شركة إنتاج حكومية تبحث عن حلول لأزمات السينما المصرية
التدخل الرسمي في رسم خارطة الإنتاج يعيد جودة المحتوى في الأفلام.
الجمعة 2023/01/13
قطاع يحتاج إلى التنظيم
تمر السينما المصرية بأزمة غير مسبوقة أبرز ملامحها تراجع التسويق الخارجي للأفلام وضعف منافستها على جوائز المهرجانات السينمائية، لذلك تناقش السلطة وأهل القطاع إمكانية وضع شركة حكومية تنظم القطاع وتبحث عن حلول جذرية لأزماته، يرى فيها البعض تكرارا لشركات وهيئات قديمة قد لا تقدم شيئا يذكر.
القاهرة - دفعت الحصيلة الضئيلة للإنتاج السينمائي بمصر في العام الماضي إلى زيادة المطالبات بضرورة تدخل الدولة لإنقاذ قطاع السينما الذي قدم 24 فيلما فقط العام الماضي، معظمها لم يحقق نجاحا، وجرى سحب بعضها من دور العرض بعد أيام قليلة من عرضها بعد ثبوت عزوف الجمهور عنها.
ولم يكن بين الأفلام المصرية فيلم يستحق المشاركة في المسابقة الرسمية لجائزة الأوسكار العالمية، وغاب الجميع تقريبا عن منصات التتويج في مهرجانات مختلفة، والفيلم الوحيد الذي حقق إيرادات مرتفعة وحصل على إشادات نقدية واسمه “كيرة والجن” بطولة كريم عبدالعزيز وأحمد عز لم يستطع تحقيق جائزة عربية أو محلية.
ووجدت السينما المصرية نفسها في مأزق لأنها تراجعت على المستوى العربي، وسبقتها العام الماضي السينما في كل من السعودية وتونس بجودة المحتوى الفني، كما أن الأفلام المصرية لم تجد مكاناً متقدما على المنصات الرقمية الشهيرة، وأضحت أمام أزمة لإنجذاب بعض منتجيها من المصريين لدول عربية أخرى، ما يفرض تدخل جهات حكومية لإنقاذها قبل فوات الأوان.
وكشف العديد من المخرجين مؤخرا عن مخاوفهم من تضاؤل فرص الإنتاج في مصر، بينهم المخرج عمرو سلامة الذي كتب على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلاً “خلال فترة وجيزة هناك من كتب وأشار وحذر من حالة الإنتاج السينمائي والدرامي في مصر، ونحن نشهد تراجع مستويهما، والفرص تقل، تأثيرنا ينحصر ولا أحد يهتم، كأن الإنتاج مسؤولية من يعملون فيهما والذين يواجهون صعوبات ومعوقات”.
أحمد سعدالدين: تدخّل الدولة يخدم الفن لكن ليس بإعادة تجربة قديمة
وأحدثت هذه الصرخة ردود فعل لدى العاملين في المجال الفني، لأنها أخرجت الكثير مما يعتمل في صدورهم إلى العلن، وأكدت أن استمرار التراجع سوف يضر بالسينما المصرية، وكل أنواع القوى الناعمة التي مكنتها من تقدم الصفوف العربية سابقا.
وعلمت “العرب” من مصادر مطلعة بوزارة الثقافة أن الحكومة المصرية في طريقها إلى تصويب الأمر من خلال تأسيس شركة إنتاج سينمائي تابعة لوزارة الثقافة مهمتها تقديم مضمون ينافس شركات الإنتاج الخاصة، وستدخل كشريك في الإنتاج بما يسهم في إحداث انتعاشة فنية، وأن الشركة يجري التجهيز لها عبر هيئة قصور الثقافة.
