ما الذي يسبب الاكتئاب؟ الأمر أكثر تعقيداً من كيمياء الدماغ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما الذي يسبب الاكتئاب؟ الأمر أكثر تعقيداً من كيمياء الدماغ

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Causes-Depression-384x253.jpg 
مشاهدات:	19 
الحجم:	41.4 كيلوبايت 
الهوية:	65980

    غالبًا ما يُقال بأنّ الاكتئاب ناتج عن عدم توازن كيميائي، ولكن هذا المصطلح لا يصوّر مدى تعقيد هذا المرض، فالأبحاث تقترح أنّه لا ينتج عن امتلاك القليل جدًا أو الكثير جدًا من ناقل كيميائي معيّن في الدماغ فقط، وإنّما يوجد عدة عوامل أخرى تتداخل فيما بينها لتعطي الاكتئاب، وذلك يتضمن؛ خللًا في تنظيم المزاج، قابلية وراثية، أحداث الحياة القاسية والعصيبة، أدوية وبعض المشاكل الطبية.

    وبالتأكيد، النواقل العصبية (مركبات كيميائية تستخدمها الخلايا العصبية للتواصل فيما بينها) متورّطة في هذه العملية، ولكن الأمر ليس ببساطة أنّ أحدها مرتفع بشدة أو آخر منخفض بشدة، وإنما يتداخل تأثير عدة مركباتٍ كيميائية، منها ما يعمل داخل الخلايا العصبية ومنها ما يعمل خارجها، إذ يوجد الملايين بل المليارات من التفاعلات الكيميائية التي تحدث لتؤلّف النظام المسؤول عن مزاجك وإدراكك وكيفية اختبارك للحياة.





    وبهذه الدرجة من التعقيد يمكنك أن تفهم كيف يمكن لشخصين أن يمتلكا نفس الأعراض الاكتئابية، ولكن المشكلة الداخلية المتسببة في ذلك قد تكون مختلفة، وعلى ذلك العلاج الأفضل قد يكون مختلفًا تمامًا لكل من الحالتين.

    يعلم الباحثون اليوم الكثير حول بيولوجيا الاكتئاب، وقد عرّفوا الجينات التي تجعل الأفراد أكثر قابلية لانخفاض المزاج وتؤثر على كيفية استجابة الفرد للعلاج الدوائي.

    ويومًا ما يُفتَرَض أن تقود هذه الاكتشافات إلى علاجات وأدوية أكثر نوعية، ولكن هذا على الأرجح سيتطلّب سنواتٍ عدّة أخرى، وعلى الرّغم من أنّ الباحثين اليوم يعرفون أكثر من أي وقتٍ مضى عن كيفية تنظيم الدماغ للمزاج، فإن فهمهم لبيولوجيا الاكتئاب ما يزال بعيدًا عن الفهم التام، وما يلي عبارة عن استعراض للفهم الحالي للعوامل الرئيسية التي يُعتَقَد بأنّها تلعب دورًا في الاكتئاب.



    تأثير الدماغ على الاكتئاب


    بعض المناطق في الدماغ مسؤولة عن تنظيم المزاج، ويعتقد الباحثون اليوم بأنّ ما هو أكثر أهمية من مستويات بعض النواقل العصبية الدماغية هو الروابط بين الخلايا العصبية، ونمو الخلايا العصبية، وعمل الدارات العصبية، فهذه العوامل تحمل تأثيرًا كبيرًا على الاكتئاب، ومع ذلك يبقى فهمنا للأسس العصبية للمزاج غير كامل.

    سمحت تقنيات التصوير الحديثة مثل التصوير بالانبعاث البوزيتروني (PET) والتصوير المحوسب باستخدام أشعة غاما (SPECT) والتصوير الوظيفي بالمرنان المغناطيسي (fMRI) بإلقاء نظرةٍ أكثر قربًا على الدماغ وهو يعمل، فعلى سبيل المثال؛ التصوير الوظيفي بالمرنان المغناطيسي يمكنه أن يرصد التغيرات التي تحدث في مناطق من الدماغ عند استجابتها للمهام المختلفة، بينما تستطيع تقنيتا التصوير الأخرتان رسم خريطةٍ للدماغ عن طريق قياسها لتوزيع وكثافة مستقبلات النواقل العصبية في مناطق محددة.





