السينما المصرية في 2022: بعيدًا عن النيل وبالقرب منه
وائل سعيد 6 يناير 2023
سينما
(Gettyimages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
افتتح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته لهذا العام بأحدث أفلام المخرج الهوليوودي الشهير ستيفن سبيلبرغ "آل فابليمان"، وعلى مدار أكثر من ساعتين ونصف الساعة عشنا رحلة شغف البدايات لسبيلبرغ بالفن السينمائي، وقدم الفيلم جرعة عالية الجودة سواء على مستوى السرد والصورة والأداء التمثيلي أو على مستوى المشاعر التي تغلغلت عبر المشاهد. فيلم كهذا لا بد وأن يعطيك دفقة شعورية جمالية لن تفارقك بسهولة، وربما كان هذا سببًا في العبارة التي سمعتها لأحد المشاهدين ونحن نغادر القاعة وكانت تحمل قدرًا كبيرًا من الحسرة: "كيف سنشاهد أفلامنا بعد ما صنعه سبيلبرغ؟".
لم يكن ذلك الزميل "السنيفيلي" مغاليًا فيما قال ولم يكن معه الحق تمامًا أيضًا، فالمقارنة بين السينما المصرية - الآن- والأجنبية ليست في صالح الأولى بالتأكيد؛ ويرجع ذلك إلى عدة أسباب لا مجال لطرحها هنا، ويكفي أن تتأمل خريطة الأفلام العربية في السنوات القليلة الماضية لتلمس الهوة الشاسعة بين السينماتين - العربية والأجنبية... فقديمًا كنا نركن إلى روائع كلاسيكية يمكنها مناطحة النتاج الغربي بسهولة حتى وإن لم تحظَ بالتقدير الدولي أو العالمي وكان لذلك أسباب عدة أيضًا.
هويات مغايرة
رغم أن الفن السابع بدأ توثيقيًا، فإن السينما التسجيلية والمستقلة تعاني بلا شك من شظف الإقبال الجماهيري، بجانب عزوف الاهتمام النقدي أيضًا، إلا أن هناك بعض الأفلام استطاعت جذب الجمهور والنقاد على حد سواء في السنوات الأخيرة، وفيلم "بعيدًا عن النيل" من إخراج شريف الكتشة واحد منها، وهو مخرج مصري مولود بأميركا، وفيه تجتمع مجموعة من العازفين والمغنين من دول حوض النيل لتكوين فريق غنائي يعرض حفلاته في عدد من المدن الأميركية بعيدًا عن النيل، ويقدم هذا الخليط موسيقى متجانسة رغم اختلاف مدارسها ومقاماتها وجملِها الموسيقية، فترى الإنشاد يجتمع مع الطبول الأفريقية ويتداخل مع الوتريات ولا تقل الخلطة الصوتية تجانسًا عن ذلك ما بين الصوت الرجالي والنسائي، ناهيك عن التنوّع الذي يخلقه اختلاف اللهجات واللغات أيضًا.
يمزج سيناريو الفيلم بين الوثائقي والدرامي، فخلال الأحداث نعيش مع جوانب مختلفة للشخصيات وتفاعلاتها اليومية المتغيرة فيما بينها، ما بين توافق أو اختلاف، غضب أو فرح، حب أو بعض من الكراهية، وما إلى ذلك، برغم هذا لم تنعدم الفكاهة والكوميديا طوال الوقت حتى في أحلك اللحظات. رحلة أفريقية رهيفة عن مشاعر الهجرة المؤقتة لمجموعة ارتأت أن تحمل هذا النيل معها حتى وإن كانت في بلاد العم سام.
سالي الحسيني، وهي مخرجة أخرى أميركية من أصل مصري، في فيلمها الجديد "السباحتان"، اختارت أختين حقيقيتين- "ناتالي ومنال عيسى"- من لبنان، لتؤديا شخصيتي "يسرى وسارة مارديني" من سورية، وعلى أرض الواقع تنتمي الأربع فتيات لأعمار متقاربة - مواليد التسعينيات- كما يتشاركن في نفس الظروف الصعبة في البلدين. يطرح الفيلم أزمة المهاجرين من لاجئي الحروب، الهاربين من ضيق بلدانهم بحثًا عن آفاق جديدة في بلد أوروبي لم تنهكه الحرب، وكانت سورية مثالًا لذلك بعد أن تم تدميرها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، والفيلم عن قصة حقيقية، ولكن ربما فعل السباحة هنا يمثل فطرة كل كائن حي في العموم وليس الإنسان وفقط في دفاعه عن الحق في الحياة، وبما أن نسبة المياه على كوكب الأرض ضعفا اليابس، فإن آفاق الحرية شاسعة وحتمًا ستفوق ضيق القيود.
يزخر الفيلم بالعديد من المشاهد الحرفية التي أجادت المخرجة من خلالها في خلق صورة عالية الجودة سواء على مستوى اختيار الكادرات أو حركة الكاميرا، ويظهر ذلك بوضوح في مشهد قارب المهاجرين - وهو من أفضل مشاهد الفيلم- لا سيما وقد قدم حالة إنسانية واقعية بالفعل للمجموعة الهاربة من الموت ليجدوه في انتظارهم في عرض البحر. أما من حيث السيناريو فهناك مساحات - وان كانت قليلة- كادت أن تودي بالإيقاع، ولكنه من جانب آخر أجاد في خلق حالة التحدي النسوية التي تواجه عددًا كبيرًا من الفتيات حين يصطدمن برغبة الأب في إنجاب الوريث الذكر، لكن القدر لا يهبه سوى البنات، مثل حالة الأب تمامًا في الفيلم الذي يُخبرنا في اللقطات الافتتاحية بذلك: "كنت أريد إنجاب ولد ولكن الله رزقني بثلاث بنات، فشرعت في تدريبهم على السباحة"، اختارت الفتاتان مهنة الأب نفسها لتؤدياها بالطريقة التي لم يكن بوسعه تحقيقها على مدار حياته.
