أيقونات الزخرف في تمثلات عبود سلمان التكوينية : رياض ابراهيم الدليمي ( العراق )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أيقونات الزخرف في تمثلات عبود سلمان التكوينية : رياض ابراهيم الدليمي ( العراق )

    اتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى د موفق ساوا رئيس تحرير صحيفة العراقية الصادرة من استراليا
    أيقونات الزخرف في تمثلات عبود سلمان التكوينية

    رياض ابراهيم الدليمي

    الاغتراب يعيد تشكل الانسان في أبجديات فكره ووجوده ويعيده حيث الأصل ، وقد يعيش في ظل حالة الاستدعاء الزمني الذاكراتي للمكان وتمثلاته الاجتماعية وقصصه وسرده والذي يظل فيه قابعا تحت هيمنة هذا الاغتراب الروحي المهيمن (الاغتراب هو شعور الإنسان الواعي بحاجته إلى وطن، مع وجوده في الوطن الذي ولد فيه ونشأ على حبه، وذلك لأن الوطن هذا يكون قد تغير كثيرا بحيث لم يعد بالإمكان الارتياح إليه. أما الغربة فهي احساس الإنسان بالحنين إلى الوطن بعد أن يكون قد هجر الوطن حاملا صورة الوطن في مخيلته على شكل ملامح جمالية، وحكايات حب طفولية، وذكريات حلوة ومرة تأبى النسيان).
    ما بين حالة الاغتراب والوعي والحنين للذاكرة تتجسد أعمال الفنان التشكيلي السوري ( عبود سلمان ) فهو لايرمي الى اقتناص منظرا طبيعيا أو مشهدا حياتيا أو يبحر في وجوه الناس وفق لحظة زمنية معاشة بقدر تجسيده لعمق انتمائه الروحي وتأريخه ووجوده .
    تعد رسومه نمذجة لتكريس الهويتين الوطنية والانسانية ولا يمكن الفصل بين الأثنين ، ناهيك عن حالة الوعي الثقافي والمعرفي والتقني التي يتمتع بهم هذا الفنان الحالم المتقوقع تحت أفياء أحلامه وأمانيه بنفس طفولي فطري مشاكس بوعيه للذائقة ولفكر المتلقي .
    انه قارئ نهم للتاريخ والسرد والحدث والمعرفة ، لذا تتأصل تجربته الفنية بين عدة اتجاهات فنية واسلوبية تأخذه ألوانه وخطوطه وزخارفه حيثما الفكرة والثيمة التي تعبر عن هذا الاحتدام الفكري والنفسي الذي يعيشه في لحظة زمنية قد تركت أثرها على بنيته ووجوده ، فتراه يرسم ويزخرف ويخزف ويصمم دون مواربة أو حذر ، وقد تراه منكبا على عمل فني دون غيره ان كان هذا الفن يشبع حالته النفسية والفكرية ، فيخط قلمه حروف اللغة أو يرسم كاريكاتيرا أو تشكيلا فسيفسائيا لونيا من الزخرف العربي والاسلامي والشرقي وغيره.
    ( عبود سلمان ) تعد أعماله بانوراما لونية تكوينية تجسد بخطوطها وألوانها وكتلها وفضاءاتها قصصا عالقة في ذاكرته ولا يدخر جهدا لاستدعائها واستحضاراها لأنها هي التي تشكل هنات حياتيه اليومية كفعل يومي أو تمر كمشهد سينامئي حي مهيمن على دقائق فكره وتنهداته ، فهو يشهق مشهد نهر الفرات ويزفر بوادي أمكنته ، أنه يتلمس وجوه ناسه بأنامله وفرشاته دون وعي وتحضير ، فتراها شكلت لوحاته بفعل الحنين ونوازع اللوعة وهو بعيد عن وطنه أو يقف مشاهدا لما يعصف بوطنه ، وهو الشاهد الذي يسجل كل هنيهة بألم وحسرة ، فتراه يقف عاجزا ومشلولا عن الفعل التاريخي لإنقاذ نسائه وسجلات تأريخه من الحرق