    وقد أدّى استخدام هذه التقنيات إلى فهم أي المناطق في الدماغ هي التي تنظّم المزاج وكيف يمكن أن تتأثر وظائف دماغية أخرى في الاكتئاب كالذاكرة مثلًا، والمناطق التي تلعب دورًا كبيرًا في الاكتئاب هي:

    – اللوزة الدماغية(Amygdala) : وهي جزء من النظام الحوفي أو اللمبي (The Limbic System)، وهو مجموعة من البنى العميقة في الدماغ التي ترتبط بالمشاعر والعواطف مثل؛ الغضب والمتعة والحزن والخوف والإثارة الجنسية، واللوزة الدماغية تتفعّل عندما يسترجع الشخص ذكريات مشحونة بالعواطف، والنشاط فيها يكون أكثر ارتفاعًا عندما يكون الشخص حزينًا أو يعاني من الاكتئاب السريري، وهذا النشاط المرتفع يبقى حتى بعد التعافي من الاكتئاب.





    – المهاد (Thalamus): يستقبل المهاد معظم المعلومات الحسية ويوجّهها نحو الجزء المناسب من القشر الدماغي الذي يدير وظائف عالية المستوى مثل الكلام، التفاعلات السلوكية، الحركة، التفكير، والتعلّم، وتقترح البحوث بأنّ الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder) قد ينتج عن مشاكل في المهاد الذي يساعد في ربط المدخولات الحسية بأحاسيس سارّة أو غير سارّة.

    الحُصَين (Hippocampus): وهو جزء من النظام الحوفي أيضًا، وله دور مركزي في معالجة الذكريات طويلة الأمد واسترجاع الذكريات، والتفاعل بين الحُصَين واللوزة الدماغية قد يكون المسؤول عن القول “لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين”، فهذا الجزء من الدماغ هو الذي يسجّل الخوف الذي تشعر به عندما تواجه كلبًا عنيفًا مثلًا، وذكرى هذه التجربة هي التي تجعلك تبقى متيقّظًا ومحترسًا عندما تصادف كلابًا في حياتك لاحقًا.





    تُظهِر البحوث أنَّ الحُصَين يكون أصغر لدى بعض مرضى الاكتئاب، ففي أحد الدراسات التي تعتمد التصوير الوظيفي بالمرنان المغناطيسي والتي نُشِرَت في دورية العلوم العصبية (The Journal of Neuroscience) قام فيها الباحثون بدراسة حالة 24 امرأة ممن يملكن تاريخًا طبيًا في الاكتئاب، ووجدوا أنّه بشكل وسطي يكون الحُصَين أصغر بنحو 9-13% لدى مريضات الاكتئاب مقارنةً بغير المريضات، وكلما زادت نوبات الاكتئاب التي مرت بها المريضة كان الحُصَين أصغر، والتوتر الذي يلعب دورًا في الاكتئاب قد يكون عاملًا رئيسيًا هنا، إذ يعتقد الخبراء أنَّ التوتر يمكنه أن يثبط إنتاج خلايا عصبية جديدة في الحصين.

    ويحاول الباحثون الآن استكشاف العلاقات المحتملة بين تباطؤ إنتاج الخلايا العصبية في الحُصَين وبين انخفاض المزاج، وفي هذا الشأن يوجد حقيقة مثيرة للاهتمام حول الأدوية المضادة للاكتئاب قد تدعم هذه النظرية، فهذه الأدوية ترفع مباشرة تراكيز النواقل العصبية الكيميائية في الدماغ، ولكن مع ذلك لا يبدأ المرضى بالتحسُّن حتى مرور عدة أسابيع أو أكثر، وهذا دائمًا ما أثار حيرة الخبراء، فإن كان الاكتئاب ناتجًا بشكل رئيسي عن انخفاض في مستويات بعض النواقل العصبية، لمَ لا يتحسَّن المرضى حالما ترتفع مستويات تلك النواقل؟

    وقد يكون الجواب هو أنّ تحسُّن المزاج يحصل عندما تنمو الخلايا العصبية وتشكل روابط جديدة وهذه العملية قد تستغرق أسابيع، وفي الحقيقة أظهرت الدراسات على الحيوانات أنّ مضادات الاكتئاب تقوم بتحفيز نمو وتفرُّع الخلايا العصبية في الحُصَين، وعلى ذلك فالنظرية قد تعني بأنّ القيمة الفعلية لهذه الأدوية قد تكون بتحفيزها لإنتاج خلايا عصبية جديدة بعملية تدعى التخليق أو الاستحداث العصبي (Neurogenesis)، وتقويتها للروابط بين الخلايا العصبية، وتحسينها لتبادل المعلومات بين الدارات العصبية.





    وإذا كان الوضع حقًا كذلك؛ فيمكن أن تُطَوَّر هذه الأدوية بشكل يُحَفِّز التخليق العصبي لا سيّما مع الأمل بأن يشاهد المرضى نتائج أسرع من العلاجات الحالية.