يأتي هذا التحرك بالتزامن مع إدخال تعديل على اللائحة الداخلية لهيئة قصور الثقافة الشهر الماضي، بما يسمح لها بممارسة أنشطة استثمارية، ونتج عن ذلك توقيع برتوكول تعاون مشترك مع مدينة الإنتاج الإعلامي لتقديم إنتاج مشترك لأفلام “إدارة الثقافة السينمائية” بالهيئة العامة لقصور الثقافة، بحيث تتحمل المدينة تكلفة أماكن التصوير بالمدينة بينما تتكفل الهيئة بباقي عناصر الإنتاج.
ويشير التدخل الحكومي في الإنتاج للعودة إلى عهود سابقة اتسمت فيها السينما المصرية بغزارة الأفلام وجودة المحتوى المقدم، خاصة في ستينات القرن الماضي حينما أممت الحكومة قطاع السينما وأنشأت المؤسسة العامة للسينما التي تولت إنتاج العديد من الأفلام الروائية المتميزة.
لكن هذه المؤسسة جرى تصفيتها في بداية السبعينات واستبدالها بهيئة عامة تضم السينما والمسرح والموسيقى وتوقفت الهيئة عن الإنتاج السينمائي مكتفية بتمويل القطاع الخاص، وبدا انحسار دور الدولة في السينما حتى انسحب من الإنتاج الروائي.
وتوقفت وزارة الثقافة عن دورها الذي مارسته بشكل متقطع طيلة السنوات الماضية بتقديم دعم لأعمال سينمائية من خلال الإعلان عن مسابقات للسيناريو تمنح الفائزين دعماً يصل إلى خمسة ملايين جنيه (185 ألف دولار) وقدمت أفلاما مهمة أبرزها “رسائل البحر” و”عصافير النيل”، وتولت إنتاج فيلم “المسافر”.
ويتزايد الجدل في مصر حول التأثيرات الإيجابية والسلبية لتدخل الحكومة بشكل مباشر للإنتاج السينمائي، ويرى البعض أنها تذهب باتجاه تقديم المزيد من الأعمال التي تعبر عن وجهة نظرها من دون أن يكون هناك إنتاج إبداعي خالص بعيداً عن التوجهات الرسمية، ويذهب آخرون للتأكيد بأن دخول الحكومة سوف يسهم في دوران عجلة الإنتاج وزيادة فرص تقديم أفلام ذات جودة ومضمون ورسالة جيدة.
وقال الناقد الفني أحمد سعدالدين إن السينما المصرية تعاني من تقديم أفلام روائية بلا موضوعات هادفة، وتدخّل الدولة في الإنتاج يخدم الفن، لأنها سوف تعمل على تقديم محتوى له قيمة دون النظر إلى الهدف التجاري، وهو ما يساعد على إحداث رواج في الإنتاج، وبدلاً من تقديم 25 أو 30 فيلما قد يصل الرقم إلى 40 وأكثر، في حال رصدت وزارة الثقافة وجهات حكومية أخرى ميزانيات وفيرة للإنتاج.
حالة فراغ لدور السينما يعكسها غياب الترويج
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن إعادة تجربة الستينات ليس ممكنًا وإن كانت هناك رغبة حكومية في تقديم إنتاج خاص لا بد أن يصبح بعيداً عن مؤثرات تخدم عملية توجيه الأفلام، فنجاح التجربة يتوقف على مدى قدرتها على تقديم منتج جيد من عدمه، وفي تلك الحالة فإن القطاع الخاص سيجد نفسه في منافسة مع جهات إنتاج حكومية وسيضطر للعمل على تطوير الأفلام التي يقدمها.
وشهدت السنوات الماضية تدخلات من جهات رسمية لتقديم أفلام يغلب عليها الحس الوطني والأمني والمخابراتي، لكن في الوقت ذاته غاب تقديم أفلام إبداعية برؤية سينمائية خالصة تغوص في مشكلات المجتمع بشكل كبير على حساب أفلام المقاولات والكوميديا التي لم يعد الجمهور يقبل على متابعتها للتراجع الملحوظ في جودتها.
