"من القاهرة".. فيلم حول تحدي النساء للخوف والتعايش معه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "من القاهرة".. فيلم حول تحدي النساء للخوف والتعايش معه

    "من القاهرة".. فيلم حول تحدي النساء للخوف والتعايش معه


    التجارب العنيفة لا تمنع المرأة من الفرح والأمل في غد أفضل.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حكايات متكررة في المجتمع المصري

    في القاهرة، قد يختلف الناس لكنهم قد يتشابهون في القصص والمصائر، ومن حكاياتهم الملهمة اقتبست المخرجة هالة جلال قصة لامرأتين ربما تشبهانها كثيرا، كي تنقلها إلى جمهور السينما وتقدم لهم نموذجا عن تحدي النساء للخوف الذي يلاحقهن في كل مكان ويحاول منعهن من الحياة بحرية وسعادة.

    ياسر سلطان

    كيف لامرأة تعيش وحيدة في مدينة كالقاهرة أن تواصل حياتها سعياً للتحقق، في ظل مجتمع ينظر إلى استقلالية المرأة بعين الريبة؟ كيف تواجه التساؤلات الصامتة والرغبات الساعية لفرض الوصاية على الغير والتهميش وانتهاك الخصوصية؟ يفرد الفيلم الوثائقي “من القاهرة” للمخرجة المصرية هالة جلال مساحة رحبة للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها.

    خلال فترة عرضه التي تقارب الساعة لا يقدم الفيلم إجابات مباشرة، هو فقط يصطحبك في جولة قصيرة وشديدة التركيز للتعرف عن قرب على جانب من التفاصيل اليومية لامرأتين تعيشان في مدينة مهولة يصعب حصر تناقضاتها.
    حكايات مكررة


    شارك فيلم “من القاهرة” في مسابقة آفاق السينما العربية، خلال فعاليات الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وفاز بجائزة أفضل فيلم غير روائي. كما شارك الفيلم مؤخراً ضمن عروض الدورة الخامسة لمهرجان أيام القاهرة السينمائي، وهو من إنتاج عام 2021.

    مشهد عاطفي يجمع بين الفنان والموسيقي الراحل محمد عبدالوهاب والفنانة راقية إبراهيم، مع تعليق بصوت مخرجة الفيلم هالة جلال يُقرّ بأن مثل هذه المشاهد الرومانسية لم تعد لها مساحة في حياتنا. يبدو هذا الإقرار دالاً من قبل مخرجة الفيلم، خاصة وهي تشرع في تتبع تفاصيل يومية خالية من الرومانسية بالفعل. بين البيت وأماكن العمل والشارع المزدحم بالناس والسيارات والعيون المتلصصة تتحرك الكاميرا بصحبة بطلتي الفيلم هبة خليفة وآية يوسف. ندرك من التفاصيل أن الوصول إلى هذه اللحظة التي تمتلك خلالها كل واحدة منهما مقدرات حياتهما لم يكن اختياراً، بل دُفعتا دفعاً إليه.

    تعيش هبة مع ابنة وحيدة (ورد) بعد زواج قصير انتهى بالانفصال. أما آية فقد أصبحت مسؤولة مبكراً عن نفسها بعد رحيل والديها وزواج أخيها الوحيد.

    تبدو حكاية الفيلم مكررة، فهي تتقاطع مع الآلاف من التجارب لنساء أخريات اضطررن لمواجهة الحياة بمفردهن، غير أن تكثيف التجربة واختزالها هنا كان له وقع المُباغتة. يضاف إلى ذلك أن الفيلم يداعب على نحو ما غريزة الاكتشاف لدى المشاهد، وهو ما يُضفي عليه فرادته وتميزه.
    تحدي الخوف


    يواجه المُشاهد هنا تفاصيل يومية تتشابه مع الملايين من التجارب اليومية لنساء أخريات، ربما تتحرك بعض هذه التجارب في دوائره القريبة، لكنه يدرك وهو يتطلع إلى هذه التفاصيل المكثفة لمشاهد الفيلم أنه بصدد اكتشافها من جديد، أو أنه يطالعها لأول مرة.

