"العميل المنشقّ".. عاشق سايكوباثي يوقع بالنساء بألاعيب لا تنتهي
فيلم يمزج بين الجاسوسية وشخصية المخادع التي لا ترحم.
الأحد 2022/08/28
انشرWhatsAppTwitterFacebook
يتنقل بكل خفة ورشاقة من ضحية إلى أخرى
تغري الشخصيات السايكوباثية المخرجين السينمائيين للعمل عليها في أفلامهم لما تقدمه من طرح عميق لخفايا النفس البشرية، والكثير من الأفلام أبدعت في اقتحام عوالم هذه الشخصيات، كما أبدعت في تصويرها وتصوير ضحاياها، لتنكشف بذلك علاقات كثيرة في الواقع. ويحاول فيلم “العميل المنشقّ” أن يضيف إلى أفلام عديدة تناولت مثل تلك الشخصيات، وإن كان يقدم طرحا مختلفا.
في حقبة مهمة من حقب الحياة السياسية في بريطانيا وإلى حد قريب كانت تتصدر نشرات الأخبار من حول العالم النشاطات العسكرية والمصادمات التي كان يخوضها ما يعرف بالجيش الجمهوري الإيرلندي السري، والتي أودت بحياة مئات الضحايا وانتهت بمعاهدة مع الحكومة البريطانية أنهت ذلك الصراع الدامي.
على هذه الخلفية يجري تجنيد روبرت فريغارد (الممثل جيمس نورتون) في فيلم “العميل المنشق”، لصالح الاستخبارات البريطانية وهو بدوره سوف يقوم بتجنيد أربعة شباب إيرلنديين للعمل لصالحه للكشف عن تحركات الجيش الإيرلندي السري في داخل الجامعات، لكن المهمة لن تطول مدتها إذ سرعان ما ينكشف أمر أولئك العملاء والجواسيس، فيقرر روبرت إجلاءهم وإخفاءهم في إنجلترا لتتوقف الأحداث عند هذه النقطة وهذا المنعطف والتحول الدرامي الخطير، ولننتقل إلى الشخصية نفسها فريغارد بعد عقد من السنوات.
يقدم المخرجان ايكلان لاون وآدم بيترسون هذه القصة بناء على أحداث واقعية واستنادا على مقالة مفصلة كان قد نشرها مايكل بونر في الصحافة البريطانية وتم إعدادها سينمائيا وكتابة السيناريو بواسطة فريق من ثلاثة أشخاص تكوّن من المخرجين وكاتب المقال نفسه.
ها نحن مع روبرت بعد عشر سنوات ولا نعلم شيئا عن ذلك الضابط السابق، فهو الآن يعمل في متجر لبيع وإيجار السيارات، أما على الجهة الأخرى وبالموازاة هنالك أليس أرشر (الممثلة غيما ارتيرتون) وهي محامية ذكية وبارعة وإنسانة ناجحة تنحدر من عائلة راقية، وتشاء الصدف أنها تسكن غير بعيد من معرض السيارات الذي يعمل فيه روبرت، ويبدو أن عمله السابق كضابط استخبارات قد انعكس على يومياته فراح يراقب أليس حتى يتقرب منها أكثر ويقدم لها مشاعر غير مسبوقة من الانجذاب واللطف والمودّة، وحتى عندما كان يخلف مواعيده معها كانت تستسلم لأعذاره المختلقة وحتى بعد أن تكتشف أنه شخصية وهمية من خلال استعانتها بتحر خاص يتمكن روبرت من إقناعها بأن ذلك بسبب طبيعة مهنته كضابط مخابرات.
هنا سوف تتكشف بالتدريج تلك الشخصية السايكوباثية الخطيرة والمدمرة، فها هو سوف يوقع بفتاة أميركية بنفس الطريقة التي أوقع بها المحامية أليس بأسلوبه الملتوي والناعم، يوهم ضحاياه في كل مرة ببدء مشروع مشترك يدر الكثير من المال وبذلك يتمكن من انتحال شخصية أليس وسحب أموالها ثم الاختفاء نهائيا، لكنه مع كل ذلك ما يزال يغدق عليها مشاعر الحب ويوهمها بأنها امتلكت قلبه وما إلى ذلك فيما تكون هي قد تحطمت كليا وفقدت وظيفتها بسبب الذهول والصدمة العاطفية.
