كاملة أبوذكري اهتمام رسمي يعيد الأمل إلى القوة الناعمة المصرية
القوة الناعمة لعبت دورا مهما في توسيع نفوذ مصر الثقافي وأدت إلى جذب الكثير من الشعوب العربية إلى فنها.
الخميس 2022/08/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مخرجة موهوبة لها بصمة خاصة في كل عمل أخرجته وأشرفت على صناعته
القاهرة - تهبّ على مصر الآن حالة من النشاط المفاجئ للاهتمام بقواها الفنية الناعمة التي لعبت دورا مهما في توسيع نفوذها الثقافي في دول كثيرة، وأدت إلى جذب الكثير من الشعوب العربية إلى فنها، وعندما تراجعت وظهرت قوى منافسة وتغيرت الخارطة الثقافية في المنطقة العربية خسرت القاهرة جزءا معتبرا من رصيدها المعنوي الذي راكمته على مدار عقود وضمن لها تفوقا نادرا.
بدأ النشاط يظهر في احتفاء بالمواهب في مجالات متعددة، في مقدمتها الفن وروافده على مستوى الطرب والموسيقى والتمثيل والتأليف والإخراج، وجرى تدشين مسابقات لاختيار الأنبه والأكثر موهبة، بما يوحي أن الدولة المصرية تستعد لانطلاقة جديدة لاسترداد عافيتها الفنية التي تعطلت السنوات الماضية لأسباب مختلفة.
عندما سمعت المخرجة المصرية كاملة أبوذكري خبر تكريمها قبل أيام في مهرجان القاهرة السينمائي ومنحها جائزة الفنانة الراحلة فاتن حمامة للتميز والذي سوف يلتئم في نوفمبر المقبل، كان أول رد فعل لها أن هذا القرار “أخرجها من حالة إحباط أصابتها في الآونة الأخيرة، وأعاد إليها الأمل في الفن مرة أخرى".
يختصر تعليق أبوذكري السريع حول تكريمها الكثير من المسافات الثقافية التي تباعدت بين جهات رسمية في مصر ونخب شعرت بخيبة الأمل بسبب تراجع الاهتمام بها، وعدم وضع ما تقوم به الشريحة المخلصة في مقدمة الأدوار التي يمكن أن توظفها الدولة في زيادة رقعة التأثير الفني في العالم العربي كما كان من قبل، والذي اصطحب معه تأثيرا نوعيا للثقافة المصرية.
بصمات مميزة
أعمالها في مجالي السينما والدراما تقف شاهدة على موهبتها، حيث خرقت الصمت المضروب على بعض القضايا المسكوت عنها
أينما كان المصري يذهب متجولاً في أي بلد عربي كان يجد تجاوبا مع أفلام ومسلسلات لفنانين مثل عادل إمام وعمر الشريف وفاتن حمامة وشادية، ومطربين من طراز عبدالحليم وأم كلثوم، ومخرجين مثل يوسف شاهين وعاطف الطيب ويسري نصرالله، حتى جاءت كاملة أبوذكري لتواصل المسيرة على الدرب نفسه.
علّق الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي على قرار التكريم قائلا إن "أبوذكري مخرجة موهوبة لها بصمة مميزة في كل عمل أخرجته وأشرفت على صناعته، لذا وجب تكريمها من قِبل مهرجان يُقدّر الفن ويدعم منتجيه، ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله".
وأكد المخرج أمير رمسيس مدير المهرجان أن هذه الدورة سوف تشهد احتفاء بأهم الأعمال السينمائية لكاملة، وأنه يتم حاليا العمل على تحضيرات خاصة بالتكريم، ومن المقرر الكشف عنها في الأسابيع القليلة المقبلة.
سيرتها تقدم دروسا في فنون الحفاظ على المهارات وعدم التنازل مهما بلغت المغريات أو الرضوخ للابتزاز
يتجاوز تكريم أبوذكري البعد الخاص إلى العام، فهي واحدة من الشخصيات التي تركت بصماتها الفنية في الآونة الأخيرة، ومن المخرجات اللاتي كرّسن جل حياتهن لقضايا المرأة وتعرجاتها الاجتماعية.