والتلاشي وعصف الحروب والتحول الحضاري من حياة البداوة والريف الى حضارة محتدمة يمثلها الايقاع السريع للعولمة والألكترون والثقافة الرقمية ، فترى فرشاته وقلمة مرتبكة حائرة وهو يصور مشاهد البيئة والمجتمع والأحلام في مخيلته ليترك سجلا حافلا بالشخوص والأمكنة وحكايات جدته وأمه ومن حوله ليحيلها الى الزمن الأسطوري بشكل قصدي وليس عفويا ليعطيها زخما فنيا وثقافيا وتأريخيا لتبقى عالقة في متاحف الذاكرة الجمعية كحكايات ( جلجامش وبعل وأفروديت وألف ليلة وليلة ) .
    لوحة ( عبود سلمان ) هي خطوط ومنمنمات رسمت بدقة متناهية ، ويبدو أن الوشم الذي كان يراه يوميا على وجه جدته ونساء مدينته قد حولها الى نقاط وخطوط ودوائر وكتل ومستويات هندسية كمنمنات صغيرة على سطح لوحاته ، وهذه المنمنمات هي النص البصري التكويني المعبر عن الثيمة التي يبغى تصويرها لتصبح أيقونة جمالية ورسالة ثقافية للآخر لتمثل الزهو الانساني والثقافي لبلده وحضارته .
    لوحات الفنان ( عبود سلمان ) هي أعمال شكلت بحرفية التكوين وبدقة متناهية كصائغ الذهب والحلّي ، وهي فسيفساء تكوينية ، ولقد وظف تقنية المهارة في النقش الزخرفي للعنصر المشكل وبتوازن بالخطوط والكتل فيها بهرمونية نسقية تتماشى مع وحدة الموضوع دون زيادة ونقص ، فهو العالم بما ستؤول نهاية أعماله بحرفية الفنان الأكاديمي الحالم .
    لوحته تجدها مجسدة باللون الأسود أو الرمادي وهذه الدلالات اللونية تشير الى الذاكرة والماضي وتدلل على حالة الغياب وبفعل حالة الاغتراب الذي يعني هجرته عن وطنه وحالة الغربة وهي الحنين لكل ما فقده من أرض وماض وناس وأمكنة وأرث لتعبر عن الفقد هذه الألوان والخطوط والنقاط والنقوش كلقى وأثر فني وحياتي مجسد على خاماته ومؤطر في سجل ذاكرته يرافقه أينما حل وارتحل ، وليتركه للأجيال والذاكرة للأبد .
    فهو يقول بهذا الصدد عن سفره وحياته وناسه عشت حياتي في طفولة الحياة حيث ولدت فيها ونشأت وترعرعت هناك مع بيئة أهلي الذين يسكنون المنطقة منذ القدم وأغلب حياتهم قضوها مع الأغنام والرعي والسهول والبادية الشامية وضفاف نهر الفرات ، ومن جماليات تلك الفضاءات الفراتية الحنونة ، عرفت شكل طفولة الحلم الأول فتعمقت صداقتي مع كل الجماليات الممكنة هنا وبحدود العيش المشترك ، عرفت النهر والطمي والزرع والزهور والأشجار والناس ووجوه الأمهات الفراتيات) .
    الرمز الاسطوري تجده حاضرا في المشهد التصوري في أغلب أعماله والذي يبدو أن الحضارة والثقافة المشرقية قد تركت أثرا بالغا على ثقافته وفكره ، فتجد الزي المشرقي بكل تفاصيله مجسد في جل نصوصه البصرية ، وترى آلة الناي واللبس الصوفي مهيمنا على المشهد ، وهذه كلها ايحاءات ودلالات رمزية تمثل ثقافته وثقافة حاضنه البيئي المكاني وتسيدها دون غيرها ، وهي دلالات زمنية تأريخية قد وظفها بجو من السحر والفنتازيا وأحيانا تصل لدرجة العبث اللوني والتكويني ، وهي انزياحات وتشظيات نفسية وفكرية تعبر عما يجول في خاطره وما علق في ذاكرته .
    الملفات المرفقة
يعمل...
X