عن فيلم "Nocebo": الرأسمالية بوجهها القاتم
سمير رمان 15 يناير 2023
سينما
ملصق فيلم "Nocebo"
شارك هذا المقال
حجم الخط
بدأت دور السينما عرض فيلم التشويق والإثارة "عين الشرّ/ Nocebo" للمخرج الإيرلندي لوركان فينيغان/ Lorcan Finnegan. الفيلم من بطولة الممثلة الفرنسية إيفا غرين/ Eva Green، ونجمة السينما والتلفزيون وموسيقى البوب الممثلة الفليبينية تشاي فوناسيه/ Chai fonacier، إلى جانب الممثل البريطاني مارك سترونغ (Mark Strong). يقدم الفيلم أفكارًا اجتماعية ـ اقتصادية جديدة في نصّ تناول عددًا من الناس غريبي الأطوار يعيشون تحت سقف منزلٍ واحد.
تمثِّل كريستينا (إيفا غرين) نموذجًا للمرأة العصرية الناجحة، التي تسيطر على كلّ شيء. فلديها علامتها التجارية لملابس الأطفال العصرية التي صممتها بنفسها، كما تمتلك منزلها المؤلف من ثلاثة أدوار في لندن. متزوجة من رجل وسيم شديد الاهتمام بها هو فيليكس (مارك سترونغ)، ولديهما طفلة ذكية، روبرتا (بيللي غادسدون)، التلميذة في المدرسة الابتدائية، والتي يدعوها والداها بوبس. وبما أنّ الفيلم أخرجه لوركان فينيغان، الذي سبق أن أظهر في فيلمه السابق "فيفاريوم/ Vivarium" (2019) حجم المآسي في الحياة البرجوازية الرغيدة الذي تخفيه المظاهر الخارجية الزائفة، فإنّ السلام السائد لن يستمر طويلًا. أثناء عرض تشكيلةٍ من ملابسها تعود كريستي إلى الكواليس، لتتلقى اتصالًا هاتفيًا مقلقًا (حيث يبدأ شخصٌ لا يظهر في الصورة الحديث عن أجسادٍ ميتة ربما، فتغلق الهاتف على الفور)، ثمّ يظهر من العدم في مبنى نظيف تمامًا كلبٌ من سلالة مانغي.
بعد مرور ثمانية أشهر، كانت كريستين تأخذ خلالها أدوية لمرضٍ غامض، وراح لون وجهها يزداد شحوبًا. بدت المرأة أقرب ما تكون إلى ظلّ إنسان. كانت تجد صعوبةً كبيرة في النوم، وعندما تنام كانت تراودها كوابيس مرعبة. شعرها بدأ يتساقط بشكلٍ مخيف، وبدأت تعاني من نوبات النسيان، وهفوات في الذاكرة، إلى جانب تشنجاتٍ عصبية تصيبها من حينٍ إلى آخر. لم تعد رفوف الحمّام تتسع للكّم الهائل من الأدوية التي تستخدمها من دون أيّة فائدة. يبدو الزملاء السابقون متعاطفين، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا متفاجئين من تماسكها بعد كل ما حدث، الأمر الذي لم تتذكره كريستين بالضبط. في يومٍ فظيعٍ آخر، وعندما سقط شيءٌ ما من يديها، سمعت طرقات على الباب، لتظهر فجأة فتاة فيليبينية تدعى ديان (تشاي فوناسيه) تقف على العتبة، وتؤكّد أنّ كريستي قد وظفتها للمساعدة في الأعمال المنزلية. لا تستطيع كريستي تذكر أنّها فعلت ذلك، ولكنّها فكّرت في نفسها أنّ مساعدة الفتاة لن تضر. ولذلك، وبعد ترددٍ لم يستمر سوى لحظات، وافقت على استخدامها لمدة أسبوع، على الرغم من أنّ زوجها وابنتها خامرهما الشكّ بشأن تلك الفتاة، فكان استقبالهما لها فاترًا.
