التجريد الهندسي لغة اللون وحركة المكان والزمان في تجربة Ernest Posey و Adnan Al Masri
بشرى بن فاطمة
تجميع تجربتين من ثقافتين مختلفتين وتأمل زواياها ونعومة تنفيذها الراقية بحدة الخطوط واللون والأشكال واحتكار الفضاء وترويضه في المساحة، يعني الغوص في عالمين ومقصدين يلتقيان من الشرق ورؤاه نحو منطقه الإبداعي الراسخ في الدلالة المكانية والزمانية ومعناها في عمق الحضارة والانسان وهو التمشي الملموس الذي يحيل إليه التفاعل مع فكرة التجريد ككل والتجريد الهندسي الذي لا يمكن العبور من خلاله دون تذكّر مسارات الفنون الإسلامية والزخرف والعمارة والهندسة والتشكيل والتعامل مع المفهوم في عمق الصورة وتتبّع أثرها الماورائي انطلاقا من البعد الفردي الأول ومدى تأثيره الحسي والفكري وهو ما اشتغل عليه في التمشي الأولي لفكرة الهندسة ومداها التجريبي في التجريد كل من التشكيلي الأمريكي “ارنست بوسي” واللبناني “عدنان المصري”.
*عدنان المصري
حيث تتفاعل تجربة كل منهما بشكل متناسق لتنهل من سراج المعرفة والحكمة والبحث والتمعّن في عمق الإنسانية ومداها التعبيري من خلال فكرة البحث ومنافذ التثاقف والتواصل والتعرّف على شرق الحضارة والاعتراف له بمدى تأثيره على التاريخ الفني الحديث والمعاصر ومدى الاستلهام منه في الواقع والمستقبل من خلال الأثر والانسان فالأصل في التعبير التجريدي ولغته الهندسية وأحادية اللون والحواف الصلبة لم يوجد كأساليب عشوائية في تمشيها وظهورها الأول بل هي حركة استباقية عبرت من أوروبا الى الولايات المتحدة الأمريكية حاملة زخرف الشرق ورؤاه في الهندسة والفنون والعمارة ومفاهيم البناء في الفراغ، ما أنعش فكرة التجريد الهندسي والحواف الصلبة.
Ernest Posey
فالتصورات الفنية تحمل في تداخلاتها التعبيرية رؤى تجريدية تستقرأ الخيال والواقع بين الوهم وانحسار الحقيقة وانطلاق الفكرة بحرية في اللغة الرمزية وحركتها التي تبعث حيويّتها في المكان وتنتشر لتغوص في البحث وتجيد الإشعاع بالحركة والعلامة والزخرف والأشكال والألوان والبحث عن مقاصدها التي تمتّن علاقة العناصر الفنية بالأزمنة وبالأساطير وبالحكايات الإنسانية الباحثة عن الخلود في محاولتها خلق الترابط بين الإنساني والوجودي بين الابتكار والتجريب.
ومن خلال تجربي “بوسي” و”المصري” سيكون هناك تمعّن في فكرة التجريب المتفاعل مع الحركة والترميز المروّض للفراغ الدافع للمفاهيم التعبيرية لتكون مؤثّرة ومنطلقة ومُعبّرة عن الذات والانسان ومتجدّدة في رؤاها
ولد “ارنست بوسي” في نيو أورلياز اهتم بالفنون وتلقنها أكاديميا حصل على شهادة الفنون الجميلة من جامعة لويزيانا كما حصل على شهادة تخصص في الهندسة المعمارية من تولين انتقل إلى نيويورك وبدأ الرسم بالتركيز على التجدّد والبحث حيث عمل بالتوازي في مجال الإعلانات، في عام 1966 قدّم معرضه الفردي الأول، عمل مدرسا للفنون في جامعة كاليفورنيا، لم يتوقف بمعارفه عند الرسم بل طوّر تجربته الفنية والبصرية حيث خاض التجريب الرقمي بالتصميم وإخراج الأفلام والجرافيك وتقديم رسوم الكتب، ولكن كل تلك الأعمال لم توقفه عن البحث في التجريد وهندساته وتطوّره الفكري إذ انبهر بالعمارة الشرقية والهندسة واستلهم منها أعماله التي كان لها تأثير خاص على الفنون الأمريكية وهو ما دفعه لأن يركّز جهده وأعماله على لوحاته في أسلوب التجريد الهندسي التي طوّرها على مدار 30 سنة من البحث إلى حدود سنة 2007 تاريخ وفاته تاركا إرثا فنيا مميّزا وتجربة جمالية متفرّدة في عمق المستوى التعبيري والتفاعل اللوني وهندسة التجريد ما رسّخ اسمه في هذا الأسلوب.
عدنان المصري (1937-2010) درس الرسم والتصوير في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة في لبنان سنة 1962 وحصل على ماجيستير فلسفة علم الجمال من الجامعة اللبنانية أقام عدة معارض فردية وجماعية، درّس الفنون في الجامعة اللبنانية له حضور مميّز في الحركة الفنية التشكيلية اللبنانية والعربية الحديثة والمعاصرة حيث حمّل الحرف خصوصيات التشكل والتشكيل البصري بالتوافق التجريدي والتجريب الهندسي الذي أكسبه خصوصية تميّزت به.
تبدو علاقة الهندسة والتجريد في التجربتين متوافقة وجادّة في حضورها ومقاصدها التعبيرية والجمالية حيث يعتمدها “بوسي” ليتفاعل مع الفضاء ويغرق في ترويض العمق باللون والحركة بالضوء والخط بالتصورات المجرّدة في عمق التكوين الشكلي وهو ما يتجاوزه عدنان المصري عند بعثرة حروفه بتشكّل هندسي للخط والموروث الإسلامي الفني في توافقات قد تبدو حادة وصارمة ولكنها محمّلة بالحنين والذكرى والأمكنة والأزمنة من خلال التشظي الموزاييكي للحروف في التشكّل الهندسي للخط الذي يحيل إلى السرمدية التي تتمادى في اندماجها مع الحركة، ففي التجربتين محاورة بصرية متفرّدة تبدأ من الذات في صراع مع الفهم لتظهر أكبر في المخيّلة وهي تتشبّع بالضوء واللون وتتماسك زخرفيا مع حركة الترتيب التي تثير التأمل المفهومي للجدل في الانكسارات والانحناءات والتسطيح والعمق كما في تجربة “ارنست بوسي”ما يثير التصور الخفي لرغبة الذات في الانعتاق من ضيق العلامة المشيرة للمكان والزمان وكأنها تريد بالفوضى والكثافة أن تتحرّر من فكرة الفضاء فالدلالات الهندسية تبعث الحركة في الأشكال كانعكاس لحالات القلق التي تبدو في الأشكال المصغرة والهندسات التقليلية التي تستحيل التكوينات إلى مفاهيم تثير فكرة الوجود والبقاء والرحيل واللقاء وتناقضاتها وهو ما يستثير الضوء في الأبعاد ليستفز العناصر التشكيلية للاكتمال.
*عدنان المصري
التكامل التعبيري في الخصوصية الهندسية التجريدية التي حملها كل من ارنست بوسي وعدنان المصري حملت توافقات وتداخلات ذاتية أثارت دهشة التنفيذ في عمق الأسلوب وتباين الإحساس المقصود توجيهه والمعنى الجمالي المستقر في فلسفته الإنسانية فالهندسة بتوظيفاتها في عمق التجريد والاشتغال به على المساحة هو الوصول إلى مستوى من الاتصال المستمر بالحركة واللون والتوزيع والكثافة المرتبة والمتفاعلة مع الحسيّات الخاصة بكل فنان وانتمائه فعدنان المصري لم ينفصل عن ذاته الشرقية المشرقة بالحروفيات حيث استغلّ عنصر الهندسة بترتيب مُتقن الفنيّات ومتناغم في علاماته ودلالاته وحضوره المُلون والدقيق بزخرفاته، فاستفاد من ذلك باستغلال المساحة وإشغال الفراغ من العمق نحو السطح بإشعاع بارز، عكس بوسي الذي اعتمد الهندسة في عمق اللون ليغوص من السطح إلى العمق عبر حركاته الملونة والشيّقة التي حاكت الوهم وانفلتت لتسرد حكاياتها، وهو ما يثير في التجربتين خصوصية التميّز من حيث العمق والبحث ومتعة التركيب الهندسي الذي لم يكن مسقطا في اعتباراته بل شيّقا في تفاعلاته.
*عدنان المصري
لهندسة التجريد التي تبدو في التجربتين تداخلات بصرية فلسفية تحاول أن تستنطق عمق الفنان وتميّزه الفني بترتيب الفوضى الداخلية التي تبعثر لديه الأطر والمفاهيم والتي تستحيل صورا وخيالا وتتحوّل إلى رؤى وأشكال وتكوينات قابلة للتأويل الجمالي استطاعت أن تُخرج هندسة الأشكال من جمودها باعتماد الحركة والحسيات في اللون والضوء عند ارنست بوسي وأن تستحدث رؤى جديدة وحركة مختلفة الأشكال للحرف العربي عند عدنان المصري ما فعّل حضور التجربتين وقاد إلى اكتشاف عوالم جديدة ومُبتكرة.