ويتخوف بعض النقاد من ارتكان وزارة الثقافة إلى نفس آليات الأسلوب التجاري الذي أدى إلى تراجع الإنفاق على الأفلام المنتجة لضمان تحقيق أرباح أو على الأقل التقليل من آثار الخسائر، لأن الوزارة تعاني من مشكلات في تمويل باقي أنشطتها الموسيقية والمسرحية، وسوف يكون من المطلوب مضاعفة ميزانيتها أو الاعتماد على جهات حكومية أخرى لديها القدرة على ضخ الملايين من الدولارات سنويًا.
ولم تكن النداءات التي وجهها منتجو السينما والنقاد إلى الحكومة للتدخل لحل أزمة الإنتاج قاصرة فقط على تقديم إنتاج حكومي، لكنها تضمنت تقديم إعفاءات ضريبية للمنتجين تساعدهم على مضاعفة نشاطهم، إلى جانب تخفيض رسوم التصوير في الأماكن الخارجية التي تعد من المعوقات الرئيسية، فضلا عن دعم أجهزة التصوير وتخفيض إيجار الكاميرات، ودعم الحصول على أجهزة تكنولوجية لتحسين جودة الصورة.
وأكد أحمد سعدالدين لـ”العرب” على أن الدور الحكومي الأبرز لا بد أن يطال تشديد الرقابة على قرصنة الأفلام وعدم السماح بتهريبها إلى “فضائيات بير السلم” وانتشارها على المواقع الإلكترونية في اليوم التالي لعرضها في دور العرض السينمائي، ودعمها بتخفيف الضرائب المفروضة لتقليص أسعار التذاكر، وفي تلك الحالة قد يحدث رواج لا بد أن يصاحبه تحسن في الموضوعات التي تناقشها الأفلام.
صفوت غطاس: الأفلام المصرية يصعب تسويقها خارجيًا بشكل كبير
ورصد منتجو السينما مشكلات أخرى بعيدة عن الأزمات المالية، تتعلق بغياب الأسماء الكبيرة في التأليف والإخراج، والتي لها دور في تخريج أجيال جديدة تستفيد من خبراتها، ما يؤدي إلى تقديم أفلام مأخوذة من أعمال أجنبية أو تستغرق في الكوميديا التي بلا هدف أو قصة، ويتمثل الدعم الحكومي في تلك الحالة في إتاحة مساحات لخبرات غائبة منذ سنوات والتخلي عن مقص الرقيب على مستوى بعض مشاهد أو فقرات المحتوى المقدم أو حتى نوعية الموضوعات التي تناقشها الأفلام.
وأوضح نائب رئيس غرفة صناعة السينما المنتج صفوت غطاس لـ”العرب” أن الكثير من المنتجين الذين حضروا بقوة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي غابوا لاحقا لأسباب مختلفة، بينها أن الفيلم المصري كان يعتمد في تغطية نفقاته على التسويق الخارجي، وتراجع ذلك بشكل كبير مؤخراً، لأن هناك أعمالا عربية ذات جودة مرتفعة أثّرت سلبًا على تسويق الأفلام المصرية، وتأثير ظاهرة الاستسهال التي قادت إلى تقديم أعمال تجارية كوميدية ضعيفة.
وأشار إلى أن غالبية الأفلام المصرية يتم تصنيفها فئة “سي” ويصعب تسويقها خارجيًا بشكل كبير، كما أن غياب العديد من نجوم الشباك الذين يحظون بحضور عربي خلال الأعوام الماضية كان سببًا إضافيا للتراجع، ما يتطلب وقفة حكومية جادة بما لا يؤدي إلى المزيد من التراجع في السنوات المقبلة.
ولفت إلى أن الغرفة وقّعت اتفاقات تعاون عديدة مع جهات حكومية لجدولة ضرائب منتجي السينما وتنتظر تنفيذها بما يؤدي إلى انتعاشة متوقعة، وبعض المنتجين يعولون على مبادرة “سينما الشعب” التي ترعاها وزارة الثقافة لعرض الأفلام في المحافظات والأقاليم المختلفة لتحقيق عوائد تساعد في دوران عجلة الإنتاج.
