أفلام الميلاد: موسمٌ سنويٌّ للسينما والتجارة والترانيم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أفلام الميلاد: موسمٌ سنويٌّ للسينما والتجارة والترانيم

    أفلام الميلاد: موسمٌ سنويٌّ للسينما والتجارة والترانيم
    محمد جميل خضر 31 ديسمبر 2022
    سينما
    ملصق فيلم "ليلة عنيفة"
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    بين الأجواء المفعمة بالإيمان وطقوس العيد، والأخرى الغارقة في الدم، المفرطة بالعنف، المثقلة بالشتائم، تتجلى أفلام الميلاد بوصفها موسمًا سنويًا للسينما والتجارة والترانيم.
    عشرات الأفلام (حتى لا أقول المئات) تُنتج سنويًا مرتبطة عضويًّا، أو نسبيًّا، بعيد الميلاد المجيد، وبتباشير إطلالة سنة جديدة يأمل الناس، عادة، في أن تكون سعيدة.
    تتكفّل هوليوود وشركات الإنتاج الأميركية في باقي الولايات، خصوصًا نيويورك، بإنتاج ما يقترب من ثلاثة أرباع هذه الأفلام، بينما تأخذ دول أوروبية عديدة على عاتقها إنتاج الربع المتبقي من أفلام عيد الميلاد الحاملة خصوصياتها، بدءًا من عناوينها، مرورًا على ملصقاتها، وبالتأكيد، موضوعاتها، ومشهدياتها، ولوازمها، ودائمًا هنالك شجرة، ودائمًا هنالك مستلزمات تزيين هذه الشجرة، وبابا نويل، وشوكولاته ساخنة، ونعناع، وديك رومي (أو تركي، بحسب الترجمة الحرفية)، وجنيّات عرّابات، ورجل زنجبيل، وأجراس ميلاد، وبهجة ميلاد، ونحت رجل الثلج، وأقزام مساعدون، وحفلات تنكرية، وسحر الميلاد ومعجزاته، وقوائم أمنيات، وقوائم صالحين وسيئين، وهدايا، وعشاء، ولمّ شمل، ونبيذ... إلخ.
    بندائه الأزليّ "هاو... هاو... هاو"، يسعى سانتا كلوز إلى المحافظة على روح الميلاد وجوهره، ولهذا يحظى هذا النداء بمكانةٍ أثيرةٍ في كثير من أفلام العيد، من دون أن تتخلّى أفلامٌ أخرى، كثيرة أيضًا، عن جعل المناسبة مدخلًا لتسليط الضوء على شرور البشر، وكسر ثوابت العيد وأدبياته، والنيل من طقوسه.
    كما يجري في كثيرٍ من أفلام الغرب الميلاديّة، أو الميلاد الغربية، ربط عيد الميلاد بمدخل ربحٍ سنويٍّ ليس بالقليل على أي حال ("سانتا قادم إلينا وأريد أن أبيع الإعلانات"؛ رئيس تحرير صحيفة ما).
    لكن الملمح الواضح، بالنسبة إليّ على الأقل، في أفلام الميلاد المنتجة هذا العام، هو إقحامها (دحشها) مسألتيْن يبدو أنهما أصبحتا لازمتين في السينما الغربية على وجه العموم، وحتى بعض السينما الآسيوية والأميركية اللاتينية والأفريقية، وهما: مسألة المثلية، وفرض اليهودية على أي موضوع وحكاية وتناول، حتى لو تعلّق الأمر بأجواء الميلاد المسيحية بامتياز.
    لم تتبنَّ الأفلام جميعها هذا العبء الفاقد لتناغميةٍ ممكنةٍ مع روح الميلاد، ولكن عددًا لا بأس به منها فعل هذا الأمر. حتى الفيلم الجديد للمخرج الألمعيّ ستيفن سبيلبيرغ، المحاك بوصفه سيرة ذاتية لصاحب "قائمة شندلر" و"إنقاذ الجندي ريان"، وعشرات الأفلام الأخرى، لم ينس أن يطرح على لسان الطفل الذي كانه سبيلبيرغ سؤالًا موجهًا لوالده المهندس الغارق في مشاريعه: لماذا ليس لنا نحن اليهود علاقة بأجواء عيد الميلاد؟
    الأمر وصل إلى إقحام رمز من رموز اليهودية، مثل النجمة السداسية، على سبيل المثال، من دون أي سياق، كما حدث في فيلم "من قتل سانتا/ لغز جريمة قتل" Who Killed Santa? A Murderville Murder Mystery إخراج: لاورا مورفي، وتأليف: أوين بورك، ومارينا كوكِنبِرغ، وكريستير جونسون، حيث السؤال الملحّ هنا هو: ما المغزى من وضع النجمة السداسية (نجمة داوود) في مسرح الجريمة (جريمة قتل بابا نويل/ سانتا كلوز) لدقائق طويلة في فيلمٍ لم تتجاوز مدته (52) دقيقة؟ علمًا أن الفيلم، كما يشي استهلاله، ومعظم أحداثه (باستثناء الجزء المتعلق بكشف أسرار الجريمة)، كوميديٌّ بامتياز.

