، والبراعة بمجرد توقف تعاطي المخدرات، ونحن نعلم أن هذه الشبكات تسترد عافيتها -جزئيًا، لا كليًا- لكن هذا لا يحدث للشبكتين الأخريين».
وأضافت زيلفرستند أنها متحمسة بشكل خاص حول دراسة تُجرى حاليًا تدعى (دراسة تطور إدراك الدماغ للمراهقين -(ABCD ، والتي تتتبّع 10000 طفل في جميع أنحاء الولايات المتحدة من سن 9 أو 10 أعوام إلى 20 عامًا -يبلغ الأطفال الآن 13 عامًا- وقالت: «إن بعض هؤلاء الأفراد سيصبحون مدمنين حتمًا على المخدرات، الماريجوانا، أو الكحول على الأرجح».
«سنكون قادرين على معرفة ما إذا كانت الآثار التي وجدناها في البحث موجودة في الشباب الذين لم يتعاطوا المخدرات بعد» وتوقعت أن يتمكن الباحثون من العثور على الكثير من التأثيرات المحددة في البحث في شبكات الدماغ الست.
وحسب قول زيلفرستند، نظرًا لأن بعض مناطق الدماغ صغيرة جدًا، كاللوزة المخية على سبيل المثال، التي توجد في اتجاه مركز الدماغ، فقد أشار الباحثون إلى عدم استطاعة الدراسات تحديد إشارات قوية من مناطق مثلها عند إجراء المسح الدماغي، لذا من المحتمل أن تؤثر العقاقير على شبكات إضافية في الدماغ مخبّأة بسبب محدودية التكنولوجيا التي نمتلكها.
وختمت بقولها: «لا نريد أن نتوصّل في النهاية إلى أن هذه التأثيرات لا وجود لها».
المصدر:ibelieveinsci