أما الممثلة الشابة إلهام صفي فتُفاجئنا في الفيلم القصير "صاحبتي" لكوثر يونس، الذي استحق جائزة لجنة التحكيم الخاصة كأفضل فيلم قصير بمهرجان القاهرة السينمائي. تتعامل المخرجة وبطلتها في الفيلم بعفوية أصابت في مناطق كثيرة وأخفقت في بعضها، بداية من القصة الجريئة للفيلم حيث تخدع إحدى المراهقات والديها بدعوة حبيبها لقضاء ليلة في غرفتها، بعد أن يتنكر في شكل فتاة باستخدام باروكة ومكياج. يشير الفيلم إلى مشكلة مجتمعية نسوية في الأساس بدأت تفرض نفسها بقوة وتغير آليات الصراع الأبدي مع الذكورة ومفهومها سواء على مستوى الأسرة أو الجماعة، ولقد استطاعت الأنثى نيل حريتها ولم تعد الجدران ولا المحاذير بقادرة على صدّ رغبتها الطبيعية التي يمارسها الذكر دون قيود.
أزمة الورق والصناعة
في صناعة السينما دائمًا ما تذهب التهمة الأولى إلى النص المكتوب حين تصاب بتردٍ في مرحلة من مراحلها، وهو ما يُطلق عليه "مشكلة ورق"، بعد ذلك هناك قائمة من الاتهامات المتوالية تكون من نصيب بقية عناصر الفيلم. من الملاحظ في الآونة الأخيرة لجوء الأعمال - سينما ودراما- إلى الكتابة المشتركة، سواء من خلال ورشة للكتابة يُديرها سيناريست محترف أو المحاولات الثنائية، ولا شك في أن ذلك أثر على العمل الفني سواء بالسلب أو الإيجاب، ويظهر هذا بوضوح في المسلسلات حيث يمكنك ملاحظة تميز بعض الحلقات عن بعضها، أما في السينما فربما خلق هذا الفعل الجماعي بعضًا من العشوائية والغيوم؛ فليست هناك سمة ما تستطيع أن ترى بها أفلام المرحلة الحالية من عمر السينما المصرية، يصاحب ذلك بالطبع عدد كبير من النقل عن أفلام أجنبية أو تجميع عدة خلطات من هنا وهناك. وربما خير مثال على ذلك أفلام الممثل أحمد حلمي.
في فيلمه الجديد "واحد تاني"– محمد شاكر خضير، يواصل حلمي نهجه المعتاد، ويزيد عليه قليلًا في الدمج بين عدة مواقف من أفلام مختلفة تُشكل الخط الدرامي لقصة الفيلم، على أن الأمر يتخطى النقل عن السينما العالمية فنراه يستغل أيضًا بشكل عرضي بعض المواقف الكوميدية لفيديوهات التيك توك المنتشرة. من زاوية أخرى، مثلما تتكرر التيمات في أفلام أحمد حلمي وتصبغ أداءه بطابع واحد، نجد تيمة تعدد الشخصيات تحتل البطولة الأكبر في خلطته المنسوخة، فدائمًا ما يُفضل الانقسام بين عدة شخصيات في نفس العمل، ربما هي رغبة دفينة يتمنى بها أن يكون الجوكر متعدد الوجوه، مما يُتيح له تعددية موزاية من الإبهار ستكون في انتظار الجمهور.
في سياق مُشابه، يأتي فيلم "أصحاب ولا أعز"، وهو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي "Perfect Strangers – غرباء تمامًا، 2016"، والتي أثارت لغطًا كبيرًا عقب عرضها عبر منصة نتفليكس، الفيلم بطولة منى زكي، نادين لبكي، إياد نصار، وجورج خباز، وإخراج وسام سميرة الذي اشترك بدوره في كتابة السيناريو والحوار مع غبريال يمين. وتدور قصته حول سبعة من الأصدقاء يجتمعون على العشاء ومن خلال بعض الحوارات تتولد فكرة اللعبة الخطرة، حيث يتركون هواتفهم تتحدث عنهم عبر المكالمات والرسائل الواردة.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أثار قرار لجنة اختيار الفيلم المصري للترشيح للأوسكار الكثير من الجدل وتباينت الآراء بين الرفض والقبول والاستهجان، حيث أعلنت اللجنة عن قرارها بعدم اختيار أي من أفلام هذا العام للتنافس في السباق السينمائي الأشهر عالميًا. وقتها تردد اسم فيلم "كيرة والجن" أكثر من مرة حيث وجده البعض يستحق الترشح لأوسكار. يجمع الفيلم لأول مرة بطلي الشباك كريم عبد العزيز وأحمد عز، إخراج مروان حامد، في تعاونه الرابع مع المؤلف أحمد مراد، ربما لطول الفيلم (3 ساعات) ورحابة الفترة الزمنية للأحداث (50 سنة)، سيطرت فكرة الملحمية على صُناع "كيرة والجن" وسرى هاجس الرغبة في الإبهار بين جميع عناصر العمل وفي مقدمتها الإثارة الحركية، حيث لم يترك المخرج فرصة مناسبة أو غير مناسبة إلا وافتعل معارك ومطاردات حتى زادت جرعتها بدون مبرر درامي، ولو أن معظمها تم تنفيذه بشكل جيد سواء على المستوى التقني أو الحركي، فبرغم أن للبطلين معارك كثيرة مع بعضهما تحدث طوال الوقت؛ جاء فرط حركة الكاميرا في صالحهما؛ فالبطلان لم يكونا بالخفة الجسدية اللازمة لتنفيذ ذلك.
