السجون نماذج مصغرة من المجتمعات العربية في فيلم "شرف"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السجون نماذج مصغرة من المجتمعات العربية في فيلم "شرف"

    السجون نماذج مصغرة من المجتمعات العربية في فيلم "شرف"


    تحويل الرواية إلى فيلم يفقدها الكثير من جماليتها ولا يقدم إضافة سينمائية.
    الاثنين 2022/11/07
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فيلم يؤكد أن الشرف منعدم داخل السجون وخارجها

    أفلام السجون ليست أفلاما جديدة بل تعود إلى عقود خلت، لكن الجديد فيها أن كل مخرج يحاول تطويع عالم السجون لتصوير نظرته الذاتية للأنظمة السياسية والظواهر الاجتماعية. وهو باختياره السجن كإطار مكاني رئيسي ووحيد للأحداث يضع نفسه في تحدّ صعب ومقارنات عديدة فما بالك إن كان الفيلم مقتبسا من عمل روائي سبق أن حاز إشادة واسعة لاهتمامه بأدب السجون.

    قبل نحو ستة وعشرين عاما، رأت “شرف” رواية المؤلف المصري الشهير صنع الله إبراهيم النور، لتلفت الانتباه إلى تحليله العميق لواقع السجون العربية، حتى أنه تم تصنيفها كثالث أحسن رواية في قائمة أفضل مئة رواية عربية، وفيها يراوح الكاتب بين عالم السجون المتخيل والمعاش، حيث كان سجين رأي لفترات متباعدة ومتكررة.
    لا شيء تغيّر


    بعد عقدين من الزمن، اختار المخرج المصري سمير نصر أن يعيد الاشتغال على الرواية، وتحديدا على جزء منها، ويقدمه في معالجة سينمائية روائية شاركه في صياغتها مؤلف الرواية، ولم يكتف الثنائي بالتنويه بأن فيلم “شرف” هو مقتبس من الرواية، بل أكد أنه دعوة لعيش الحياة والالتفات إلى الواقع الذي يستحق العيش والنقد والتحليل أكثر من عالم الخيال الروائي.

    ويقوم ببطولة فيلم “شرف” الممثلون أحمد المنيراوي، فادي أبي سمرة، خالد هويسة، رضا بوقديدة، توفيق البحري، وآخرون، لكن عامة فإن طاقم التمثيل من تونس ومصر ولبنان وفلسطين.

    تطلب إنجاز الفيلم من مخرجه سمير نصر، الاشتغال عليه لمدة سبع سنوات، حيث لم يجد منتجا يؤمن بأهمية العمل السينمائي إلا بعد جهد وعناء مكناه أخيرا من أن ينتج فيلما سينمائيا، يقول عنه هو إنه ليس اقتباسا حرفيا لرواية صنع الله إبراهيم، في حين يبدو مقاربا لها حد التطابق.



    وتناول سمير نصر خلال الفيلم، صعوبة الحياة وراء القضبان من خلال قصة شرف، الشاب الذي يدخل السجن بعد جريمة دفاع عن النفس. وفي رحلة شرف داخل السجن يكتشف طبيعة شخصيته، اضطراباته، مخاوفه، كما يكتشف الآخر باعتباره صورة مصغرة عن المجتمع، ويتعامل مع السجن بصفته نموذجا من الواقع بكل تجلياته.

    ولا يبتعد الفيلم بالفعل عن الرواية، بل هو إعادة إحياء لها في ذاكرة القراء، قد يستفزهم الفيلم للبحث عنها وقراءتها.

    وفي الفيلم كما في الرواية، يحضر أشرف عبدالعزيز سليمان أو “شرف“، بطل الفيلم الذي هو شاب في أوائل العشرين من عمره، من أسرة من الطبقة المتوسطة التي شوهت حياتها بعوامل الانفتاح الاقتصادي ونظام السوق الحرة والخصخصة والعولمة والسياسات النيوليبرالية، يحمله دفاعه عن شرفه إلى السجن في جريمة قتل، وهناك يكتشف عالم الفساد والرشاوى وأنواع انتهاك الحقوق البشرية.

    يمثل عالم شرف في السجن مرآة عاكسة للدنيا في الخارج المتوزعة بين طبقات مالكة وغير مالكة، حيث تتحكم الرشوة والمحسوبية في الحياة، إذ ينتقل من العنبر الشعبي المضطهد إلى العنبر الملكي أين يعيش المفكرون والأغنياء وأصحاب الجاه من المحكومين، وهناك يتعرف الشاب الساذج على مفكر وباحث، إنه الدكتور “رمزي” (فادي أبي سمرة) الذي حملته أفكاره المنددة بتجاوزات الشركات العالمية المتخصصة في الأدوية وتجاربها غير القانونية على البشر، إلى السجن المؤبد، في قضية كيدية محكمة التنفيذ، فيحاول أن يكون صوت المظلومين والمقهورين، وصوت الحق والحقيقة، لينير بصائر المساجين ويطور وعيهم بمجريات الأحداث من حولهم.

    ويحافظ الفيلم على صورة البطل الإشكالي، وعلى العقدة منذ البداية، حيث يبدأ بمشهد دخول البطل صاحب المشكلة مجهولة التفاصيل إلى السجن، لتتصاعد العقدة تدريجيا على أن تتفكك في آخر مشهد حيث يختار شرف الذي دخل السجن دفاعا عن شرفه أن يفرط فيه مقابل أن يعيش داخل السجن في مستوى جيد، وهو في حقيقة الأمر انعكاس لـ”سجن الحياة” الذي قد يجبر الإنسان على أن يضحي بكل قيمه ومبادئه ليضمن له حياة مرفهة.

    ويظل البطل الإشكالي طوال الفيلم شخصية مركزية للأحداث داخل السجن، الذي يبدو كخلفية مثالية تعرض للمشاهد مواضيع الفساد والنفاق والإحباط الجنسي والبلطجة والتعصب الديني والشعوذة دون أي بصيص من نور أو أمل في شخصية إيجابية كنموذج يخلق التوازن في السجن وفي الحياة وفي الفيلم عدا شخصية الدكتور رمزي.

    كما يتخلى المخرج سمير نصر في الفيلم عن صورة البطل الإيجابي، ليصدم المشاهد بصورة غير متوقعة لكنها الأقرب للواقع المعاش في العالم العربي، فالحالة الإيجابية لم تعد مقبولة في الأعمال الفنية كما في الواقع الذي تسيطر عليه الحروب والنزاعات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
    معالجة سطحية



    نموذج لم يتغير عن الدكتاتوريات العربية


    رغم أن الممثلين المشاركين في الفيلم وفي مقدمتهم البطلان شرف ورمزي (أحمد المنيراوي وفادي أبي سمرة) أبديا قدرات كبيرة على التمثيل وتمكنا من أدواتهما ومواهبهما، مع الأخذ في الاعتبار أن المنيراوي يمثل أول دور في مسيرته، إلا أن الفيلم جاء أقرب إلى المعالجة السطحية والبسيطة جدا للرواية، فهو داخل سجن ككل السجون العربية، لا جديد فيه، ولا جديد يقدمه، ورغم ذلك فاز بجائزة أفضل ديكور في الدورة الثالثة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية.