    الاتصالات بين الخلايا العصبية


    نحن نعلم الآن أنّ النواقل العصبية ليست العامل الهام الوحيد في آلية الاكتئاب، ولكن دعونا لا نقلل من أهميتها أيضًا، فالنواقل العصبية هي المركبات الكيميائية التي تنقل الرسائل من خلية عصبية لأخرى، والأدوية المضادة للاكتئاب تميل لأن ترفع تراكيز هذه المركبات في المسافات بين الخلايا العصبية (المشابك العصبية)، وفي كثير من الحالات، يبدو بأنّ ذلك يعطي الدماغ دفعة كافية للعمل بشكل أفضل.

    كل خلية في الجسم لديها القدرة على إرسال واستقبال الإشارات في حين أنّ الخلايا العصبية مصممة خصيصًا لهذه الوظيفة، فالخلية العصبية تتألف بشكل عام من جسم تمتد منه تفرعات صغيرة تدعى التغصنات أو التشعبات وأحد هذه التغصنات يكون أكثر بروزًا وطولًا يدعى المحوار.

    يسمح مزيج من الإشارات الكهربائية والكيميائية بالتواصل بين الخلايا العصبية، وعندما تتفعّل إحدى الخلايا العصبية تنتقل إشارة كهربائية من جسم الخلية إلى المحوار حتى نهايته حيث تختزن النواقل العصبية، وهذه الإشارة تؤدي إلى طرح ناقل عصبي معين إلى المسافة المتواجدة بين محوار الخلية المفعّلة والتغصنات التابعة لخليةٍ مجاورة وهذه المسافة تدعى بالمسافة المشبكية، وبينما يزداد تركيز الناقل العصبي في تلك المسافة تبدأ جزيئاته بالارتباط بمستقبلات متواجدة على أغشية الخليتين.





    إطراح الناقل العصبي من أحد الخلايا العصبية يمكنه أن ينشّط أو يثبّط الخلية العصبية الثانية، فإذا كانت الإشارة منبّهة أو منشّطة ستستمر الرسالة بالانتقال على طول المسار العصبي المحدد أمّا إذا كانت مثبطة فسيتم إيقافها، والناقل العصبي المطروح سيؤثر على الخلية التي تطرحه أيضًا عن طريق آلية تدعى بالتلقيم الراجع (تتحكم بها المستقبلات العصبية)؛ فعندما يتم إطراح كمية معينة من الناقل العصبي سيتم إرسال إشارةٍ تأمر الخلية العصبية بإيقاف ضخّ الناقل العصبي والبدء باسترجاعه بعملية تدعى بإعادة الامتصاص أو إعادة القبط بينما تقوم أنزيمات معينة بتفكيك بقايا جزيئات الناقل العصبي إلى جزيئات أصغر.

    عادةً، تفرز خلايا الدماغ مستويات من الناقل العصبي بشكل يحافظ على عمل وظائف الدماغ بشكل سوي لدى الأشخاص السليمين، بينما يكون النظام المعقّد المسؤول عن ذلك منحرفًا لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد أو الهوس، فعلى سبيل المثال؛ قد تكون المستقبلات العصبية شديدة الحساسية أو غير حسّاسة لناقل عصبي محدد وهذا يؤثر على إطراحه الذي قد يكون مفرطًا أو غير كافٍ، أو قد تضعف الرسالة المنقولة بسبب إطراح الخلايا المرسلة القليل من الناقل العصبي مثلًا أو بسبب حدوث إعادة قبط سريع ومفرط للناقل العصبي قبل أن تأخذ جزيئاته الفرصة للارتباط بمستقبلات الخلية الأخرى، وبشكل عام أيٌّ من هذه الهفوات يمكنها أن تؤثر بشكل كبير على المزاج، والنواقل العصبية التالية يعتقد بأنها تلعب دورًا في الاكتئاب:

    – الأستيل كولين (Acetylcholine): يعزّز الذاكرة ويشارك في التعلّم واسترجاع الذكريات والمعلومات.

    – السيروتونين(Serotonin) : يساعد في تنظيم النوم، الشهية، والمزاج ويثبّط الألم، وتدعم البحوث فكرة أن بعض الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب لديهم انخفاض في انتقال السيروتونين، وترتبط المستويات المنخفضة من السيروتونين بارتفاع خطر الانتحار.

    – النورابينفرين (Norepinephrine): يُقبِّض الأوعية الدموية ويقوم برفع ضغط الدم، وقد يساهم في إطلاق القلق وقد يكون متورطًا في بعض أنواع الاكتئاب، ويبدو أيضًا أنه يساعد في تحديد الدوافع والمكافأة.





    – الدوبامين (Dopamine): ضروري للحركة كما أنّه يؤثر على الدوافع ويلعب دورًا في كيفية إدراك الشخص للواقع، وقد ارتبطت مشاكل انتقال الدوبامين بالذُّهان -وهو شكل حاد من التفكير المشوّه الذي يتمثل بالهلوسة أو الأوهام، وله دور في نظام المكافأة في الدماغ، ولهذا يعتقد بأنه يلعب دورًا في إدمان المخدرات.

    – الغلوتامات (Glutamate): وهو جزيء صغير يعتقد أنّه يؤدّي عمل ناقل عصبي مثير أو منشط، كما أن له دورًا في الاضطراب الثنائي القطب والفصام، والمستويات العالية منه تقود إلى الموت الخلوي، وكربونات الليثيوم -وهي مثبّت مزاج معروف يستخدم لعلاج الاضطراب الثنائي القطب- تساعد على منع تلف الخلايا العصبية في أدمغة الفئران المعرضة لمستويات عالية من الغلوتامات، وتشير البحوث الأخرى على الحيوانات إلى أنّ الليثيوم قد يوازن امتصاص الغلوتامات، وهذه الآلية قد تفسر كيف يخفف الدواء من ارتفاع المزاج في الهوس وانخفاضه في الاكتئاب على المدى الطويل في الاضطراب ثنائي القطب.

    – حمض غاما-أمينوبوتيريك (Gamma-aminobutyric acid): وهو حمض أميني يعتقد الباحثون أنّه يمثّل ناقلًا عصبيًا مثبطًا، ويعتقد أنه يساعد على تهدئة أو تخفيف القلق.



    تأثير الجينات على المزاج


    يتأثر المزاج بعشرات الجينات، وعلى ذلك قد يختلف نمط الاكتئاب بين الأشخاص، والأمل هو أنه عندما يحدد الباحثون الجينات التي تشارك في اضطرابات المزاج ويفهمون بشكل أفضل وظائفها، سيصبح العلاج أكثر فردية وأكثر نجاحًا بحيث يحصل كل مريض على العلاج الأفضل لنوع الاكتئاب الخاص به.

    وبالطبع هناك هدف آخر من أبحاث الجينات، وهو الفهم الدقيق للبيولوجيا التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضةً للاكتئاب، فعلى سبيل المثال؛ العديد من الجينات تؤثر في الاستجابة للتوتر أو الإجهاد وهذا ما يجعلنا أكثر أو أقل عرضة للاكتئاب استجابةً للظروف أو الأحداث القاسية والعصيبة.





    يظهر دور الوراثة أكثر وضوحًا في الاضطراب ثنائي القطب، إلا أنها تلعب دورًا أيضًا في الاكتئاب، فالشخص الذي لديه قريب من الدرجة الأولى عانى أو يعاني من الاكتئاب الكبير (Major Depression) يرتفع خطر إصابته بالاكتئاب بنحو 1.5-3 %أكثر من الشخص العادي.
    أحداث الحياة العصيبة أو المجهدة


    في مرحلة ما، قد يواجه أي شخص بعض الأحداث والظروف القاسية، ومع ذلك لا يتطوّر الاكتئاب لدى كل شخص نتيجةً لذلك، وهذا ما تم توضيحه مسبقًا في تأثير التركيب الجيني على مدى حساسية كل شخص للأوضاع العصيبة، ولكن عندما تجتمع كل من العوامل الجينية والبيولوجية مع الأحداث المجهدة قد يتطوّر الاكتئاب نتيجة لذلك.

    والتوتر له عواقبه النفسية الخاصّة، فهو يعمل على إطلاق سلسلة من التفاعلات والاستجابات في الجسم، فإذا كان الإجهاد أو التوتر قصير الأمد سيعود الجسم إلى وضعه الطبيعي في غالب الأحوال، ولكن عندما يكون الإجهاد مزمنًا، فالتغيرات في الجسم والدماغ يمكن أن تكون طويلة الأمد.

    وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو الديسثيميا (الاكتئاب المعتدل المزمن) يمتلكون عادةً مستويات مرتفعة من الهرمون المطلق لموجهة القشرة (CRH) وهو الهرمون الذي يُفرز عند مواجهة حدث مهدّد أو يدعو للتوتر ويعتقد بأنّ له دورًا كبيرًا في تنسيق الأفكار والسلوكيات وردود الفعل العاطفية والاستجابات غير الإرادية، ويمكن لمضادات الاكتئاب والعلاج الكهربي الحد من ذلك الارتفاع، وبمجرد عودة مستويات هذا الهرمون إلى طبيعتها تتراجع أعراض الاكتئاب، وتشير الأبحاث أيضًا إلى أن الصدمات والرض النفسي خلال مرحلة الطفولة يمكن أن تؤثر سلبًا على عمل هذا الهرمون والمحور الوطائي النخامي الكظري -الذي يتفعل في التوتر- طوال الحياة.
    التأثير الموسمي على المزاج


    اعتلال المزاج الموسمي هو أحد أنماط اضطراب الاكتئاب المرتبط بقصر ساعات النهار، فهو يحدث بعد انتهاء الصيف وبدء الخريف وخلال الشتاء، والنظرية الرئيسية حول سبب ذلك تقول بأنّ هرمون الميلاتونين الذي يفرز في الظلمة له دور رئيسي في ذلك، بينما تقترح نظرية أخرى أنّ ذلك ينتج -ولو بشكل جزئي- عن انحراف في عمل الساعة البيولوجية الداخلية، وبشكل عام تقترن اضطرابات الساعة البيولوجية باضطرابات المزاج الأخرى، إذ أظهرت الدراسات اختلالًا في إيقاع الساعة البيولوجية بين مرضى الاضطراب ثنائي القطب، الفصام، اضطراب الشخصية الحدية، اضطراب الأكل الليلي.



    المشاكل الطبية والدوائية


    ترتبط المشاكل الطبية باضطرابات المزاج التي قد تكون دائمة ومهمة، وفي الواقع قد تكون بعض الأمراض والأدوية الجذور الأساسية لنحو 10-15% من مرضى الاكتئاب، وعلى سبيل المثال؛ فرط نشاط الغدة الدرقية قد يؤدي إلى إطلاق أعراض هوسية، وفي المقابل قصور الغدة الدرقية يقود للإرهاق والاكتئاب.

    ومن الأمراض الأخرى التي ترتبط بالاكتئاب هي الأمراض القلبية، فحتى نصف الناجين من الذبحات القلبية يبلغون عن أحاسيس تُقرَن بالاكتئاب وجزء منهم يطوّر اكتئابًا ذا أهمية سريرية، وهذا بشكل عام يسيء إلى إنذار المرض القلبي لدى المريض بحيث يرتبط ذلك ببطء في التعافي، مشاكل قلبية وعائية في المستقبل، وارتفاع في خطر الوفاة خلال نحو ستة أشهر.

    ومن الأمراض الأخرى التي ترتبط باضطرابات المزاج؛ التصلّب العديد، داء باركنسون، داء الزهايمر، داء هنتغنتون، السكتة الدماغية، عوز فيتامينB12 ، مشاكل في الغدد جارات الدرق والكظرية التي قد تتسبب بفرط أو قصور إفرازهم لهرمونات معينة، أمراض المناعة الذاتية كالذئبة الحمامية، بعض الفيروسات والعدوات كداء وحيدات النوى الخمجي والتهابات الكبد ونقص المناعة المكتسب، السرطان، ومشاكل الانتصاب لدى الذكور.

    عند التفكير بوجود علاقة بين مرض ما واضطراب المزاج الحاصل يجب معرفة وتحديد أي منهما حدث في البداية، وفي حال كان اضطراب المزاج ناتجًا عن المرض ففي الغالب ستزول أعراض هذا الاضطراب بمعالجة المرض الأساسي، ولكن قد يكون اضطراب المزاج مرضًا مستقلًا، وعلى ذلك يجب كشفه وعلاجه.

    في بعض الأحيان، قد تُشاهد الأعراض الاكتئابية أو الهوسية كتأثير جانبي لبعض الأدوية مثل الستيروئيدات وأدوية ارتفاع الضغط بالإضافة إلى طيف واسع من الأدوية، وقد يجعل التاريخ العائلي للاكتئاب الشخص أكثر استعدادًا لحدوث ذلك، ومع هذا عند تناول دواء ما يمكن أن ينتج الاكتئاب من مصدر آخر وليس من الدواء نفسه، ومن المهم معرفة أنّ بعض الأدوية تعطي إحساسًا عامًا بعدم الراحة ونقص في الشهية وهذا قد يتم خلطه عن طريق الخطأ مع الاكتئاب، وبشكل عام عند ملاحظتك لأي تغير ملحوظ في المزاج بشكل متزامن مع بداية تناولك لدواء معين يجب إخبار الطبيب المسؤول عن حالتك بذلك.


    المصدر:.ibelieveinsci
يعمل...
X