أحمد جمال
صحافي مصري
التدخل الرسمي في رسم خارطة الإنتاج يعيد جودة المحتوى في الأفلام.
الجمعة 2023/01/13
قطاع يحتاج إلى التنظيم
تمر السينما المصرية بأزمة غير مسبوقة أبرز ملامحها تراجع التسويق الخارجي للأفلام وضعف منافستها على جوائز المهرجانات السينمائية، لذلك تناقش السلطة وأهل القطاع إمكانية وضع شركة حكومية تنظم القطاع وتبحث عن حلول جذرية لأزماته، يرى فيها البعض تكرارا لشركات وهيئات قديمة قد لا تقدم شيئا يذكر.
القاهرة - دفعت الحصيلة الضئيلة للإنتاج السينمائي بمصر في العام الماضي إلى زيادة المطالبات بضرورة تدخل الدولة لإنقاذ قطاع السينما الذي قدم 24 فيلما فقط العام الماضي، معظمها لم يحقق نجاحا، وجرى سحب بعضها من دور العرض بعد أيام قليلة من عرضها بعد ثبوت عزوف الجمهور عنها.
ولم يكن بين الأفلام المصرية فيلم يستحق المشاركة في المسابقة الرسمية لجائزة الأوسكار العالمية، وغاب الجميع تقريبا عن منصات التتويج في مهرجانات مختلفة، والفيلم الوحيد الذي حقق إيرادات مرتفعة وحصل على إشادات نقدية واسمه “كيرة والجن” بطولة كريم عبدالعزيز وأحمد عز لم يستطع تحقيق جائزة عربية أو محلية.
ووجدت السينما المصرية نفسها في مأزق لأنها تراجعت على المستوى العربي، وسبقتها العام الماضي السينما في كل من السعودية وتونس بجودة المحتوى الفني، كما أن الأفلام المصرية لم تجد مكاناً متقدما على المنصات الرقمية الشهيرة، وأضحت أمام أزمة لإنجذاب بعض منتجيها من المصريين لدول عربية أخرى، ما يفرض تدخل جهات حكومية لإنقاذها قبل فوات الأوان.
وكشف العديد من المخرجين مؤخرا عن مخاوفهم من تضاؤل فرص الإنتاج في مصر، بينهم المخرج عمرو سلامة الذي كتب على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلاً “خلال فترة وجيزة هناك من كتب وأشار وحذر من حالة الإنتاج السينمائي والدرامي في مصر، ونحن نشهد تراجع مستويهما، والفرص تقل، تأثيرنا ينحصر ولا أحد يهتم، كأن الإنتاج مسؤولية من يعملون فيهما والذين يواجهون صعوبات ومعوقات”.
أحمد سعدالدين: تدخّل الدولة يخدم الفن لكن ليس بإعادة تجربة قديمة
وأحدثت هذه الصرخة ردود فعل لدى العاملين في المجال الفني، لأنها أخرجت الكثير مما يعتمل في صدورهم إلى العلن، وأكدت أن استمرار التراجع سوف يضر بالسينما المصرية، وكل أنواع القوى الناعمة التي مكنتها من تقدم الصفوف العربية سابقا.
وعلمت “العرب” من مصادر مطلعة بوزارة الثقافة أن الحكومة المصرية في طريقها إلى تصويب الأمر من خلال تأسيس شركة إنتاج سينمائي تابعة لوزارة الثقافة مهمتها تقديم مضمون ينافس شركات الإنتاج الخاصة، وستدخل كشريك في الإنتاج بما يسهم في إحداث انتعاشة فنية، وأن الشركة يجري التجهيز لها عبر هيئة قصور الثقافة.
يأتي هذا التحرك بالتزامن مع إدخال تعديل على اللائحة الداخلية لهيئة قصور الثقافة الشهر الماضي، بما يسمح لها بممارسة أنشطة استثمارية، ونتج عن ذلك توقيع برتوكول تعاون مشترك مع مدينة الإنتاج الإعلامي لتقديم إنتاج مشترك لأفلام “إدارة الثقافة السينمائية” بالهيئة العامة لقصور الثقافة، بحيث تتحمل المدينة تكلفة أماكن التصوير بالمدينة بينما تتكفل الهيئة بباقي عناصر الإنتاج.