سوف ننتقل مباشرة بعد ذلك إلى نوع من دراما التحري والدراما البوليسية التي تتولاها أليس بنفسها بالتعاون مع ضابط استخبارات آخر للوصول إلى الضحايا، لكن الحبكة الفرعية سوف تقودنا إلى بحث السفارة الأميركية عن مواطنة أميركية قد اختفت وانقطعت أخبارها وهي تطالب والديها بسحب أموال طائلة لها للبدء في مشروع جديد، وتكون هذه الفتاة هي ضحية أخرى إذ اصطادها ذلك الشخص السايكوباثي.
يكون روبرت ذو الأسماء والوجوه المتعددة قد أوقع بأربع نسوة ضحايا لشخصيته المضطربة فقد كان يتلذذ بتدميرهن تباعا إلى درجة أنه أوصل الفتاة صوفي التي كانت بالأمس مجندة عنده (الممثلة ماريسا ابيلا) إلى الأكل من المزابل، لأنه كان قد رماها في منطقة نائية وهي معصوبة العينين بانتظار أن تنال رتبة مزيفة وكاذبة في الاستخبارات.
ولنعد إلى أليس التي تقود حربا لا هوادة فيها للإيقاع بروبرت وهي تقدم صورة تراجيدية للنساء ضحايا الشخصيات السيكوباثية، فهي لم تعشق رجلا في حياتها كما عشقت روبرت الذي حطم مشاعرها بالمزيد من الخديعة والمراوغة والكذب والإذلال ومعاشرتها ثم رميها كما فعل مع الأخريات وكما هي طباع الشخصيات السايكوباثية، بل إن ساديته تتجلى أكثر في كيفية تعامله مع الفتاة الأميركية التي صار يمنع عنها أدويتها المضادة للكآبة من أجل أن يذلها ويحتقرها إلى أن يحصل على مبتغاه من المال منها.
◙ يقدم المخرجان ايكلان لاون وآدم بيترسون هذه القصة بناء على أحداث واقعية واستنادا على مقالة مفصلة
يحشد الفيلم خطوطا سردية متنوعة ومتعددة وكل منها سوف يحفر عميقا في الشخصيات التي هي ما بين ضحية من ضحايا روبرت الكثر وبين عائلات الضحايا وبين روبرت نفسه، الذي يتنقل بكل خفة ورشاقة من ضحية إلى أخرى بكل برود.
ومن جهة أخرى وجدنا أن الفيلم قدم لنا صورة مجسمة للشخصية السايكوباثية في أشد مراحلها انحرافا ولا مبالاة بآلام الضحايا وبذلك نصل إلى أن كل فعل وكل تحول كان يطرأ على شخصية روبرت إنما يقودنا إلى متعة المغامرة من خلال اقتفاء أثره بواسطة أليس وممثلة السفارة الأميركية والضابط البريطاني.
ولتأكيد تلك الشخصية السايكوباثية الشريرة نجد أن روبرت حتى في أشد لحظاته انهيارا يبقى يمارس اللعبة نفسها، هاهو في المشاهد الأخيرة محاصر ولا حيلة لديه، ولكنه مع ذلك يعيد القول لأليس إنها حبه الأول والأخير، وإنه يريد أن يبدأ معها حياة جديدة، وهو الجحيم بعينه الذي تراه يشتعل في داخل أليس وهي تعيش تلك العذابات بسبب مشاعر الإحباط المريرة والقاسية والتلاعب بها وبمشاعرها، مع أنها معروف عنها كمحامية جنائية خبراتها الواسعة وعدم منحها الثقة بسهولة لكن السايكوباثي وكالمعتاد ينجح في طرق الاستدراج والإيقاع بالضحايا.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
فيلم يمزج بين الجاسوسية وشخصية المخادع التي لا ترحم.