إنها نفس الخفة التي فقدها الممثل أحمد السقا ويظهر ذلك في فيلمه الأخير "العنكبوت" المعروض ضمن موسم عيد الفطر الماضي الذي لم يضم سوى ثلاثة أفلام فقط. تُشارك السقا بطولة الفيلم الفنانة منى زكي والفنان محمد ممدوح والممثل التونسي ظافر العابدين، تأليف محمد ناير، واخراج أحمد نادر جلال. ومنذ بداية التسعينيات وحتى الآن والسقا ضيف سنوي دائم على جمهور السينما والمسرح والدراما، إما بالبطولة أو المشاركة أو حتى كضيف شرف أو راو للأحداث، لم تسقط سنة تقريبًا لهذه الضيافة على مدار العقود الثلاثة الماضية سوى في عام ثورة 25 يناير 2011، وفي هذا العام توقفت العديد من الأنشطة على كل المستويات.
كان فيلم "19 ب" هو الفيلم المصري الوحيد المُشارك في مهرجان القاهرة السينمائي لهذا العام حاصدًا ثلاث جوائز: جائزة الاتحاد الدولي للنقاد الفيبرسي، وجائزة أفضل فيلم عربي، بجانب جائزة هنري بركات لأفضل إسهام فني، وحصل عليها مدير التصوير مصطفى الكاشف، وربما هي الجائزة الوحيدة المُستحقة. الفيلم من تأليف وإخراج أحمد عبد الله وبطولة سيد رجب، أحمد خالد صالح الذي لا يرضى أن يخلع عن كاهله عبء عباءة أبيه الفنان الراحل خالد صالح، وهو ما تؤكده أدواره المتوالية سواء في الدراما أو السينما. أما ناهد السباعي ورغم أنها ممثلة جيدة فلم يكن لها حضور يُذكر في الفيلم، مرت مرورا خافتا لم يخل من التصنع أو التمثيل بمعناه التشخيصي.
بذكر التشخيص، لا يمكن تمرير بطل الفيلم الذي يُصر على الاصطناع والتكلف في الأداء دورًا بعد آخر، رغم أن سيد رجب يحظى بملامح وأداء مميزين كثيرًا ما أبهرنا بهما في أدوار سابقة سواء في الأفلام القصيرة أو الروائية الطويلة، لا سيما وقد ارتبط في بداياته بالسينما المستقلة وهي سينما تبحث عن آفاق مغايرة وتتعامل بمعطيات مختلفة عن السائد، وهي نفس السينما التي تميز فيها المخرج أحمد عبد الله بأعمال مميزة مثل "ميكروفون، ديكور، وليل خارجي".
في فيلمه الجديد "19 ب" يفتقد عبد الله للحبكة الدرامية ويركز على تهويمات بصرية ونفسية استطاعت كاميرا الكاشف التقاط بعضها ولم يفلح الممثلون في ذلك نهائيًا، وكان من الغرابة وصف الفيلم من الصحافة الفنية بأنه عن الرأفة بالحيوانات "القطط والكلاب الضالة" التي يُربيها سيد رجب - حارس العقار القديم الآيل للسقوط- ويعيش معها منعزلًا عن العالم، في حين أن القصة تحكي عن تداعي هذا الحارس في وحدته التي صنعها واتخذها بديلًا عن التواصل مع العالم الخارجي، أو هي بالأصح كانت من المفترض أن تكون كذلك.
ما بين السينما والدراما التلفزيونية قدم المغنى تامر حسني ما يقارب 20 عملًا، نصفها تقريبًا من تأليفه إما كفكرة أو قصة أو سيناريو، الجانب المُشترك في تلك الأعمال كان "الميوعة"، فالأمر لا يقف عند حد انتفاء الحبكة أو الدراما وما شابه، أو حتى القصة المُستهلكة إن وجدت؛ لكن مشكلة حسني الأساسية تكمن في تهجينه الفكري بالبحث عن كاراكتر يميزه عن بقية جيله. وفي ظهوره الأحدث شارك تامر بفيلم رومانسي كالعادة بعنوان "بحبك"، ولكن هذه المرة ليست ككل المرات السابقة، فهو يكتب ويلحن ويمثل ويغني ويُخرج أيضًا في أولى تجاربه الإخراجية، ومن المحتمل - للأسف- ألا تكون الأخيرة.
اسكتشات فيلمية
انطلق برنامج "مسرح مصر" عام 2014 من بطولة أشرف عبد الباقي ومجموعة من شباب الممثلين وجدوا طريقهم للنجومية خلال السنوات الماضية. تعتمد فكرة البرنامج على تقديم قصة جديدة في كل حلقة تطرح موضوعًا مجتمعيًا أو سياسيًا للنقد والنقاش؛ أو هو ما كان مفترضًا أن يحدث. فبرغم نجاح التجربة جماهيريًا إلا أنها لم تلقَ ردود فعل جيدة من النقد بخاصة أهل المسرح الذين رأوا فيما يُقدمه عبد الباقي وشبابه مجرد اسكتشات هزلية ولا تنتمي لفن المسرح لا من قريب أو بعيد سوى بخشبته وسيلة العرض، لا سيما وأن معظم هذه الحلقات بالغت في الاستظراف والافتعال والاستسهال. يتجلى هذا في أداء طاقم التمثيل بكامله وعلى رأسهم أشرف عبد الباقي، ومن ثم نراه على مستوى الكتابة والإخراج أيضًا، رغم وجود اسم المؤلف نادر صلاح الدين، وقد قدم عددًا لا بأس به من الأعمال الكوميدية السابقة، واسم بحجم المخرج سعيد حامد.