عندما تستخدم خادمة في أفلام التشويق والرعب، فإنّ الأمور عادةً تتخذ أحد مسارين: فإمّا أنّ يقود الجهل والسذاجة هذا العامل المستأجر المطمئن إلى إحدى بقع الجحيم مباشرةً، وإمّا ان يحدث العكس، فنجد عائلة طيبة تفتح أبواب بيتها أمام وحش يخفي طبيعته الشريرة خلف ابتساماتٍ لطيفة، ووراء مهارته الرائعة في إعداد أشهى الأطباق. في فيلم "عين الشرّ" يندمج هذان المساران معًا في مسارٍ واحد. في طبيعة الحال، جاءت ديانا إلى كريستين مع أكثر النوايا قسوة، ووحدها حالة وعي البطلة غرين المضطربة والمتغيرة دومًا يمكنها أن تفسّر حقيقة أنّها لا تفهم هذا الأمر. تعترف الوافدة الجديدة أنّها ساحرةٌ تمتلك علاقة خاصّة مع النباتات، والحيوانات، ومع الأرواح، وتبدأ معالجة السيدة بوسائل غير تقليدية. وفي حين تهدد ديانا الزوج (فيليكس) الذي يشعر بأنّ شيئًا ما ليس على ما يرام، فإنّها تحاول كسب ثقة الطفلة بوبس، ليتضح مع ذلك أنّ الأمور لا يمكن أن تنتهي على خير. ولأنّ كريستينا قد سبق لها هي الاُخرى أن ارتكبت أيضًا بعض الخطايا، فإنّه لا يمكن القول إنّها ضحيّة بريئة.
يكشف المؤلف غاريت شانلي بالتدريج السرّ الرهيب الذي يربط بين المرأتين، حيث تظهرهما مشاهد تؤديان معًا طقوسًا غريبة، ومن خلال الفلاش باك تظهر لقطات بعضًا من حياة ديانا الماضية في موطنها الأصلي. لن يكون من الصعب على المشاهد أن يتوقع نهاية الفيلم: فقد مرّت تلميحات جريئة في كلّ منعطفٍ من منعطفات الفيلم. ومع ذلك، سيتعيّن على هذا المشاهد الجلوس طيلة ساعة ونصف الساعة مليئة بأكثر مشاهد الرعب شيوعًا قبل أن يتضح له أنّ الرعب الحقيقي ليس في كوابيسنا، وليس في أرواحٍ فليبينية تسعى إلى الانتقام، كما أنّه ليس في تلك الحشرات القميئة بحجم الإبهام، بل هو رعب الرأسمالية، رعب العولمة، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
سمير رمان 15 يناير 2023
سينما
ملصق فيلم "Nocebo"
شارك هذا المقال
حجم الخط
بدأت دور السينما عرض فيلم التشويق والإثارة "عين الشرّ/ Nocebo" للمخرج الإيرلندي لوركان فينيغان/ Lorcan Finnegan. الفيلم من بطولة الممثلة الفرنسية إيفا غرين/ Eva Green، ونجمة السينما والتلفزيون وموسيقى البوب الممثلة الفليبينية تشاي فوناسيه/ Chai fonacier، إلى جانب الممثل البريطاني مارك سترونغ (Mark Strong). يقدم الفيلم أفكارًا اجتماعية ـ اقتصادية جديدة في نصّ تناول عددًا من الناس غريبي الأطوار يعيشون تحت سقف منزلٍ واحد.
تمثِّل كريستينا (إيفا غرين) نموذجًا للمرأة العصرية الناجحة، التي تسيطر على كلّ شيء. فلديها علامتها التجارية لملابس الأطفال العصرية التي صممتها بنفسها، كما تمتلك منزلها المؤلف من ثلاثة أدوار في لندن. متزوجة من رجل وسيم شديد الاهتمام بها هو فيليكس (مارك سترونغ)، ولديهما طفلة ذكية، روبرتا (بيللي غادسدون)، التلميذة في المدرسة الابتدائية، والتي يدعوها والداها بوبس. وبما أنّ الفيلم أخرجه لوركان فينيغان، الذي سبق أن أظهر في فيلمه السابق "فيفاريوم/ Vivarium" (2019) حجم المآسي في الحياة البرجوازية الرغيدة الذي تخفيه المظاهر الخارجية الزائفة، فإنّ السلام السائد لن يستمر طويلًا. أثناء عرض تشكيلةٍ من ملابسها تعود كريستي إلى الكواليس، لتتلقى اتصالًا هاتفيًا مقلقًا (حيث يبدأ شخصٌ لا يظهر في الصورة الحديث عن أجسادٍ ميتة ربما، فتغلق الهاتف على الفور)، ثمّ يظهر من العدم في مبنى نظيف تمامًا كلبٌ من سلالة مانغي.
