فيلم "التلفون الأسود"..أحلام فتاة صغيرة تكشف عن قاتل متسلسل
الفيلم يقدم صورة نمطية للحياة في أحياء سكنية للطبقة المتوسطة في ثمانينات القرن الماضي.
الأحد 2022/09/11
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فيلم يفضح مظاهر العنف القاتل
المشاهد الأولى لفيلم “التلفون الأسود” وهي تقدم صورة معتادة للحياة اليومية الروتينية، وبما فيها حياة تلاميذ المدارس وهم يعيشون أجواء العنف ويمارسونه في ما بينهم بضرب بعضهم بعضا، كل هذه التفاصيل تبدو تمهيدا كافيا لهذا الفيلم للمخرج سكوت ديركسون، الذي يقدم لنا صورة نمطية للحياة في أحياء سكنية للطبقة المتوسطة في ثمانينات القرن الماضي.
مع هذا التمهيد سوف ننتقل مباشرة إلى أولى حوادث الاختطاف لواحد من أولئك الفتية المراهقين، ثم يأتي الثاني فالثالث، وكل ذلك بحسب سيناريو متكرّر سوف نشاهد تفاصيله مع اختطاف فين (الممثل ماسون تيمس) على يد رجل يضع على وجهه قناعا، وفي كل مرة يطلق بالونا أسود بعد إتمام كل عملية اختطاف.
في موازاة هذا المسار السردي هنالك حياة فين السابقة مع والده المدمن على الخمور وشقيقته الودودة غوين (الممثلة مادلين مكراو) وهي أيضا ضحية العنف، إذ يقوم والدها بجلدها مرارا لثنيها عن رواية أحلامها الغريبة التي يخشى الأب أن تكون امتدادا أو شبيهة لأحلام والدتها، التي انتهى بها الأمر إلى الجنون والانتحار.
الدراما المتميزة إخراجا وتمثيلا وموسيقى تصويرية ومؤثرات ومونتاجا مأخوذة عن قصة قصيرة كتبها جو هيل
على أن شخصية غوين الودودة والحساسة سوف تجعلنا نتعاطف معها بشدة وهي تروي أحلاما تشاهد فيها أولئك الفتيان الضحايا وكيفية اختطافهم، أما وقد اختطف أعز ما تملك وهو شقيقها فين فإنها تصلي من أجل أن يأتيها في المنام فتعرف أين هو ومن هو الذي اختطفه.
في موازاة ذلك هنالك حياة أخرى كاملة، هي حياة فين تحت سطوة من اختطفه، وهو شخص سايكوباثي يرتدي قناعا على الدوام، وكل ذلك في مخبأ محصن ومعزول صوتيا تحت منزل شقيق الخاطف مباشرة، هنا يبدأ تلفون أسود معلق على الحائط بالرنين، وهنا يبدأ الحوار بين فين وبين أصدقائه المخطوفين، وهم يتتابعون عليه في كل يوم يتصل به واحد منهم لكي يرشده إلى كيفية الخلاص وأن يلقى الخاطف مصيره وبذلك يكونون قد أخذوا ثأرهم منه.
في العديد من الأفلام هنالك الشخصية المعزولة والمحتجزة في قبو وكيف تكافح من أجل البقاء والخلاص من المحنة والأزمة، وهو نفسه ما يمر به فين وهو يبحث في تلك الحجرة الصندوقية المغلقة عن أي منفذ للخروج من المأزق.
تثير أفعال فين والاتصالات التلفونية التي يتلقاها من أصدقائه الذين سبق وتم اختطافهم ولم يعرف مصيرهم تساؤلات شتى حول حقيقة تلك الاتصالات من أشخاص لا يتذكرون حتى أسماءهم، وفي كل الأحوال ووسط ذلك الجو المشحون بالرعب والنزعة الإجرامية للخاطف، لابد وأن نعود إلى تأثير شخصية الأم ومواهبها الخاصة التي كما انتقلت إلى طفلتها فإن جزءا ولو يسيرا منها قد انتقل إلى فين، وإلا لا يوجد تفسير لذلك النوع من الاتصالات.
الحاصل أن المكالمات التلفونية من الضحايا هي التي سوف تبعث الأمل في داخل فين وتعيد الثقة لنفسه بأنه قادر على تجاوز المحنة والخروج منها، وبذلك فإنه يتبع تعليمات أصدقائه الذين يتحدثون إليه ويصفون له الثغرات التي في ذلك السجن، والتي من الممكن استغلالها والخروج من خلالها، وهو ما يتحقق فعلا، إلا أن الفرحة لن تدوم، إذ سرعان ما يلاحق الخاطف فين ويتمكن من الإمساك به وإعادته مجددا.