    يبدو تحدي الخوف فكرة محورية للفيلم، أو هو أشبه بالخيط الواصل بين تفاصيله. تُفصح هذه التخوفات عن نفسها على نحو مُباشر أو تتوارى بين الإشارات والكلمات. كيف تتجاوز النساء هذه المشاعر ويتغلبن على العراقيل التي تواجههن وهن يخضن وحدهن غمار تجربة حياتية محاطة بالتحديات؟ تتقاطع التفاصيل المروية لكل من هبة وآية مع مخرجة الفيلم هالة جلال حين تحكي الأخيرة عن تجربتها الشخصية مع الخوف الكامن في داخلها وسعيها المستمر لمقاومته، بتجاهله أو حتى بالتصالح معه.

    لا تبتعد اهتمامات بطلتي الفيلم عن طبيعة حياتهما، فهي تبدو معبرة عن رغبتهما في الصراخ أو الكشف عن هذه المساحة الكامنة من الخوف وأسبابه. هبة خليفة فنانة تمارس التصوير الفوتوغرافي وتوظفه في سياقات لها علاقة بحياتها الشخصية، أو راصدة للمخاوف المحيطة بالنساء، هذه المخاوف التي يتعلق جانب منها بأجسادهن. تستعرض المشاهد بعض ملامح من تجاربها الفنية المتعلقة بهذا الجانب، فتطالعنا صور فوتوغرافية لنساء مقيدات وأجساد معنّفة. تفرض هذه الصور الفوتوغرافية حضورها، ويتسرب الألم من خلالها في صمت ليصل إلى المُشاهد.

    حكاية الفيلم تبدو مكررة، فهي تتقاطع مع الآلاف من التجارب لنساء أخريات اضطررن لمواجهة الخوف والحياة بمفردهن

    أما آية يوسف فهي تعمل كمونتيرة، كما تُجهز لأول فيلم لها كمخرجة، وهو فيلم عن النساء المُعنّفات، أو جرائم العنف المنزلي. تتقاطع حكايات النساء اللاتي تلتقيهن آية مع تفاصيل حياتها اليومية، فهي تتحرك بصحبة هؤلاء النساء وتشتبك في حوارات حميمة معهن.

    هن نساء تعرضن لتشويه وجوههن يستعرضن تجاربهن الشخصية، وكيف يحاولن تجاوز الأمر. كيف يصل التعنيف الذكوري للنساء إلى هذه الدرجة؟ سؤال يتردد بين تفاصيل المشاهد وحكايات النساء المعنّفات؛ وهي حكايات تمتد وتتواصل ظلالها على نحو أعنف عبر حوادث متفرقة وصادمة جرت وقائعها مؤخراً في مصر والمنطقة العربية.

    يبدو تحدي الخوف مخيماً على تفاصيل الحياة اليومية لهبة وآية، يواجهنه على نحو مباشر، ولا يتوقفن عن سعيهن لتجاوز آثاره. تتشكل قناعة مشتركة بين هبة وآية بأن تحدي هذه المخاوف لا يكون إلا بالاستمرار ومواصلة السعي للتحقق والوصول إلى الانسجام الحقيقي مع الذات. ربما لهذا أقدمت آية يوسف على نزع غطاء رأسها، ليس من قبيل التمرد أو التحرر منه، بقدر ما هي محاولة للوصول إلى نوع من الوئام بين ذاتها وهيئتها الخارجية كما تقول.

    ويتتبع فيلم “من القاهرة” مساراً وعراً لتجربة حياتية تبدو شاقة، لكنه لا يستغرق كثيراً في دفع المشاهد للتعاطف مع بطلاته، بقدر ما يدعوه إلى تأمل هذه المساحة الرحبة والمُلهمة من البهجة التي يستشعر حضورها بين مشاهد وتفاصيل الفيلم.
يعمل...
X