برز مفهوم الموسيقى "البديلة" أو "المستقلة" في اللحظة التي أحست فيها #الساحة_الفنية بضرورة تجديد أذنها وآلاتها وكلماتها وكليباتها وطرق إنتاجها للأغنية العربية في وقت أصبح طريق الشهرة سهلاً تحكمه #الموسيقى_الإلكترونية لا الصوت البشري.
وإذا كانت الموسيقى "البديلة" في جوهرها عبارة عن ثورة فرضتها ظروف نشأة وتشكل الأغنية العربية الجديدة، فإنها تحولت منذ بدايات الألفية الجديدة إلى مفهوم جمالي يؤسس مسار وعي الفن الجديد، باعتبار أن الإنتاج الموسيقي البديل غدا بمثابة حداثة موسيقية يتطلع إليها كل المغنيين والمغنيات، بعد أن غيروا قوالبهم الموسيقية التقليدية صوب موسيقى إلكترونية تلهث من أجل محاكاة الإنتاج الغربي.
جماليات الموسيقى البديلة
إذا كانت الباحثة الفرنسية صوفي جوسلين تعتبر أن الموسيقى الإلكترونية "تعمل كحجة تجارية حديثة لا كممارسة موسيقية متفردة"، فإن العكس من ذلك تماماً حصل داخل البلاد العربية، إذ نعثر في تجربة الموسيقي والمغني والمنتج المغربي ريدوان (نادر الخياط) على مسار نوعي لا يرتكز على الإلكترونية كهدف تجاري، بل كمنحى جمالي مجدد للذائقة الجمالية. والأمر نفسه يتكرر في تجارب عربية أخرى، وإن بدرجة أقل بسبب الاختلاف في درجات الوعي بهذه الموسيقى وميكانيزمات توظيفها من أغنية إلى أخرى.
استطاع ريدوان جعل أغانيه أكثر تأثيراً، سواء من ناحية لغة التعبير الفني أو الأسلوب الموسيقي الذي ابتدعه من خلال قوالب موسيقية متعددة في أسلوب جامع وموحد.
تنبني أغاني ريدوان على الموسيقى الإلكترونية، لكن من دون أن تغدو الأخيرة لسان حالها، إذ دائماً ما يرافقها اجتهاد كبير على مستوى الكتابة واللحن والتصوير بطريقة تصبح فيها الأغنية مكتملة وناضجة، وتبني شرطها الحداثي بهذا الاكتمال بدل الاختفاء وراء الصيحات الإلكترونية. وهو مطب كثير من التجارب الغنائية التي لا تتجاوز في تشكلاتها الجمالية الأفق الإلكتروني الذي يحجب تدريجاً الصوت ويتلاعب به.
يقول الكاتب علي موره لي عن الموسيقى الإلكترونية "لم تعد النغمة حاصل اهتزاز طبيعي، وإنما هي دائرة إلكترونية موصولة بالكهرباء. وجاء الكمبيوتر في ما بعد ليحول تلك الإشارة الإلكترونية إلى لغة رقمية تبرمج وتحفظ ويجري تركيبها والتلاعب بها وفق إمكانات واحتمالات لا تعد ولا تحصى، بالتالي ولد "السنثسايزر"، أي مركب الأصوات، ثم المبرمجات التي بمقدورها التأليف والتسجيل والأداء.
دلالات وأبعاد
لا تعنينا هنا الموسيقى البديلة إلا بوصفها مشروعاً فنياً حقيقياً يهدف إلى نقد كل المرجعيات الفنية والأنساق الفكرية التي تأسست عليها الموسيقى، الكلاسيكية منها والحديثة، بما يجعلها مختبراً لميلاد لغة موسيقية جديدة سندها الإبداع وقوامها الابتكار. فالبديل يأخذ بعداً ثورياً وراديكالياً على مختلف الأنماط الغنائية، ويحاول أن يجعل النص الموسيقي يتخذ ميسماً تجديدياً يثور بدوره على أنساقه الأولى. والحقيقة أن استخدام مفهوم الموسيقى البديلة في البلاد العربية لا يزال محتشماً، كونه في نظر بعض النقاد والمتخصصين غير خاضع لتأصيل نظري يجعله قادراً على بلورة نفسه داخل الإنتاج الموسيقي العربي وأدبياته الفكرية، لذا فإن استعمال المفهوم يأتي من خلال صورتين
الأولى يراد بها الإنتاج الموسيقي الذي جاء "بديلاً" عن الموسيقى الموجودة منذ قرون خلت، من خلال الثورة عليها واستبدال مضامينها بأخرى معاصرة أكثر تجذراً في صلب اهتمامات ومشاغل الناس اليومية. هكذا جاءت هذه الموسيقى مسايرة للتطورات والتحولات التي تطاول الواقع الفني بما فيها الأغنية الملتزمة التي اعتبرها المتخصصون بديلاً عن الأغنية الرومانسية، كونها انطلقت من الواقع وما كان يعرفه من تحولات سياسية واجتماعية.
يقول الكاتب عمر بقبوق "تزامن اهتمام مراكز الإعلام بالموسيقى العربية البديلة مع ربيع الثورات العربية، رغم أن تاريخ تأسيس عديد من هذه الفرق يعود لما قبل عام 2010، فبسبب اهتمام الإعلام العربي المفاجئ بالهوامش، كانت متابعة هذه الفرق والجماعات الموسيقية المغمورة أمراً لازماً، فخرج عديد من البرامج المهتمة بهذا النوع من الموسيقى دفعة واحدة، وصدرت بعض الفرق البديلة لتنال شهرة عربية واسعة، وتم التعامل معها باعتبارها الفن البديل القادر على مواكبة تطلعات جيل الثورة".
تكنولوجيا جمالية
غير أن الاختلاف بين السينما والموسيقى، أن الأولى تحكمت فيها دوافع سياسية كما تطالعنا أفلام جوسلين صعب ومارون بغدادي وجان شمعون ورندة الشهال، مقارنة بالإنتاج الموسيقي الذي بقي فيه الشرط الجمالي هاجساً أولياً على حساب السياسي الأيديولوجي، هذا مع أن الإنتاج الموسيقي البديل في مجمله ظل خاضعاً في منطلقاته إلى ثورة فنية تهجس بالتجاوز والتوليف والتجريب والتجديد.
أما الصورة الثانية، فيقصد بها مجموع الإنتاج الموسيقي المستقل الذي جرى إنتاجه خارج المؤسسات الأستوديوهات الرسمية عبر الرأسمال الخاص، سيما الدعم الأجنبي الذي لعب دوراً كبيراً في تحديث الموسيقى العربية وجعلها تنفرد بخصوصيات عالمية. وهذا الاستقلال على مستوى الإنتاج هو الذي جعلها تتثور على القوالب البصرية التقليدية لنظام الفيديو كليب. وجاءت الصور والمشاهد للموسيقى البديلة قوية وجريئة وتنضح بجماليات التجديد، مقارنة بالأغاني المستفيدة من دعم المؤسسات المحلية التي عادة ما تعوق عملية الإبداع وتخضعها لعوامل تتعلق بالرقابة ومفهومها.
يقول الكاتب الأردني هشام البستاني، إن الموسيقى البديلة "نشأت من حاجة شركات الإنتاج المستقلة لتسويق منتجاتها الموسيقية وخلق نوع من التميز لها يبرر أحقيتها بالاستهلاك عن الأصناف الأخرى، كما نشأت من حاجة الممولين لتحديد من هم الموسيقيون الذين سيتم التعامل معهم بشكل أساسي (شبان، منفتحون، متمردون) ومن هو جمهورهم، ومعروف للجميع ولع الحكومات الغربية ومؤسساتها التمويلية بالتصنيف والتغليف ووضع الأشياء في جداول وأنماط، وهو ولع متوارث من الأنثروبولوجيا الاستعمارية".
كما أن الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم أسهمت في تكريس هاجس الاختلاف والمغايرة، بعد أن أصبحت الموسيقى البديلة تفرض نفسها وتتجاوز أغانيها وكليباتها مفهوم الرقابة نفسها، إذ لم تعد الموسيقى في حاجة إلى المؤسسات الرسمية وتلفزيوناتها حتى تسوق إنتاجاتها الفنية، وذلك بفعل بروز سلطة وسائل التواصل الاجتماعي ودورها الجوهري في تثمين الأعمال الغنائية وصناعتها، لا سيما حين يتعلق الأمر بسيرة المغني الذي تعمل على تجميل صوته وتظهره في منزلة أخرى وصورة أخرى قد لا تكون دائماً حقيقية، وهو حال بعض الوجوه الجديدة في موسيقى الراب، الذي تختلط بها الأصوات وتصبح عملية تقييم المغني خاضعة لشروط تقنية أكثر من ارتباطها بالموهبة.
وإذا كانت الموسيقى "البديلة" في جوهرها عبارة عن ثورة فرضتها ظروف نشأة وتشكل الأغنية العربية الجديدة، فإنها تحولت منذ بدايات الألفية الجديدة إلى مفهوم جمالي يؤسس مسار وعي الفن الجديد، باعتبار أن الإنتاج الموسيقي البديل غدا بمثابة حداثة موسيقية يتطلع إليها كل المغنيين والمغنيات، بعد أن غيروا قوالبهم الموسيقية التقليدية صوب موسيقى إلكترونية تلهث من أجل محاكاة الإنتاج الغربي.
جماليات الموسيقى البديلة
إذا كانت الباحثة الفرنسية صوفي جوسلين تعتبر أن الموسيقى الإلكترونية "تعمل كحجة تجارية حديثة لا كممارسة موسيقية متفردة"، فإن العكس من ذلك تماماً حصل داخل البلاد العربية، إذ نعثر في تجربة الموسيقي والمغني والمنتج المغربي ريدوان (نادر الخياط) على مسار نوعي لا يرتكز على الإلكترونية كهدف تجاري، بل كمنحى جمالي مجدد للذائقة الجمالية. والأمر نفسه يتكرر في تجارب عربية أخرى، وإن بدرجة أقل بسبب الاختلاف في درجات الوعي بهذه الموسيقى وميكانيزمات توظيفها من أغنية إلى أخرى.
استطاع ريدوان جعل أغانيه أكثر تأثيراً، سواء من ناحية لغة التعبير الفني أو الأسلوب الموسيقي الذي ابتدعه من خلال قوالب موسيقية متعددة في أسلوب جامع وموحد.
تنبني أغاني ريدوان على الموسيقى الإلكترونية، لكن من دون أن تغدو الأخيرة لسان حالها، إذ دائماً ما يرافقها اجتهاد كبير على مستوى الكتابة واللحن والتصوير بطريقة تصبح فيها الأغنية مكتملة وناضجة، وتبني شرطها الحداثي بهذا الاكتمال بدل الاختفاء وراء الصيحات الإلكترونية. وهو مطب كثير من التجارب الغنائية التي لا تتجاوز في تشكلاتها الجمالية الأفق الإلكتروني الذي يحجب تدريجاً الصوت ويتلاعب به.
يقول الكاتب علي موره لي عن الموسيقى الإلكترونية "لم تعد النغمة حاصل اهتزاز طبيعي، وإنما هي دائرة إلكترونية موصولة بالكهرباء. وجاء الكمبيوتر في ما بعد ليحول تلك الإشارة الإلكترونية إلى لغة رقمية تبرمج وتحفظ ويجري تركيبها والتلاعب بها وفق إمكانات واحتمالات لا تعد ولا تحصى، بالتالي ولد "السنثسايزر"، أي مركب الأصوات، ثم المبرمجات التي بمقدورها التأليف والتسجيل والأداء.
دلالات وأبعاد
لا تعنينا هنا الموسيقى البديلة إلا بوصفها مشروعاً فنياً حقيقياً يهدف إلى نقد كل المرجعيات الفنية والأنساق الفكرية التي تأسست عليها الموسيقى، الكلاسيكية منها والحديثة، بما يجعلها مختبراً لميلاد لغة موسيقية جديدة سندها الإبداع وقوامها الابتكار. فالبديل يأخذ بعداً ثورياً وراديكالياً على مختلف الأنماط الغنائية، ويحاول أن يجعل النص الموسيقي يتخذ ميسماً تجديدياً يثور بدوره على أنساقه الأولى. والحقيقة أن استخدام مفهوم الموسيقى البديلة في البلاد العربية لا يزال محتشماً، كونه في نظر بعض النقاد والمتخصصين غير خاضع لتأصيل نظري يجعله قادراً على بلورة نفسه داخل الإنتاج الموسيقي العربي وأدبياته الفكرية، لذا فإن استعمال المفهوم يأتي من خلال صورتين
الأولى يراد بها الإنتاج الموسيقي الذي جاء "بديلاً" عن الموسيقى الموجودة منذ قرون خلت، من خلال الثورة عليها واستبدال مضامينها بأخرى معاصرة أكثر تجذراً في صلب اهتمامات ومشاغل الناس اليومية. هكذا جاءت هذه الموسيقى مسايرة للتطورات والتحولات التي تطاول الواقع الفني بما فيها الأغنية الملتزمة التي اعتبرها المتخصصون بديلاً عن الأغنية الرومانسية، كونها انطلقت من الواقع وما كان يعرفه من تحولات سياسية واجتماعية.
يقول الكاتب عمر بقبوق "تزامن اهتمام مراكز الإعلام بالموسيقى العربية البديلة مع ربيع الثورات العربية، رغم أن تاريخ تأسيس عديد من هذه الفرق يعود لما قبل عام 2010، فبسبب اهتمام الإعلام العربي المفاجئ بالهوامش، كانت متابعة هذه الفرق والجماعات الموسيقية المغمورة أمراً لازماً، فخرج عديد من البرامج المهتمة بهذا النوع من الموسيقى دفعة واحدة، وصدرت بعض الفرق البديلة لتنال شهرة عربية واسعة، وتم التعامل معها باعتبارها الفن البديل القادر على مواكبة تطلعات جيل الثورة".
تكنولوجيا جمالية
غير أن الاختلاف بين السينما والموسيقى، أن الأولى تحكمت فيها دوافع سياسية كما تطالعنا أفلام جوسلين صعب ومارون بغدادي وجان شمعون ورندة الشهال، مقارنة بالإنتاج الموسيقي الذي بقي فيه الشرط الجمالي هاجساً أولياً على حساب السياسي الأيديولوجي، هذا مع أن الإنتاج الموسيقي البديل في مجمله ظل خاضعاً في منطلقاته إلى ثورة فنية تهجس بالتجاوز والتوليف والتجريب والتجديد.
أما الصورة الثانية، فيقصد بها مجموع الإنتاج الموسيقي المستقل الذي جرى إنتاجه خارج المؤسسات الأستوديوهات الرسمية عبر الرأسمال الخاص، سيما الدعم الأجنبي الذي لعب دوراً كبيراً في تحديث الموسيقى العربية وجعلها تنفرد بخصوصيات عالمية. وهذا الاستقلال على مستوى الإنتاج هو الذي جعلها تتثور على القوالب البصرية التقليدية لنظام الفيديو كليب. وجاءت الصور والمشاهد للموسيقى البديلة قوية وجريئة وتنضح بجماليات التجديد، مقارنة بالأغاني المستفيدة من دعم المؤسسات المحلية التي عادة ما تعوق عملية الإبداع وتخضعها لعوامل تتعلق بالرقابة ومفهومها.
يقول الكاتب الأردني هشام البستاني، إن الموسيقى البديلة "نشأت من حاجة شركات الإنتاج المستقلة لتسويق منتجاتها الموسيقية وخلق نوع من التميز لها يبرر أحقيتها بالاستهلاك عن الأصناف الأخرى، كما نشأت من حاجة الممولين لتحديد من هم الموسيقيون الذين سيتم التعامل معهم بشكل أساسي (شبان، منفتحون، متمردون) ومن هو جمهورهم، ومعروف للجميع ولع الحكومات الغربية ومؤسساتها التمويلية بالتصنيف والتغليف ووضع الأشياء في جداول وأنماط، وهو ولع متوارث من الأنثروبولوجيا الاستعمارية".
كما أن الطفرة التكنولوجية التي شهدها العالم أسهمت في تكريس هاجس الاختلاف والمغايرة، بعد أن أصبحت الموسيقى البديلة تفرض نفسها وتتجاوز أغانيها وكليباتها مفهوم الرقابة نفسها، إذ لم تعد الموسيقى في حاجة إلى المؤسسات الرسمية وتلفزيوناتها حتى تسوق إنتاجاتها الفنية، وذلك بفعل بروز سلطة وسائل التواصل الاجتماعي ودورها الجوهري في تثمين الأعمال الغنائية وصناعتها، لا سيما حين يتعلق الأمر بسيرة المغني الذي تعمل على تجميل صوته وتظهره في منزلة أخرى وصورة أخرى قد لا تكون دائماً حقيقية، وهو حال بعض الوجوه الجديدة في موسيقى الراب، الذي تختلط بها الأصوات وتصبح عملية تقييم المغني خاضعة لشروط تقنية أكثر من ارتباطها بالموهبة.