«الدين والغيريّة في السينما التونسية» من خلال تجربة المخرج رضا الباهي
في فبراير 3, 2023
تونس ـ «سينماتوغراف»
قد تبدو الفنون في الظاهر فسحة خيال للخلاص من أرق الأسئلة، لكنّها في الباطن مخاض أسئلة متجدّدة تستوجب المقاربات المتنوّعة وضروب الإبداعات المختلفة. وفي هذا الإطار اهتم قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” في سلسلة ورشاته وندواته المتتالية بالبعد الفكري للأعمال الفنيّة مثل عالم السينما الذي شكّل مؤخّرا سجالا للمجمعيين والباحثين المهتمين بالشأن السينمائي.
ونظّم القسم مؤخّرا لقاءين حواريين عنوانهما “الدين والغيريّة في السينما” من خلال تجربة المخرجين رضا الباهي وفريد بوغدير، وقد تطرق الحدث أيضا إلى مسألة “تمثل الآخر في أفلام رضا الباهي” وتخللته قراءة عمودية في الدين والعقيدة والتعايش مع الآخر في سينما رضا الباهي قدمها المخرج والناقد عبدالمجيد الجلولي، وواكبت نخبة من النقّاد والباحثين والمبدعين فعاليّات الجزء الأوّل من النشاط في مدينة الثقافة التونسية، وتابعت تلك النخب وروّاد صفحة المجمع الجزء الثاني من الفعاليّات التي انتظمت في قصر المجمع وبثت على صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعد رضا الباهي وفريد بوغدير من المؤسسين في السينما التونسية، فقد ولد الباهي في العام 1947 وهو أحد الأسماء التي تقدم السينما الجادة في تونس والعالم العربي، ويعرف بانشغاله بقضايا وطنه وأحوال المجتمع والناس، ويظهر ذلك جليا في أفلامه ومنها “شمس الضباع” و”صندوق عجب” و”السنونو لا يموت في القدس”.
وتغامر كاميرا الباهي بدخول الأماكن المحظورة لتطرح الكثير من القضايا الشائكة وتثير الكثير من الجدل، ولا يختلف عنه بوغدير كثيرا، فهو من مواليد العام 1944، ودخل مجال الإخراج السينمائي في الفترة ذاتها التي وجد فيها الباهي، لكنه عُرف في البداية كناقد سينمائي من خلال أعماله ومنشوراته حول تاريخ السينما الأفريقية والعربية، ثم أخرج أفلاما تؤرخ للمجتمع التونسي منها فيلمه “حلفاوين” و“صيف حلق الوادي” و“زيزو” وغيرها من الأفلام التي حصد عنها العديد من الجوائز.
أما فيلم “جزيرة الغفران” للباهي والذي تناوله اللقاء بالدراسة والتحليل، فيناقش تفاصيل الحياة في تونس بين الماضي والحاضر، وكيف تغيرت مع التطور التكنولوجي. وتدور أحداث الفيلم حول أندريا، وهو كاتب بارع يبلغ من العمر 60 عاما، يعود إلى جزيرة جربة بتونس، موطنه الأصلي، لينفذ آخر أمنيات والدته روزا، وهناك تستيقظ بداخله ذكرياته القديمة، لتدفعه إلى ماض مؤلم.
ومثّل فيلم ‘جزيرة الغفران’ خلال لقاء “بيت الحكمة” منطلقا لسجالات حول “التعايش بين الأنا والآخر”، وعلاقة الخلق الفني بالمحظور، وسبل تفاعل “الفنّان مع المقدّس” وطبيعة فهم المبدع “لسلطة المقدّسات”، والفوارق بين “الآخر والغيريّة”.
وطرح الباهي في تقديمه لفلسفته السينمائية وفلسفة فيلمه، أسئلة كثيرة وحاول مع الحضور الإجابة عنها، منها هل الغيريّة مختزلة في الآخر بما هو ذات بشريّة؟ أم هي أشمل من ذلك، متضمّنة كلّ قطب تتفاعل معه الذات؟ وهل من حدود بين الأنا والآخر؟ أليس الآخر كامنا في الآنيّة نفسها؟
مثلما تساءل السينمائيّ الباهي في تقديمه لتجربته السينمائيّة، فالدين في الحقل السينمائي يختلف بالضرورة عن الشأن الديني في التجربة العقائديّة كما ورد في مداخلة المخرج والناقد الجلولي حول القراءة العموديّة في الدين والعقيدة مع الآخر في سينما الباهي، المؤكّد على غياب قدسيّة ما هو ديني في أعماله السينمائيّة.
ويتقاطع معه في هذا السياق تحليل الأستاذ حمادي بوعبيد الذي ركّز في مداخلته على أبعاد ورموز الغيريّة في أفلام بوغدير والباهي، تلك التي تجسّد قيم الذات وكونيّة التعايش المشبع بالاختلاف.
وخلص البيان المصاحب للقاء إلى القول إن “رسالة الخطاب السينمائي وفقاً لمداخلات اللقاءين والأسئلة المكثّفة تدعو إلى تجذير قيم الحوار بين جميع الذوات خارج دائرة محاكمات التصنيف”.
