المترجم المصري حسن حجازي: الترجمة رسالة قبل كل شيء
"الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ" تسافر بأسرار الكاتب إلى قراء جدد.
الأحد 2023/02/12
الترجمة سرقتني من الشعر
الترجمة هي الوسيلة الأولى لربط الصلات الثقافية بين الشعوب، ولعل أكثر الكتاب العرب ترجمة هو المصري نجيب محفوظ الذي نال جائزة نوبل للآداب وصار يمثل الثقافة العربية بشكل بارز عالميا، واستعاد كتاب كثيرون سيرة محفوظ ما يجعلها مثيرة للقراء الأجانب، وهذا ما حدا بالمترجم المصري حسن حجازي إلى ترجمة رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” إلى الانجليزية. في ما يلي هذا الحوار معه حول الرواية والترجمة.
جابر بسيوني
صدرت مؤخرا عن دار “الحاضرون” بكندا الترجمة الإنجليزية لرواية الشاعر والروائي المصري أحمد فضل شبلول “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” والتي صدرت بالعربية عن دار “غراب للنشر والتوزيع” بالقاهرة 2022. وقام بالترجمة الشاعر والمترجم المصري حسن حجازي واختار عنوان Naguib Mahofoz and his last night (نجيب محفوظ وليلته الأخيرة) عنوانا للترجمة الإنجليزية رآه يتوافق أكثر مع قارئ اللغة الإنجليزية. ترى ما الذي وجده حسن حجازي في تلك الرواية يستحق الترجمة ويضيف رؤية جديدة إلى القارئ الأجنبي عن نجيب محفوظ؟
عن هذا التساؤل يجيب حسن حجازي قائلا “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” رواية متعددة الأبعاد والرؤى. رواية نلمس من خلالها البعد الإنساني، البعد الوطني، البعد التاريخي، البعد الإبداعي، البعد النفسي، والكثير من الأبعاد الأخرى والدلالات النفسية المتعددة والإسقاطات السياسية المقصودة التي تستلهم من الماضي القريب لتلقي بظلالها على الحاضر المعيش وتلقي الضوء على أحداث تاريخية مهمة واكبت حياة نجيب محفوظ طوال عمره المديد”.
محفوظ والقارئ الأجنبي
"الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ" رواية متعددة الأبعاد والرؤى تلقي الضوء على أحداث تاريخية مهمة واكبت حياة نجيب محفوظ طوال عمره المديد
يقول حسن حجازي “نعود إلى البداية عندما اقترح عليّ كاتبنا ومبدعنا الصديق أحمد فضل شبلول، الذي تربطني به صداقة ممتدة من فترة بعيدة، ترجمة الرواية إلى الإنجليزية، فلم أتردد لحظة، إدراكا مني بأهمية العمل وأثره، فالعمل لا يتناول حياة نجيب محفوظ فقط، بل يلقي الضوء على مصر وتاريخها والحقبة التاريخية التي واكبت حياة نجيب محفوظ من بدايتها حتى واتته المنية. القارئ الأجنبي سيجد عملا يلقي الضوء على الكثير من حياة نجيب محفوظ الشخصية، من حيث النشأة والأسرة والبيئة المحيطة والتعليم. كذلك يلقي الضوء على مدى ارتباطه بوالدته بصورة وثيقة، وكيف أخذت بيده في شتى المراحل، وكيف كانت تأخذه من يده لزيارة الأضرحة وأولياء الله، وكانت تشتري له الكتب عندما أدركت مدى ولعه وشغفه بالقراءة”.
ويضيف “سيجد القارئ الأجنبي الكثير من الأشياء التي لم نكن نعلمها نحن كمثقفين مصريين وعرب عن حياته الشخصية والأسرية فيما بعد، وعن طقوسه الإبداعية، كتخصيصِ وقتٍ محدد للكتابة، ووقت للقراءة، ووقت للتأمل. ثم تخصيص وقت للإجازة والتفرغ. تجلى ذلك في عشقه لمدينة الإسكندرية، بدروبها وفنادقها ومقاهيها وأهلها. كذلك علاقة نجيب محفوظ بالسينما كمؤلف وكاتب سيناريو، وكرقيب يترأس هيئة الرقابة، وكيف تمكن من القضاء على العمولات والرشاوى”.
ويبين أن الرواية كذلك تطرقت إلى حياة نجيب محفوظ الوظيفية، التي كانت له بمثابة شط أمان رغم قلة الراتب، لكنها عادت عليه بالكثير من الفوائد الجمة، خاصة علاقاته بالكثير من الزملاء، مثل يحيى حقي، وطبيعة عمله لفترة ما بوزارة الأوقاف والاحتكاك المباشر بالمرأة المصرية، حيث كان يعمل بإدارة الرهونات. ثم عمله مع العديد مع الوزراء، خاصة في وزارة الأوقاف المصرية، وكيف كان يذهب معهم إلى مجلس النواب وينتظر معهم لوقت متأخر نهاية الجلسات لرصد أي شيء يصدر عن المجلس له صلة بالوزارة نفسها أو وزيرها.
وسيجد القارئ الكثير من الشخصيات البارزة في مصر في شتى المجالات، سواء في مجال السياسة أو الأدب أو الفن أو نجوم التمثيل والتأليف والإخراج. عاصر نجيب محفوظ تاريخ مصر أيام الملكية وما بعد ثورة يوليو 1952 وكيف كانت علاقته بالملكية ثم بالجمهورية.
ويوضح حجازي أن الكتاب زاخر بالشخصيات، حيث نجد جمال عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة. ونجد علاقته بزوجات رؤساء مصر؛ زوجة عبدالناصر، ثم أنور السادات، ثم حسني مبارك. ونجد أيضا سعد زغلول وتمثاله المنصوب في حديقة تحمل اسمه بمحطة الرمل في مدينة الإسكندرية ونظرته تجاه البحر، وتجاه أوروبا، ويعطي ظهره لمصر كأنه يقول “مفيش فايدة” أو ينظر تجاه الحضارة والتنوير وأوروبا. ونجد علاقاته بكوكب شرق أم كلثوم وكيف أطلق اسم ابنته على اسمها، وكيف جاءت إلى مقر جريدة “الأهرام” لتحتفل مع المئات بعيد ميلاده الخمسيني.
من خلال الترجمة يسعى حجازي لجعل القارئ الأجنبي يدرك أن العالم النامي بصفة عامة لديه الكثير من المبدعين
وبالإضافة إلى ذلك يزخر الكتاب، حسب رأيه، بالكثير عن نجيب محفوظ الإنسان والمبدع والموظف، وارتباطه بالمقاهي وشلة “الحرافيش” التي بقيت ودامت لعشرات السنين، وكانت تضم الكثير من المبدعين وضباط الجيش المصري وغيرهم. ونجد أن بعض الضباط الأحرار كانوا من ضمن أصدقاء نجيب محفوظ ومن مجلس قيادة ثورة يوليو.
ويبين أن الرواية تحوي الكثير من الأسرار التي من بينها كانت علاقة محفوظ بالمشير عبدالحكيم عامر وكان على وشك أن يتم القبض عليه لولا تدخل عبدالناصر. كما أنها تلقي الضوء على علاقة نجيب محفوظ بالشاعر نزار قباني وما دار بينهما من معارك على صفحات الجرائد خاصة بعد النكسة، ثم بعد معاهدة السلام، وهو ما يعكس العلاقات العربية مع مصر وما دار من قطيعة ومشاحنات وقطع للعلاقات ونقل جامعة الدول العربية إلى تونس، ثم دور مبارك بعد ذلك.
ويتابع “كما ذكرتُ، فإن الرواية زاخرة بالكثير والكثير من الأحداث، فهي تكاد تحكي تاريخ مصر وكيف واكب نجيب محفوظ تلك الفترات من خلال إبداعه، سواء في الرواية أو القصة أو المسرح، أو من خلال السينما والإذاعة. فنجيب محفوظ في تلك الرواية حاضرٌ بقوة على المستوى الشخصي والإبداعي أو الاجتماعي”.
يقول حجازي “ما لمسته كمترجم للعمل وقارئ جيد لأدب نجيب محفوظ، والذي استطاع الكاتب أن يلقي عليه الضوء بقوة، أن نجيب محفوظ، رغم النجاح والتميز والتكريم، سواء من داخل مصر أو خارجها، نال أرفع الأوسمة والنياشين. فقد كان كإنسان، بعدما تقدم به العمر، يعاني من الكثير من المشاكل الصحية، كضعف السمع والإبصار، ومرض السكري، وغير ذلك. فقد شعرتُ بالإشفاق عليه والتعاطف معه. وكان، نتيجة لإبداعه وصراحته وشجاعته، عرضة للكثير من المشاكل، سواء مع السلطة أو مع دعاة العصب الديني، فقد تعرض لمحاولات القتل والاعتقال أكثر من مرة، وأُصيب أكثر من مرة، وكاد يفقد حياته”.
ويبين أن القارئ الأجنبي سيجد علاقة محفوظ بتوفيق الحكيم وملابسات تعرفه عليه وعلاقته الوطيدة به والكثير من التفاصيل عن العلاقة الأدبية والإنسانية بينهما. كذلك سيجد -على سبيل المثال- الروائي المصري يوسف إدريس ومواقفه العديدة من الجوائز سواء العربية أو المصرية والعلاقة الجافة بينه وبين نجيب محفوظ.
ويقول “في الواقع الرواية حافلة بالأسرار وخبايا الأمور، سواء حياة نجيب محفوظ الشخصية أو الإبداعية، سيجد القارئ كل الأعمال الإبداعية لنجيب محفوظ وظروف كتابتها وأثرها وكيف تحول الكثير منها إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية وإذاعية، وكذلك علاقة نجيب محفوظ بالنقد والنقاد، والرسائل الجامعية التي تناولت أعماله، سواء من جانب العرب أو الأجانب. والأهم ملابسات فوزه بنوبل واحتفاء العالم أجمع بهذا الفوز وسيل التكريمات التي نالها”.
واختلف النقاد حول تصنيف أو تجنيس ذلك العمل ما بين سيرة غيرية وما بين رواية، وتساءل الناقد أحمد صبرة في مقال له عن طبيعة التجنيس الأدبي في هذا العمل؟ أما حجازي فيقول “أثناء ترجمتي هذا العمل، أمضيت وقتا ممتعا في رحاب نجيب محفوظ وليلته الأخيرة، فقد كان هناك خطٌّ دراميٌّ من بداية الرواية يمتد ويتغلغل طوالها، وإن كان يخفت أحيانا. لقد نجح شبلول في الحفاظ على هذا الخط، يغذيه من وقت إلى آخر ببعض المواقف الحياتية من حياة نجيب محفوظ والمواقف العديدة والطريفة من الشخصيات الإنسانية التي تصادف وجودها في حياته”.
ويضيف “نجد بعض المواقف الكوميدية والتراجيدية التي تمسك بتلابيب القارئ وتدفعه إلى مواصلة القراءة. وكذلك نجد جانبًا مهما يتعلق بأدب الرحلات، فقد أفرد كاتبنا فصلا كاملا للسفر في حياة نجيب محفوظ وكيف كان يختلق الأعذار لتجنبه. وقد حفل الفصل الخاص بالسفر بالكثير من المواقف الطريفة والمأساوية؛ عند سفره إلى اليمن، وأثناء حرب اليمن، ويوغسلافيا، وعندما كان هو ورفاقه يحاولون دخول إحدى الغابات هناك ليلا لتحضر الشرطة على الفور، ليس لحمايتهم والخوف عليهم وعلى سلامتهم، بل لأنهم كانوا يزعجون العشَّاق ويكدرون صفوهم. لذا يمكن أن يندرج هذا العمل تحت تصنيف الرواية بامتياز، وإن كان التصنيف حاليا يصعب بسبب تداخل الفنون معا. لكن المؤلف هنا بذل جهدا كبيرا في سبيل أن يخرج هذا العمل بهذا الشكل المتميز”.
قائمة حسن حجازي في الترجمة تتسع وتمتد إلى ما يزيد على الثلاثين كتابا مترجما إما إلى العربية أو إلى الإنجليزية
نسأل المترجم هل نستطيع أن نقول إن الكاتب استطاع أن يكتب سيرة نجيب محفوظ التي لم يكتبها هو في حياته؟ ليجيبنا “نعم هذا صحيح بدرجة كبيرة. فقد ركز الكاتب على جوانب كثيرة ألقى عليها الضوء، سواء على شخصيته أو إبداعه أو علاقته بجريدة ‘الأهرام’ ودوره في حياته وإبداعه أو علاقته بالسلطة الحاكمة على مر مراحل حياته. وكذلك دور الرقابة التي خضع لها مرارا، وكثيرا ما بترت الكثير من أعماله، ثم عندما تولى هو شخصية رئاسة هيئة الرقابة والدور المهم الذي قام به. الجانب المهم الذي ظهر جليًّا في تلك الرواية هو أن العمل الإداري يقتل الإبداع”.