وتقف أعمالها في مجالي السينما والدراما شاهدة على موهبتها، حيث خرقت الصمت المضروب على بعض القضايا المسكوت عنها وقدمت مجموعة من الأفلام والمسلسلات التي تشهد على أنها مهمومة بمشكلات المرأة وتبحث عن توصيل صوتها إلى من يهمهم الأمر، خاصة أنها تمعن في التركيز على التفاصيل الدقيقة التي تؤكد حيوتها الفنية وعافيتها الثقافية.
أطلق عليها البعض من النقاد بعد إصرارها في العزف على ثيمة المرأة لقب “فيمينست” الإخراج في مصر، وهي صفة تحمل إشارة على أنها مبدعة تؤمن بالمساواة في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال، حيث طبقت رؤيتها للمرأة في غالبية أعمالها، وأسهمت في حجز مكان لها في الصفوف الأولى للمخرجين بمصر.
عكست أفلام “يوم للستات” و”عن العشق والهوى” و”واحد صفر”، ومسلسلات “سجن النساء” و”ذات” و”واحة الغروب” وبـ”100 وش” و”بطلوع الروح”، جوانب صلبة ومتباينة في شخصية أبوذكري قوامها الرئيسي أن انشغالها بالمرأة نابع من تكوين فكري راكمته منذ الصغر، ويعتمد على توسيع هامش الحرية أمام المرأة للتعبير عن نفسها بلا قيود، كل ذلك ينحدر من تربيتها الثقافية وتنشئتها الاجتماعية المتزنة.
تربت المخرجة المصرية في بيت سكنته الصحافة وشجونها فترة طويلة وما حملته من مروحة ثقافية واسعة وإيمان عميق بالحريات العامة، فوالدها الكاتب الكبير الراحل وجيه أبوذكري أحد العلامات المهمة في تاريخ الصحافة المصرية، والذي ترك بصمته على أسرته قبل أن يتركها على من أحبّوه من القراء وانجذبوا إلى كتاباته العميقة.
كونت أبوذكري ما يشبه المثلث مع الفنانة نيللي كريم والمؤلفة والسيناريست مريم ناعوم، ونجحن في تقديم سلسلة من الأعمال الفنية الجيدة، إلى الدرجة التي شاع فيها أن الكيمياء بين أضلاع هذا المثلث سهّلت عملية التفاهم بينهن، وأتاحت لكل منهن الفرصة التي تبحث عنها في لحظة معينة.
لم ينفصل الثلاثي فنيا، لكن من الطبيعي أن تبحث كل واحدة عن مجال للتعاون مع آخرين لتخطي مسألة العمل في إطار قد يبدو مكررا أمام الجمهور، وقدمن أعمالا منفصلة أكدت أن الإبداع لا ينحصر في مسألة الكيمياء الشخصية، لأن له مقومات وقواعد وأسسا تنطلق من حسابات فنية دقيقة قبل أيّ تقارب وجداني مشترك.
الفنان العضوي
المثلث الذهبي الذي كوّنته أبوذكري مع نيللي كريم والمؤلفة مريم ناعوم نجح في تقديم أعمال عديدة متميزة
تشير حالة أبوذكري بشكل عام إلى نموذج جيد للمثقف أو الفنان العضوي الذي يشتبك مع المجتمع ويقترب من قضاياه ولا يقف متفرجا عليها أو لا يعنيه مصير الناس الغلابة، فالتلاحم الذي طبقته المخرجة المصرية مع المرأة وظهر في الكثير من أعمالها جعلها من العلامات المضيئة في كتيبة القوة الناعمة المصرية، والتي يجب رعايتها قبل أن يتمكن الإحباط منها ويمنعها من مواصلة العمل فتخسر الدولة شخصية يمكن استثمارها إذا دبت الحياة في أيّ مشروع حقيقي لاسترداد دور مصر الثقافي.
◙ الدولة المصرية تستعد لانطلاقة جديدة لاسترداد عافيتها الفنية التي تعطلت السنوات الماضية لأسباب مختلفة، ما من شأنه أن يرجع لمصر دورها البارز في الساحة العربية
تنتمي أبوذكري إلى جيل الوسط، فهي من مواليد عام 1974، ودرست في معهد السينما بالقاهرة، وتكوينها الفني حافل بالمحطات التي تدعم براعتها في الإخراج الذي تتعامل معه على أنه جزء من كلّ ويجب أن تكون على اطلاع على تفاصيله، فقبل أن تنخرط في أيّ عمل فني تقرأ عنه بما يكفي لتتمكن من تكوين صورة كاملة عنه.
منحها هذا التمكن ثقة عالية في النفس وجرأة في الحق ومقدرة على التمييز بين الجيد والسيء، والإيجابي والسلبي، ما ساعدها على تقديم أعمال ذات مستوى فني عال، فالمجاملات تكاد مختفية في قاموسها، وعندما وجدت أنها غير قادرة على تقديم أعمال ترضي طموحها فكرت في الانزواء والحصول على استراحة محارب.
قبل أن تنال منها الاستراحة وتطول أو تتحول إلى وسيلة للتنصل من واقع أصبح مزعجا لها وأمثالها من الحريصين على المزيد من التجويد جاءتها جائزة فاتن حمامة للتميز، وكأنها رسالة من السماء لتواصل إبداعها ولا ترضخ للاختفاء وتبدو كمن يهرب إلى الخلف اعتراضا على حالة فنية يراها غير مناسبة له والانخراط فيها مكلف نفسيا.
سواء كانت الجائزة تقف خلفها جملة من الأهداف التي تتعلق بإحياء القوة الناعمة المصرية أو هي إشارة لحضها على استئناف النشاط الفني والعودة بمشروع درامي جديد في رمضان المقبل مع الفنانة منى زكي، ففي الحالتين تحمل دليلا على أن كاملة أبوذكري لن تنسحب أو تستسلم لما تسرّب إليها من يأس مؤخرا.
الاسم والمعنى
وصف أبوذكري لتكريمها بأنه أخرجها من حالة الإحباط يختصر الكثير من المسافات التي تباعدت بين الدولة والنخب
يمثل ابتعادها عن المجال الذي أحبّته وبرعت فيه وقدمت من خلاله عددا من أجمل الأعمال الفنية خسارة فادحة لمصر التي أصبحت أجهزتها الرسمية حريصة على استدعاء القوة الناعمة وتجهيزها تمهيدا لانطلاقة ثقافية جديدة، وربما لم تتبلور بعد ملامحها النهائية، لكن العمل عليها يجري حاليا على إعادة الفرز، ما يعني أن عودة أبوذكري إلى دائرة الضوء عبر جائزة يقدمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي رسالة لمن يشبهونها وكل من تسرب إليهم إحساس باللاجدوى، وأن الفترة المقبلة قد تحمل مفاجآت سارة، وسوف تكسب القيمة معركة الوعي والتنوير في مواجهة من حاولوا التسطيح والتقليل من قوة مصر الناعمة عن قصد أو جهل.
يعدّ التكريم الفني لها والاحتفاء بها في مهرجان القاهرة دفعة لجيل يخلص في عمله ويؤمن برسالته يكاد يختفي، فهي امتداد لجيل الكبار في الفن وتتلمذت على أيدي عدد من الرموز، ولم تبرح ما تعلمته من ضرورة ترسيخ منظومة القيم الثقافية ولم تتقن مغادرة ملعب وجدت نفسها فيه تجيد مهارة معينة، وابتعدت عن شغل نفسها بمال أو تعمد الاقتراب من ذوي السلطة والنفوذ، فهي كاملة اسما ومعنى ومضمونا.
تقدم سيرتها دروسا في فنون الحفاظ على المهارات وعدم التنازل مهما بلغت المغريات أو الرضوخ لابتزاز من هنا أو هناك، وتمثل تجربتها الفنية الناصعة هاديا لكل من يريد مواصلة الطريق بلا ابتذال، لأن الانزلاق في طريق الغواية الفنية الخاطئة أول محطة للهبوط، ومهما كانت الحوافز مرتفعة والضريبة ليست باهظة فمجرد القبول يخصم من رصيد صاحبه، بصرف النظر عمّا يقدمه من تنوع في مجال إبداعه الفني.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
القوة الناعمة لعبت دورا مهما في توسيع نفوذ مصر الثقافي وأدت إلى جذب الكثير من الشعوب العربية إلى فنها.
الخميس 2022/08/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مخرجة موهوبة لها بصمة خاصة في كل عمل أخرجته وأشرفت على صناعته
القاهرة - تهبّ على مصر الآن حالة من النشاط المفاجئ للاهتمام بقواها الفنية الناعمة التي لعبت دورا مهما في توسيع نفوذها الثقافي في دول كثيرة، وأدت إلى جذب الكثير من الشعوب العربية إلى فنها، وعندما تراجعت وظهرت قوى منافسة وتغيرت الخارطة الثقافية في المنطقة العربية خسرت القاهرة جزءا معتبرا من رصيدها المعنوي الذي راكمته على مدار عقود وضمن لها تفوقا نادرا.
بدأ النشاط يظهر في احتفاء بالمواهب في مجالات متعددة، في مقدمتها الفن وروافده على مستوى الطرب والموسيقى والتمثيل والتأليف والإخراج، وجرى تدشين مسابقات لاختيار الأنبه والأكثر موهبة، بما يوحي أن الدولة المصرية تستعد لانطلاقة جديدة لاسترداد عافيتها الفنية التي تعطلت السنوات الماضية لأسباب مختلفة.
عندما سمعت المخرجة المصرية كاملة أبوذكري خبر تكريمها قبل أيام في مهرجان القاهرة السينمائي ومنحها جائزة الفنانة الراحلة فاتن حمامة للتميز والذي سوف يلتئم في نوفمبر المقبل، كان أول رد فعل لها أن هذا القرار “أخرجها من حالة إحباط أصابتها في الآونة الأخيرة، وأعاد إليها الأمل في الفن مرة أخرى".
يختصر تعليق أبوذكري السريع حول تكريمها الكثير من المسافات الثقافية التي تباعدت بين جهات رسمية في مصر ونخب شعرت بخيبة الأمل بسبب تراجع الاهتمام بها، وعدم وضع ما تقوم به الشريحة المخلصة في مقدمة الأدوار التي يمكن أن توظفها الدولة في زيادة رقعة التأثير الفني في العالم العربي كما كان من قبل، والذي اصطحب معه تأثيرا نوعيا للثقافة المصرية.
بصمات مميزة
أعمالها في مجالي السينما والدراما تقف شاهدة على موهبتها، حيث خرقت الصمت المضروب على بعض القضايا المسكوت عنها
أينما كان المصري يذهب متجولاً في أي بلد عربي كان يجد تجاوبا مع أفلام ومسلسلات لفنانين مثل عادل إمام وعمر الشريف وفاتن حمامة وشادية، ومطربين من طراز عبدالحليم وأم كلثوم، ومخرجين مثل يوسف شاهين وعاطف الطيب ويسري نصرالله، حتى جاءت كاملة أبوذكري لتواصل المسيرة على الدرب نفسه.
علّق الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي على قرار التكريم قائلا إن "أبوذكري مخرجة موهوبة لها بصمة مميزة في كل عمل أخرجته وأشرفت على صناعته، لذا وجب تكريمها من قِبل مهرجان يُقدّر الفن ويدعم منتجيه، ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله".
وأكد المخرج أمير رمسيس مدير المهرجان أن هذه الدورة سوف تشهد احتفاء بأهم الأعمال السينمائية لكاملة، وأنه يتم حاليا العمل على تحضيرات خاصة بالتكريم، ومن المقرر الكشف عنها في الأسابيع القليلة المقبلة.
سيرتها تقدم دروسا في فنون الحفاظ على المهارات وعدم التنازل مهما بلغت المغريات أو الرضوخ للابتزاز
يتجاوز تكريم أبوذكري البعد الخاص إلى العام، فهي واحدة من الشخصيات التي تركت بصماتها الفنية في الآونة الأخيرة، ومن المخرجات اللاتي كرّسن جل حياتهن لقضايا المرأة وتعرجاتها الاجتماعية.
