فيلم "تسليم أهالي" ينهي حداد الفنانة دنيا سمير غانم
دخول الفن بالوراثة لا يكفي للنجاح.. والموهبة وحدها تمكن من الاستمرار.
الجمعة 2022/08/19
موهبة تفرض نفسها
تكشف عودة الفنانة المصرية دنيا سمير غانم، بعد غيابها حزنا على وفاة والديها، إلى سالف نشاطها الفني بفيلم سينمائي، أن الفنان يمكنه الاستمرار بموهبته الفنية فقط، لكنها أمام تحد كبير لإثبات أن دخول الفن بالوراثة لا يكفي للنجاح وأن وجود والديها الفنانين كان داعما فقط وليس السبب الوحيد في نجاحها السريع في اكتساب حضور لافت بين نجوم السينما والدراما في مصر.
القاهرة - أنهى عرض فيلم “تسليم أهالي” الذي لعبت بطولته الفنانة المصرية دنيا سمير غانم فترة حداد فرضتها على نفسها منذ أكثر من عام بعد أن غيّب الموت والديها الفنان سمير غانم والفنانة دلال عبدالعزيز على التوالي، وأكد الفيلم الذي تم تجهيز غالبية مشاهده منذ فترة حالة قطيعة فرضتها دنيا على نفسها، وقد تكون الحفاوة التي استقبلت بها عقب العرض بداية زخم فني لها بعيدا عن والديها.
شاركت دلال عبدالعزيز في بطولة فيلم “تسليم أهالي” وظهر أيضا سمير غانم في مشهد واحد، حيث اعتادت دنيا في معظم الأعمال التي قدمتها في السينما والتلفزيون مشاركتهما أو أحدهما، ما يجعلها أمام اختبار صعب بعد غيابهما، خاصة أن هذه الأسرة الفنية هي التي فتحت لها الطريق للمضي في عالم التمثيل من أوسع أبوابه.
دنيا سمير غانم شكلت مع هشام ماجد "دويتو" فني منسجم من خلال خفة ظل كليهما وموهبتهما
تعد هذه إشكالية العديد من أبناء الفنانين في مصر حيث يدخلون عالم الغناء والموسيقى والتمثيل والفن عموما بما يشبه الوراثة، منهم من يتمكن من شق طريقه منفردا وبعضهم يتعثر، وتحدد الموهبة والجمال وخفة الظل المستوى الذي سيصل إليه الفنان أو الفنانة، فالمشاركة في بعض الأعمال شيء والاستمرارية شيء آخر.
لا تعد هذه إشكالية رئيسية تواجهها دنيا سمير غانم، حيث توقع الكثير من النقاد أن تتجاوز عقبة الغياب المفاجيء لوالديها، سمير ودلال، وعلى الرغم من الصدمة التي تعرضت لها، غير أن عرض فيلم “تسليم أهالي” وحصوله على درجة فنية جيدة في تقييمات بعض النقاد يشيران إلى أنها بدأت تستعد لاسترداد “لياقتها” الفنية، وهو ما عززه حضورها الأنيق لحفل افتتاح الفيلم مؤخرا.
مفارقات الموقف وما بعده
تدور قصة الفيلم الذي كتبه شريف نجيب وأخرجه خالد الحلفاوي، حول فتاة اسمها زاهية أبوالزواحف تبحث عن عمل وتريد الزواج من شاب مناسب بشكل كوميدي، وتقوم بدورها دنيا، وشاب يعمل طبيبا في مشفى اسمه خليل صدقي يريد الهجرة إلى كندا ويقوم بدوره هشام ماجد، يلتقيان عندما يريد والده الذي قام بدوره الفنان بيومي فؤاد الزواج من والدة زاهية (بثينة) وقامت بدورها الفنانة دلال عبدالعزيز.
دعك من مفارقات دراما الموقف في مثل هذه الحالات عندما يأتي الابن مع والده ليخطب له سيدة لديها فتاة جميلة، فهي قصة مكررة في الواقع والسينما، لكن ما تلاها هو جوهر الموضوع، إذ يكتشف خليل أن والده صدقي زعيم عصابة لتجارة المخدرات، وتكتشف زاهية أن والدتها بثينة شريكة في العصابة، وهنا يدور صراع طويل يمزج بين الدراما والكوميديا قوامه تغليب الضمير أم العاطفة الإنسانية.
من التناقضات التي حفل بها الفيلم استوحي العنوان “تسليم أهالي” الذي يحمل تورية، فيمكن فهمه أن الأسرة سلمت زاهية وخليل للعصابة المناوئة، أو العكس، حيث انتهى الفيلم بسقوط أفراد العصابة في يد الشرطة عن طريق زاهية وخليل، وربما يكون تمكن بثنية وصدقي من الهروب والتنكر في نهاية الفيلم هو إشارة تمهد للتفكير في جزء آخر لاحقا، فهذا النوع من النهايات المفتوحة يهدف لذلك غالبا.