"يكشف المؤلف غاريت شانلي بالتدريج السرّ الرهيب الذي يربط بين المرأتين، حيث تظهرهما مشاهد تؤديان معًا طقوسًا غريبة، ومن خلال الفلاش باك تظهر لقطات بعضًا من حياة ديانا الماضية في موطنها الأصلي" |
بعد مرور ثمانية أشهر، كانت كريستين تأخذ خلالها أدوية لمرضٍ غامض، وراح لون وجهها يزداد شحوبًا. بدت المرأة أقرب ما تكون إلى ظلّ إنسان. كانت تجد صعوبةً كبيرة في النوم، وعندما تنام كانت تراودها كوابيس مرعبة. شعرها بدأ يتساقط بشكلٍ مخيف، وبدأت تعاني من نوبات النسيان، وهفوات في الذاكرة، إلى جانب تشنجاتٍ عصبية تصيبها من حينٍ إلى آخر. لم تعد رفوف الحمّام تتسع للكّم الهائل من الأدوية التي تستخدمها من دون أيّة فائدة. يبدو الزملاء السابقون متعاطفين، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا متفاجئين من تماسكها بعد كل ما حدث، الأمر الذي لم تتذكره كريستين بالضبط. في يومٍ فظيعٍ آخر، وعندما سقط شيءٌ ما من يديها، سمعت طرقات على الباب، لتظهر فجأة فتاة فيليبينية تدعى ديان (تشاي فوناسيه) تقف على العتبة، وتؤكّد أنّ كريستي قد وظفتها للمساعدة في الأعمال المنزلية. لا تستطيع كريستي تذكر أنّها فعلت ذلك، ولكنّها فكّرت في نفسها أنّ مساعدة الفتاة لن تضر. ولذلك، وبعد ترددٍ لم يستمر سوى لحظات، وافقت على استخدامها لمدة أسبوع، على الرغم من أنّ زوجها وابنتها خامرهما الشكّ بشأن تلك الفتاة، فكان استقبالهما لها فاترًا.
عندما تستخدم خادمة في أفلام التشويق والرعب، فإنّ الأمور عادةً تتخذ أحد مسارين: فإمّا أنّ يقود الجهل والسذاجة هذا العامل المستأجر المطمئن إلى إحدى بقع الجحيم مباشرةً، وإمّا ان يحدث العكس، فنجد عائلة طيبة تفتح أبواب بيتها أمام وحش يخفي طبيعته الشريرة خلف ابتساماتٍ لطيفة، ووراء مهارته الرائعة في إعداد أشهى الأطباق. في فيلم "عين الشرّ" يندمج هذان المساران معًا في مسارٍ واحد. في طبيعة الحال، جاءت ديانا إلى كريستين مع أكثر النوايا قسوة، ووحدها حالة وعي البطلة غرين المضطربة والمتغيرة دومًا يمكنها أن تفسّر حقيقة أنّها لا تفهم هذا الأمر. تعترف الوافدة الجديدة أنّها ساحرةٌ تمتلك علاقة خاصّة مع النباتات، والحيوانات، ومع الأرواح، وتبدأ معالجة السيدة بوسائل غير تقليدية. وفي حين تهدد ديانا الزوج (فيليكس) الذي يشعر بأنّ شيئًا ما ليس على ما يرام، فإنّها تحاول كسب ثقة الطفلة بوبس، ليتضح مع ذلك أنّ الأمور لا يمكن أن تنتهي على خير. ولأنّ كريستينا قد سبق لها هي الاُخرى أن ارتكبت أيضًا بعض الخطايا، فإنّه لا يمكن القول إنّها ضحيّة بريئة.
يكشف المؤلف غاريت شانلي بالتدريج السرّ الرهيب الذي يربط بين المرأتين، حيث تظهرهما مشاهد تؤديان معًا طقوسًا غريبة، ومن خلال الفلاش باك تظهر لقطات بعضًا من حياة ديانا الماضية في موطنها الأصلي. لن يكون من الصعب على المشاهد أن يتوقع نهاية الفيلم: فقد مرّت تلميحات جريئة في كلّ منعطفٍ من منعطفات الفيلم. ومع ذلك، سيتعيّن على هذا المشاهد الجلوس طيلة ساعة ونصف الساعة مليئة بأكثر مشاهد الرعب شيوعًا قبل أن يتضح له أنّ الرعب الحقيقي ليس في كوابيسنا، وليس في أرواحٍ فليبينية تسعى إلى الانتقام، كما أنّه ليس في تلك الحشرات القميئة بحجم الإبهام، بل هو رعب الرأسمالية، رعب العولمة، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان.