لكلّ رواية نكهتها, ونكهة رواية باستت هي التحدّي..- بقلم الكاتب:عطية مسوح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لكلّ رواية نكهتها, ونكهة رواية باستت هي التحدّي..- بقلم الكاتب:عطية مسوح



    رابطة المفكرين والأدباء السوريين
    أندريه ديب
    بقلم #الكاتب_عطية_مسوح
    #باستت
    إذا كان لكلّ رواية نكهتها, فنكهة رواية باستت هي التحدّي.
    هل التحدّي نكهة؟
    نعم, فالتحدّي في الرواية هو عصير القوّة والألم, ولكلّ عصير ما يميّزه, لكلّ عصير نكهته.
    يقول راتب, أحد شخصيّات الرواية, بل فيلسوفها كما يسميه كارو صاحب ملهى باستت: "الحرب هي الحرب ياكارو, تقسو على الجميع ولا يمكن أن تنتهي دون أن يخسر الجميع. لكن يجب علينا ألاّ ندعها تهزم فينا قوّة الحياة, ولهذا السبب تراني هنا أرقص وأشرب وأفرح."
    يخسر الجميع؟! نعم, فلا رابح في الحرب أيّة حرب كانت.
    تقوم الرواية على حاملين: الحرب والمكان. أمّا الحرب فهي خلفيّة تلوح من وراء حكايات الشخصيّات, وقد فعلت فعلها المأساوي في حيواتهم. وأمّا المكان فهو ذلك الملهى حيث الشراب والرقص والحكايا المتبادلة بين الأصدقاء الذين يتبدلون في كلّ فصل.
    للمكان رمزيته, وهو في الرواية مرتع الفرح والحرية, ففيه سلوةُ المتألّم عن ألمه,وعيشُ الحرية ساعات تمنح الزائر جرعة قوة وسعادة. هكذا المكان في نظر زبائنه,وما أصبح رمزاً إلا لأن صاحبه أراده كذلك, وفق فلسفة استقاها من فطرته وتجاربه. يقول صاحب باستت مخاطباً صديقه راتب أستاذ الفلسفة وأبرز روّاد الملهى:
    "في داخل كل منا يا راتب خلايا مسؤولة عن البهجة والضحك والتنكيت, لكنها قليلة, إذا تفعّلت عند المرء يشفى من أي مرض."
    وما غاية باستت إلا إيقاظ تلك الخلايا وتنشيطها, لتكون قادرة على مواجهة ما تولّده مآسي الواقع من نكد وألم.
    وكما أن الحرب والفرح نقيضان واقعيّاً فهما نقيضان في الرواية, يشكّل صراعهما عالَمها وتفاصيلها. وقد نجح الكاتب في عرض صراع هذين النقيضين عرضاً شائقاً وعميقاً, دون مباشرة ساذجه.
    لقد غاب الفرح عن الواقع, ولم يبق له حضور في ساحة المأساة الواسعة، لذلك كان لا بد من اصطناعه. والفرح المصطنع ليس وهمياً, إنه حقيقي, ولكنه عرَضي عابر. فساعات الجالسين في باستت فرح فعلي, لكنه أشبه بجرعة الهواء التي يخطفها من يغالب الغرق حين يتيسر له أن يرفع رأسه فوق الماء.
    لذلك فإن الفرح الذي يصنعه المكان لزواره هو رداء مؤقت يخفي حزناً مكيناً. وإذا كان فرحهم واحداً في مظاهره وأسبابه فإن الحزن المخفي متنوّع, فحزن طارق الذي ضُرِبَ بيته وقُتلت زوجته وابنته وأخته غير حزن الدكتور الناجم عن إهانته من قبل غني نافذ, ومختلف عن حزن أبي طنوس بسبب ضياع سمعته وبعض ماله.. لكنّ الحزن خيط رابط بين الشخصيات جميعاً, ومنهم صاحب الملهى ذاته, الذي ترك الدراسة وعمل مهرّباً ثم أصبح طريد القانون, ثم فشل في الحب والزواج.. أما حزن إيليّا فيوقظ في نفس القارئ سؤالاٍ قديماً متجدّداً: أيّهما أقوى, الحبّ أم الحرب؟
    لم يُغلق المؤلف ملفّ الصراع بين الحرب والفرح, ففصل الرواية الأخير يُبقي هذا الملف مفتوحا ًعلى أكثر من احتمال. فثمّة من يحاول قتل الفرح بإغلاق رمزه باستت, إنه الفساد والبيروقراطية المتلازمان والمستفيدان من أجواء الحرب, لكنّ الأمل في استمرار منبع الفرح هذا موجود أيضاً كما أخبر حاتم صاحبَ الملهى. واللافت أن مصدر هذا الأمل هو نشاط شعبي واسع احتضنته صفحات التواصل الاجتماعي. هذه اللفتة الأخيرة التي أحيت في نفس كارو أمل عودة باستت إلى صناعة الفرح, تحيي في نفوس القراء الأمل في عودة الروح إلى النشاط الشعبي ليقف في وجه الفساد والبيروقراطية.
    إنّ الرواية مبنية بناء فنياً جديداً, فلكل فصل حكايته الخاصة , والرابط بين هذه الحكايات ليس مسرحها الواحد - باستت - فقط, وإنما هو صراع الحرب بأحزانها مع الفرح والأمل, ومع الشخصياتِ التي تمثل هذا الأمل, وهي صاحب الفكرة وفيلسوف الفرح الفطريّ كارو, والمعلّم المتفلسف على الدوام راتب,والشراب المميّز الذي يصنعه الدكتور وفق مزاج كلّ شارب... ولا أظنني أخطأت حين وضعت الشراب بين الشخصيات, فهو أحد أهم الفاعلين في صناعة الفرح, أي في واحد من أهمّ ما تصوّره الرواية.
    سعدت بقراءة رواية (باستت), وتمنّيتُ أن يكون مؤلفها الدكتور جرجس حوراني قربي حين فرغت من قراءتها, لأشدّ على يده مهنّئاً.

    ********************************
    DrMaad Tohmaz
    كل الإحترام للكاتب الراقي عطية مسوح
يعمل...
X