الأحد 2022/08/28
انشرWhatsAppTwitterFacebook
يتنقل بكل خفة ورشاقة من ضحية إلى أخرى
تغري الشخصيات السايكوباثية المخرجين السينمائيين للعمل عليها في أفلامهم لما تقدمه من طرح عميق لخفايا النفس البشرية، والكثير من الأفلام أبدعت في اقتحام عوالم هذه الشخصيات، كما أبدعت في تصويرها وتصوير ضحاياها، لتنكشف بذلك علاقات كثيرة في الواقع. ويحاول فيلم “العميل المنشقّ” أن يضيف إلى أفلام عديدة تناولت مثل تلك الشخصيات، وإن كان يقدم طرحا مختلفا.
في حقبة مهمة من حقب الحياة السياسية في بريطانيا وإلى حد قريب كانت تتصدر نشرات الأخبار من حول العالم النشاطات العسكرية والمصادمات التي كان يخوضها ما يعرف بالجيش الجمهوري الإيرلندي السري، والتي أودت بحياة مئات الضحايا وانتهت بمعاهدة مع الحكومة البريطانية أنهت ذلك الصراع الدامي.
على هذه الخلفية يجري تجنيد روبرت فريغارد (الممثل جيمس نورتون) في فيلم “العميل المنشق”، لصالح الاستخبارات البريطانية وهو بدوره سوف يقوم بتجنيد أربعة شباب إيرلنديين للعمل لصالحه للكشف عن تحركات الجيش الإيرلندي السري في داخل الجامعات، لكن المهمة لن تطول مدتها إذ سرعان ما ينكشف أمر أولئك العملاء والجواسيس، فيقرر روبرت إجلاءهم وإخفاءهم في إنجلترا لتتوقف الأحداث عند هذه النقطة وهذا المنعطف والتحول الدرامي الخطير، ولننتقل إلى الشخصية نفسها فريغارد بعد عقد من السنوات.
يقدم المخرجان ايكلان لاون وآدم بيترسون هذه القصة بناء على أحداث واقعية واستنادا على مقالة مفصلة كان قد نشرها مايكل بونر في الصحافة البريطانية وتم إعدادها سينمائيا وكتابة السيناريو بواسطة فريق من ثلاثة أشخاص تكوّن من المخرجين وكاتب المقال نفسه.
ها نحن مع روبرت بعد عشر سنوات ولا نعلم شيئا عن ذلك الضابط السابق، فهو الآن يعمل في متجر لبيع وإيجار السيارات، أما على الجهة الأخرى وبالموازاة هنالك أليس أرشر (الممثلة غيما ارتيرتون) وهي محامية ذكية وبارعة وإنسانة ناجحة تنحدر من عائلة راقية، وتشاء الصدف أنها تسكن غير بعيد من معرض السيارات الذي يعمل فيه روبرت، ويبدو أن عمله السابق كضابط استخبارات قد انعكس على يومياته فراح يراقب أليس حتى يتقرب منها أكثر ويقدم لها مشاعر غير مسبوقة من الانجذاب واللطف والمودّة، وحتى عندما كان يخلف مواعيده معها كانت تستسلم لأعذاره المختلقة وحتى بعد أن تكتشف أنه شخصية وهمية من خلال استعانتها بتحر خاص يتمكن روبرت من إقناعها بأن ذلك بسبب طبيعة مهنته كضابط مخابرات.
هنا سوف تتكشف بالتدريج تلك الشخصية السايكوباثية الخطيرة والمدمرة، فها هو سوف يوقع بفتاة أميركية بنفس الطريقة التي أوقع بها المحامية أليس بأسلوبه الملتوي والناعم، يوهم ضحاياه في كل مرة ببدء مشروع مشترك يدر الكثير من المال وبذلك يتمكن من انتحال شخصية أليس وسحب أموالها ثم الاختفاء نهائيا، لكنه مع كل ذلك ما يزال يغدق عليها مشاعر الحب ويوهمها بأنها امتلكت قلبه وما إلى ذلك فيما تكون هي قد تحطمت كليا وفقدت وظيفتها بسبب الذهول والصدمة العاطفية.
