استطاع البحث الذي تضمن نموذجًا رياضيًا كعينة اختبار، تسليط الضوء على ظواهر تتراوح من شهودٍ للعيان، والنمطية، والتوحد، وتم نشر هذه الدراسة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
تقول الدكتورة نينج كين، عالمة الأعصاب والباحثة الرئيسة بالمعهد: “من السهل فهم طريقة الدماغ في ترتيب وتشفير المعلومات”، وتضيف: “يبدأ دائمًا تشفير البيانات من الأشياء السهلة للأكثر تعقيدًا، ولكن الأكثر خداعًا لفهمنا هو كيفية استرجاع أو فك شيفرة هذه البيانات، وذلك لأنه لا توجد طريقة لربط نشاط خلايا المخ بالحكم الإدراكي للشخص”.
وافترض الباحثون ودون دليلٍ مباشرٍ، أن فك التشفير يتبع التسلسل الهرمي نفسه للتشفير من حيث البداية، من الأرضية صعودًا حتى القمة – التفاصيل-، تقول الدكتورة كين: “إثباتًا لخطأ هذا النظام الخيالي، فإن فك التشفير حقيقًة يتحرك للوراء، من المستوى الأعلى للأقل”.
ولاستكشاف هذا التسلسل الهرمي لفك التشفير، قام فريق دكتور كين بإجراء تجربةٍ بتصميم بسيطٍ للوصول إلى تفسيرٍ واضحٍ للنتائج، وكانت التجربة هي قيام 12 شخصًا بعمل سلسلةٍ من المهام المتشابهة، ولاحظوا في البداية خطًا يميل بمقدار 50 درجة على شاشة كمبيوتر لمدة نصف ثانية، وبمجرد اختفاء هذا الخط تم تعيين نقطتين لكل مشتركٍ على الشاشة، تمثلان درجة الخط، وهو ما تذكره المشاركون، وتم إعادة هذه المهمة 50 مرةً، وفي مرة من المرات قام الباحثون بتغيير زاوية الخط لتصبح 53 درجةً، و في مرةٍ أخرى، عُرٍض للمشاركين خطين في الوقت نفسه، واحتاج ذلك لتوجيه كل زوجٍ؛ ليتماشى مع كل زاويةٍ.
وكان من المتوقع في النماذج السابقة لفك التشفير في مهمة الخطين، أنه في البداية سيقوم الشخص بفك تشفير زاوية كل خطٍ (مستوى ضعيف) ومن ثم، استخدام تلك المعلومات لفك تشفير علاقة الخطين ببعضهما (مستوى أعلى).
تقول الدكتورة كين: “غالبًا ما تكون ذكريات الزوايا غير دقيقةٍ، وقد أكدنا ذلك في مهام الخط الواحد، إذًا في مهام الخطين، توقعت النماذج التقليدية أن يتم تسجيل زاوية الخط 50 درجة أعلى من زاوية الخط 53 درجة”.
و لكن ليس هذا ما حدث، إذ فشلت النماذج التقليدية في تفسير العديد من البيانات الأخرى، وأظهر ذلك تفاعلاتٍ ثنائية الاتجاه لكيفية تذكر المشتركين لزاوية الخطين، وتبين أن العقل يُشفِّر الخط الأول، ثم يُشفِّر الآخر، وأخيرًا علاقتهم ببعضهم البعض، ولكن أثناء فك التشفير، طُلب من المشاركين تقديم تقريرٍ عن زاوية كل خطٍ على حدة، فقامت أدمغتهم باستخدام العلاقة السابقة – علاقة الخطين-؛ لتقدير كمية كل زاويةٍ من الزاويتين.
تقول الدكتورة كين: “وكان هذا الدليل القاطع على طريقة فك المشاركين للتشفير بهذه الطريقة العكسية”.
يُجادِل الناشرون حول منطقية فك التشفير العكسي، إذ أن المحتوى هو أهم من التفاصيل، وعند النظر إلى وجهٍ ما، فأنت تريد أن تقييمًا سريعًا ما إذا كان هذا الشخص عابسًا من عدمه، وفقط عند الحاجة، تريد تحديدًا لزوايا حواجب العين، وتضيف كين: “حتى تجاربك اليومية تظهر أن الوعي يبدو أنه يتحرك من المستوى الأعلى للأقل”.
ولتقديم المزيد من الدعم، أعد الناشرون نموذجًا رياضيًا عما يحدث في الدماغ، واستخدموا في هذا النموذج طريقةً تسمى: (الاستدلال البيزي)، وهي طريقةٌ إحصائيةٌ لتقدير الاحتمالات المبنية على الافتراضات الأولية، وعلى عكس النماذج البيزية المثالية، قام هذا النموذج باستخدام المستويات العليا بصفتها معلوماتٍ أوليةً لفك تشفير المستويات الأقل، وبالرجوع إلى مهمة الخط الأولى، قاموا بتطوير معادلة تُقَدّر زاوية كل خط على حدة باستخدام العلاقة التي تربط الخطوط ببعضها، وناسبت تنبؤات النموذج البيانات السلوكية بالفعل.
ويخطط الباحثون في المستقبل للتوسع في عملهم، إذ سيتم تخطي مهام الوعي البسيطة تلك، والبدء في دراسة الذاكرة طويلة الأمد، الأمر الذي قد يجلب آثارًا واسعة النطاق.
تقول كين: “سيساعد هذا العمل في تفسير عمليات الإدراك الأساسية للدماغ التي نستعملها يوميًا”، وتضيف” “بل وسنتمكن أيضًا من تفسير اضطرابات الوعي المعقدة كالتوحد، والذي يُركّز فيه الشخص على التفاصيل في ظل إهمال المضمون الهام”.
المصدر:.ibelieveinsci