يمكن اعتبار الممثل مصطفى خاطر ألفة هذه المجموعة من الممثلين، لذلك لم يكن من الغريب أن يكون من أوائل من تلمسوا الطريق للبطولة والمساحات الأكبر في الأداء، يشترك معه في ذلك علي ربيع. ونلاحظ أن مجموعة مسرح مصر تقترب أعمارهم جميعا من الثلاثينات، مما يعنى أن التجربة ما تزال تبحث عن هويتها وهي فترة من أخطر الفترات التي تُشكل رحلة الممثل، وكثيرًا ما يغتر بالنجاح السريع ويركن للاستسهال معتمدًا على الحركات والأفيهات التي ربحت سابقًا وجذبت الجمهور، من باب "اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش" ولا مانع من التجويد على الخلطة المُجربة لكنه في العادة لا يصنع شيئًا سوى الانتقاص من قيمة ما حققه.
عُرض لخاطر هذا العام فيلمان بطولة جماعية بعد أن أخفقت بطولته المطلقة في فيلم "ثانية واحدة، 2021"، الأول "تماسيح النيل" من تأليف لؤي السيد وبطولة خالد الصاوي، حمدي الميرغني، محمد ثروت، وربما كان الفيلم الأكثر تماسكًا ولو بقدر قليل نظرًا لمخرجه سامح عبد العزيز وهو من الأسماء المميزة في السينما التجارية الفنية منذ فيلمه الأول "درس خصوصي، 2005"، إلا أن الحظ لم يحالفه في أكثر من نصف تجربته الفنية حتى الآن خصوصًا بعد أن اتجه للدراما الرمضانية مؤخرًا، وهو ما يجعله في حاجه لمراجعة عاجلة والبحث عن جلد جديد.
أما الفيلم الثاني لمصطفى خاطر فهو "أشباح أوروبا" إخراج محمد عبد الرحمن حماقي، ويشاركه في البطولة هيفاء وهبي وأحمد الفيشاوي، ومن تأليف أمين جمال الذي عرض له أيضًا فيلم "زومبي" إخراج عمرو صلاح وبطولة علي ربيع، الذي يمكننا اعتباره الثاني على دفعة مسرح مصر ولكنه الأول جماهيريًا لا شك. اللافت للنظر في قصتي أمين جمال هو التلفيق - وهي سمة لا تخلو منها جميع الأفلام تقريبًا إلا فيما ندر- من حيث المواضيع أو الحبكة أو سير الأحداث، أما من حيث الإخراج وبرغم أن الفيلمين من نوع الإثارة والتشويق فإن رتابة الإيقاع تهيمن على جميع المشاهد ناهيك عن البهرجة الفارغة سواء في حركة الكاميرا أو الإضاءة والموسيقى التصويرية، وهو ما لم يكن في مواضع كثيرة في صالح الدراما.
لحماقي فيلم آخر عرض نهاية هذا العام وهو "تحت تهديد السلاح" بطولة حسن الرداد، مي عمر، وبيومي فؤاد، ومن تأليف أيمن بهجت قمر. وبعيدًا عن قصته المفبركة والإخراج الذي لم يبتعد كثيرًا عما سبق، نجد أن بطل الفيلم حسن الرداد يُثبت فيلمًا بعد آخر مدى افتقاره إلى مقومات البطولة المطلقة أو أن "يشيل فيلم"، كما يُقال عادة.
بالعودة إلى مجموعة مسرح مصر، نجد أن حمدي الميرغني يأتي في المرتبة الثالثة وهو صاحب النصيب الأكبر من الأفلام هذا العام حيث عُرضت له ثلاثة أفلام، خفتت مشكلته إلى حد ما في الفيلم الأول "تماسيح النيل" لكنها ظهرت بوضوح في الفيلمين الآخرين "خطة مازينجر" من تأليف مشترك محمد اسماعيل ووليد خيري، وإخراج رامي رزق الله؛ "الرجل الرابع" من تأليف وإخراج محمود كامل. لم يستطع الميرغني في الفيلمين إخفاء رهبته من الكاميرا خصوصًا وأن للكاميرا رهبة في البطولة المطلقة تختلف كثيرًا عن البطولات الجماعية، وفي ظني تتمحور مشكلة الميرغني في أدائه حول نقطتين: أولهما الاستظراف الفكاهي - وهو يغلب على الجميع تقريبًا- أما المشكلة الأكبر فتكمن في الاستدعاء المتكرر لطيف الفنان الراحل الضيف أحمد، ربما للتشابه بينهما على مستوى الشكل والجسم إلا أن الروح من المؤكد مختلفة كليا.
تتشارك ويزو أو دينا محسن في نصيب الميرغني من الأفلام بل وتزيد عنه بفيلم، حيث عُرضت لها هذا العام أربعة أفلام، كان من بينها فيلم ببطولة مطلقة - وهي مغامرة كبيرة من شركة الإنتاج- وهو فيلم "خرجوا ولم يعودوا" – تأليف وائل يوسف، إخراج حسين السيد، وبطولة ويزو ومصطفي أبو سريع. تصدر الفيلم الترتيب الأول من حيث الأفلام الأقل إيرادًا عام 2022، ربما لأنه لم يخرج كثيرًا عن إيقاع المسلسلات بجانب السيناريو المهترئ الذي لم يجد من يُصلحه سواء من المخرج أو طاقم التمثيل الضعيف.
