ههنا سؤالٌ طرقَه الكثيرُ مِن الفلاسفة والكتّاب: كيف يغدو أحدُنا حكيمًا؟ والآن، ثمة دراسة تطرّقت للموضوع، ووجدتْ بأنّ الطريقَ لن يكون سهلًا. كأفرادٍ ليس بمستطاعنا أنْ نتجنّب نوائب الحياة، ولكن الفكرة الرئيسية هي كيف نستغلّ هذه الخبرات العصيبةِ لتساعِدنا على صقل شخصيّاتِنا.
يقول المثل الياباني: «لا ضيرَ أنْ تكبوَ سبعَ مراتٍ ما دُمتَ ستهُبّ شامخًا بعدها».
وأخذ فريقٌ بحثيّ بقيادةِ “كارولين أولدوين-Carolyn Aldwin” مديرةُ مركز أبحاث الشيخوخة في جامعة أوريجون الأمريكية على عاتِقه البحثَ فيما إذا كانتِ التجاربُ الحياتيةُ الصعبةُ تُثرينا بالحِكمة.
وخلُصَ البحثُ إلى أنّ هناك أثرًا إيجابيًا في مصاعبِ الحياةِ بشرطِ أنْ نتعلّم مِنها خبراتٍ مفيدة.
ونشرتْ “أولدوين” وفريقُ بحثِها نتائجَ دراستِهم في دوريّة علم الشيخوخة، وذكرت: «الأمر الذي كنّا بصددِ البحثِ فيه هو عندما تُصيبُ أحدَنا نوائبُ الزمان، فما الذي يحدثُ فعلًا؟ وأهمية أن ينقلبَ الحدَثُ إلى عنصرِ تغييرٍ إيجابيّ في حياةِ الفردِ بعد ذلك».
أحيانًا تكون الحكمةُ ثمرةَ اضطرابٍ داخليّ
أجرى الباحثون مقابلاتٍ مع 50 شخصًا (14 رجلًا و36 امرأةً) تراوحت أعمارُهُم بين الـ56 والـ91. وطلبوا مِنهم وصفَ أصعب لحظةٍ مرّوا بها في حياتِهم، وكيف تجاوزوها، وفيما إذا كانت تلك اللحظةُ نقطة تحوُّلٍ أثّرت في نظرتِهم للحياة وأفعالِهم بعد ذلك.
تقول “أولدوين”: «إحدى الصعوبات التي واجهتنا في البحث كان عند طلِبِنا مِن المشتركين تذكُّر وقتٍ عصيبٍ مرّوا به أو تحدٍّ واجهوه، فيجيبون بسرعة. في نظرنا، يختلف تقديرُ الأوقاتِ العصيبة مِن شخصٍ لآخر».
من أصل 50 مشتركًا في الدراسة، ذكر 13 مشتركًا بأنّ التجربةَ العصيبةَ التي مرّوا بها لمْ تدفعهم للتساؤل عن معنى حياتِهم، ولم تؤثّر في نظرتِهم للعالم. وأضاف بعضُهم بأنّهم تقبّلوا الحدَث المُصيبة على ما هو عليه، عالِمين بأنهم لا يقدرون على تغييره.
على العكس من هؤلاء، ذكر مشتركون آخرون بأنّهم استغلّوا نقاط قوّتهم الشخصية (كالذكاء، ورباطة الجأش، ومهارات التخطيط) لتجاوزِ المشكلات المرتبطةِ بالحَدَث الذي لا يستطيعون دفعه، كخسارة العمل مثلًا أو فاجعة موتِ عزيزٍ لهم.
أما الغالبية العُظمى مِن المشتركين (32 مشتركًا) فقد اعتبروا التجاربَ العصيبةَ كمعالِمَ بارزةٍ على دروب الحياة. وبالنسبة لهم، فالمصائب عبارةٌ عن تجاربَ “زلزلت شعورَهم بالكفاءة، ومشاعر الأمن، وفَهمهم العالَم” ما أدّى إلى تغييرٍ عميقٍ في كيانِهم الشخصي.
أثرُ التفاعلاتِ الاجتماعية في نموّ الفرد
من خلال مراجعتِهم للمقابلات، وجد الباحثون تسعةَ بنودٍ رئيسيةٍ مرتبطةٍ بالتفاعل الاجتماعي، ولها دورٌ هامٌ في كيفية تعامُل الأفراد مع التجارب السلبية.
- طلب المساعدة.
- حشْد أو تلقّي الدعم المعنوي غير المرغوب من الشبكات الاجتماعية.
- الاتصال الجسدي، وخصوصًا العناق.
- تلقي الدعم غير المرغوب فيه، وخصوصًا مِن أقاربَ مُفرِطين في القلق.
- مقارنة النفس بالآخرين.
- طلب مشورة الخُبراء، كمراجعة معالجٍ نفسيٍّ مثلًا.
- البحث عن آخرين مرّوا بنفس التجربة العصيبة.
- بناء علاقاتٍ جديدة.
- التعلُّم مِن المجتمع وما يدور فيه.
وذكرتْ الباحثة المشارِكة في الدراسة “هايدي إيجاراشي-Heidi Igarashi”: «كان ثمة أثرٌ ملحوظ لدى المشتركين في حالِ كان مُفتَرَضًا مِنهم أن يتجاوزوا التجربة العصيبة ليتابعوا حياتَهم الطبيعية، أو فيما إذا تلقّوا تشجيعًا ودعمًا كيما يتعلّموا مِن التجربة. وتركتْ التفاعلاتُ الاجتماعيةُ أكبرَ الأثرِ الإيجابيّ في هكذا حالات».
باختصار، تُثبِتُ الدراسةُ بأننا نستقي الحكمةَ نتيجةً لكيفية تعاطينا مع ظروف الحياةِ، وقُدرتِنا على التساؤلِ عن معتقداتِنا وقيمِنا بما يخدمُ نموّنا كأفراد. ومِمّا لهُ أعظمُ الأثرِ في ذلك هو تفاعُلنا مع الوسط الاجتماعي خلال مرورنا بظرفٍ عصيبٍ، وهو ما يُقرّر فيما إذا كنّا سنراوِحُ في المكانِ أمْ نمضي قُدُمًا على دروبِ الحياةِ بحكمةٍ أكبر.
المصدر:ibelieveinsci