في تموز/ يوليو من عام 2011 دخلت سيدةٌ إحدى عيادات الطب النفسيّ بهولندا، وهي تدّعي شيئًا في غاية الغرابة: طوال حياتها وهي ترى وجوه بشرٍ عاديين تتحول أمامها إلى وجوهٍ تشبه التنانين في هلوسةٍ تكرر عدة مراتٍ يوميًا.
جاء هذا الوصف الدقيق للحالة على لسان فريق الباحثين منشورًا على مجلة The Lancet عام 2014: «إنها تتعرف الوجوه في البداية، ولكن بعد عدة دقائق تتحول هذه الوجوه للون الأسود وتصبح أكثر طولًا، وتتدبب الأذن ويمتد الأنف، ويتحول الجلد إلى جلد الزواحف، وتتضخم العين وتأخذ ألوانًا مختلفة، كالأصفر والأحمر والأخضر والأزرق».
«إنها ترى باستمرارٍ وجوهًا على شكل تنانين تخرج من الحائط ومفاتيح الكهرباء وشاشة الحاسوب في أي وقت، حتى وإن لم توجد وجوهٌ أمامها، فإنَّها ترى ليلًا وجوه التنانين بكثرةٍ في الظلام».
هذه المرأة البالغة من العمر 52 عامًا تعاني من مرضٍ يُدعى ﺑ « Prosopo-Metamorphopsia »، وهي حالةٌ نفسيةٌ تظهر فيها الوجوه مشوهة
عجز فريق البحث في البداية عن الوصول إلى سبب هذه المشكلة، فقد أجروا لها العديد من الفحوصات الطبية منها التصوير بالرنين المغناطيسيّ، وتخطيط كهربية المخ، والاختبارات العصبية، وحتى فحوصات الدم، وكلُّ شيءٍ كان طبيعيًا.
يقول أوليفر ساكس في إحدى حلقات TED talk: «نحن نرى بالعين، ولكننا نرى أيضًا عن طريق الدماغ»، وهو من ضمن فريق البحث الذي كان يعمل على إيجاد علاجٍ لمشكلة هذه المرأة، ولا يخفى القول، إنه نفسه يعاني من خللٍ في تعرّف الوجوه، إذ إن دماغه لا يمكنه معالجة الأنماط التي تجعل من الوجه البشري بشريًا.
لم يتوصل الباحثون بعد إلى أسباب هذا المرض، لكنهم يعتقدون أنه ينشط بمساعدة تعاطي الأدوية المسببة للهلوسة، بالإضافة إلى الجلطات والأورام التي تُصيب أجزاءً معينةً من الدماغ.
أحد هذه الأجزاء هو جزءٌ يُدعى ﺑ (التلفيف المغزليّ – Fusiform Gyrus )، وهو جزءٌ في المخ البشري مسؤولٌ عن تعرّف الوجوه، وأي ضررٍ يصيب هذا الجزء يمكن أن يسبب هلوسةً أو فقدان القدرة على تعرّف الوجوه، ومع ذلك تبقى هلوسة هذه المرأة حدثًا فريدًا من الناحية العملية.
اكتشف طبيبها بعد تجربة العديد من العقاقير والأخطاء أن دواءً مضادًا للخرف يُدعى «Rivastigmine » استطاع أن يهزم هذا (التنين) بشكلٍ كبير.
هذا الدواء يمكّن الجسم من بناء الناقل العصبي «acetylcholine »، الذي يقوم بدورٍ كبيرٍ في عملية التعلم والذاكرة، وهو فعالٌ في مساعدة المصابين بالمراحل الأولية من مرض (فقدان الذاكرة – (Alzheimer على تعرّف أحبائهم مثلما ساعد هذه السيدة أيضًا في تعرّف الوجوه.
لم تتمكن تلك المرأة من الحصول على وظيفةٍ قبل هذا العلاج، إذ وقفت هذه الهلاوس عائقًا أمام تفاعلها مع المجتمع من حولها.
أما الآن، فبفضل ساكس وزملائه الباحثين فقد تمكنت من الحصول على وظيفةٍ مستقرةٍ على مدار السنوات الثلاث الماضية، وأوضح زملاؤها أنها تحسنت بشكلٍ كبير.
تظل هذه الحالة واحدةً من أكثر الحالات الطبية المحيرة والرائعة في نفس الوقت، نُشرت هذه الحالة في مجلة «The Lancet» الشهيرة.
المصدر:ibelieveinsci