ويشير التدخل الحكومي في الإنتاج للعودة إلى عهود سابقة اتسمت فيها السينما المصرية بغزارة الأفلام وجودة المحتوى المقدم، خاصة في ستينات القرن الماضي حينما أممت الحكومة قطاع السينما وأنشأت المؤسسة العامة للسينما التي تولت إنتاج العديد من الأفلام الروائية المتميزة.
لكن هذه المؤسسة جرى تصفيتها في بداية السبعينات واستبدالها بهيئة عامة تضم السينما والمسرح والموسيقى وتوقفت الهيئة عن الإنتاج السينمائي مكتفية بتمويل القطاع الخاص، وبدا انحسار دور الدولة في السينما حتى انسحب من الإنتاج الروائي.
وتوقفت وزارة الثقافة عن دورها الذي مارسته بشكل متقطع طيلة السنوات الماضية بتقديم دعم لأعمال سينمائية من خلال الإعلان عن مسابقات للسيناريو تمنح الفائزين دعماً يصل إلى خمسة ملايين جنيه (185 ألف دولار) وقدمت أفلاما مهمة أبرزها “رسائل البحر” و”عصافير النيل”، وتولت إنتاج فيلم “المسافر”.
ويتزايد الجدل في مصر حول التأثيرات الإيجابية والسلبية لتدخل الحكومة بشكل مباشر للإنتاج السينمائي، ويرى البعض أنها تذهب باتجاه تقديم المزيد من الأعمال التي تعبر عن وجهة نظرها من دون أن يكون هناك إنتاج إبداعي خالص بعيداً عن التوجهات الرسمية، ويذهب آخرون للتأكيد بأن دخول الحكومة سوف يسهم في دوران عجلة الإنتاج وزيادة فرص تقديم أفلام ذات جودة ومضمون ورسالة جيدة.
وقال الناقد الفني أحمد سعدالدين إن السينما المصرية تعاني من تقديم أفلام روائية بلا موضوعات هادفة، وتدخّل الدولة في الإنتاج يخدم الفن، لأنها سوف تعمل على تقديم محتوى له قيمة دون النظر إلى الهدف التجاري، وهو ما يساعد على إحداث رواج في الإنتاج، وبدلاً من تقديم 25 أو 30 فيلما قد يصل الرقم إلى 40 وأكثر، في حال رصدت وزارة الثقافة وجهات حكومية أخرى ميزانيات وفيرة للإنتاج.
حالة فراغ لدور السينما يعكسها غياب الترويج
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن إعادة تجربة الستينات ليس ممكنًا وإن كانت هناك رغبة حكومية في تقديم إنتاج خاص لا بد أن يصبح بعيداً عن مؤثرات تخدم عملية توجيه الأفلام، فنجاح التجربة يتوقف على مدى قدرتها على تقديم منتج جيد من عدمه، وفي تلك الحالة فإن القطاع الخاص سيجد نفسه في منافسة مع جهات إنتاج حكومية وسيضطر للعمل على تطوير الأفلام التي يقدمها.
وشهدت السنوات الماضية تدخلات من جهات رسمية لتقديم أفلام يغلب عليها الحس الوطني والأمني والمخابراتي، لكن في الوقت ذاته غاب تقديم أفلام إبداعية برؤية سينمائية خالصة تغوص في مشكلات المجتمع بشكل كبير على حساب أفلام المقاولات والكوميديا التي لم يعد الجمهور يقبل على متابعتها للتراجع الملحوظ في جودتها.
ويتخوف بعض النقاد من ارتكان وزارة الثقافة إلى نفس آليات الأسلوب التجاري الذي أدى إلى تراجع الإنفاق على الأفلام المنتجة لضمان تحقيق أرباح أو على الأقل التقليل من آثار الخسائر، لأن الوزارة تعاني من مشكلات في تمويل باقي أنشطتها الموسيقية والمسرحية، وسوف يكون من المطلوب مضاعفة ميزانيتها أو الاعتماد على جهات حكومية أخرى لديها القدرة على ضخ الملايين من الدولارات سنويًا.
ولم تكن النداءات التي وجهها منتجو السينما والنقاد إلى الحكومة للتدخل لحل أزمة الإنتاج قاصرة فقط على تقديم إنتاج حكومي، لكنها تضمنت تقديم إعفاءات ضريبية للمنتجين تساعدهم على مضاعفة نشاطهم، إلى جانب تخفيض رسوم التصوير في الأماكن الخارجية التي تعد من المعوقات الرئيسية، فضلا عن دعم أجهزة التصوير وتخفيض إيجار الكاميرات، ودعم الحصول على أجهزة تكنولوجية لتحسين جودة الصورة.
وأكد أحمد سعدالدين لـ”العرب” على أن الدور الحكومي الأبرز لا بد أن يطال تشديد الرقابة على قرصنة الأفلام وعدم السماح بتهريبها إلى “فضائيات بير السلم” وانتشارها على المواقع الإلكترونية في اليوم التالي لعرضها في دور العرض السينمائي، ودعمها بتخفيف الضرائب المفروضة لتقليص أسعار التذاكر، وفي تلك الحالة قد يحدث رواج لا بد أن يصاحبه تحسن في الموضوعات التي تناقشها الأفلام.
صفوت غطاس: الأفلام المصرية يصعب تسويقها خارجيًا بشكل كبير
ورصد منتجو السينما مشكلات أخرى بعيدة عن الأزمات المالية، تتعلق بغياب الأسماء الكبيرة في التأليف والإخراج، والتي لها دور في تخريج أجيال جديدة تستفيد من خبراتها، ما يؤدي إلى تقديم أفلام مأخوذة من أعمال أجنبية أو تستغرق في الكوميديا التي بلا هدف أو قصة، ويتمثل الدعم الحكومي في تلك الحالة في إتاحة مساحات لخبرات غائبة منذ سنوات والتخلي عن مقص الرقيب على مستوى بعض مشاهد أو فقرات المحتوى المقدم أو حتى نوعية الموضوعات التي تناقشها الأفلام.
وأوضح نائب رئيس غرفة صناعة السينما المنتج صفوت غطاس لـ”العرب” أن الكثير من المنتجين الذين حضروا بقوة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي غابوا لاحقا لأسباب مختلفة، بينها أن الفيلم المصري كان يعتمد في تغطية نفقاته على التسويق الخارجي، وتراجع ذلك بشكل كبير مؤخراً، لأن هناك أعمالا عربية ذات جودة مرتفعة أثّرت سلبًا على تسويق الأفلام المصرية، وتأثير ظاهرة الاستسهال التي قادت إلى تقديم أعمال تجارية كوميدية ضعيفة.
وأشار إلى أن غالبية الأفلام المصرية يتم تصنيفها فئة “سي” ويصعب تسويقها خارجيًا بشكل كبير، كما أن غياب العديد من نجوم الشباك الذين يحظون بحضور عربي خلال الأعوام الماضية كان سببًا إضافيا للتراجع، ما يتطلب وقفة حكومية جادة بما لا يؤدي إلى المزيد من التراجع في السنوات المقبلة.
ولفت إلى أن الغرفة وقّعت اتفاقات تعاون عديدة مع جهات حكومية لجدولة ضرائب منتجي السينما وتنتظر تنفيذها بما يؤدي إلى انتعاشة متوقعة، وبعض المنتجين يعولون على مبادرة “سينما الشعب” التي ترعاها وزارة الثقافة لعرض الأفلام في المحافظات والأقاليم المختلفة لتحقيق عوائد تساعد في دوران عجلة الإنتاج.
أحمد جمال
صحافي مصري