الأمر نفسه يمكن تطبيقه على فيلم "الدعوة عامة" – تأليف مشترك لكريم سامي وأحمد عبد الوهاب. إخراج وائل فرج وبطولة محمد عبد الرحمن، أسماء أبو اليزيد، أحمد الفيشاوي. ويُعتبر الفيشاوي من أكثر أبناء الممثلين تحقيقًا للمثل القائل "ابن الوز عوام"، وإن كان بحاجة ماسة إلى إعادة حساباته والعودة مرة أخرى إلى التلقائية في الأداء بدلًا من التحجر الذي سيطر عليه مؤخرًا. على أي حال، هذا أهون من غيره من أبناء فنانين كبار لم يقدموا أي شيء يُذكر، يأتي في مقدمتهم اثنان عُرض لكل منهما فيلم هذا العام وحققا إيرادات مرتفعة للغاية: كريم محمود عبد العزيز في فيلم "من أجل زيكو"- إخراج بيتر ميمي، ومحمد عادل إمام في فيلم "عمهم" – إخراج حسين المنباوي.
وائل سعيد 6 يناير 2023
سينما
(Gettyimages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
افتتح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته لهذا العام بأحدث أفلام المخرج الهوليوودي الشهير ستيفن سبيلبرغ "آل فابليمان"، وعلى مدار أكثر من ساعتين ونصف الساعة عشنا رحلة شغف البدايات لسبيلبرغ بالفن السينمائي، وقدم الفيلم جرعة عالية الجودة سواء على مستوى السرد والصورة والأداء التمثيلي أو على مستوى المشاعر التي تغلغلت عبر المشاهد. فيلم كهذا لا بد وأن يعطيك دفقة شعورية جمالية لن تفارقك بسهولة، وربما كان هذا سببًا في العبارة التي سمعتها لأحد المشاهدين ونحن نغادر القاعة وكانت تحمل قدرًا كبيرًا من الحسرة: "كيف سنشاهد أفلامنا بعد ما صنعه سبيلبرغ؟".
لم يكن ذلك الزميل "السنيفيلي" مغاليًا فيما قال ولم يكن معه الحق تمامًا أيضًا، فالمقارنة بين السينما المصرية - الآن- والأجنبية ليست في صالح الأولى بالتأكيد؛ ويرجع ذلك إلى عدة أسباب لا مجال لطرحها هنا، ويكفي أن تتأمل خريطة الأفلام العربية في السنوات القليلة الماضية لتلمس الهوة الشاسعة بين السينماتين - العربية والأجنبية... فقديمًا كنا نركن إلى روائع كلاسيكية يمكنها مناطحة النتاج الغربي بسهولة حتى وإن لم تحظَ بالتقدير الدولي أو العالمي وكان لذلك أسباب عدة أيضًا.
هويات مغايرة
رغم أن الفن السابع بدأ توثيقيًا، فإن السينما التسجيلية والمستقلة تعاني بلا شك من شظف الإقبال الجماهيري، بجانب عزوف الاهتمام النقدي أيضًا، إلا أن هناك بعض الأفلام استطاعت جذب الجمهور والنقاد على حد سواء في السنوات الأخيرة، وفيلم "بعيدًا عن النيل" من إخراج شريف الكتشة واحد منها، وهو مخرج مصري مولود بأميركا، وفيه تجتمع مجموعة من العازفين والمغنين من دول حوض النيل لتكوين فريق غنائي يعرض حفلاته في عدد من المدن الأميركية بعيدًا عن النيل، ويقدم هذا الخليط موسيقى متجانسة رغم اختلاف مدارسها ومقاماتها وجملِها الموسيقية، فترى الإنشاد يجتمع مع الطبول الأفريقية ويتداخل مع الوتريات ولا تقل الخلطة الصوتية تجانسًا عن ذلك ما بين الصوت الرجالي والنسائي، ناهيك عن التنوّع الذي يخلقه اختلاف اللهجات واللغات أيضًا.
يمزج سيناريو الفيلم بين الوثائقي والدرامي، فخلال الأحداث نعيش مع جوانب مختلفة للشخصيات وتفاعلاتها اليومية المتغيرة فيما بينها، ما بين توافق أو اختلاف، غضب أو فرح، حب أو بعض من الكراهية، وما إلى ذلك، برغم هذا لم تنعدم الفكاهة والكوميديا طوال الوقت حتى في أحلك اللحظات. رحلة أفريقية رهيفة عن مشاعر الهجرة المؤقتة لمجموعة ارتأت أن تحمل هذا النيل معها حتى وإن كانت في بلاد العم سام.
سالي الحسيني، وهي مخرجة أخرى أميركية من أصل مصري، في فيلمها الجديد "السباحتان"، اختارت أختين حقيقيتين- "ناتالي ومنال عيسى"- من لبنان، لتؤديا شخصيتي "يسرى وسارة مارديني" من سورية، وعلى أرض الواقع تنتمي الأربع فتيات لأعمار متقاربة - مواليد التسعينيات- كما يتشاركن في نفس الظروف الصعبة في البلدين. يطرح الفيلم أزمة المهاجرين من لاجئي الحروب، الهاربين من ضيق بلدانهم بحثًا عن آفاق جديدة في بلد أوروبي لم تنهكه الحرب، وكانت سورية مثالًا لذلك بعد أن تم تدميرها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، والفيلم عن قصة حقيقية، ولكن ربما فعل السباحة هنا يمثل فطرة كل كائن حي في العموم وليس الإنسان وفقط في دفاعه عن الحق في الحياة، وبما أن نسبة المياه على كوكب الأرض ضعفا اليابس، فإن آفاق الحرية شاسعة وحتمًا ستفوق ضيق القيود.