بشرى بن فاطمة
تجميع تجربتين من ثقافتين مختلفتين وتأمل زواياها ونعومة تنفيذها الراقية بحدة الخطوط واللون والأشكال واحتكار الفضاء وترويضه في المساحة، يعني الغوص في عالمين ومقصدين يلتقيان من الشرق ورؤاه نحو منطقه الإبداعي الراسخ في الدلالة المكانية والزمانية ومعناها في عمق الحضارة والانسان وهو التمشي الملموس الذي يحيل إليه التفاعل مع فكرة التجريد ككل والتجريد الهندسي الذي لا يمكن العبور من خلاله دون تذكّر مسارات الفنون الإسلامية والزخرف والعمارة والهندسة والتشكيل والتعامل مع المفهوم في عمق الصورة وتتبّع أثرها الماورائي انطلاقا من البعد الفردي الأول ومدى تأثيره الحسي والفكري وهو ما اشتغل عليه في التمشي الأولي لفكرة الهندسة ومداها التجريبي في التجريد كل من التشكيلي الأمريكي “ارنست بوسي” واللبناني “عدنان المصري”.
*عدنان المصري
حيث تتفاعل تجربة كل منهما بشكل متناسق لتنهل من سراج المعرفة والحكمة والبحث والتمعّن في عمق الإنسانية ومداها التعبيري من خلال فكرة البحث ومنافذ التثاقف والتواصل والتعرّف على شرق الحضارة والاعتراف له بمدى تأثيره على التاريخ الفني الحديث والمعاصر ومدى الاستلهام منه في الواقع والمستقبل من خلال الأثر والانسان فالأصل في التعبير التجريدي ولغته الهندسية وأحادية اللون والحواف الصلبة لم يوجد كأساليب عشوائية في تمشيها وظهورها الأول بل هي حركة استباقية عبرت من أوروبا الى الولايات المتحدة الأمريكية حاملة زخرف الشرق ورؤاه في الهندسة والفنون والعمارة ومفاهيم البناء في الفراغ، ما أنعش فكرة التجريد الهندسي والحواف الصلبة.
Ernest Posey
فالتصورات الفنية تحمل في تداخلاتها التعبيرية رؤى تجريدية تستقرأ الخيال والواقع بين الوهم وانحسار الحقيقة وانطلاق الفكرة بحرية في اللغة الرمزية وحركتها التي تبعث حيويّتها في المكان وتنتشر لتغوص في البحث وتجيد الإشعاع بالحركة والعلامة والزخرف والأشكال والألوان والبحث عن مقاصدها التي تمتّن علاقة العناصر الفنية بالأزمنة وبالأساطير وبالحكايات الإنسانية الباحثة عن الخلود في محاولتها خلق الترابط بين الإنساني والوجودي بين الابتكار والتجريب.
ومن خلال تجربي “بوسي” و”المصري” سيكون هناك تمعّن في فكرة التجريب المتفاعل مع الحركة والترميز المروّض للفراغ الدافع للمفاهيم التعبيرية لتكون مؤثّرة ومنطلقة ومُعبّرة عن الذات والانسان ومتجدّدة في رؤاها
ولد “ارنست بوسي” في نيو أورلياز اهتم بالفنون وتلقنها أكاديميا حصل على شهادة الفنون الجميلة من جامعة لويزيانا كما حصل على شهادة تخصص في الهندسة المعمارية من تولين انتقل إلى نيويورك وبدأ الرسم بالتركيز على التجدّد والبحث حيث عمل بالتوازي في مجال الإعلانات، في عام 1966 قدّم معرضه الفردي الأول، عمل مدرسا للفنون في جامعة كاليفورنيا، لم يتوقف بمعارفه عند الرسم بل طوّر تجربته الفنية والبصرية حيث خاض التجريب الرقمي بالتصميم وإخراج الأفلام والجرافيك وتقديم رسوم الكتب، ولكن كل تلك الأعمال لم توقفه عن البحث في التجريد وهندساته وتطوّره الفكري إذ انبهر بالعمارة الشرقية والهندسة واستلهم منها أعماله التي كان لها تأثير خاص على الفنون الأمريكية وهو ما دفعه لأن يركّز جهده وأعماله على لوحاته في أسلوب التجريد الهندسي التي طوّرها على مدار 30 سنة من البحث إلى حدود سنة 2007 تاريخ وفاته تاركا إرثا فنيا مميّزا وتجربة جمالية متفرّدة في عمق المستوى التعبيري والتفاعل اللوني وهندسة التجريد ما رسّخ اسمه في هذا الأسلوب.