الموهبة والأسرة الفنية
دنيا سمير غانم تستعيد "لياقتها" الفنية
أكدت دنيا سمير غانم أن موهبتها هي التي مكنتها من أن تتجه للفن، حيث ترقص وتغني وتمثل بسلاسة، وإذا كان من دور لوالديها فهو يتعلق بأنهما وفرا لها بيئة مناسبة لتنمية قدراتها وتطوير ملكاتها الفنية منذ الصغر أو مرحلة التكوين الأولى، وهو ما ظهر في فيلم “تسليم أهالي” لأن دنيا شكلت مع هشام ماجد “دويتو” فني منسجم من خلال خفة ظل كلاهما وموهبتهما المتدفقة.
حفلت مشاهد الأكشن والمطاردات التي حواها الفيلم بما يتناسب مع طبيعة عمل العصابات الكثير من المبالغات التي تحولت إلى ما يشبه الفانتازيا في المواقف التي ظهرت فيها الراحلة دلال عبدالعزيز وكأنها قاهرة لكل من يقف في طريقها، وهي تحمل السلاح وتجيد ألعاب الكونغ فو، في مرحلة عمرية متقدمة نسبيا، وبادلها بيومي فؤاد الفانتازيا بما هو أكثر منها، وبدا رشيقا في بعض المشاهد الصعبة.
اعتمدت هذه اللقطات على قدرة المخرج خالد الحلفاوي الذي نجح في توظيف كل ممثل وممثلة في الدور الذي يليق به، ما ساعده في الحصول على مشاهد رائقة فنيا، وجاءت الاستعانة بالفنان محمد ممدوح في دور “الخسيس” أو دكتور وفاء كدلالة على حسن توظيفه له، لأنه أجاد تمثيل دور زعيم العصابة المتخفي في رداء دكتور.
جاءت بعض المشاهد التي ظهرت فيها دنيا سمير غانم متباينة من حيث التكوين الجسماني، ما يمكن اسناده إلى الوقت المستغرق في التصوير، فهناك لقطات جرى تصويرها قبل وفاة سمير ودلال وأخرى بعد ذلك، وهي ملاحظة شكلية لا تقلل من قيمة الفيلم، لكنها تعكس مشكلة تواجهها الأعمال التي يستغرق إعدادها وقتا طويلا.
لا أحد ينكر أن دنيا استفادت من وجود سمير ودلال معها في هذا العمل، على الأقل من الناحية النفسية، وهي أزمة تحتاج الفنانة المصرية الشابة تجاوزها سريعا، لأن الحضور الطاغي لوالديها بعث دوما على الارتياح لكل فنان وليس فقد دنيا وشقيقتها إيمي التي لم تشارك في أي عمل حتى الآن منذ غياب والديها.
أصبحت دنيا وشقيقتها إيمي المتزوجة من الفنان حسن الرداد تمثلان ثيمة سحرية منفصلة أو متصلة، حيث ظهرتا معا في مسلسل “نيللي وشريهان” وكان عملا ناجحا لهما، كما ظهرتا كلا على حدة في أعمال متنوعة، والقاسم المشترك في غالبية الأعمال الفنية أو كلمة السر هي سمير غانم ودلال عبدالعزيز.
الاختبار المقبل
دنيا استفادت من وجود سمير ودلال معها في هذا العمل، وهي أزمة تحتاج الفنانة المصرية الشابة تجاوزها سريعا
يقول البعض من النقاد إن المرحلة التالية تمثل اختبارا حقيقيا لموهبة دنيا وإيمي، والتي لا يشك فيها أحد، فالأزمة التي دخلت فيها كلتيهما بعيدة عن الموهبة والقدرات والإمكانيات الفنية العالية، فهي أزمة نفسية، أو معاناة من الاغتراب، وتحتاجان إلى الخروج منها في أقرب وقت قبل أن تستحكم حلقاتها.
أدت دنيا سمير غانم العديد من الأدوار في السينما والتلفزيون ودشنت كفنانة شاملة وممثلة بارعة، قد لا يكون “تسليم أهالي” أفضلها، فأعمالها التي تعاونت فيها مع الفنان أحمد حلمي حققت نجاحا كبيرا، وكان دورها في فيلم “إكس لارج” بارعا في تقمصها شخصية مركبة باتقان، كما أن مشاركتها في “لف ودوران” مع أحمد حلمي أيضا عززت الثقة فيها كنجمة شباك.
وكان مسلسل “الكبير أوي” مع أحمد مكي إضافة نوعية في مسيرتها الفنية في الأجزاء التي شاركت فيها بدور هدية زوجة الكبير التي اختفت في الجزء السادس وتم عرضه في موسم رمضان المنصرم واعتذرت عن المشاركة بسبب حالة حزن عاشتها بعد رحيل والديها، وحلت مكانها رحمة أحمد في درور مربوحة زوجة الكبير الجديدة.
تخللت هذه الأعمال مسلسلات “في اللالا لاند” و”بدل الحدوتة تلاتة” فضلا عن “نيللي وشريهان” وكلها من الأعمال الناجحة التي أسهمت في ترسيخ مكانة دنيا سمير غانم بما لا يجعل غياب والديها قليل التأثير الفني مستقبلا، وإذا تخطت الكبوة النفسية التي عاشتها يمكن أن تسترد عافيتها قريبا.