في فبراير 3, 2023
تونس ـ «سينماتوغراف»
قد تبدو الفنون في الظاهر فسحة خيال للخلاص من أرق الأسئلة، لكنّها في الباطن مخاض أسئلة متجدّدة تستوجب المقاربات المتنوّعة وضروب الإبداعات المختلفة. وفي هذا الإطار اهتم قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” في سلسلة ورشاته وندواته المتتالية بالبعد الفكري للأعمال الفنيّة مثل عالم السينما الذي شكّل مؤخّرا سجالا للمجمعيين والباحثين المهتمين بالشأن السينمائي.
ونظّم القسم مؤخّرا لقاءين حواريين عنوانهما “الدين والغيريّة في السينما” من خلال تجربة المخرجين رضا الباهي وفريد بوغدير، وقد تطرق الحدث أيضا إلى مسألة “تمثل الآخر في أفلام رضا الباهي” وتخللته قراءة عمودية في الدين والعقيدة والتعايش مع الآخر في سينما رضا الباهي قدمها المخرج والناقد عبدالمجيد الجلولي، وواكبت نخبة من النقّاد والباحثين والمبدعين فعاليّات الجزء الأوّل من النشاط في مدينة الثقافة التونسية، وتابعت تلك النخب وروّاد صفحة المجمع الجزء الثاني من الفعاليّات التي انتظمت في قصر المجمع وبثت على صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعد رضا الباهي وفريد بوغدير من المؤسسين في السينما التونسية، فقد ولد الباهي في العام 1947 وهو أحد الأسماء التي تقدم السينما الجادة في تونس والعالم العربي، ويعرف بانشغاله بقضايا وطنه وأحوال المجتمع والناس، ويظهر ذلك جليا في أفلامه ومنها “شمس الضباع” و”صندوق عجب” و”السنونو لا يموت في القدس”.
وتغامر كاميرا الباهي بدخول الأماكن المحظورة لتطرح الكثير من القضايا الشائكة وتثير الكثير من الجدل، ولا يختلف عنه بوغدير كثيرا، فهو من مواليد العام 1944، ودخل مجال الإخراج السينمائي في الفترة ذاتها التي وجد فيها الباهي، لكنه عُرف في البداية كناقد سينمائي من خلال أعماله ومنشوراته حول تاريخ السينما الأفريقية والعربية، ثم أخرج أفلاما تؤرخ للمجتمع التونسي منها فيلمه “حلفاوين” و“صيف حلق الوادي” و“زيزو” وغيرها من الأفلام التي حصد عنها العديد من الجوائز.
أما فيلم “جزيرة الغفران” للباهي والذي تناوله اللقاء بالدراسة والتحليل، فيناقش تفاصيل الحياة في تونس بين الماضي والحاضر، وكيف تغيرت مع التطور التكنولوجي. وتدور أحداث الفيلم حول أندريا، وهو كاتب بارع يبلغ من العمر 60 عاما، يعود إلى جزيرة جربة بتونس، موطنه الأصلي، لينفذ آخر أمنيات والدته روزا، وهناك تستيقظ بداخله ذكرياته القديمة، لتدفعه إلى ماض مؤلم.
ومثّل فيلم ‘جزيرة الغفران’ خلال لقاء “بيت الحكمة” منطلقا لسجالات حول “التعايش بين الأنا والآخر”، وعلاقة الخلق الفني بالمحظور، وسبل تفاعل “الفنّان مع المقدّس” وطبيعة فهم المبدع “لسلطة المقدّسات”، والفوارق بين “الآخر والغيريّة”.
وطرح الباهي في تقديمه لفلسفته السينمائية وفلسفة فيلمه، أسئلة كثيرة وحاول مع الحضور الإجابة عنها، منها هل الغيريّة مختزلة في الآخر بما هو ذات بشريّة؟ أم هي أشمل من ذلك، متضمّنة كلّ قطب تتفاعل معه الذات؟ وهل من حدود بين الأنا والآخر؟ أليس الآخر كامنا في الآنيّة نفسها؟
مثلما تساءل السينمائيّ الباهي في تقديمه لتجربته السينمائيّة، فالدين في الحقل السينمائي يختلف بالضرورة عن الشأن الديني في التجربة العقائديّة كما ورد في مداخلة المخرج والناقد الجلولي حول القراءة العموديّة في الدين والعقيدة مع الآخر في سينما الباهي، المؤكّد على غياب قدسيّة ما هو ديني في أعماله السينمائيّة.
ويتقاطع معه في هذا السياق تحليل الأستاذ حمادي بوعبيد الذي ركّز في مداخلته على أبعاد ورموز الغيريّة في أفلام بوغدير والباهي، تلك التي تجسّد قيم الذات وكونيّة التعايش المشبع بالاختلاف.
وخلص البيان المصاحب للقاء إلى القول إن “رسالة الخطاب السينمائي وفقاً لمداخلات اللقاءين والأسئلة المكثّفة تدعو إلى تجذير قيم الحوار بين جميع الذوات خارج دائرة محاكمات التصنيف”.