    وأغلب الممثلين الناطقين بلهجات غير لهجاتهم الأصلية هم إما أتقنوا اللهجة وتناسوا جودة الأداء التمثيلي أو كان تمكنهم من اللهجة مضطربا في حين جاء أداؤهم التمثيلي مقبولا. كما أن شخصيات الفيلم كانت في مجملها مصرية وتونسية وجزائرية ولبنانية، وبرر المخرج ذلك بأنه يريد من الفيلم الحديث عن العالم العربي. لكن ألم يسأل نفسه هل أن “الهم” والظلم والسجون والأنظمة الاستبدادية والرأسمالية لا مكان لها من الرقعة الجغرافية العربية إلا هذه الدول والآخرون ينعمون في جنات من الديمقراطية؟

    ولم يغادر المخرج أسوار السجن، بل سجن المشاهد والأبطال داخله، وحتى سردهم لخلفياتهم الاجتماعية ودوافعهم الإجرامية، جاء على شكل حكايات ذاتية، لم يعتمد فيها المخرج تقنيات أخرى قد تضفي البعض من الجمالية على الفيلم، كتقنية السرد الاسترجاعي أو الفلاش باك التي سبق أن اعتمدها صنع الله إبراهيم في الرواية وكانت تأكيدا على تمكن الكاتب من السرد وقدرته الكبيرة على التحكم في تقنياته.

    وبالنظر إلى سيناريو الفيلم، فهو شديد التماسك والترابط والوضوح، وربما يعود ذلك بنسبة كبيرة إلى مشاركة صنع الله إبراهيم في كتابته، وهو العالم بروايته وتفاصيلها وعوالم شخصياته، فهو “خالقهم”، وهو القادر على توجيه المخرج فكرا وكتابة نحو التمسك بخيط الأحداث المترابط وبالنص والحوار والرسائل المراد نقلها للمتفرج.
    الفيلم جاء أقرب إلى المعالجة السطحية لرواية “شرف”، فهو داخل سجن ككل السجون العربية، لا جديد فيه، ولا جديد يقدمه

    ورواية “شرف” هي رواية مهمة وهي من أيقونات الأدب العربي، وصنع الله إبراهيم كان فيها راويا متمكنا من سرد التفاصيل الدقيقة بقدرة كبيرة على شد انتباه القارئ وإقناعه وكسب وده وتعاطفه، لكن المعالجة السينمائية هي التي جاءت مضطربة، تبدو أقرب إلى معالجة فيلمية لموضوع السجون في سنوات السبعينات والثمانينات حين انتشرت “سينما السجون” عربيا وعالميا، متزامنة مع حركة القومية العربية ورغبة الشعوب في التحرر والتغيير وما صاحبها من خطاب ثوري عروبي يكره الأنظمة السياسية بما فيها الملكية وينتفض انتصارا للشعب ضد الرأسمالية الجشعة.

    والرواية تعدّ واقعية جدا من حيث مواضيعها، فكل ما تتعامل به مأخوذ مباشرة من المجتمع المصري على أساس الحقائق المتواجدة في الحياة اليومية، وتحويلها إلى فيلم روائي واقعي عن حقائق المجتمع العربي ينفي كل أوجه الاختلاف ويجعل المجتمعات العربية شديدة التطابق.

    صنع الله الذي شارك في كتابة الفيلم، يبدو أنه لم يتخلص بعد من زمن “سجنه” وزمن كتابة الرواية أو هو بالفعل زمن لم ينته من التأثير في الواقع العربي المشترك، أو هو ربما أيضا أثر في مخرج الفيلم، الذي لم يستطع الإفلات بعمله من شعارات كانت ترددها الشعوب العربية في الماضي وظلت ترددها لسنوات، وهي شعارات صارت اليوم “كليشيهات” مكررة لا تقدم الجديد في المشهد السينمائي.

    “حاولنا خلال هذا العمل أن نربط بين معرفة الأستاذ صنع الله بالتفاصيل وخبرته الواسعة في الحياة داخل السجن، وبين رؤيتي عن كيفية تكثيف هذه الرواية الملحمية في شكل سينمائي قوى ومحكم”، هذا ما يؤكده مخرج الفيلم سمير نصر، لكنه حقيقة لم يقدم الجديد ولم ينجز فيلما برسالة عميقة أو جديدة وإنما هو أشبه بأفلام كثيرة تناولت عالم السجون العربية.



    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X