    "بندائه الأزليّ "هاو... هاو... هاو"، يسعى سانتا كلوز إلى المحافظة على روح الميلاد وجوهره، ولهذا يحظى هذا النداء بمكانةٍ أثيرةٍ في كثير من أفلام العيد"


    أمّا الفيلم المكسيكي "عيد ميلاد مجيد جدًا"A Not So Merry Christmas (الترجمة الحرفية قد تكون "عيد الميلاد غير المجيد")، فهو يقحم من إخراج مارك الأزرقي، وتأليف جوان كارلوس غارزون، وأنجليكا غودينو، اللازمتيْن معًا: المثلية، واليهودية!
    ومرّة ثانية، ليس لطرح الفيلم وموضوعه أدنى علاقة لا بالمثلية ولا باليهودية، فهو يتناول مفارقةً مفادها أن عدم تمثّل روح الميلاد سيبقي من يفعل ذلك في سباتٍ عميقٍ قد يمتد طيلة أيام العام.
    يبحث (تشوي) بطل الفيلم في متن الحكاية عن خلاصه، فإذا بهذا البحث السنوي الدؤوب يجعله، في واحدة من تقلّبات الفيلم، يطلب المشورة حول هذه النجاة من حاخام مثليّ!
    أما لماذا حدثت هذه النقلة المباغتة في الفيلم، فلا سياق أحداثه، ولا مغزى فكرته، يجيبان عن هكذا سؤال أوليٍّ بسيط وواضح.


    روح الميلاد
    ملصق فيلم "المحقق نايت: الفداء"
    بعيدًا عن البروباغاندا المؤسفة أعلاه، فإن كثيرًا من أفلام الميلاد جابت آفاق البحث عن روح المناسبة، وحرصت بكثيرٍ من تفاصيلها على استعراض مختلف متعلّقات العيد، رائيةً أن العطاء لا يستلزم في معناه الجوهريّ طلب المقابل، وأن هدية العيد هي عطية ربّانية رحمانية رؤومة قبل أن تكون طقسًا يجوب بابا نويل به الآفاق راكبًا عربة الغيم، مسافرًا بتلك العربة وغزلان رنّتها من مدينة إلى أخرى، موزّعًا عبر المداخن والمناور للأطفال الذين يحبّونه وينتظرونه هدايا العيد.
    هذا ما أراد أن يقوله الفيلم البولنديّ "التسليم بحلول عيد الميلاد/ Delivery by Christmas"، من إخراج أليكساندرا كولاكواسكا، وماسييج بريكوسكي، وتأليفهما، ومعهما في التأليف ماريا بولاوسكا. وهذا ما سعى لبلوغ مراميه في (45) دقيقة، فيلم الرسوم المتحركة "الطفل الزعيم: مكافأة عيد الميلاد/ The Boss Baby: Christmas Bonus". يعود الطفل المتمرد إلى رشده، يجلس برضى في حضن سانتا العجوز، ويعمل على أن يكون مفيدًا ليلة الميلاد، ويشارك الآخرين حرصهم على وصول الهدايا في وقتها المؤمّل. وأما عربة السماء فتتجلى بوصفها لوحة الفرح في فيلم الرسوم الرشيق.
    من فيلم "the boss baby"
    في الفُلك نفسه دار فيلم "أنا أومن بسانتا/ I Believe in Santa"، من إخراج: أليكس راناريفيلو، وتأليف: جون دوسي. فهو، وبالرغم من إقحامه المثلية من دون أي سياق يتعلق بالمتن، إلا أنه، وفق إيقاعٍ ناعم، يصل بنا للفكرة الجوهرية المرتبطة بروح الميلاد.