عدنان المصري (1937-2010) درس الرسم والتصوير في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة في لبنان سنة 1962 وحصل على ماجيستير فلسفة علم الجمال من الجامعة اللبنانية أقام عدة معارض فردية وجماعية، درّس الفنون في الجامعة اللبنانية له حضور مميّز في الحركة الفنية التشكيلية اللبنانية والعربية الحديثة والمعاصرة حيث حمّل الحرف خصوصيات التشكل والتشكيل البصري بالتوافق التجريدي والتجريب الهندسي الذي أكسبه خصوصية تميّزت به.
تبدو علاقة الهندسة والتجريد في التجربتين متوافقة وجادّة في حضورها ومقاصدها التعبيرية والجمالية حيث يعتمدها “بوسي” ليتفاعل مع الفضاء ويغرق في ترويض العمق باللون والحركة بالضوء والخط بالتصورات المجرّدة في عمق التكوين الشكلي وهو ما يتجاوزه عدنان المصري عند بعثرة حروفه بتشكّل هندسي للخط والموروث الإسلامي الفني في توافقات قد تبدو حادة وصارمة ولكنها محمّلة بالحنين والذكرى والأمكنة والأزمنة من خلال التشظي الموزاييكي للحروف في التشكّل الهندسي للخط الذي يحيل إلى السرمدية التي تتمادى في اندماجها مع الحركة، ففي التجربتين محاورة بصرية متفرّدة تبدأ من الذات في صراع مع الفهم لتظهر أكبر في المخيّلة وهي تتشبّع بالضوء واللون وتتماسك زخرفيا مع حركة الترتيب التي تثير التأمل المفهومي للجدل في الانكسارات والانحناءات والتسطيح والعمق كما في تجربة “ارنست بوسي”ما يثير التصور الخفي لرغبة الذات في الانعتاق من ضيق العلامة المشيرة للمكان والزمان وكأنها تريد بالفوضى والكثافة أن تتحرّر من فكرة الفضاء فالدلالات الهندسية تبعث الحركة في الأشكال كانعكاس لحالات القلق التي تبدو في الأشكال المصغرة والهندسات التقليلية التي تستحيل التكوينات إلى مفاهيم تثير فكرة الوجود والبقاء والرحيل واللقاء وتناقضاتها وهو ما يستثير الضوء في الأبعاد ليستفز العناصر التشكيلية للاكتمال.
*عدنان المصري
التكامل التعبيري في الخصوصية الهندسية التجريدية التي حملها كل من ارنست بوسي وعدنان المصري حملت توافقات وتداخلات ذاتية أثارت دهشة التنفيذ في عمق الأسلوب وتباين الإحساس المقصود توجيهه والمعنى الجمالي المستقر في فلسفته الإنسانية فالهندسة بتوظيفاتها في عمق التجريد والاشتغال به على المساحة هو الوصول إلى مستوى من الاتصال المستمر بالحركة واللون والتوزيع والكثافة المرتبة والمتفاعلة مع الحسيّات الخاصة بكل فنان وانتمائه فعدنان المصري لم ينفصل عن ذاته الشرقية المشرقة بالحروفيات حيث استغلّ عنصر الهندسة بترتيب مُتقن الفنيّات ومتناغم في علاماته ودلالاته وحضوره المُلون والدقيق بزخرفاته، فاستفاد من ذلك باستغلال المساحة وإشغال الفراغ من العمق نحو السطح بإشعاع بارز، عكس بوسي الذي اعتمد الهندسة في عمق اللون ليغوص من السطح إلى العمق عبر حركاته الملونة والشيّقة التي حاكت الوهم وانفلتت لتسرد حكاياتها، وهو ما يثير في التجربتين خصوصية التميّز من حيث العمق والبحث ومتعة التركيب الهندسي الذي لم يكن مسقطا في اعتباراته بل شيّقا في تفاعلاته.
*عدنان المصري
لهندسة التجريد التي تبدو في التجربتين تداخلات بصرية فلسفية تحاول أن تستنطق عمق الفنان وتميّزه الفني بترتيب الفوضى الداخلية التي تبعثر لديه الأطر والمفاهيم والتي تستحيل صورا وخيالا وتتحوّل إلى رؤى وأشكال وتكوينات قابلة للتأويل الجمالي استطاعت أن تُخرج هندسة الأشكال من جمودها باعتماد الحركة والحسيات في اللون والضوء عند ارنست بوسي وأن تستحدث رؤى جديدة وحركة مختلفة الأشكال للحرف العربي عند عدنان المصري ما فعّل حضور التجربتين وقاد إلى اكتشاف عوالم جديدة ومُبتكرة.