ويضيف “جانب آخر مهم هو القلق الذي يساور المبدع على أموره المعيشية وتدبير متطلبات حياته المعيشية، وهو الجانب الذي عانى منه نجيب محفوظ ونجح في التغلب عليه أحيانا بكتابة السيناريو للعديد من الأعمال سواء في السينما أو التلفزيون أو ما كان يحصل عليه مقابل نشر أعماله أو تحويلها إلى أعمال فنية سواء في السينما أو المسرح أو الإذاعة. وهنا لا نغفل الوظيفة في حياة نجيب محفوظ التي كانت بمثابة الدعم المالي المنتظم لتمثل له شط أمان رغم ضآلته للكاتب والمبدع.
ويقول “يبقى السؤال هنا عن مدى نجاح شبلول في التعبير وفي كتابة سيرة نجيب محفوظ التي لم يكتبها في حياته؟ أقرر بكل وضوح وأمانة: نعم، خاصة وأني قارئ جيد ومتابع لمعظم ما كتبه نجيب محفوظ وما كُتِب عنه. بل وأضاف كاتبنا الكثير وألقى الضوء على جوانب خفية، ليس في حياة نجيب محفوظ فقط، بل في تاريخ مصر والمنطقة العربية، خاصة في الحقبة التي عاشها نجيب محفوظ وكتب عنها”.
الترجمة رسالة
حضور مميز
نسأل المترجم حسن حجازي عن الصعوبات التي وجدها أثناء ترجمته لهذا العمل الكبير (صدر بالإنجليزية في 496 صفحة) فيقول “بصفة عامة لم أصادف صعوبات كبيرة أثناء ترجمتي لهذا العمل المتميز، لكن ثمة صعوبات خاصة في حجم العمل الذي استغرق مني قرابة الستة أشهر في الترجمة والمراجعة والتنقيح. حرصت على تطابق عناوين الروايات مع العناوين المترجمة لتلك الروايات، وهي كثيرة للغاية. كذلك ترجمة بعض القصائد الشعرية لشعراء مثل سيد حجاب، وأمل دنقل وأحمد عبدالمعطي حجازي وبيرم التونسي وعبدالحميد الديب وغيرهم، وحرصت على ترجمة كل تلك القصائد ولم أغفل أي قصيدة”.
ويضيف “كذلك هناك بعض الفقرات في الرواية عندما يبتعد الكاتب عن الأسلوب السردي التقريري المباشر ويترك العنان للغته الشعرية، خاصة عند ذكر الموت والاقتباسات الخاصة بذلك في إبداع نجيب محفوظ، ولاسيما عند ذكره للمشاعر المقدسة كالحج والعمرة وزيارة المدينة المنورة وقبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. كذلك تلك الرسائل العديدة التي كانت ترد إلى نجيب محفوظ من شتى بقاع الأرض حول إبداعه”.
وعن الرسالة التي يريد إيصالها من خلال ترجمة تلك الرواية، يحدثنا حجازي قائلا “رسالة ‘الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ’ تحملها الرواية نفسها ومن ثم ترجمتي لها. فهي تلقي الضوء على مبدع كبير وشخصية جليلة كرَّست حياتها للإبداع وحملت رسالة سامية إلى العالم أجمع، تبشر بالعدل والمساواة، وتحمل لواء الكلمة في مقابل العنف، في مقابل الرصاص؛ فقد أعطى نجيب محفوظ المثل والقدوة في التسامح والعفو”.
ويضيف “جانب مهم تحمله تلك الرواية أيضا، ومن ثم ترجمتي لها، وهو جانب من تاريخ مصر المعاصر، هو طبيعة الشخصية المصرية والتحولات التي طرأت عليها وعلى المنطقة بأسرها، لكن تبقى الأصالة والطيبة وروح التسامح بين مختلف طوائف وفئات الشعب المصري، وتبقى في الوقت نفسه قوة الشخصية المصرية التي رغم الظروف غير المواتية، مثل نكسة 1967، إلا أن هذا الشعب حقق الانتصار وأعاد كرامته رغم التفاوت الكبير في ميزان القوة، سواء في الحرب أو في معركة السلام، ليستعيد كرامته وأرضه”.
حجازي يؤكد أن القارئ سيجد الكثير من الشخصيات البارزة في مصر في شتى المجالات، سواء في مجال السياسة أو الأدب أو الفن أو نجوم التمثيل والتأليف والإخراج
ويتابع “كذلك نريد أن يدرك القارئ الأجنبي أن مصر خاصة وبلدان العالم الثالث بصفة عامة لديها الكثير من المبدعين مثل نجيب محفوظ يستحقون نوبل وأكثر من نوبل. وكذلك نريد أن يصل صوتنا وإبداعنا إلى العالم، ويدرك أننا مثل باقي سكانه، بل نفوقهم في الكثير من المجالات، لو أُتيحَت لنا الظروف المواتية، وبأننا مثلهم نعاني المشاكل والهموم، وأن لنا دورا فاعلا في حل مشكلات العالم والإسهام في رقي البشرية وتقدمها وتحقيق الرفاهية لشعوبها”.
احتوت رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” على شخصيات حقيقية كثيرة وصلت إلى حوالي 410 شخصيات كما صرح المؤلف بذلك، نسأل المترجم كيف تعامل مع هذه الشخصيات، خاصة أن من بينها زعماء مثل أحمد عرابي وجمال عبدالناصر وأنور السادات وسعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهم؟
يقول حجازي “في الحقيقة اكتفيت بترجمة أسماء تلك الشخصيات، خاصة أني أثق في كاتبنا العزيز شبلول وفي أمانته المهنية، ولاسيما أنه اعتمد على الكثير من المراجع والدوريات المهمة والرصينة، أثبتها في نهاية الرواية. بصفة عامة احتفظت بما ورد ذكره في الرواية عن تلك الشخصيات المتعلقة بالزعماء كأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفى النحاس وعبدالناصر والسادات ومبارك وغيرهم، لأن ما ورد هنا يعتبر تأريخا لحقب تاريخية مهمة في تاريخ مصر والأمة العربية وتوثيقا لها”.