يزخر الفيلم بالعديد من المشاهد الحرفية التي أجادت المخرجة من خلالها في خلق صورة عالية الجودة سواء على مستوى اختيار الكادرات أو حركة الكاميرا، ويظهر ذلك بوضوح في مشهد قارب المهاجرين - وهو من أفضل مشاهد الفيلم- لا سيما وقد قدم حالة إنسانية واقعية بالفعل للمجموعة الهاربة من الموت ليجدوه في انتظارهم في عرض البحر. أما من حيث السيناريو فهناك مساحات - وان كانت قليلة- كادت أن تودي بالإيقاع، ولكنه من جانب آخر أجاد في خلق حالة التحدي النسوية التي تواجه عددًا كبيرًا من الفتيات حين يصطدمن برغبة الأب في إنجاب الوريث الذكر، لكن القدر لا يهبه سوى البنات، مثل حالة الأب تمامًا في الفيلم الذي يُخبرنا في اللقطات الافتتاحية بذلك: "كنت أريد إنجاب ولد ولكن الله رزقني بثلاث بنات، فشرعت في تدريبهم على السباحة"، اختارت الفتاتان مهنة الأب نفسها لتؤدياها بالطريقة التي لم يكن بوسعه تحقيقها على مدار حياته.
"يكفي أن تتأمل خريطة الأفلام العربية في السنوات القليلة الماضية لتلمس الهوة الشاسعة بين السينماتين - العربية والأجنبية... فقديمًا كنا نركن إلى روائع كلاسيكية يمكنها مناطحة النتاج الغربي بسهولة" |
أزمة الورق والصناعة
في صناعة السينما دائمًا ما تذهب التهمة الأولى إلى النص المكتوب حين تصاب بتردٍ في مرحلة من مراحلها، وهو ما يُطلق عليه "مشكلة ورق"، بعد ذلك هناك قائمة من الاتهامات المتوالية تكون من نصيب بقية عناصر الفيلم. من الملاحظ في الآونة الأخيرة لجوء الأعمال - سينما ودراما- إلى الكتابة المشتركة، سواء من خلال ورشة للكتابة يُديرها سيناريست محترف أو المحاولات الثنائية، ولا شك في أن ذلك أثر على العمل الفني سواء بالسلب أو الإيجاب، ويظهر هذا بوضوح في المسلسلات حيث يمكنك ملاحظة تميز بعض الحلقات عن بعضها، أما في السينما فربما خلق هذا الفعل الجماعي بعضًا من العشوائية والغيوم؛ فليست هناك سمة ما تستطيع أن ترى بها أفلام المرحلة الحالية من عمر السينما المصرية، يصاحب ذلك بالطبع عدد كبير من النقل عن أفلام أجنبية أو تجميع عدة خلطات من هنا وهناك. وربما خير مثال على ذلك أفلام الممثل أحمد حلمي.
في فيلمه الجديد "واحد تاني"– محمد شاكر خضير، يواصل حلمي نهجه المعتاد، ويزيد عليه قليلًا في الدمج بين عدة مواقف من أفلام مختلفة تُشكل الخط الدرامي لقصة الفيلم، على أن الأمر يتخطى النقل عن السينما العالمية فنراه يستغل أيضًا بشكل عرضي بعض المواقف الكوميدية لفيديوهات التيك توك المنتشرة. من زاوية أخرى، مثلما تتكرر التيمات في أفلام أحمد حلمي وتصبغ أداءه بطابع واحد، نجد تيمة تعدد الشخصيات تحتل البطولة الأكبر في خلطته المنسوخة، فدائمًا ما يُفضل الانقسام بين عدة شخصيات في نفس العمل، ربما هي رغبة دفينة يتمنى بها أن يكون الجوكر متعدد الوجوه، مما يُتيح له تعددية موزاية من الإبهار ستكون في انتظار الجمهور.
في سياق مُشابه، يأتي فيلم "أصحاب ولا أعز"، وهو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي "Perfect Strangers – غرباء تمامًا، 2016"، والتي أثارت لغطًا كبيرًا عقب عرضها عبر منصة نتفليكس، الفيلم بطولة منى زكي، نادين لبكي، إياد نصار، وجورج خباز، وإخراج وسام سميرة الذي اشترك بدوره في كتابة السيناريو والحوار مع غبريال يمين. وتدور قصته حول سبعة من الأصدقاء يجتمعون على العشاء ومن خلال بعض الحوارات تتولد فكرة اللعبة الخطرة، حيث يتركون هواتفهم تتحدث عنهم عبر المكالمات والرسائل الواردة.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أثار قرار لجنة اختيار الفيلم المصري للترشيح للأوسكار الكثير من الجدل وتباينت الآراء بين الرفض والقبول والاستهجان، حيث أعلنت اللجنة عن قرارها بعدم اختيار أي من أفلام هذا العام للتنافس في السباق السينمائي الأشهر عالميًا. وقتها تردد اسم فيلم "كيرة والجن" أكثر من مرة حيث وجده البعض يستحق الترشح لأوسكار. يجمع الفيلم لأول مرة بطلي الشباك كريم عبد العزيز وأحمد عز، إخراج مروان حامد، في تعاونه الرابع مع المؤلف أحمد مراد، ربما لطول الفيلم (3 ساعات) ورحابة الفترة الزمنية للأحداث (50 سنة)، سيطرت فكرة الملحمية على صُناع "كيرة والجن" وسرى هاجس الرغبة في الإبهار بين جميع عناصر العمل وفي مقدمتها الإثارة الحركية، حيث لم يترك المخرج فرصة مناسبة أو غير مناسبة إلا وافتعل معارك ومطاردات حتى زادت جرعتها بدون مبرر درامي، ولو أن معظمها تم تنفيذه بشكل جيد سواء على المستوى التقني أو الحركي، فبرغم أن للبطلين معارك كثيرة مع بعضهما تحدث طوال الوقت؛ جاء فرط حركة الكاميرا في صالحهما؛ فالبطلان لم يكونا بالخفة الجسدية اللازمة لتنفيذ ذلك.