ولنمض مع تلك الدراما الفيلمية والبناء السردي ومع انهماك فين في البحث عن مخرج، وفي ذات الوقت الانتقام لأصدقائه الذين تم اختطافهم وقتلهم.
أما أحلام غوين فما لبثت أن تحولت إلى حبكة فرعية أو ثانوية وجهت مسار الأحداث باتجاه آخر، لاسيما مع مثابرتها وصبرها على إيجاد شقيقها المختطف، وصولا إلى أن الحلم يريها بالضبط المنزل الذي يحتجز فيه فين وحتى رقمه، بما يدفعها إلى الاتصال بالشرطة التي تستنفر كل قدرتها، وبالفعل سوف يعثرون على الضحايا المدفونين وبالطبع سوف نشاهد فين وهو يجهز على الخاطف ويحرر نفسه منه في سلسلة مشاهد مؤثرة.
الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة كتبها جو هيل، وهو ابن الكاتب الشهير ستيفين كينغ
لاشك أن هذا التحول بمجمله على الرغم من قسوته إلا أنه سوف يصلح العلاقة المرتبكة والقائمة على العنف بين فين وشقيقته من جهة، ووالدهما من جهة أخرى، وستكون هذه الأحداث كافية لإدراك الأب أن ما تتمتع به الابنة من قدرات استثنائية من خلال أحلامها وإلى حد ما قدرات فين هي قدرات حقيقية، وهي مفيدة وليست ضارة كما يظن هو.
ومن جهة أخرى لابد من التوقف عند الأرضية التي تم التأسيس عليها من خلال العنف في داخل المدارس وما يتعرض له التلاميذ من عمليات تنمر واستقواء، وبذلك يصبح أولئك التلاميذ وعائلاتهم ملاحقين بنوعين من العنف الذي قد يفضي إلى الموت، الأول هو بين التلاميذ أنفسهم ونزعة الانتقام التي تشتعل في نفوس تلاميذ عدوانيين، ومن جهة أخرى انحرافات الكبار السياكوباثيين الذين يتلذذون بإيذاء الصغار وتدميرهم نفسيا، وكذلك إيذاء عائلاتهم نفسيا.
هذه الدراما الفيلمية المتميزة إخراجا وتمثيلا وموسيقى تصويرية ومؤثرات ومونتاجا مأخوذة عن قصة قصيرة كتبها جو هيل، وهو ابن الكاتب الشهير ستيفين كينغ، فيما شارك في كتابة السيناريو سكوت ديركسون وروبرت كارغيل.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
الفيلم يقدم صورة نمطية للحياة في أحياء سكنية للطبقة المتوسطة في ثمانينات القرن الماضي.
الأحد 2022/09/11
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فيلم يفضح مظاهر العنف القاتل
المشاهد الأولى لفيلم “التلفون الأسود” وهي تقدم صورة معتادة للحياة اليومية الروتينية، وبما فيها حياة تلاميذ المدارس وهم يعيشون أجواء العنف ويمارسونه في ما بينهم بضرب بعضهم بعضا، كل هذه التفاصيل تبدو تمهيدا كافيا لهذا الفيلم للمخرج سكوت ديركسون، الذي يقدم لنا صورة نمطية للحياة في أحياء سكنية للطبقة المتوسطة في ثمانينات القرن الماضي.
مع هذا التمهيد سوف ننتقل مباشرة إلى أولى حوادث الاختطاف لواحد من أولئك الفتية المراهقين، ثم يأتي الثاني فالثالث، وكل ذلك بحسب سيناريو متكرّر سوف نشاهد تفاصيله مع اختطاف فين (الممثل ماسون تيمس) على يد رجل يضع على وجهه قناعا، وفي كل مرة يطلق بالونا أسود بعد إتمام كل عملية اختطاف.
في موازاة هذا المسار السردي هنالك حياة فين السابقة مع والده المدمن على الخمور وشقيقته الودودة غوين (الممثلة مادلين مكراو) وهي أيضا ضحية العنف، إذ يقوم والدها بجلدها مرارا لثنيها عن رواية أحلامها الغريبة التي يخشى الأب أن تكون امتدادا أو شبيهة لأحلام والدتها، التي انتهى بها الأمر إلى الجنون والانتحار.
الدراما المتميزة إخراجا وتمثيلا وموسيقى تصويرية ومؤثرات ومونتاجا مأخوذة عن قصة قصيرة كتبها جو هيل
على أن شخصية غوين الودودة والحساسة سوف تجعلنا نتعاطف معها بشدة وهي تروي أحلاما تشاهد فيها أولئك الفتيان الضحايا وكيفية اختطافهم، أما وقد اختطف أعز ما تملك وهو شقيقها فين فإنها تصلي من أجل أن يأتيها في المنام فتعرف أين هو ومن هو الذي اختطفه.
في موازاة ذلك هنالك حياة أخرى كاملة، هي حياة فين تحت سطوة من اختطفه، وهو شخص سايكوباثي يرتدي قناعا على الدوام، وكل ذلك في مخبأ محصن ومعزول صوتيا تحت منزل شقيق الخاطف مباشرة، هنا يبدأ تلفون أسود معلق على الحائط بالرنين، وهنا يبدأ الحوار بين فين وبين أصدقائه المخطوفين، وهم يتتابعون عليه في كل يوم يتصل به واحد منهم لكي يرشده إلى كيفية الخلاص وأن يلقى الخاطف مصيره وبذلك يكونون قد أخذوا ثأرهم منه.
في العديد من الأفلام هنالك الشخصية المعزولة والمحتجزة في قبو وكيف تكافح من أجل البقاء والخلاص من المحنة والأزمة، وهو نفسه ما يمر به فين وهو يبحث في تلك الحجرة الصندوقية المغلقة عن أي منفذ للخروج من المأزق.
تثير أفعال فين والاتصالات التلفونية التي يتلقاها من أصدقائه الذين سبق وتم اختطافهم ولم يعرف مصيرهم تساؤلات شتى حول حقيقة تلك الاتصالات من أشخاص لا يتذكرون حتى أسماءهم، وفي كل الأحوال ووسط ذلك الجو المشحون بالرعب والنزعة الإجرامية للخاطف، لابد وأن نعود إلى تأثير شخصية الأم ومواهبها الخاصة التي كما انتقلت إلى طفلتها فإن جزءا ولو يسيرا منها قد انتقل إلى فين، وإلا لا يوجد تفسير لذلك النوع من الاتصالات.
الحاصل أن المكالمات التلفونية من الضحايا هي التي سوف تبعث الأمل في داخل فين وتعيد الثقة لنفسه بأنه قادر على تجاوز المحنة والخروج منها، وبذلك فإنه يتبع تعليمات أصدقائه الذين يتحدثون إليه ويصفون له الثغرات التي في ذلك السجن، والتي من الممكن استغلالها والخروج من خلالها، وهو ما يتحقق فعلا، إلا أن الفرحة لن تدوم، إذ سرعان ما يلاحق الخاطف فين ويتمكن من الإمساك به وإعادته مجددا.
ولنمض مع تلك الدراما الفيلمية والبناء السردي ومع انهماك فين في البحث عن مخرج، وفي ذات الوقت الانتقام لأصدقائه الذين تم اختطافهم وقتلهم.
أما أحلام غوين فما لبثت أن تحولت إلى حبكة فرعية أو ثانوية وجهت مسار الأحداث باتجاه آخر، لاسيما مع مثابرتها وصبرها على إيجاد شقيقها المختطف، وصولا إلى أن الحلم يريها بالضبط المنزل الذي يحتجز فيه فين وحتى رقمه، بما يدفعها إلى الاتصال بالشرطة التي تستنفر كل قدرتها، وبالفعل سوف يعثرون على الضحايا المدفونين وبالطبع سوف نشاهد فين وهو يجهز على الخاطف ويحرر نفسه منه في سلسلة مشاهد مؤثرة.
الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة كتبها جو هيل، وهو ابن الكاتب الشهير ستيفين كينغ
لاشك أن هذا التحول بمجمله على الرغم من قسوته إلا أنه سوف يصلح العلاقة المرتبكة والقائمة على العنف بين فين وشقيقته من جهة، ووالدهما من جهة أخرى، وستكون هذه الأحداث كافية لإدراك الأب أن ما تتمتع به الابنة من قدرات استثنائية من خلال أحلامها وإلى حد ما قدرات فين هي قدرات حقيقية، وهي مفيدة وليست ضارة كما يظن هو.
ومن جهة أخرى لابد من التوقف عند الأرضية التي تم التأسيس عليها من خلال العنف في داخل المدارس وما يتعرض له التلاميذ من عمليات تنمر واستقواء، وبذلك يصبح أولئك التلاميذ وعائلاتهم ملاحقين بنوعين من العنف الذي قد يفضي إلى الموت، الأول هو بين التلاميذ أنفسهم ونزعة الانتقام التي تشتعل في نفوس تلاميذ عدوانيين، ومن جهة أخرى انحرافات الكبار السياكوباثيين الذين يتلذذون بإيذاء الصغار وتدميرهم نفسيا، وكذلك إيذاء عائلاتهم نفسيا.
هذه الدراما الفيلمية المتميزة إخراجا وتمثيلا وموسيقى تصويرية ومؤثرات ومونتاجا مأخوذة عن قصة قصيرة كتبها جو هيل، وهو ابن الكاتب الشهير ستيفين كينغ، فيما شارك في كتابة السيناريو سكوت ديركسون وروبرت كارغيل.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن