نبيلة الخير تلتقط من الطبيعة لمعان مفرداتها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نبيلة الخير تلتقط من الطبيعة لمعان مفرداتها

    نبيلة الخير تلتقط من الطبيعة لمعان مفرداتها


    رسامة بحرينية موهوبة تمزج الصور بأصواتها وبملمسها ورائحة الأشياء فيها، ما يهب لوحاتها معنى الإشراقة.


    الأحد 2023/02/05
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    في إشراقات جمال خالص

    "أنا لا أرسم بل ألوّن" ذلك ما تقوله نبيلة الخير بعد رحلة مع الرسم تمتد إلى أربعة عقود، عبرها شهدت تجربتها تحولات أسلوبية وتطورت رؤيتها إلى الفن كما إلى العالم. فكانت المراحل التي مرت بها أشبه بالعربات المحمّلة بالموضوعات والتقنيات والمواد إضافة إلى الأساليب المختلفة.

    بدأت نبيلة الخير رحلتها مع الرسم من خلال الحرص على تعلم أصوله في بلدها البحرين وفي لندن وباريس وجنيف من غير أن تلزم نفسها بالتشدّد في الحرفة. غير أن شغفها الداخلي كان قد اشتبك بموضوعات يغلب عليها طابع الإيحاء النفسي. ذلك سحر لم يفارقها سواء استلهمت النساء في رسومها أم حاولت التماهي تجريديا مع تحولات البحر القريب منها.

    يمكن القول إن الشروط الإنسانية للبيئة كان لها أكبر الأثر في التحول التدريجي من الاستلهام المباشر لمفردات البيئة الجمالية التي تستعرض كائناتها من خلالها موهبة حواسها في التفاعل الحر إلى الطبيعة في أعمق حالات صفائها التجريدي كما يظهر الآن في معرضها "إشراقات" (المقام في قاعة البارح ــ المنامة).

    حين تقول "لا أرسم بل ألوّن" فهي لا تلتفت إلى ماضيها الذي كان كله رسما. ولو لم تكن رسامة موهوبة لما نجح خيالها في التعامل مع اللون، كونه المادة التي تتشكل من خلالها وحولها نظرة جديدة يستعيد من خلالها الرسم صفاءه. وصلت الخير إلى مفهوم الرسم الصافي من غير أن تكون في حاجة إلى أن تنتقل إلى التجريد الخالص. صار التجريد جزءا من تجربتها في التعامل مع العالم الذي ترسمه وليس غطاءه الأسلوبي.
    الرسم الخالص



    ◙ حين تقول "لا أرسم بل ألوّن" فهي لا تلتفت إلى ماضيها الذي كان كله رسما


    يمكن أن يقع البعض في خطأ وصف رسوم الفنانة الأخيرة بالتجريدية وهي ليست كذلك بالتأكيد إلا إذا كان وليام تيرنر وكلود مونيه تجريديين. بطريقة أو بأخرى كان التلوين هو السبب في ذلك الوهم. فنبيلة الخير لم ترسم الحدود التي تفصل بين مفرداتها بل رسمت كل شيء باعتباره نوعا من الإشراقة، لمعانا خاطفا ضرب عينيها كالبرق وغلّف طريقة نظرها إلى العالم ببريقه.

    ◙ نبيلة الخير لا تلجأ إلى ذاكرتها لأنها تخشى النسيان بل رغبة في نسيان ما رأته بعد أن أمسكت بأثره العاطفي

    كما لو أنها اكتشفت العالم من جديد ومن خلاله اكتشفت الحياة، صار عليها أن تلهو بالأصباغ التي بين يديها لا لتعيد صياغة ذلك العالم مرسوما بل لتظهره كما بدا لها ملوّنا. سيكون عليها في ما بعد أن تُغني ذلك العالم بما تلتقطه من شذرات مزاجه. كل لوحة من نبيلة الخير هي عبارة عن شذرة تجد فيها الروح مزاجها.

    ولدت نبيلة الخير في المنامة ودرست المحاسبة في جامعة الكويت. بعدها درست الرسم في كلية سليد بلندن كما أنها انضمت إلى دورات فنّية في باريس وجنيف. في البحرين كانت على صلة مباشرة بكبار الرسامين هناك حيث استفادت من خبراتهم المتراكمة.

    أقامت معرضها الشخصي الأول في جمعية الفنانين التشكيليين عام 2002. بعد ذلك المعرض أقامت معارض عديدة في البحرين. عام 2003 نالت جائزة السعفة الذهبية في "مهرجان القرين الثقافي" بالكويت.
    كنز المشاعر المتدفقة



    ◙ ليست نبيلة الخير رسامة مناظر طبيعية


    ركزت في السنوات الأولى من تجربتها الفنية على استلهام مفردات التراث البحريني من خلال معالجتها لموضوعة المرأة، حليّها وثيابها وطقوسها الاحتفالية. وكان ولعها برسم النساء قد ساعدها على الوصول إلى قيم شكلية كوّنت في ما بعد مسار أسلوبها الشخصي الذي ظلت حريصة على تطويره لكن من غير أن تغادر المنطقة الجمالية التي سحرتها "المرأة باعتبارها كنزا من المشاعر والرؤى والقوى التي تنبعث من خيال عميق".

    لم يكن موضوع المرأة ليأسرها في منطقة شكلية ضيقة. كانت المرأة بالنسبة إليها عالما واسعا لا حدود له. لذلك تغيرت أشكال الفنانة وتعددت تقنياتها وتنوعت أفكارها وهي تسعى للكشف عن جماليات ذلك العالم. رسمت الخير المرأة باعتبارها مصدر إلهام وليس من أجل التعريف بها أو الاحتفاء بجمالها الذي تراه الفنانة من الداخل.

    ◙ في تجربة الفنانة تتداخل محاولتها الكشف عن مواقع جمالية في المرأة بمحاولتها استلهام المفردات الجمالية التراثية

    تتداخل في تجربة الفنانة محاولتها الكشف عن مواقع جمالية في المرأة بمحاولتها استلهام المفردات الجمالية التراثية التي تتصل بحياة المرأة في جانبيها الخفيّ والمعلن. محاولتان مزجت بينهما الفنانة لتطل من خلال ذلك المزيج على عالم أحبته ونجحت في أن تهبه سمات شخصية ستشكل في ما بعد عناصر مهمة في أسلوبها.

    ليست نبيلة الخير رسامة مناظر طبيعية. غير أن ذلك لم يمنعها من التسلل إلى أعماق تلك المناظر من أجل استخراج شيء من جوهر الجمال الذي يجعلنا مشدودين إلى ما نراه من حولنا من غير أن نملك تفسيرا واضحا لما نفعل. هناك نقاط لمعان تظهر وتختفي بسرعة كما البرق هو ما تسعى الرسامة إلى التقاطه.

    ليس المطلوب من الرسامة هنا أن توضح أو تصف ما تراه فهي ترغب في أن تضعنا في حالة التأثير التي تعصف بنا لكي تكون رؤيتنا سليمة ويكون الفن عبارة عن عملية استرسال في علاقة لا تثقلها مادة الأشياء المرئية بقدر ما تتماهى مع الوقع الروحي لتلك الأشياء. الرسم هنا أشبه بالرجاء الذي لا يأمل في امتلاك واقعه.
    شعرية التعامل مع المرئيات



    ◙ لا ترسم نبيلة الخير إلا بعد أن تلتقط شذرات متناثرة من عاطفة المشهد الذي يستجيب لطريقة تفكيرها في الفن


    في تجربتها الأخيرة "إشراقات" لا ترسم نبيلة الخير إلا بعد أن تلتقط شذرات متناثرة من عاطفة المشهد الذي يستجيب لطريقة تفكيرها في الفن. وهي طريقة لا تستند على العناصر المرئية لذلك المشهد بقدر ما تتفاعل مع مقومات سحره الداخلي. ذلك الجزء غير المرئي من عمارة خفيّة لن يتمكن المرء من الإمساك بهوائها إلا عن طريق الشعر.

    انفتحت تجربة الرسامة هذه المرة على أسلوب يتميز بروحه المائية. لا أقصد المادة المستعملة بل التقنية الخيالية التي اكتشفتها الرسامة في حياة كانت أشبه بالحوار المتناغم مع الرسم. وهبته زمنها ووهبها في المقابل أسرار لغته. وهي اليوم تقيم في عالم يقع تحت تلك اللغة. ذلك عالم مفرط في شفافيته لأنه غاطس في الماء.

    ◙ خيال الفنانة نجح في التعامل مع اللون كونه المادة التي تتشكل من خلالها وحولها نظرة جديدة يستعيد بها الرسم صفاءه

    لا تلجأ نبيلة الخير إلى ذاكرتها وهي ترسم لأنها تخشى النسيان، بل لأنها ترغب في نسيان ما رأته بعد أن أمسكت بأثره العاطفي. ذلك الأثر الذي يصل الحواس بعضها بالبعض الآخر. ليست رسومها هبّة بصرية خالصة بل هي المجال الذي تتنافس فيه الحواس كلها من أجل القبض على إشراقة. كل حاسة تضع الجمال على ركبتها لتسأله عن مفتاح خياله.

    تأمّلُ رسوم الخير لا يكتمل إلا إذا أغلق المرء عينيه من أجل أن يهب حواسه الأخرى حرية أن تتأمل بعد أن أخذت العين حقها في التأمل. يمكن لتجربة من ذلك النوع أن تصل إلى قاع العالم الذي خلقته الرسامة وهي تمزج الصور بأصواتها وبملمسها ورائحة الأشياء فيها ومذاقها. ذلك ما يهب اللوحة معنى الإشراقة.


    PreviousNext
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X