    "في فيلم الرسوم المتحركة "الطفل الزعيم: مكافأة عيد الميلاد" يعود الطفل المتمرد إلى رشده، يجلس برضى في حضن سانتا العجوز، ويعمل بأن يكون مفيدًا ليلة الميلاد"


    وفي حين يرى كثير من المؤمنين أن روح الميلاد هي أن "نُسْبَى في الدَّهشةِ، والمحبَّةِ، والتَّسبيح"، وأنْ نكونَ "مُمْتَنِّينَ جِدًّا ومُمتلئينَ جِدًّا بالعَجَبِ بسببِ ما فَعَلَهُ الرَّبُّ"، وفي حين لا يوجد وقتٌ للقيام بذلك أفضلَ مِنْ وقتِ "عيدِ الميلادِ المجيد، إذْ نُرَكِّزُ على عَطِيَّةِ المَسيحِ الَّذي هُوَ مُخَلِّصُنا"، فإن تلك الروح قد تتحقق بإعادة الاعتبار لمفهوم الأسرة (فيلم "عيد الميلاد في الجنة/ Christmas in Paradise"، من إخراج فيليبي مارتينيز، وتأليف ميغان براون مارتينيز، وفيليبي مارتينيز، نموذجًا)، أو بإبداع منحوتة ثلجية ("الأفضل في منحوتات الثلج/Best in Snow" نموذجًا)، أو بالرضوخ للمصادفات الجميلة (الفيلم الكندي "حفلة تنكرية في عيد الميلاد/ A Christmas Masquerade"، من إخراج ميشيلي أويليت، وتأليف جوليا كراني، نموذجًا)، وهي المصادفات، أو المفارقات التي ترتقي لسحر الميلاد، كما في الفيلم الكندي "رفيق لعيد الميلاد" (ترجمة تقريبية لـ Christmas Plus One).
    روح الميلاد لم تكن بعيدة، إلى ذلك، عن فيلم "Six Degrees of Santa"، من إخراج مايكل كينيدي، وتأليف شانون لاتيمير، الذي تواصِل أحداثه الصعود إلى أن تقبض على روح الميلاد.
    هي روح لم يبتعد عنها الفيلم الكندي "عزباء جاهزة لأجراس الميلاد/ Single and Ready to Jingle"، إخراج وندي أورد، وتأليف بريان روبيري، ففي حين كان هدف إيما ورنر (الممثلة نتاشا ويلسون) الابتعاد قدر الإمكان، خلال إجازتها السنوية، عن أجواء الميلاد (وهي التي تعمل طيلة العام في شركة تنتج وتسوّق لعبة خاصة بالعيد)، وإذا بالأقدار تسوقها إلى مدينة في ألاسكا تحتفي حتى النخاع بهذه الأجواء، لتبلغ، مع تصاعد أحداث الفيلم، روح الميلاد وسط أسرة تقدّس الحدث بمختلف تفاصيله وطقوسه وحيثياته.
    حتى فيلم "إنها شراهة رائعة/ It's A Wonderful Binge" المستند إلى واقعية ساحرة مفرطة بالسخرية، من تأليف جوردان فاندينا وإخراجه، يرسو، بعد إبحاره المجنون، على شاطئ الإيمان، بسحر الميلاد وروحه.
    الشاعرة الإيطالية كريستينا روزيتي/ Christina Rossetti (1830 ـ 1894)، تلخص، بحسب رؤيتها، روح الميلاد، في قصيدة تحوّلت بعد رحيلها إلى ترنيمة متوهجة بالشموع:
    "في مُنتصفِ فَصْلِ الشِّتاءِ الكئيب، تأوَّهَت الرِّيحُ الباردةُ،
    وَوَقَفَت الأرضُ مُتَيَبِّسَةً كالحَديد، والماءُ مُتَحَجِّرًا كالحَجَر،
    والثَّلْجُ تَساقَطَ، ثَلْجٌ فوقَ ثَلْج، ثَلْجٌ فوقَ ثَلْج.
    في مُنتصفِ فصلِ الشِّتاءِ الكَئيب، قبلَ وقتٍ طويل.
    إلَهُنا! السَّماءُ لا تتَّسِع لَهُ، ولا الأرضُ تَحْتَمِلُهُ،
    فالسَّماءُ والأرضُ ينبغي أنْ يَهْرُبا حينَ يأتي ليَمْلِك،
    في مُنتصفِ فصلِ الشِّتاءِ الكَئيب، كانَتِ الحَظيرةُ كافِيَةً
    لاحتواءِ الربِّ الإلَهِ العَظيمِ يَسوعَ المسيح.
    رُبَّما اجْتَمَعَتِ الملائكةُ ورؤساءُ الملائكةً هُناك،
    ورُبَّما زَحَمَ الكروبيم والسَّرافيم المَكان،
    ولكِنَّ أُمَّهُ وَحْدَها، بِبَتوليَّتِها المُبارَكَة،
    عَبَدَتِ المَحبوبَ بِقُبْلَة.
    ماذا يُمْكِنُني أنْ أُقَدِّمَ لَهُ، أنا الفَقيرَة؟
    فلو كُنتُ راعِيًا، لَقَدَّمْتُ حَمَلًا.
    ولو كُنْتُ واحدة مِنَ المَجوسِ لَقُمْتُ بِدَوْري،
    ولكِنْ ما يُمْكِنُني أنْ أُقَدِّمَهُ لَهُ هُوَ أنْ أُعْطيه قَلبي".