إنها نفس الخفة التي فقدها الممثل أحمد السقا ويظهر ذلك في فيلمه الأخير "العنكبوت" المعروض ضمن موسم عيد الفطر الماضي الذي لم يضم سوى ثلاثة أفلام فقط. تُشارك السقا بطولة الفيلم الفنانة منى زكي والفنان محمد ممدوح والممثل التونسي ظافر العابدين، تأليف محمد ناير، واخراج أحمد نادر جلال. ومنذ بداية التسعينيات وحتى الآن والسقا ضيف سنوي دائم على جمهور السينما والمسرح والدراما، إما بالبطولة أو المشاركة أو حتى كضيف شرف أو راو للأحداث، لم تسقط سنة تقريبًا لهذه الضيافة على مدار العقود الثلاثة الماضية سوى في عام ثورة 25 يناير 2011، وفي هذا العام توقفت العديد من الأنشطة على كل المستويات.
كان فيلم "19 ب" هو الفيلم المصري الوحيد المُشارك في مهرجان القاهرة السينمائي لهذا العام حاصدًا ثلاث جوائز: جائزة الاتحاد الدولي للنقاد الفيبرسي، وجائزة أفضل فيلم عربي، بجانب جائزة هنري بركات لأفضل إسهام فني، وحصل عليها مدير التصوير مصطفى الكاشف، وربما هي الجائزة الوحيدة المُستحقة. الفيلم من تأليف وإخراج أحمد عبد الله وبطولة سيد رجب، أحمد خالد صالح الذي لا يرضى أن يخلع عن كاهله عبء عباءة أبيه الفنان الراحل خالد صالح، وهو ما تؤكده أدواره المتوالية سواء في الدراما أو السينما. أما ناهد السباعي ورغم أنها ممثلة جيدة فلم يكن لها حضور يُذكر في الفيلم، مرت مرورا خافتا لم يخل من التصنع أو التمثيل بمعناه التشخيصي.
بذكر التشخيص، لا يمكن تمرير بطل الفيلم الذي يُصر على الاصطناع والتكلف في الأداء دورًا بعد آخر، رغم أن سيد رجب يحظى بملامح وأداء مميزين كثيرًا ما أبهرنا بهما في أدوار سابقة سواء في الأفلام القصيرة أو الروائية الطويلة، لا سيما وقد ارتبط في بداياته بالسينما المستقلة وهي سينما تبحث عن آفاق مغايرة وتتعامل بمعطيات مختلفة عن السائد، وهي نفس السينما التي تميز فيها المخرج أحمد عبد الله بأعمال مميزة مثل "ميكروفون، ديكور، وليل خارجي".
في فيلمه الجديد "19 ب" يفتقد عبد الله للحبكة الدرامية ويركز على تهويمات بصرية ونفسية استطاعت كاميرا الكاشف التقاط بعضها ولم يفلح الممثلون في ذلك نهائيًا، وكان من الغرابة وصف الفيلم من الصحافة الفنية بأنه عن الرأفة بالحيوانات "القطط والكلاب الضالة" التي يُربيها سيد رجب - حارس العقار القديم الآيل للسقوط- ويعيش معها منعزلًا عن العالم، في حين أن القصة تحكي عن تداعي هذا الحارس في وحدته التي صنعها واتخذها بديلًا عن التواصل مع العالم الخارجي، أو هي بالأصح كانت من المفترض أن تكون كذلك.
ما بين السينما والدراما التلفزيونية قدم المغنى تامر حسني ما يقارب 20 عملًا، نصفها تقريبًا من تأليفه إما كفكرة أو قصة أو سيناريو، الجانب المُشترك في تلك الأعمال كان "الميوعة"، فالأمر لا يقف عند حد انتفاء الحبكة أو الدراما وما شابه، أو حتى القصة المُستهلكة إن وجدت؛ لكن مشكلة حسني الأساسية تكمن في تهجينه الفكري بالبحث عن كاراكتر يميزه عن بقية جيله. وفي ظهوره الأحدث شارك تامر بفيلم رومانسي كالعادة بعنوان "بحبك"، ولكن هذه المرة ليست ككل المرات السابقة، فهو يكتب ويلحن ويمثل ويغني ويُخرج أيضًا في أولى تجاربه الإخراجية، ومن المحتمل - للأسف- ألا تكون الأخيرة.
اسكتشات فيلمية
انطلق برنامج "مسرح مصر" عام 2014 من بطولة أشرف عبد الباقي ومجموعة من شباب الممثلين وجدوا طريقهم للنجومية خلال السنوات الماضية. تعتمد فكرة البرنامج على تقديم قصة جديدة في كل حلقة تطرح موضوعًا مجتمعيًا أو سياسيًا للنقد والنقاش؛ أو هو ما كان مفترضًا أن يحدث. فبرغم نجاح التجربة جماهيريًا إلا أنها لم تلقَ ردود فعل جيدة من النقد بخاصة أهل المسرح الذين رأوا فيما يُقدمه عبد الباقي وشبابه مجرد اسكتشات هزلية ولا تنتمي لفن المسرح لا من قريب أو بعيد سوى بخشبته وسيلة العرض، لا سيما وأن معظم هذه الحلقات بالغت في الاستظراف والافتعال والاستسهال. يتجلى هذا في أداء طاقم التمثيل بكامله وعلى رأسهم أشرف عبد الباقي، ومن ثم نراه على مستوى الكتابة والإخراج أيضًا، رغم وجود اسم المؤلف نادر صلاح الدين، وقد قدم عددًا لا بأس به من الأعمال الكوميدية السابقة، واسم بحجم المخرج سعيد حامد.
