الاستنساخ البشري وسيلة مستقبلية للمحافظة على تماسك الأسرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستنساخ البشري وسيلة مستقبلية للمحافظة على تماسك الأسرة

    الاستنساخ البشري وسيلة مستقبلية للمحافظة على تماسك الأسرة


    "أغنية البجعة": المستنسخ قادر على التمرّد كما يفعل بعض البشر.
    الاثنين 2022/01/31
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ما الحل إذا تمرّد المستنسخ على البشر؟

    يدرك العلماء أن الاستنساخ هو إنتاج نسخة مطابقة جينيا من خلية أو نسيج أو كائن حيّ، وبينما يخططون ويدرسون سبل استنساخ البشر في المستقبل، إلا أن للفنانين السينمائيين نظرة مخالفة تطرح فرضية أن يمتلك “المستنسخ” صفات آدمية فعلا فلا يكون مجرد “إنسان مستنسخ” عن غيره وإنما يمتلك أحاسيس ومشاعر وإرادة واضحة تمكنه حتى من التمرّد ليصبح خطرا على محيطه.

    منذ تواتر أخبار التجارب الأكثر تطورا عن قضية الاستنساخ وقصة استنساخ النعجة دولي في منتصف تسعينات القرن الماضي، صار موضوع احتمالات أن يأتي زمن يتم فيه استنساخ البشر أحد موضوعات أدب وسينما الخيال العلمي.

    وذهب مخرجو هذا النوع إلى تقديم الكائن البشري المستنسخ كلّ على طريقته، فمنهم من راح يركّز على الجوانب العاطفية ومنهم من اهتم بالقدرات الجسمانية الاستثنائية والخارقة وما بينهما كانت هنالك أفلام تناقش الظاهرة وصولا إلى احتمالات تمرّد المستنسخين على بني البشر.

    وفي هذا المسار نفسه يأتي فيلم “أغنية البجعة” للمخرج الأيرلندي بنجامين كليري ليناقش هذه القضية من خلال قصّة مؤثرة وإنسانية.

    ☚ فيلم "أغنية البجعة" يتميّز بقدر معقول من الإقناع على صعيد البناء المكاني والجغرافيا المكانية

    تقع الأحداث في المستقبل القريب، عندما يتم تشخيص إصابة المصمم الغرافيكي كاميرون (الممثل ماهرشالا علي) بمرض مستعص سوف يؤدي إلى وفاته قريبا، ولصعوبة الأمر على زوجته وطفله ولكي لا يفجعوا بموته تقوم عالمة رائدة باستنساخه بناء على موافقته لكي تبقى أسرته تعيش معه على أساس أنه ما يزال حيّاً بينما هم سيعيشون مع شخص آخر مستنتسخ.

    ومن هذا التأسيس الذي يبدو تجريديا وعلميا تبنى قصّة إنسانية مؤثرة وعميقة تتعلق بالساعات الأخيرة التي بقيت في حياة كاميرون ولكن من دون استدرار للعواطف، ومن ذلك تكريس مشاهد فلاش باك للقاء الأول وهو لقاء التعارف مع بوبي (الممثلة نوامي هاريس) التي سوف تصبح في ما بعد زوجته وأم أولاده وها هما يتعرفان سريعا بعد لقاء عابر في القطار ليعيدنا ذلك الاسترجاع إلى محنة الحاضر المعاش.

    لن يبذل المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو المزيد في هذه الدراما الفيلمية من أجل استدرار عواطفنا لكي نتعاطف مع كاميرون وهو يعيش أيامه الأخيرة بل يترك لتتابع المعلومات عبر المشاهد أن يرسم صورة كلّية للأحداث فهو غير معني بتعجيلها أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإنما يترك لنا مساحة لتلقي المعلومات عن الشخصيات وهي تعيش أيامها العادية بل ويختلط أداؤها مع الحاضر المأساوي الذي لا بد منه في الحصيلة النهائية.

    صور مؤثرة وكثيرة بلا حوارات مطوّلة تلك التي يتم من خلالها التفاعل مع الشخصيات وهي تتفاعل مع الحياة والطبيعة لاسيما وأن كاميرون بطبيعته مولع بالرسم والتخطيطات.

    لكنه وهو في طريقه إلى رحلته الأبدية وما تنطوي عليه من فجيعة فإنه يلتقي مع من هم مثله، مرّوا أو سوف يمرّون بالتجربة وخاصة صديقته الآسيوية التي تحتضر في غابة بعيدة بعد أن تركت الشخصية المستنسخة عنها وهي تعيش مع ابنتها.

    يتم بث المعلومات بشكل سلس وتتكامل عندنا الصورة بشكل متتابع وخاصة أمام قبول كاميرون ذلك المستنسخ الكامل وهو يتمرّد على واقع الحال من دون أن يكون عنده بديل، لذا فإنه يزداد رفضا ولهذا أيضا سوف تجده منطلقا بسيارة الأجرة الكهربائية من دون سائق عائدا إلى أسرته مرات عدة وخارقا البروتوكول الذي أعطاه الحق أن يمضي الوقت المستقطع أما الوقت الحالي فهو شحن شخصية كاميرون في داخل شخصية جاك وتلك هي الإشكالية الملتبسة أن يعيش كل منهما تداعياتها والتي وظف لها المخرج المزيد من التكامل البصري والحوارات الحزينة بين الشخصيتين.

    وخلال ذلك تتراكم الأزمة الإنسانية ويشعر كاميرون بوطأة مغادرته لأسرته مجبرا وإلى الأبد، وخلال ذلك عليه أن يعقد عدة جلسات مع نظيره ونسخته جاك لكي يلقنه المعلومات والأمرّ هو شعورهما بمحنة بعضهما.


    وجهان لا يختلفان كثيرا


    ويسعى كاميرون لمساعدة جاك بما يمكنه من تسيير حياته في المستقبل لكنه مأخوذ عنوة إلى ذلك الحنين الجارف نحو الزوجة والابن، فهو كمن يعيش حالة فصامية وازدواجية قاسية تتمثل في مشاهد اليقظة المفاجئة والكوابيس المتلاحقة التي تربك استقرار الشخصيتين، لاسيما مع المواجهات القاسية بينهما لأسباب عديدة من أهمها التفاصيل الأكثر دقة المرتبطة بطباع الشخصيتين.

    لقد نجح المخرج من خلال فيلمه الروائي الطويل الأول بعد عدد من الأفلام القصيرة أن يقدم نفسه مخرجا متميزا ذا إحساس جمالي مختلف عن السائد، لاسيّما وهو يتدرج في الأحداث ثم وهو يقدم المعلومات من خلال البروفيسورة سكوت (الممثلة غلين كلوز) وبذلك تكاملت حلقات سردية عدة تم من خلالها النفاذ إلى الشخصيتين والتأثير في أشد ما في الذات من أسى وحزن.

    في المقابل كانت اللقاءات مع البروفيسورة المشرفة والحوارات معها قوة إضافية ودفعا للأحداث، لاسيّما مع تلك اللحظات الأكثر ضعفا والتي يكاد فيها كاميرون أن يتراجع عن قرار استنساخه.

    تميز الفيلم بقدر معقول من الإقناع على صعيد البناء المكاني والجغرافيا المكانية وقد عززت ذلك الإدارة الفنية وتصميم المناظر الذي برعت فيه “آني بيشامب” وفريقها. وكان إعطاء المزيد من المساحات المكانية والزمنية للطبيعة مبررا منطقيا تكامل مع أجواء عمل البروفيسورة التي تقول إن عدد العاملين في عيادتها خمسون شخصا فقط، وهم في الواقع شخصان أو ثلاثة من البشر في مقابل أكثر من أربعين روبوت من الذكاء الاصطناعي وهي صورة مستقبلية بليغة لواقع حال لا بد منه وشكل مستقبلي طريف ومؤثر جمع ما بين الدراما الإنسانية وبين الخيال العلمي ويبحر بنا في مستقبل الذكاء الاصطناعي وفرضيات استنساخ البشر.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    طاهر علوان
    كاتب عراقي مقيم في لندن
يعمل...
X