وتقف أعمالها في مجالي السينما والدراما شاهدة على موهبتها، حيث خرقت الصمت المضروب على بعض القضايا المسكوت عنها وقدمت مجموعة من الأفلام والمسلسلات التي تشهد على أنها مهمومة بمشكلات المرأة وتبحث عن توصيل صوتها إلى من يهمهم الأمر، خاصة أنها تمعن في التركيز على التفاصيل الدقيقة التي تؤكد حيوتها الفنية وعافيتها الثقافية.
أطلق عليها البعض من النقاد بعد إصرارها في العزف على ثيمة المرأة لقب “فيمينست” الإخراج في مصر، وهي صفة تحمل إشارة على أنها مبدعة تؤمن بالمساواة في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال، حيث طبقت رؤيتها للمرأة في غالبية أعمالها، وأسهمت في حجز مكان لها في الصفوف الأولى للمخرجين بمصر.
عكست أفلام “يوم للستات” و”عن العشق والهوى” و”واحد صفر”، ومسلسلات “سجن النساء” و”ذات” و”واحة الغروب” وبـ”100 وش” و”بطلوع الروح”، جوانب صلبة ومتباينة في شخصية أبوذكري قوامها الرئيسي أن انشغالها بالمرأة نابع من تكوين فكري راكمته منذ الصغر، ويعتمد على توسيع هامش الحرية أمام المرأة للتعبير عن نفسها بلا قيود، كل ذلك ينحدر من تربيتها الثقافية وتنشئتها الاجتماعية المتزنة.
تربت المخرجة المصرية في بيت سكنته الصحافة وشجونها فترة طويلة وما حملته من مروحة ثقافية واسعة وإيمان عميق بالحريات العامة، فوالدها الكاتب الكبير الراحل وجيه أبوذكري أحد العلامات المهمة في تاريخ الصحافة المصرية، والذي ترك بصمته على أسرته قبل أن يتركها على من أحبّوه من القراء وانجذبوا إلى كتاباته العميقة.
كونت أبوذكري ما يشبه المثلث مع الفنانة نيللي كريم والمؤلفة والسيناريست مريم ناعوم، ونجحن في تقديم سلسلة من الأعمال الفنية الجيدة، إلى الدرجة التي شاع فيها أن الكيمياء بين أضلاع هذا المثلث سهّلت عملية التفاهم بينهن، وأتاحت لكل منهن الفرصة التي تبحث عنها في لحظة معينة.
لم ينفصل الثلاثي فنيا، لكن من الطبيعي أن تبحث كل واحدة عن مجال للتعاون مع آخرين لتخطي مسألة العمل في إطار قد يبدو مكررا أمام الجمهور، وقدمن أعمالا منفصلة أكدت أن الإبداع لا ينحصر في مسألة الكيمياء الشخصية، لأن له مقومات وقواعد وأسسا تنطلق من حسابات فنية دقيقة قبل أيّ تقارب وجداني مشترك.
الفنان العضوي
المثلث الذهبي الذي كوّنته أبوذكري مع نيللي كريم والمؤلفة مريم ناعوم نجح في تقديم أعمال عديدة متميزة
تشير حالة أبوذكري بشكل عام إلى نموذج جيد للمثقف أو الفنان العضوي الذي يشتبك مع المجتمع ويقترب من قضاياه ولا يقف متفرجا عليها أو لا يعنيه مصير الناس الغلابة، فالتلاحم الذي طبقته المخرجة المصرية مع المرأة وظهر في الكثير من أعمالها جعلها من العلامات المضيئة في كتيبة القوة الناعمة المصرية، والتي يجب رعايتها قبل أن يتمكن الإحباط منها ويمنعها من مواصلة العمل فتخسر الدولة شخصية يمكن استثمارها إذا دبت الحياة في أيّ مشروع حقيقي لاسترداد دور مصر الثقافي.