ويتابع “التزمت -بكل دقة وحرفية وأمانة- بكل ما تم ذكره هنا في الرواية سواء ما تعلق بهؤلاء الزعماء أو غيرهم بصفة خاصة، مثل التزامي هنا في ترجمة الرواية بكل كلمة بل وكل علامة ترقيم. كما أثبت التواريخ التي حفلت بها الرواية كما هي، خاصة أنها تواريخ معروفة ومثبتة ومشهورة، وكاتبنا هنا قام بتوثيقها مرة أخرى من خلال سيرة حياة كاتبنا الكبير نجيب محفوظ. لذلك أقول بكل وضوح وصراحة إني اعتمدت على ما جاء في نص الكاتب كما هو دون تعديل أو تغيير”.
ترجمة الشعر
حسن حجازي: الرواية حافلة بالأسرار وخبايا الأمور
يرى حسن حجازي أن الترجمة بالنسبة إليه قبل كل شيء هواية وليست وسيلة لكسب العيش. ويقول “غايتي حياة بسيطة مستقرة، متفرغ للقراءة والكتابة والترجمة”.
ويضيف “بالعودة إلى الترجمة، بالطبع ترجمة الشعر أكثر صعوبة من ترجمة الرواية. رغم أني واجهت الكثير من الصعاب والمعوقات أثناء ترجمتي لروايات يعود تاريخها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، مثل رواية ‘حياة السيد النبيل تريسترام شاندي وآراؤه’ للروائي الإنجليزي الشهير لورانس ستيرن وروايات جونثان سويفت العديدة التي شرفت بترجمتها، مثل رواية ‘حكاية حوض’ ورواية ‘حرب الكتب’. وكثيرا ما أصادف في ترجمتي أعمالا شعرية تقترب من طبيعة الرواية مثل كتاب الشاعر الأميركي المعاصر جريجوري أور ‘بخصوص الكتاب الذي هو جسد الحبيب’ الذي يضم نصًّا واحدًا يمتد إلى خمسة أجزاء، وهو بمثابة قصيدة واحدة، تبحث عن قيم الحب والجمال والتسامح وتستلهم الأسطورة المصرية الخالدة إيزيس وأوروريس المتعلقة بالبعث والنشور والعودة إلى الحياة”.
ويتابع المترجم “أعود إلى سؤال ترجمة الشعر مرة أخرى، وأرى أن ترجمة الشعر أصعب بكثير من ترجمة الرواية، خاصة الشعر العمودي والشعر العامي، الذي صادفت نماذج منه هنا في رواية ‘الليلة الأخيرة من حياة نجيب محفوظ’، خاصة شعر بيرم التونسي”.
ويؤكد حجازي أن الترجمة بالنسبة إليه حياة بمثابة الهواء والماء. ويعترف بأن الترجمة، رغم أنه كان لها أبلغ الأثر في منجزه الشعري وتنوعه واختلافه إلى حد كبير عن باقي الشعراء، سرقته من الشعر وأخذت من حياته وعمره الكثير.
يقول “إن رواية ‘حياة السيد النبيل تريسترام شاندي وآراؤه’ أخذت من عمري أكثر من خمس سنوات في الترجمة والمراجعة والتنقيح حتى ترى الضوء لتكون متاحة لقارئ لغتنا العربية، إلى حد علمي تصدَّى لهذا العمل الكثير والكثير من المترجمين ولم يكملوه، إما لصعوبة لغته أو لكبر حجمه، حيث يربو على الأربعين جزءا والجزء يضم حوالي أربعين فصلا”.
ويوضح حجازي أنه سبق له أن ترجم أعمالا مهمة يعتز بها كرواية “عاصفة على الشرق” للكاتب السعودي نبيل المحيش، ورواية “خفافيش بيكاسو” للكاتبة الجزائرية آمال بشيري، وكتاب “الجنة” للفلسطيني وهيب نديم وهبة، وديوان “بخصوص الكتاب الذي هو جسد الحبيب” للشاعر والناقد الأميركي جريجوري أور.
قائمة حسن حجازي في الترجمة تتسع وتمتد إلى ما يزيد على الثلاثين كتابا مترجما إلى العربية أو إلى الإنجليزية، لكنه يؤكد أن رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” تبقى من أهم الأعمال التي تشرف بترجمتها لأنها تتناول حياة الروائي الأشهر والحاصل على جائزة نوبل وصاحب المكانة السامية والمرموقة ليس في عالمنا العربي فحسب وإنما في العالم أجمع، بالإضافة إلى أنها تلقي الضوء على حقبة ممتدة بعمر نجيب محفوظ على تاريخ مصر والأمة العربية. وأخيراً أشكر تلك الدعوة إلى هذا الحوار وتستمر رحلة العذاب والعذوبة بين الترجمة والشعر.
حسن حجازي
يُذكر أن المترجم حسن حجازي حسن من مواليد محافظة الشرقية بمصر 1960، حاصل على ليسانس آداب وتربية تخصص لغة إنجليزية، جامعة الزقازيق 1982. عضو اتحاد كتاب مصر وعضو جمعية المترجمين واللغويين المصريين. عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب، وعضو نادي الأدب بالشرقية.
من إصداراته الشعرية: في انتظار الفجر 2007/حواء …. وأنا! 2007/همسات دافئة 2008/التي في خاطري 2009/ 25 يناير… وميلاد جديد 2011/الربيع على ضفاف النيل 2012/رسائل الحنين 2013/ وريقات من كتاب الشعر 2019.
وفي مجال الترجمة الأدبية صدرت له عدة أعمال منها: سبعة أعمار للإنسان، مختارات من الشعر الإنجليزي، ترجمة إلى العربية، 2009. شهقة عطر، شعر أسماء صقر القاسمي، ترجمة إلى الإنجليزية، الشارقة 2011. نزف من تحت الرمال: قصص قصيرة جدًا لحسن البطران، ترجمة إلى الإنجليزية، السعودية 2013. أغنيات على ضفاف النيل، شعر، ترجمة إلى العربية 2013. إبداعات من الشرق والغرب، شعر، مختارات أدبية، ملتقى صدانا، الإمارات الشارقة 2014. تحت شمس دافئة، مجموعة قصصية لإبراهيم درغوثي، تونس، ترجمة إلى الإنجليزية 2014. أنفلونزا النحل، قصص شاعرة، لمحمد الشحات محمد، ترجمة إلى الإنجليزية 2014. عاصفة على الشرق، رواية لنبيل المحيش، ترجمة إلى الإنجليزية، السعودية 2018. حكاية حوض، رواية لجونثان سويفت، ترجمة إلى العربية، دار العولمة بالكويت 2022، وغيرها.
"الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ" تسافر بأسرار الكاتب إلى قراء جدد.
الأحد 2023/02/12
الترجمة سرقتني من الشعر
الترجمة هي الوسيلة الأولى لربط الصلات الثقافية بين الشعوب، ولعل أكثر الكتاب العرب ترجمة هو المصري نجيب محفوظ الذي نال جائزة نوبل للآداب وصار يمثل الثقافة العربية بشكل بارز عالميا، واستعاد كتاب كثيرون سيرة محفوظ ما يجعلها مثيرة للقراء الأجانب، وهذا ما حدا بالمترجم المصري حسن حجازي إلى ترجمة رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” إلى الانجليزية. في ما يلي هذا الحوار معه حول الرواية والترجمة.
جابر بسيوني
صدرت مؤخرا عن دار “الحاضرون” بكندا الترجمة الإنجليزية لرواية الشاعر والروائي المصري أحمد فضل شبلول “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” والتي صدرت بالعربية عن دار “غراب للنشر والتوزيع” بالقاهرة 2022. وقام بالترجمة الشاعر والمترجم المصري حسن حجازي واختار عنوان Naguib Mahofoz and his last night (نجيب محفوظ وليلته الأخيرة) عنوانا للترجمة الإنجليزية رآه يتوافق أكثر مع قارئ اللغة الإنجليزية. ترى ما الذي وجده حسن حجازي في تلك الرواية يستحق الترجمة ويضيف رؤية جديدة إلى القارئ الأجنبي عن نجيب محفوظ؟
عن هذا التساؤل يجيب حسن حجازي قائلا “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” رواية متعددة الأبعاد والرؤى. رواية نلمس من خلالها البعد الإنساني، البعد الوطني، البعد التاريخي، البعد الإبداعي، البعد النفسي، والكثير من الأبعاد الأخرى والدلالات النفسية المتعددة والإسقاطات السياسية المقصودة التي تستلهم من الماضي القريب لتلقي بظلالها على الحاضر المعيش وتلقي الضوء على أحداث تاريخية مهمة واكبت حياة نجيب محفوظ طوال عمره المديد”.
محفوظ والقارئ الأجنبي
"الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ" رواية متعددة الأبعاد والرؤى تلقي الضوء على أحداث تاريخية مهمة واكبت حياة نجيب محفوظ طوال عمره المديد
يقول حسن حجازي “نعود إلى البداية عندما اقترح عليّ كاتبنا ومبدعنا الصديق أحمد فضل شبلول، الذي تربطني به صداقة ممتدة من فترة بعيدة، ترجمة الرواية إلى الإنجليزية، فلم أتردد لحظة، إدراكا مني بأهمية العمل وأثره، فالعمل لا يتناول حياة نجيب محفوظ فقط، بل يلقي الضوء على مصر وتاريخها والحقبة التاريخية التي واكبت حياة نجيب محفوظ من بدايتها حتى واتته المنية. القارئ الأجنبي سيجد عملا يلقي الضوء على الكثير من حياة نجيب محفوظ الشخصية، من حيث النشأة والأسرة والبيئة المحيطة والتعليم. كذلك يلقي الضوء على مدى ارتباطه بوالدته بصورة وثيقة، وكيف أخذت بيده في شتى المراحل، وكيف كانت تأخذه من يده لزيارة الأضرحة وأولياء الله، وكانت تشتري له الكتب عندما أدركت مدى ولعه وشغفه بالقراءة”.
ويضيف “سيجد القارئ الأجنبي الكثير من الأشياء التي لم نكن نعلمها نحن كمثقفين مصريين وعرب عن حياته الشخصية والأسرية فيما بعد، وعن طقوسه الإبداعية، كتخصيصِ وقتٍ محدد للكتابة، ووقت للقراءة، ووقت للتأمل. ثم تخصيص وقت للإجازة والتفرغ. تجلى ذلك في عشقه لمدينة الإسكندرية، بدروبها وفنادقها ومقاهيها وأهلها. كذلك علاقة نجيب محفوظ بالسينما كمؤلف وكاتب سيناريو، وكرقيب يترأس هيئة الرقابة، وكيف تمكن من القضاء على العمولات والرشاوى”.
ويبين أن الرواية كذلك تطرقت إلى حياة نجيب محفوظ الوظيفية، التي كانت له بمثابة شط أمان رغم قلة الراتب، لكنها عادت عليه بالكثير من الفوائد الجمة، خاصة علاقاته بالكثير من الزملاء، مثل يحيى حقي، وطبيعة عمله لفترة ما بوزارة الأوقاف والاحتكاك المباشر بالمرأة المصرية، حيث كان يعمل بإدارة الرهونات. ثم عمله مع العديد مع الوزراء، خاصة في وزارة الأوقاف المصرية، وكيف كان يذهب معهم إلى مجلس النواب وينتظر معهم لوقت متأخر نهاية الجلسات لرصد أي شيء يصدر عن المجلس له صلة بالوزارة نفسها أو وزيرها.
وسيجد القارئ الكثير من الشخصيات البارزة في مصر في شتى المجالات، سواء في مجال السياسة أو الأدب أو الفن أو نجوم التمثيل والتأليف والإخراج. عاصر نجيب محفوظ تاريخ مصر أيام الملكية وما بعد ثورة يوليو 1952 وكيف كانت علاقته بالملكية ثم بالجمهورية.
ويوضح حجازي أن الكتاب زاخر بالشخصيات، حيث نجد جمال عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة. ونجد علاقته بزوجات رؤساء مصر؛ زوجة عبدالناصر، ثم أنور السادات، ثم حسني مبارك. ونجد أيضا سعد زغلول وتمثاله المنصوب في حديقة تحمل اسمه بمحطة الرمل في مدينة الإسكندرية ونظرته تجاه البحر، وتجاه أوروبا، ويعطي ظهره لمصر كأنه يقول “مفيش فايدة” أو ينظر تجاه الحضارة والتنوير وأوروبا. ونجد علاقاته بكوكب شرق أم كلثوم وكيف أطلق اسم ابنته على اسمها، وكيف جاءت إلى مقر جريدة “الأهرام” لتحتفل مع المئات بعيد ميلاده الخمسيني.