    (أكشن) الميلاد ودمه القاني
    من فيلم "شراهة رائعة"
    في سياقٍ مختلفٍ عن روح الميلاد، غاصت بعض أفلام الميلاد المنتَجة هذا العام (وربما هو أمرٌ درجت عليه أفلام الميلاد في الأعوام السابقة)، في هدير الأكشن والمطاردات والقتل الغزير، فإذا بالدم يملأ وجه الشاشة.
    هذا ما كان عليه الحال في أفلام:
    (1) ـ "المحقق نايت: الفداء/ Detective Knight: Redemption"، سيناريو وحوار وإخراج إدوارد دريك عن قصة مايكل بيكر.
    (2) ـ "ليلة عنيفة/ Violent Night"، إخراج: تومي وركولا، وتأليف: بات كاسي، وجوش ميلر.
    (3) ـ "عيد ميلاد عيد الميلاد الدامي/Christmas Bloody Christmas"، من تأليف وإخراج جوي بيغوس.
    في سياق هذه الأفلام التي اختارت العنف والدم، وحتى الرعب، عناوينَ لها من بين كل معاني الميلاد، فلا بد من الإشارة والإشادة بفيلم "ليلة عنيفة/ Violent Night"، فهو من جهة حمل روحًا إيجابية حول مفهوم (الفزعة)، وعدم إدارة الظهر حين نوضع في موقف ضرورة مساعدة الآخرين، وإغاثتهم، ومد يد العون لهم، بغض النظر عن أهليّتهم لهذا العون، أو عدم أهليّتهم، ومن جهة ثانية جعل الرجل الذي يرتدي زيّ بابا نويل، ويقوم ليلة الميلاد بتوزيع الهدايا على الأطفال المنتظرين، يدرك معناه، ومعنى الفكرة الثاوية خلف هدايا/ عطايا الميلاد. ومرّة ثانية لعبت المشهدية المعرّجة في آفاق الخيال دورًا آسرًا في تعزيز متعة المشاهَدة، وتجميل أجواء العيد.

    "هنالك أفلام اختارت العنف والدم، وحتى الرعب، عناوينَ لها من بين كل معاني الميلاد، ومنها فيلم "ليلة عنيفة"، الذي حمل روحًا إيجابية حول مفهوم (الفزعة)"


    بقي أن نقول إن أفلام الميلاد تقدم النسخة الغربية من طقوس العيد، سواء ما يتعلّق منها بالقديس نيكولاس (270 ـ 343)، أو نيقولاس، أو نقولا اليونانيّ الليقياويّ الأناضوليّ التركيّ (بابا نويل)، الذي قيل إنه نذر ورثه من أبيه للفقراء، فإذا به في السياق الأوروبي الغربي يصبح رجلًا من بلاد الثلج والأقطاب المتجمدة، وإذا بأقزام يجمعون له قوائم الطلبات، أو ما يتعلق منها ببناء رجل الثلج، أو بتخييم الألعاب النارية، أو بأجواء المدارس الداخلية، كما في الفيلم الإيطالي "التلاميذ/Le pupille"، وبالإنكليزية The Pupils، من تأليف وإخراج أليس روهراوتشر، حيث الفتيات المتمرّدات في مدرسة داخلية كاثوليكية يخترقن القوانين قبل عيد الميلاد، عندما تفرض الحرب قوانينها.
    وربما هذه الحقيقة حول غربية أجواء الميلاد هي ما حفّزت صانعي الفيلم الأرجنتيني "المجوس الثلاثة: الحقيقة/ The Three Wise Men: The Truth"، على إنتاج فيلمهم المغاير المستدير إلى الوراء ألفي عام ويزيد، مستعيدًا لحظةً بيتَ لحميةٍ مهديةٍ خالصة من أجواء الميلاد، عندما يبارك المجوس الثلاثة، أو الملوك المجوس، أو الحكماء الثلاثة، مولود مريم، ويغدقون عليها وعليه الهدايا (تجمع أغلب الروايات على أن الهدايا كانت ذهبًا وبخورًا ومُرّا)، بعدما التقطوا بشارته من نجمٍ سابحٍ في سديم المجرّات.
    "السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَرْيَمُ، يَا مُمْتَلِئَة بِنِعْمَةِ الرَّب. مُبَارَكَةٌ أنتِ من بين النِّسَاءِ، وَمُبَارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنك سَيِّدنا يَسُوع المَسيح".
يعمل...
X