ما الذي يجعلنا بشراً؟ اسألوا الدوبامين

أُجريت في الآونة الأخيرة عدة أبحاثٍ منظمةٍ عن طريق مدرسة ييل الطبية (Yale School of Medicine)، وتمثل هذه الأبحاث تحليلًا ضخمًا يتضمن العديد من التفاصيل التي تكشف عن الفروق بين مخ كلٍ من الإنسان، والشمبانزي، وقرد المكاك (macaque monkey)، وهو نوع قريب الصلة بالإنسان والشمبانزي تطوريًّا، وقد نُشرت هذه الورقة البحثية في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 2017م في مجلة ((Science.

وما يثير الاهتمام هو أن هذا المشروع الرائد يكشف عن اختلافات تطورية، متعلقة بإنتاج الدوبامين في القشرة المخية الحديثة ((Neocortex وبالتعبير الجيني (gene expression) في المخيخ، وهذه الاختلافات المكتشفة حديثًا قد تكون صغيرة، ولكنها مميزة للغاية، وفيما يبدو أنها تجعل مخ الإنسان مميزًا.

وليتمكن الباحثون من كشف الاختلافات بين دماغ الإنسان والأنواع الأخرى قريبة الصلة من الـ (primates)، قام العلماء بفحص عينات من أنسجة دماغ ستة أفراد من البشر، وخمسة من الشمبانزي، وخمسة من قرد المكاك، وخلال الفحص والتحليل، أنتج الباحثون (transcriptional profiling) لـ 247 عينة من أنسجة تنتمي لـ 16 منطقة مختلفة من الدماغ، تتضمن اللوزة الدماغية، والقشرة المخية، وغيرهم.



الـ (transcriptional profiling) هي دراسة المجموعة الكاملة من الـ RNA التي تصنع من الـ DNA في جسم الكائن الحي.

ومن أهم الاكتشافات الناتجة من هذه الدراسة، هو اكتشاف أن الدماغ البشري يمتلك وفرة من الدوائر القشرية في كل من القشرة المخية الحديثة، والـ stratum – منطقة في الدماغ مسئولة غالبًا عن الحركة وتسهيل إنتاج الدوبامين-، وبصفة أن الدوبامين ناقل عصبي، فهو يلعب دورًا في غاية الأهمية في إدراك الإنسان لحركة سوائل وغازات الجسم، ونظام المكافأة في الدماغ، وكذلك يحفز مراكز الإحساس بالسعادة، بالإضافة إلى أن المسارات البيولوجية للدوبامين متصلة بالذاكرة، والتفكير المنطقي، وبذكاء الإنسان بشكل عام.

وقد اكتشف أحد الباحثين العاملين على هذا المشروع، أن دماغ الإنسان يعرض زيادة مؤثرة في نشاط وعدد المستقبلات الداخلة (upregulation) في التعبير الجيني للجين (TH)، والذي يدخل في إنتاج الدوبامين، لهذا حدث له تعبير جيني بكثرة في القشرة المخية الحديثة والـ (striatum) للإنسان، وعلى الجانب الآخر، يفتقد الشمبانزي هذا الجين، وقد حاول (Sousa) أحد الباحثين في هذا البحث تفسير ذلك، فقال: “ما حدث غالبا، هو أن التعبير الجيني لهذا الجين قد فُقِد في سلف مشترك بين الإنسان والشمبانزي، ثم عاد ليظهر في الإنسان”.


والاكتشاف الآخر المثير الناتج من هذا البحث يتضمن تطور المخيخ، فهو من أقدم المناطق في الدماغ البشري، وفي الماضي ؛ كان يعد المخيخ منطقة بدائية غير مؤثرة في عملية التفكير، وكان ذلك الرأي السائد بين الخبراء، وكان يُعتقد أنه منطقة مهمة في عمليات ضبط العضلات، والتنظيم، وتوازن الجسم، وتنظيم حركة العين السريعة بين نقاط ثابتة، ولكن في السنوات القليلة الماضية، اكتشف علماء الأعصاب أنه على الرغم من أننا مازلنا نجهل كيف يتم ذلك، إلا أن المخيخ يلعب دورًا مؤثرًا في إدراك الإنسان، وتنظيم المشاعر، وبشكل عام الكيان النفسي للإنسان، وإضافة للعديد من الدراسات عن الإنسان والحيوان، ظهرت وجود علاقة بين الاتصال الوظيفي، والهيكلي لخلايا بوركينجي العصبية (Purkinje neurons) الموجودة في المخيخ، واضطرابات طيف التوحد.

والجدير بالذكر هنا ما كتب في مقدمة الورقة البحثية، وهو يمثل ختامًا جيدًا للمقال لما يوضحه من نتائج وأهمية هذا المشروع باختصار، يقول: “إن تحليلنا للبيانات التي نتجت عن هذا البحث قد أظهر العديد من الصفات للخلايا، والجزيئات الكيميائية في دماغ الإنسان عبر عدة مستويات، التي لها تداخل مع فهم وظائف الدماغ والأمراض المصيبة له”، وإن ذلك وحده يخبرنا أن ننتظر في اهتمام المزيد من النتائج من هذه المقارنة الرائدة بين أدمغة البشر وأسلافهم.


المصدر:.ibelieveinsci