يمكن اعتبار الممثل مصطفى خاطر ألفة هذه المجموعة من الممثلين، لذلك لم يكن من الغريب أن يكون من أوائل من تلمسوا الطريق للبطولة والمساحات الأكبر في الأداء، يشترك معه في ذلك علي ربيع. ونلاحظ أن مجموعة مسرح مصر تقترب أعمارهم جميعا من الثلاثينات، مما يعنى أن التجربة ما تزال تبحث عن هويتها وهي فترة من أخطر الفترات التي تُشكل رحلة الممثل، وكثيرًا ما يغتر بالنجاح السريع ويركن للاستسهال معتمدًا على الحركات والأفيهات التي ربحت سابقًا وجذبت الجمهور، من باب "اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش" ولا مانع من التجويد على الخلطة المُجربة لكنه في العادة لا يصنع شيئًا سوى الانتقاص من قيمة ما حققه.
"يُعتبر أحمد الفيشاوي من أكثر أبناء الممثلين تحقيقًا للمثل القائل "ابن الوز عوام"، وإن كان بحاجة ماسة إلى إعادة حساباته والعودة مرة أخرى إلى التلقائية في الأداء بدلًا من التحجر الذي سيطر عليه مؤخرًا" |
أما الفيلم الثاني لمصطفى خاطر فهو "أشباح أوروبا" إخراج محمد عبد الرحمن حماقي، ويشاركه في البطولة هيفاء وهبي وأحمد الفيشاوي، ومن تأليف أمين جمال الذي عرض له أيضًا فيلم "زومبي" إخراج عمرو صلاح وبطولة علي ربيع، الذي يمكننا اعتباره الثاني على دفعة مسرح مصر ولكنه الأول جماهيريًا لا شك. اللافت للنظر في قصتي أمين جمال هو التلفيق - وهي سمة لا تخلو منها جميع الأفلام تقريبًا إلا فيما ندر- من حيث المواضيع أو الحبكة أو سير الأحداث، أما من حيث الإخراج وبرغم أن الفيلمين من نوع الإثارة والتشويق فإن رتابة الإيقاع تهيمن على جميع المشاهد ناهيك عن البهرجة الفارغة سواء في حركة الكاميرا أو الإضاءة والموسيقى التصويرية، وهو ما لم يكن في مواضع كثيرة في صالح الدراما.
لحماقي فيلم آخر عرض نهاية هذا العام وهو "تحت تهديد السلاح" بطولة حسن الرداد، مي عمر، وبيومي فؤاد، ومن تأليف أيمن بهجت قمر. وبعيدًا عن قصته المفبركة والإخراج الذي لم يبتعد كثيرًا عما سبق، نجد أن بطل الفيلم حسن الرداد يُثبت فيلمًا بعد آخر مدى افتقاره إلى مقومات البطولة المطلقة أو أن "يشيل فيلم"، كما يُقال عادة.
بالعودة إلى مجموعة مسرح مصر، نجد أن حمدي الميرغني يأتي في المرتبة الثالثة وهو صاحب النصيب الأكبر من الأفلام هذا العام حيث عُرضت له ثلاثة أفلام، خفتت مشكلته إلى حد ما في الفيلم الأول "تماسيح النيل" لكنها ظهرت بوضوح في الفيلمين الآخرين "خطة مازينجر" من تأليف مشترك محمد اسماعيل ووليد خيري، وإخراج رامي رزق الله؛ "الرجل الرابع" من تأليف وإخراج محمود كامل. لم يستطع الميرغني في الفيلمين إخفاء رهبته من الكاميرا خصوصًا وأن للكاميرا رهبة في البطولة المطلقة تختلف كثيرًا عن البطولات الجماعية، وفي ظني تتمحور مشكلة الميرغني في أدائه حول نقطتين: أولهما الاستظراف الفكاهي - وهو يغلب على الجميع تقريبًا- أما المشكلة الأكبر فتكمن في الاستدعاء المتكرر لطيف الفنان الراحل الضيف أحمد، ربما للتشابه بينهما على مستوى الشكل والجسم إلا أن الروح من المؤكد مختلفة كليا.
تتشارك ويزو أو دينا محسن في نصيب الميرغني من الأفلام بل وتزيد عنه بفيلم، حيث عُرضت لها هذا العام أربعة أفلام، كان من بينها فيلم ببطولة مطلقة - وهي مغامرة كبيرة من شركة الإنتاج- وهو فيلم "خرجوا ولم يعودوا" – تأليف وائل يوسف، إخراج حسين السيد، وبطولة ويزو ومصطفي أبو سريع. تصدر الفيلم الترتيب الأول من حيث الأفلام الأقل إيرادًا عام 2022، ربما لأنه لم يخرج كثيرًا عن إيقاع المسلسلات بجانب السيناريو المهترئ الذي لم يجد من يُصلحه سواء من المخرج أو طاقم التمثيل الضعيف.
الأمر نفسه يمكن تطبيقه على فيلم "الدعوة عامة" – تأليف مشترك لكريم سامي وأحمد عبد الوهاب. إخراج وائل فرج وبطولة محمد عبد الرحمن، أسماء أبو اليزيد، أحمد الفيشاوي. ويُعتبر الفيشاوي من أكثر أبناء الممثلين تحقيقًا للمثل القائل "ابن الوز عوام"، وإن كان بحاجة ماسة إلى إعادة حساباته والعودة مرة أخرى إلى التلقائية في الأداء بدلًا من التحجر الذي سيطر عليه مؤخرًا. على أي حال، هذا أهون من غيره من أبناء فنانين كبار لم يقدموا أي شيء يُذكر، يأتي في مقدمتهم اثنان عُرض لكل منهما فيلم هذا العام وحققا إيرادات مرتفعة للغاية: كريم محمود عبد العزيز في فيلم "من أجل زيكو"- إخراج بيتر ميمي، ومحمد عادل إمام في فيلم "عمهم" – إخراج حسين المنباوي.