سوف ننتقل مباشرة بعد ذلك إلى نوع من دراما التحري والدراما البوليسية التي تتولاها أليس بنفسها بالتعاون مع ضابط استخبارات آخر للوصول إلى الضحايا، لكن الحبكة الفرعية سوف تقودنا إلى بحث السفارة الأميركية عن مواطنة أميركية قد اختفت وانقطعت أخبارها وهي تطالب والديها بسحب أموال طائلة لها للبدء في مشروع جديد، وتكون هذه الفتاة هي ضحية أخرى إذ اصطادها ذلك الشخص السايكوباثي.
يكون روبرت ذو الأسماء والوجوه المتعددة قد أوقع بأربع نسوة ضحايا لشخصيته المضطربة فقد كان يتلذذ بتدميرهن تباعا إلى درجة أنه أوصل الفتاة صوفي التي كانت بالأمس مجندة عنده (الممثلة ماريسا ابيلا) إلى الأكل من المزابل، لأنه كان قد رماها في منطقة نائية وهي معصوبة العينين بانتظار أن تنال رتبة مزيفة وكاذبة في الاستخبارات.
ولنعد إلى أليس التي تقود حربا لا هوادة فيها للإيقاع بروبرت وهي تقدم صورة تراجيدية للنساء ضحايا الشخصيات السيكوباثية، فهي لم تعشق رجلا في حياتها كما عشقت روبرت الذي حطم مشاعرها بالمزيد من الخديعة والمراوغة والكذب والإذلال ومعاشرتها ثم رميها كما فعل مع الأخريات وكما هي طباع الشخصيات السايكوباثية، بل إن ساديته تتجلى أكثر في كيفية تعامله مع الفتاة الأميركية التي صار يمنع عنها أدويتها المضادة للكآبة من أجل أن يذلها ويحتقرها إلى أن يحصل على مبتغاه من المال منها.
◙ يقدم المخرجان ايكلان لاون وآدم بيترسون هذه القصة بناء على أحداث واقعية واستنادا على مقالة مفصلة
يحشد الفيلم خطوطا سردية متنوعة ومتعددة وكل منها سوف يحفر عميقا في الشخصيات التي هي ما بين ضحية من ضحايا روبرت الكثر وبين عائلات الضحايا وبين روبرت نفسه، الذي يتنقل بكل خفة ورشاقة من ضحية إلى أخرى بكل برود.
ومن جهة أخرى وجدنا أن الفيلم قدم لنا صورة مجسمة للشخصية السايكوباثية في أشد مراحلها انحرافا ولا مبالاة بآلام الضحايا وبذلك نصل إلى أن كل فعل وكل تحول كان يطرأ على شخصية روبرت إنما يقودنا إلى متعة المغامرة من خلال اقتفاء أثره بواسطة أليس وممثلة السفارة الأميركية والضابط البريطاني.
ولتأكيد تلك الشخصية السايكوباثية الشريرة نجد أن روبرت حتى في أشد لحظاته انهيارا يبقى يمارس اللعبة نفسها، هاهو في المشاهد الأخيرة محاصر ولا حيلة لديه، ولكنه مع ذلك يعيد القول لأليس إنها حبه الأول والأخير، وإنه يريد أن يبدأ معها حياة جديدة، وهو الجحيم بعينه الذي تراه يشتعل في داخل أليس وهي تعيش تلك العذابات بسبب مشاعر الإحباط المريرة والقاسية والتلاعب بها وبمشاعرها، مع أنها معروف عنها كمحامية جنائية خبراتها الواسعة وعدم منحها الثقة بسهولة لكن السايكوباثي وكالمعتاد ينجح في طرق الاستدراج والإيقاع بالضحايا.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن