عبدالعزيز عاشور رائد لغة بصرية جديدة في بلاده

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبدالعزيز عاشور رائد لغة بصرية جديدة في بلاده

    عبدالعزيز عاشور رائد لغة بصرية جديدة في بلاده


    رسام سعودي بحرفية عالية يعمد إلى الأسلوب التقليلي فتبدو لوحاته عارية من وسائل الغواية البصرية.


    رسام مخلص لمقولة "الأقل هو الأجمل دائما"

    "أقول للمتلقي أن يرانا داخله، وليس من خلال ما يشوش عليه من الخارج"، جملة من ذلك النوع حين يقولها رسام فإنه لا يراهن كثيرا على ما يظهر على سطح الصورة بل على ما يتحقق من تأثير عاطفي وفكري من خلال النظر إلى الصورة.

    وإذ يستعير الرسام السعودي عبدالعزيز عاشور من محمد بن عبدالجبار بن الحسن النفري مقولته "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" فإنه يحاول أن يفسر أسباب لجوئه إلى الأسلوب التقليلي؛ أشكال وأصباغ أقل في مقابل رؤية تنفتح على فكر تأملي هو ما يتبقى من ذلك اللقاء العاصف بين المتلقي واللوحة.

    ينتمي عاشور إلى سلسلة الرسامين الزاهدين؛ فهو لكي يصل إلى المحتوى الجمالي العميق يحذف من لوحته كل ما يراه نوعا من التزويق والزخرف فتبدو لوحته عارية من وسائل الغواية البصرية التي يستعملها الرسامون بحرفية عالية من أجل جذب عيون المشاهدين إلى مواقع جمالها وترفها وبذخ ألوانها.

    كان الأميركي سي تومبلي "1928 -2011" قد وصل بتقشفه إلى مرحلة البياض أو الاعتماد على الخط وحده في صناعة سطوح لوحاته فكان فنه بمثابة إيذان بولادة حداثة جديدة. كان تقليليّا ولكنه لا ينتسب بشكل تقليدي إلى المدرسة التقليلية؛ ذلك لأن غنى لوحته من الداخل كان يستثير عاطفة جوانية لم يكن التجريد البارد قادرا على استفزازها.
    رسام تقليلي دون زخرف



    ◙ عاشور يستثير عاطفة جوانية لم يكن التجريد البارد قادرا على استفزازها


    هذا ما يفعله عاشور وهو الذي وإن كان يلجأ إلى تقنية "الكولاج" (القص واللصق) في عدد من مراحله فإنه لا يستعمل تلك التقنية إلا بعد أن يتأكد من أنها لا تخترق عالمه التأملي الصامت بثرثرة يمكن الاستغناء عنها ما إن يرفع المتلقي بصره عن اللوحة.

    ◙ لوحات عاشور أشبه بمسرحيات التمثيل الإيحائي الصامت (البانتوميم)، وهو ما يجعلها قريبة من الفن المفاهيمي

    لوحات عاشور هي أشبه بمسرحيات التمثيل الإيحائي الصامت (البانتوميم)، وهو ما يجعلها قريبة من الفن المفاهيمي؛ فالرسام يرينا الألوان كلها دون أن يكون مضطرا إلى استعمالها، وهو يوهمنا بأننا نرى أشكالا من غير أن يرسم تلك الأشكال.

    ويشعر المتلقي بأن هناك عذابا وشقاء وتجربة في الألم عاشها الرسام وهو يسعى إلى تجريد لوحته من كل أسلحتها الدفاعية. لوحة عاشور لا تدافع عن نفسها، ذلك لأنها تحضر مستسلمة لنقائها كالدعاء تماما.

    لذلك يلجأ الفنان إلى الخربشة أحيانا على سطح اللوحة بكلمات وحروف قد تكون واضحة ولكنها ليست مقصودة لذاتها. وعاشور ليس رساما حروفيا؛ بمعنى أنه لم ينشغل بجماليات الحرف العربي.

    يمكن أن يوصف عاشور بأنه رسام لا شكلي فهو لا يلتقط صوره من الواقع أو الطبيعة بل ينتج أعماله متأثرا بالرسم، حرفة وتقنيات وموادّ وفكرا وخيالا، ولأنه زاهد في الاستعراض فإنه يتخلى عن الكثير مما تعلمه في مقابل لحظة إشراق، يجد نفسه من خلالها مستسلما لتدفق عاطفة شعورية ستملأ روحه مسرة.
    حفل بصري صامت



    ◙ يسعدنا النظر إلى أعمال عاشور كما لو أننا نكتشف من خلالها كنزا روحيا


    يسعدنا النظر إلى أعمال عاشور كما لو أننا نكتشف من خلالها كنزا روحيا، كنا قد فقدنا الطريق إليه. ولد عاشور في جدة عام 1963. لم يتعلم الرسم بطريقة مدرسية غير أنه أدرك في وقت مبكر من حياته أن الرسم هو قدره.

    لذلك صار يتعلم بشكل شخصي كل ما يتعلق بالرسم؛ ليست تقنياته أو أساليبه وحدها بل وأيضا طرق النظر إليه، وهو ما أهله لتأليف كتابه "تشكيليون سعوديون الآن" الذي صدر عام 2009.

    ◙ أسلوبه بالرغم من تشدده التقليلي ينفتح على تعبيرية من نوع بارد ومتقشف؛ فلا يحتاج متلقي أعماله إلى المزيد من الإيضاح والشرح

    في ذلك الكتاب لم يرغب عاشور في أن يكون ناقدا أو مؤرخا فنيا. لقد كتب مختصرات سيرية ونقدية لـ18 فنانا تشكيليا سعوديا معاصرا، حرص على أن يكونوا مختلفين في الأساليب الفنية، كما أنهم ينتمون إلى أجيال مختلفة بدءا من عبدالله الشيخ وانتهاء بزمان جاسم مرورا بمنيرة موصلي.

    أكان ذلك الكتاب تصفية حساب مع الماضي أم تجسيدا لرغبة الرسام في التعبير عن إعجابه بالرسامين الذين اختارهم ليكونوا مادة لكتابه؟ أقام عاشور أول معارضه الشخصية عام 1992. بعده أقام أكثر من عشرة معارض. كما أنه شارك في العشرات من المعارض الجماعية داخل المملكة وخارجها.

    ونال عاشور العديد من الجوائز في مجال اختصاصه الفني، منها الجائزة الثانية في جمعية الثقافة والفنون بجدة والجائزة الثالثة في معرض مقتنيات المملكة عام 1988 وجائزة المسابقة الثقافية للدول العربية بالقاهرة عام 1988 وجائزة الدانة للتراث بجدة عام 1992 و"السعفة الدولية" لدول مجلس التعاون الخليجي عام 1996 وجائزة بينالي بنغلاديش الآسيوي الدولي التاسع سنة 1999. وعام 2004 نال الجائزة الثالثة في سمبوزيوم إعمار الدولي للفنون بدبي.

    أسس عاشور أول منتدى ثقافي حي بمدينة جدة عام 2003. ودأب في وقت مبكر من حياته الفنية على أن يكون مزدوج الحضور في المشهد الفني رساما وكاتبا في قضايا الفن.
    الأدب باعتباره محرضا



    ◙ الرسم بالنسبة إلى عاشور لا يقيم في فكرته بل في النتائج التي تقع على سطح اللوحة


    يُطلق عاشور على كل معرض شخصي جديد عنوانا مثيرا من جهة إيحاءاته. عناوين تكشف عن نزعة أدبية متأصلة زادها الرسم أناقة ونقاء كما لو أن لغته البصرية قد ألقت بظلالها على لغته الأدبية والعكس صحيح أيضا.

    أسلوبه بالرغم من تشدده التقليلي ينفتح على تعبيرية من نوع بارد ومتقشف؛ فلا يحتاج متلقي أعماله إلى المزيد من الإيضاح والشرح لكي يقع على تفسير للتأثير العاطفي الذي تسببه تلك الأعمال. وهو حين يبتكر تقنيات جديدة فإنه يزاوج بين المساحات اللونية المشدودة بتوتر والشذرات الأدبية التي تقع على طرف اللسان دون أن تخرج إلى العلن.

    ◙ الرسم لا يقيم في فكرته بل في النتائج التي تقع على سطح اللوحة، ومثلما هو شقاء رؤيوي بالنسبة إلى عاشور فإنه معاناة بصرية بالنسبة إلى المشاهد

    "آثار" و"محظور" و"أكثر من ورق" و"مقاربات" و"ممرات" و"أوراق وقطرات" و"جسد ألـ(ما…..)" و"قبل الما بعد"، تلك هي عناوين عدد من معارضه الشخصية. ولأن العنوان عتبة الدخول فإن المشاهد لا بد أن يبحث عنه في اللوحات.

    وهو ما يعني بالضرورة أن الرسام قد فكر مليا في ذلك العنوان أثناء الرسم ولم يلتقطه صدفة. عنوان ذو دلالة، سيبحث عنها المشاهد أثناء تجواله بين اللوحات. وكما هو واضح فإن الفنان قد حرص على أن يكتب بيان معرضه في عبارة واحدة تتألف من كلمة واحدة أو كلمتين.

    سيكون الأدب حاضرا في العنوان كما هو حاضر في اللوحات، من غير أن يحتاج المتلقي إلى خارطة طريق أدبية. وبالرغم من تعلقه بالأدب، وهو كاتب أصلا، فإن عاشور لا ينتمي بفنه إلى تيار الأفكار الذي وقعت السريالية على سبيل المثال ضحية له.

    فالرسم لا يقيم في فكرته بل في النتائج التي تقع على سطح اللوحة، ومثلما هو شقاء رؤيوي بالنسبة إلى الرسام فإنه معاناة بصرية بالنسبة إلى المشاهد الذي لا يمكنه الاستغناء عن اللوحة وهو يتحدث عنها.

    لا يمكن الحديث عن فن عاشور إلا من خلاله. وفي ذلك يمثل عاشور جيلا من الرسامين السعوديين الذين أداروا ظهورهم لمقولات البيئة المحلية والتراث ليقيموا جسرا يصل بأعمالهم إلى الساحة العالمية.


    ◙ عاشور يمثل جيلا من الرسامين السعوديين الذين أداروا ظهورهم لمقولات البيئة المحلية والتراث ليقيموا جسرا يصل بأعمالهم إلى الساحة العالمية


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X