من خلال الترجمة يسعى حجازي لجعل القارئ الأجنبي يدرك أن العالم النامي بصفة عامة لديه الكثير من المبدعين
وبالإضافة إلى ذلك يزخر الكتاب، حسب رأيه، بالكثير عن نجيب محفوظ الإنسان والمبدع والموظف، وارتباطه بالمقاهي وشلة “الحرافيش” التي بقيت ودامت لعشرات السنين، وكانت تضم الكثير من المبدعين وضباط الجيش المصري وغيرهم. ونجد أن بعض الضباط الأحرار كانوا من ضمن أصدقاء نجيب محفوظ ومن مجلس قيادة ثورة يوليو.
ويبين أن الرواية تحوي الكثير من الأسرار التي من بينها كانت علاقة محفوظ بالمشير عبدالحكيم عامر وكان على وشك أن يتم القبض عليه لولا تدخل عبدالناصر. كما أنها تلقي الضوء على علاقة نجيب محفوظ بالشاعر نزار قباني وما دار بينهما من معارك على صفحات الجرائد خاصة بعد النكسة، ثم بعد معاهدة السلام، وهو ما يعكس العلاقات العربية مع مصر وما دار من قطيعة ومشاحنات وقطع للعلاقات ونقل جامعة الدول العربية إلى تونس، ثم دور مبارك بعد ذلك.
ويتابع “كما ذكرتُ، فإن الرواية زاخرة بالكثير والكثير من الأحداث، فهي تكاد تحكي تاريخ مصر وكيف واكب نجيب محفوظ تلك الفترات من خلال إبداعه، سواء في الرواية أو القصة أو المسرح، أو من خلال السينما والإذاعة. فنجيب محفوظ في تلك الرواية حاضرٌ بقوة على المستوى الشخصي والإبداعي أو الاجتماعي”.
يقول حجازي “ما لمسته كمترجم للعمل وقارئ جيد لأدب نجيب محفوظ، والذي استطاع الكاتب أن يلقي عليه الضوء بقوة، أن نجيب محفوظ، رغم النجاح والتميز والتكريم، سواء من داخل مصر أو خارجها، نال أرفع الأوسمة والنياشين. فقد كان كإنسان، بعدما تقدم به العمر، يعاني من الكثير من المشاكل الصحية، كضعف السمع والإبصار، ومرض السكري، وغير ذلك. فقد شعرتُ بالإشفاق عليه والتعاطف معه. وكان، نتيجة لإبداعه وصراحته وشجاعته، عرضة للكثير من المشاكل، سواء مع السلطة أو مع دعاة العصب الديني، فقد تعرض لمحاولات القتل والاعتقال أكثر من مرة، وأُصيب أكثر من مرة، وكاد يفقد حياته”.
ويبين أن القارئ الأجنبي سيجد علاقة محفوظ بتوفيق الحكيم وملابسات تعرفه عليه وعلاقته الوطيدة به والكثير من التفاصيل عن العلاقة الأدبية والإنسانية بينهما. كذلك سيجد -على سبيل المثال- الروائي المصري يوسف إدريس ومواقفه العديدة من الجوائز سواء العربية أو المصرية والعلاقة الجافة بينه وبين نجيب محفوظ.
ويقول “في الواقع الرواية حافلة بالأسرار وخبايا الأمور، سواء حياة نجيب محفوظ الشخصية أو الإبداعية، سيجد القارئ كل الأعمال الإبداعية لنجيب محفوظ وظروف كتابتها وأثرها وكيف تحول الكثير منها إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية وإذاعية، وكذلك علاقة نجيب محفوظ بالنقد والنقاد، والرسائل الجامعية التي تناولت أعماله، سواء من جانب العرب أو الأجانب. والأهم ملابسات فوزه بنوبل واحتفاء العالم أجمع بهذا الفوز وسيل التكريمات التي نالها”.
واختلف النقاد حول تصنيف أو تجنيس ذلك العمل ما بين سيرة غيرية وما بين رواية، وتساءل الناقد أحمد صبرة في مقال له عن طبيعة التجنيس الأدبي في هذا العمل؟ أما حجازي فيقول “أثناء ترجمتي هذا العمل، أمضيت وقتا ممتعا في رحاب نجيب محفوظ وليلته الأخيرة، فقد كان هناك خطٌّ دراميٌّ من بداية الرواية يمتد ويتغلغل طوالها، وإن كان يخفت أحيانا. لقد نجح شبلول في الحفاظ على هذا الخط، يغذيه من وقت إلى آخر ببعض المواقف الحياتية من حياة نجيب محفوظ والمواقف العديدة والطريفة من الشخصيات الإنسانية التي تصادف وجودها في حياته”.
ويضيف “نجد بعض المواقف الكوميدية والتراجيدية التي تمسك بتلابيب القارئ وتدفعه إلى مواصلة القراءة. وكذلك نجد جانبًا مهما يتعلق بأدب الرحلات، فقد أفرد كاتبنا فصلا كاملا للسفر في حياة نجيب محفوظ وكيف كان يختلق الأعذار لتجنبه. وقد حفل الفصل الخاص بالسفر بالكثير من المواقف الطريفة والمأساوية؛ عند سفره إلى اليمن، وأثناء حرب اليمن، ويوغسلافيا، وعندما كان هو ورفاقه يحاولون دخول إحدى الغابات هناك ليلا لتحضر الشرطة على الفور، ليس لحمايتهم والخوف عليهم وعلى سلامتهم، بل لأنهم كانوا يزعجون العشَّاق ويكدرون صفوهم. لذا يمكن أن يندرج هذا العمل تحت تصنيف الرواية بامتياز، وإن كان التصنيف حاليا يصعب بسبب تداخل الفنون معا. لكن المؤلف هنا بذل جهدا كبيرا في سبيل أن يخرج هذا العمل بهذا الشكل المتميز”.
قائمة حسن حجازي في الترجمة تتسع وتمتد إلى ما يزيد على الثلاثين كتابا مترجما إما إلى العربية أو إلى الإنجليزية
نسأل المترجم هل نستطيع أن نقول إن الكاتب استطاع أن يكتب سيرة نجيب محفوظ التي لم يكتبها هو في حياته؟ ليجيبنا “نعم هذا صحيح بدرجة كبيرة. فقد ركز الكاتب على جوانب كثيرة ألقى عليها الضوء، سواء على شخصيته أو إبداعه أو علاقته بجريدة ‘الأهرام’ ودوره في حياته وإبداعه أو علاقته بالسلطة الحاكمة على مر مراحل حياته. وكذلك دور الرقابة التي خضع لها مرارا، وكثيرا ما بترت الكثير من أعماله، ثم عندما تولى هو شخصية رئاسة هيئة الرقابة والدور المهم الذي قام به. الجانب المهم الذي ظهر جليًّا في تلك الرواية هو أن العمل الإداري يقتل الإبداع”.
ويضيف “جانب آخر مهم هو القلق الذي يساور المبدع على أموره المعيشية وتدبير متطلبات حياته المعيشية، وهو الجانب الذي عانى منه نجيب محفوظ ونجح في التغلب عليه أحيانا بكتابة السيناريو للعديد من الأعمال سواء في السينما أو التلفزيون أو ما كان يحصل عليه مقابل نشر أعماله أو تحويلها إلى أعمال فنية سواء في السينما أو المسرح أو الإذاعة. وهنا لا نغفل الوظيفة في حياة نجيب محفوظ التي كانت بمثابة الدعم المالي المنتظم لتمثل له شط أمان رغم ضآلته للكاتب والمبدع.
ويقول “يبقى السؤال هنا عن مدى نجاح شبلول في التعبير وفي كتابة سيرة نجيب محفوظ التي لم يكتبها في حياته؟ أقرر بكل وضوح وأمانة: نعم، خاصة وأني قارئ جيد ومتابع لمعظم ما كتبه نجيب محفوظ وما كُتِب عنه. بل وأضاف كاتبنا الكثير وألقى الضوء على جوانب خفية، ليس في حياة نجيب محفوظ فقط، بل في تاريخ مصر والمنطقة العربية، خاصة في الحقبة التي عاشها نجيب محفوظ وكتب عنها”.
الترجمة رسالة
حضور مميز
نسأل المترجم حسن حجازي عن الصعوبات التي وجدها أثناء ترجمته لهذا العمل الكبير (صدر بالإنجليزية في 496 صفحة) فيقول “بصفة عامة لم أصادف صعوبات كبيرة أثناء ترجمتي لهذا العمل المتميز، لكن ثمة صعوبات خاصة في حجم العمل الذي استغرق مني قرابة الستة أشهر في الترجمة والمراجعة والتنقيح. حرصت على تطابق عناوين الروايات مع العناوين المترجمة لتلك الروايات، وهي كثيرة للغاية. كذلك ترجمة بعض القصائد الشعرية لشعراء مثل سيد حجاب، وأمل دنقل وأحمد عبدالمعطي حجازي وبيرم التونسي وعبدالحميد الديب وغيرهم، وحرصت على ترجمة كل تلك القصائد ولم أغفل أي قصيدة”.
ويضيف “كذلك هناك بعض الفقرات في الرواية عندما يبتعد الكاتب عن الأسلوب السردي التقريري المباشر ويترك العنان للغته الشعرية، خاصة عند ذكر الموت والاقتباسات الخاصة بذلك في إبداع نجيب محفوظ، ولاسيما عند ذكره للمشاعر المقدسة كالحج والعمرة وزيارة المدينة المنورة وقبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. كذلك تلك الرسائل العديدة التي كانت ترد إلى نجيب محفوظ من شتى بقاع الأرض حول إبداعه”.
وعن الرسالة التي يريد إيصالها من خلال ترجمة تلك الرواية، يحدثنا حجازي قائلا “رسالة ‘الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ’ تحملها الرواية نفسها ومن ثم ترجمتي لها. فهي تلقي الضوء على مبدع كبير وشخصية جليلة كرَّست حياتها للإبداع وحملت رسالة سامية إلى العالم أجمع، تبشر بالعدل والمساواة، وتحمل لواء الكلمة في مقابل العنف، في مقابل الرصاص؛ فقد أعطى نجيب محفوظ المثل والقدوة في التسامح والعفو”.
ويضيف “جانب مهم تحمله تلك الرواية أيضا، ومن ثم ترجمتي لها، وهو جانب من تاريخ مصر المعاصر، هو طبيعة الشخصية المصرية والتحولات التي طرأت عليها وعلى المنطقة بأسرها، لكن تبقى الأصالة والطيبة وروح التسامح بين مختلف طوائف وفئات الشعب المصري، وتبقى في الوقت نفسه قوة الشخصية المصرية التي رغم الظروف غير المواتية، مثل نكسة 1967، إلا أن هذا الشعب حقق الانتصار وأعاد كرامته رغم التفاوت الكبير في ميزان القوة، سواء في الحرب أو في معركة السلام، ليستعيد كرامته وأرضه”.
حجازي يؤكد أن القارئ سيجد الكثير من الشخصيات البارزة في مصر في شتى المجالات، سواء في مجال السياسة أو الأدب أو الفن أو نجوم التمثيل والتأليف والإخراج
ويتابع “كذلك نريد أن يدرك القارئ الأجنبي أن مصر خاصة وبلدان العالم الثالث بصفة عامة لديها الكثير من المبدعين مثل نجيب محفوظ يستحقون نوبل وأكثر من نوبل. وكذلك نريد أن يصل صوتنا وإبداعنا إلى العالم، ويدرك أننا مثل باقي سكانه، بل نفوقهم في الكثير من المجالات، لو أُتيحَت لنا الظروف المواتية، وبأننا مثلهم نعاني المشاكل والهموم، وأن لنا دورا فاعلا في حل مشكلات العالم والإسهام في رقي البشرية وتقدمها وتحقيق الرفاهية لشعوبها”.
احتوت رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” على شخصيات حقيقية كثيرة وصلت إلى حوالي 410 شخصيات كما صرح المؤلف بذلك، نسأل المترجم كيف تعامل مع هذه الشخصيات، خاصة أن من بينها زعماء مثل أحمد عرابي وجمال عبدالناصر وأنور السادات وسعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهم؟
يقول حجازي “في الحقيقة اكتفيت بترجمة أسماء تلك الشخصيات، خاصة أني أثق في كاتبنا العزيز شبلول وفي أمانته المهنية، ولاسيما أنه اعتمد على الكثير من المراجع والدوريات المهمة والرصينة، أثبتها في نهاية الرواية. بصفة عامة احتفظت بما ورد ذكره في الرواية عن تلك الشخصيات المتعلقة بالزعماء كأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفى النحاس وعبدالناصر والسادات ومبارك وغيرهم، لأن ما ورد هنا يعتبر تأريخا لحقب تاريخية مهمة في تاريخ مصر والأمة العربية وتوثيقا لها”.
ويتابع “التزمت -بكل دقة وحرفية وأمانة- بكل ما تم ذكره هنا في الرواية سواء ما تعلق بهؤلاء الزعماء أو غيرهم بصفة خاصة، مثل التزامي هنا في ترجمة الرواية بكل كلمة بل وكل علامة ترقيم. كما أثبت التواريخ التي حفلت بها الرواية كما هي، خاصة أنها تواريخ معروفة ومثبتة ومشهورة، وكاتبنا هنا قام بتوثيقها مرة أخرى من خلال سيرة حياة كاتبنا الكبير نجيب محفوظ. لذلك أقول بكل وضوح وصراحة إني اعتمدت على ما جاء في نص الكاتب كما هو دون تعديل أو تغيير”.
ترجمة الشعر
حسن حجازي: الرواية حافلة بالأسرار وخبايا الأمور
يرى حسن حجازي أن الترجمة بالنسبة إليه قبل كل شيء هواية وليست وسيلة لكسب العيش. ويقول “غايتي حياة بسيطة مستقرة، متفرغ للقراءة والكتابة والترجمة”.
ويضيف “بالعودة إلى الترجمة، بالطبع ترجمة الشعر أكثر صعوبة من ترجمة الرواية. رغم أني واجهت الكثير من الصعاب والمعوقات أثناء ترجمتي لروايات يعود تاريخها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، مثل رواية ‘حياة السيد النبيل تريسترام شاندي وآراؤه’ للروائي الإنجليزي الشهير لورانس ستيرن وروايات جونثان سويفت العديدة التي شرفت بترجمتها، مثل رواية ‘حكاية حوض’ ورواية ‘حرب الكتب’. وكثيرا ما أصادف في ترجمتي أعمالا شعرية تقترب من طبيعة الرواية مثل كتاب الشاعر الأميركي المعاصر جريجوري أور ‘بخصوص الكتاب الذي هو جسد الحبيب’ الذي يضم نصًّا واحدًا يمتد إلى خمسة أجزاء، وهو بمثابة قصيدة واحدة، تبحث عن قيم الحب والجمال والتسامح وتستلهم الأسطورة المصرية الخالدة إيزيس وأوروريس المتعلقة بالبعث والنشور والعودة إلى الحياة”.
ويتابع المترجم “أعود إلى سؤال ترجمة الشعر مرة أخرى، وأرى أن ترجمة الشعر أصعب بكثير من ترجمة الرواية، خاصة الشعر العمودي والشعر العامي، الذي صادفت نماذج منه هنا في رواية ‘الليلة الأخيرة من حياة نجيب محفوظ’، خاصة شعر بيرم التونسي”.
ويؤكد حجازي أن الترجمة بالنسبة إليه حياة بمثابة الهواء والماء. ويعترف بأن الترجمة، رغم أنه كان لها أبلغ الأثر في منجزه الشعري وتنوعه واختلافه إلى حد كبير عن باقي الشعراء، سرقته من الشعر وأخذت من حياته وعمره الكثير.
يقول “إن رواية ‘حياة السيد النبيل تريسترام شاندي وآراؤه’ أخذت من عمري أكثر من خمس سنوات في الترجمة والمراجعة والتنقيح حتى ترى الضوء لتكون متاحة لقارئ لغتنا العربية، إلى حد علمي تصدَّى لهذا العمل الكثير والكثير من المترجمين ولم يكملوه، إما لصعوبة لغته أو لكبر حجمه، حيث يربو على الأربعين جزءا والجزء يضم حوالي أربعين فصلا”.
ويوضح حجازي أنه سبق له أن ترجم أعمالا مهمة يعتز بها كرواية “عاصفة على الشرق” للكاتب السعودي نبيل المحيش، ورواية “خفافيش بيكاسو” للكاتبة الجزائرية آمال بشيري، وكتاب “الجنة” للفلسطيني وهيب نديم وهبة، وديوان “بخصوص الكتاب الذي هو جسد الحبيب” للشاعر والناقد الأميركي جريجوري أور.
قائمة حسن حجازي في الترجمة تتسع وتمتد إلى ما يزيد على الثلاثين كتابا مترجما إلى العربية أو إلى الإنجليزية، لكنه يؤكد أن رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” تبقى من أهم الأعمال التي تشرف بترجمتها لأنها تتناول حياة الروائي الأشهر والحاصل على جائزة نوبل وصاحب المكانة السامية والمرموقة ليس في عالمنا العربي فحسب وإنما في العالم أجمع، بالإضافة إلى أنها تلقي الضوء على حقبة ممتدة بعمر نجيب محفوظ على تاريخ مصر والأمة العربية. وأخيراً أشكر تلك الدعوة إلى هذا الحوار وتستمر رحلة العذاب والعذوبة بين الترجمة والشعر.
حسن حجازي
يُذكر أن المترجم حسن حجازي حسن من مواليد محافظة الشرقية بمصر 1960، حاصل على ليسانس آداب وتربية تخصص لغة إنجليزية، جامعة الزقازيق 1982. عضو اتحاد كتاب مصر وعضو جمعية المترجمين واللغويين المصريين. عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب، وعضو نادي الأدب بالشرقية.
من إصداراته الشعرية: في انتظار الفجر 2007/حواء …. وأنا! 2007/همسات دافئة 2008/التي في خاطري 2009/ 25 يناير… وميلاد جديد 2011/الربيع على ضفاف النيل 2012/رسائل الحنين 2013/ وريقات من كتاب الشعر 2019.
وفي مجال الترجمة الأدبية صدرت له عدة أعمال منها: سبعة أعمار للإنسان، مختارات من الشعر الإنجليزي، ترجمة إلى العربية، 2009. شهقة عطر، شعر أسماء صقر القاسمي، ترجمة إلى الإنجليزية، الشارقة 2011. نزف من تحت الرمال: قصص قصيرة جدًا لحسن البطران، ترجمة إلى الإنجليزية، السعودية 2013. أغنيات على ضفاف النيل، شعر، ترجمة إلى العربية 2013. إبداعات من الشرق والغرب، شعر، مختارات أدبية، ملتقى صدانا، الإمارات الشارقة 2014. تحت شمس دافئة، مجموعة قصصية لإبراهيم درغوثي، تونس، ترجمة إلى الإنجليزية 2014. أنفلونزا النحل، قصص شاعرة، لمحمد الشحات محمد، ترجمة إلى الإنجليزية 2014. عاصفة على الشرق، رواية لنبيل المحيش، ترجمة إلى الإنجليزية، السعودية 2018. حكاية حوض، رواية لجونثان سويفت، ترجمة إلى العربية، دار العولمة بالكويت 2022، وغيرها.