◙ الدولة المصرية تستعد لانطلاقة جديدة لاسترداد عافيتها الفنية التي تعطلت السنوات الماضية لأسباب مختلفة، ما من شأنه أن يرجع لمصر دورها البارز في الساحة العربية
تنتمي أبوذكري إلى جيل الوسط، فهي من مواليد عام 1974، ودرست في معهد السينما بالقاهرة، وتكوينها الفني حافل بالمحطات التي تدعم براعتها في الإخراج الذي تتعامل معه على أنه جزء من كلّ ويجب أن تكون على اطلاع على تفاصيله، فقبل أن تنخرط في أيّ عمل فني تقرأ عنه بما يكفي لتتمكن من تكوين صورة كاملة عنه.
منحها هذا التمكن ثقة عالية في النفس وجرأة في الحق ومقدرة على التمييز بين الجيد والسيء، والإيجابي والسلبي، ما ساعدها على تقديم أعمال ذات مستوى فني عال، فالمجاملات تكاد مختفية في قاموسها، وعندما وجدت أنها غير قادرة على تقديم أعمال ترضي طموحها فكرت في الانزواء والحصول على استراحة محارب.
قبل أن تنال منها الاستراحة وتطول أو تتحول إلى وسيلة للتنصل من واقع أصبح مزعجا لها وأمثالها من الحريصين على المزيد من التجويد جاءتها جائزة فاتن حمامة للتميز، وكأنها رسالة من السماء لتواصل إبداعها ولا ترضخ للاختفاء وتبدو كمن يهرب إلى الخلف اعتراضا على حالة فنية يراها غير مناسبة له والانخراط فيها مكلف نفسيا.
سواء كانت الجائزة تقف خلفها جملة من الأهداف التي تتعلق بإحياء القوة الناعمة المصرية أو هي إشارة لحضها على استئناف النشاط الفني والعودة بمشروع درامي جديد في رمضان المقبل مع الفنانة منى زكي، ففي الحالتين تحمل دليلا على أن كاملة أبوذكري لن تنسحب أو تستسلم لما تسرّب إليها من يأس مؤخرا.
الاسم والمعنى
وصف أبوذكري لتكريمها بأنه أخرجها من حالة الإحباط يختصر الكثير من المسافات التي تباعدت بين الدولة والنخب
يمثل ابتعادها عن المجال الذي أحبّته وبرعت فيه وقدمت من خلاله عددا من أجمل الأعمال الفنية خسارة فادحة لمصر التي أصبحت أجهزتها الرسمية حريصة على استدعاء القوة الناعمة وتجهيزها تمهيدا لانطلاقة ثقافية جديدة، وربما لم تتبلور بعد ملامحها النهائية، لكن العمل عليها يجري حاليا على إعادة الفرز، ما يعني أن عودة أبوذكري إلى دائرة الضوء عبر جائزة يقدمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي رسالة لمن يشبهونها وكل من تسرب إليهم إحساس باللاجدوى، وأن الفترة المقبلة قد تحمل مفاجآت سارة، وسوف تكسب القيمة معركة الوعي والتنوير في مواجهة من حاولوا التسطيح والتقليل من قوة مصر الناعمة عن قصد أو جهل.
يعدّ التكريم الفني لها والاحتفاء بها في مهرجان القاهرة دفعة لجيل يخلص في عمله ويؤمن برسالته يكاد يختفي، فهي امتداد لجيل الكبار في الفن وتتلمذت على أيدي عدد من الرموز، ولم تبرح ما تعلمته من ضرورة ترسيخ منظومة القيم الثقافية ولم تتقن مغادرة ملعب وجدت نفسها فيه تجيد مهارة معينة، وابتعدت عن شغل نفسها بمال أو تعمد الاقتراب من ذوي السلطة والنفوذ، فهي كاملة اسما ومعنى ومضمونا.
تقدم سيرتها دروسا في فنون الحفاظ على المهارات وعدم التنازل مهما بلغت المغريات أو الرضوخ لابتزاز من هنا أو هناك، وتمثل تجربتها الفنية الناصعة هاديا لكل من يريد مواصلة الطريق بلا ابتذال، لأن الانزلاق في طريق الغواية الفنية الخاطئة أول محطة للهبوط، ومهما كانت الحوافز مرتفعة والضريبة ليست باهظة فمجرد القبول يخصم من رصيد صاحبه، بصرف النظر عمّا يقدمه من تنوع في مجال إبداعه الفني.
انشرWhatsAppTwitterFacebook