بعد ما يقارب الشهر من حادثة إطلاق النار في مدرسة في باركلاند، التابعة لولاية فلوريدا، في شباط/فبراير 2018، اختلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذريعة الحزب الجمهوري المثلى للعنف المسلح الأمريكي الذي لا نظير له.
فبدلًا من تحسين قوانين ضبط الأسلحة أو إلغاء تعديل ديكي [1]، عقد البيت الأبيض في الثامن من آذار/مارس من العام ذاته اجتماعًا حول التأثيرات المؤذية لألعاب الفيديو العنيفة، فسأل ترامب الحاضرين بعد عرض مقطع ممنتج عن هذا السياق: «هذا عنيف، أليس كذلك؟»
وأضاف لاحقًا: «إني أسمع قول المزيد من الأشخاص أن مستوى العنف في ألعاب الفيديو يؤثر بحق على تفكير الأفراد»، ولكن القيل والقال يختلف كثيرًا عن البيانات الحقيقية المتينة، ووضوحًا، افتقرت مداخلة ترامب بألعاب الفيديو للبحث العلمي المستقل.
فأشار د. باتريك ماركي (Patrick Markey) – أستاذ في علم النفس في جامعة فيلانوفا – إلى تفاجئه بعدم دعوة أية باحثين للاجتماع المعقود، سواءً أخصائيي علم النفس أو علم الإجرام أو أي مختص بهذا السياق.
كما عبرت د. ويتني ديكامب (Whitney DeCamp) – والتي تدرس عنف اليافعين في المدارس العامة – عن استيائها حول الموضوع ذاته، إذ أظهرت نتائج دراساتها أنه بإمكان توقع السلوك العنيف بشكل أفضل بوساطة عوامل تخص حياة الأفراد المنزلية.
إذ قد يتعلق السلوك العنيف للأفراد بمؤشرات كمدى قوة علاقتهم بوالديهم، أو ما إن كانوا يشهدون أو يسمعون سلوكيات عنيفة في منازلهم أو أحيائهم، أو إذا وقعوا بأنفسهم كضحايا للعنف.
ولعدة سنوات، اتفق معظم المختصين على عدم وجود ارتباط واضح بين ألعاب الفيديو والعنف الواقعي، كما قد اقترحت بعض الأبحاث العلمية أن بإمكان ألعاب الفيديو حتى إنقاص معدلات الجرائم العنيفة.
ورغم نقص البيانات الحاسمة، تشبث ترامب وأعضاء آخرون في الحزب الجمهوري باعتقادهم غير المثبت بالأدلة بشرور عنف ألعاب الفيديو، ومن المرجح أنهم توصلوا إليه من دراسات وجدت ارتفاعًا مؤقتًا في مستويات العدوانية مباشرة بعد لعب ألعاب فيديو عنيفة.
فعلى سبيل المثال، أكدت الجمعية السيكولوجية الأمريكية (APA) في عام 2015 على وجود رابط بين ألعاب الفيديو العنيفة وتزايد العدوانية لدى
اللاعبين، لكن الجمعية أشارت بوضوح تام إلى عدم وجود أدلة كافية على امتداد ذلك الرابط ليشمل الجنوح أو العنف الإجرامي.
فأشار مارك أبيلبوم (Mark Appelbaum) – مدير فريق عمل الجمعية السيكولوجية الأمريكية – إلى أن العلماء قد تحروا عن ممارسة ألعاب الفيديو
العنيفة لأكثر من عقدين، ولكن حتى اليوم، يوجد عدد محدود فقط من الدراسات العلمية التي تستهدف البحث عن ارتباط هذه الألعاب بارتكاب اللاعبين لأفعال إجرامية عنيفة
وبعد ثلاث سنوات من ذلك، نشر معهد ماكس بلانك مع مركز هامبورغ-إبيبندروف الطبي الجامعي في ألمانيا الدراسة طويلة الأمد الأولى من نوعها لتظهر عكس ما توصلت له (APA) تمامًا، فلم تجد أي رابط بين ألعاب الفيديو العنيفة وارتفاع مستويات العدوانية عند البالغين.
فقام فريق الباحثين الذي قاده سيمون كوون (Simone Kühn) بتقسيم 77 مشاركًا لثلاث مجموعات، إحداها لعبت لعبة الفيديو العنيفة (Grand Theft Auto V) كل يوم لمدة شهرين، بينما لعبت مجموعة أخرى لعبة (The Sims 3) المحاكية للواقع لنفس المدة الزمنية، ولم تلعب المجموعة الأخيرة أية لعبة فيديو طيلة هذين الشهرين.
قارن الفريق بعد ذلك جميع المشتركين من حيث مستويات العدوانية، وسلوكهم بين الأشخاص، والاندفاعية، والقلق، والمزاج، ومستويات التحكم التنفيذي قبل فترة التجربة وبعدها، فتبين في الحقيقة أن ثلاثة اختبارات إحصائية فقط من أصل 208 قد أظهرت أي مؤشر لتزايد السلوك العدواني، وقد رجح الفريق كون تلك الاختبارات الثلاثة محض حصيلة ثانوية للمصادفة.
وفي الإجابة عن التساؤل حول التأثيرات الباقية لألعاب الفيديو العنيفة، لم يجد الفريق أي فرق قابل للقياس في مستويات عدوانية المشاركين بعد شهرين من انتهاء التجربة، أو في أي من المتغيرات الأخرى المقاسة في هذا السياق.
وبالمحصلة أشار كوون إلى أنهم لم يجدوا أية تأثيرات سلبية تتعلق بالاستجابة للعب بألعاب الفيديو العنيفة، وأن مقايستهم لمجالات عدة دون العثور على أثر في أي منها، تجعل هذه الدراسة الحالية الأكثر شمولًا في هذا المجال.
فتقدم هذه الدراسة دليلًا قويًا على أن تأثير ألعاب الفيديو العنيفة الذي تتكرر مناقشته، ليس بالرسوخ الذي يود أي من ترامب أو الجمعية السيكولوجية الأمريكية أن يصدقه عامة الشعب.
ويأمل كوون أن تؤمّن هذه الدراسة منظورًا علميًا أكثر واقعية حول تأثير ألعاب الفيديو العنيفة على الحياة الواقعية، ويود إجراء دراسات مماثلة في المستقبل على مشاركين أطفال.
ففي المرة القادمة التي يعتزم فيها ترامب عقد اجتماع حول عنف ألعاب الفيديو، لعله من الصواب أن يدعو كوون إليه أيضًا.
تم نشر البحث السابق في دورية (Molecular Psychiatry)، ونُشر المقال الأصلي من قبل (Science As Fact).
[1] تعديل ديكي: تعديل على وثيقة الإنفاق الحكومية الأمريكية تم تحريره عام 1996، وهو يفيد بمنع مراكز مراقبة الأمراض (CDC) من إجراء أبحاث تؤيد ضبط الأسلحة أو تشجع عليه، وبالتالي تمنع هذه المراكز من دراسة أسباب العنف المسلح وتأثيراته.
المصدر:ibelieveinsci