في البدء كان العراق
-------
هذا هو عنوان الكتاب الجديد المتضمّن نصوصًا أدبيةً عديدةً لصديقي حضرة الأب "يوسف جزراوي" الصّادر عن الاتّحاد العامّ للكتّاب والأدباء العراقيّين فرع ميسان والّذي تشرّفت وسعدت بالتّقديم له بهذه الكلمات :
----
" في رحلة النّزوح خبّأتُ بلدي في قلبي لئلّا يموت فيّ شيءٌ منه."
نعم
فإلى هذه الدّرجة الّتي ليس من السّهل قياسها بدقّةٍ ولا وصفها بإتقانٍ يذهب الأب "يوسف جزراوي" في عشقه المضّطرم المتأجّج لوطنه "العراق" الّذي اضطّر مع من اضطّر تحت ضغط ظروفٍ قاسيةٍ غير خافيةٍ عن ذي بصيرةٍ إلى تركه والنّزوح عنه إلى بلادٍ أخرى بعيدةٍ عجزت على كلّ ما قدّمته له من ضروب العيش وما منحته إيّاه من وسائل الرّاحة أن تنزع من أرض صدره بساتين عشقه للعراق ولا أن تجعله يميل إلى ما فيها من مفاتنَ وإغراءاتٍ فيعشقها لتكون بديلةً عمّا فقد
وظلّ مثلما كان على حاله :
هذا المتيّم الولهان المغرم بوجه بلده على الرّغم ممّا عرض لهذا الوجه المعشوق من التّشوّه والاصفرار والسّقم
فلم يزل يراه أجمل الوجوه وأنقاها وألطفها
ولم يزل يأنف من التّطلّع إلى غيره من الوجوه
آملًا أن تعود يومًا له نضارته ويرجع إليه ما فات من شبابه وما خبا من إشراقه
وأنت إذ تتصفّح ما جاء في أوراقه الّتي احتضنها كتابه هذا لن ترى فيها إلّا ما يجعلك تبكي لبكائه وترثي لواقع حاله وهو الأديب المتخم بالمشاعر والأحاسيس والأفكار الّتي قد لا تلقاها بذات الحجم الّذي فيه تلقاها لدى أصحاب القلم عند غيرهم ممّن بينهم وبين القلم قطيعةٌ أو جفوةٌ
وتتمنّى لو كنت حاضرًا عنده وقريبًا منه لتواسيه كما ينبغي أن تكون المواساة وتشدّ من أزره وتمدّ يدك بحبٍّ إليه في محاولةٍ منك لتشجيعه على النّهوض والقيام من جديدٍ
إذ ليس ثمّة جرحٌ أوسع ولا حزنٌ أكبر ولا خسارةٌ أفدح ولا فقدٌ أعظم من أن تترك موطنك وأن يتركك موطنك
ولأنّ سهم ما أصابه في العمق قد أصابني أنا أيضًا بنفس الشّدّة والقّوة فلقد استطعت أن أقرأ بوضوحٍ ما سكبه على الورق وما لم يسكبه أيضًا وأتفهّمه وأن أكتشف من غير جهدٍ ولا عناءٍ كبيرين سرّ المرارة الّتي فيه وأتذوّقه معه في كلّ كلمةٍ مررت عليها بل وربّما في كلّ حرفٍ وقعت عليه عيناي
وإنّني لأدعوك كما دعوت نفسي إلى قضاء وقتٍ في حضرة هذا الكتاب
فلا إخالك وقد فرغت من قراءة أسطره والتّعمّق في مضامينه إلّا مستمتعًا بحسن العبارة وجودتها وصدقها ورقّتها متأمّلًا محلّق الرّوح والفكر وقائلًا مع صاحبه :
"في البدء كان العراق" ويبقى وسيبقى إلى ما شاء الّله تعالى وأراد.
كلّ التّحيّة والتّقدير والثّناء والتّهنئة لأخي الأب الفاضل الأديب "يوسف جزراوي" على نقاء كتابه هذا
متمنّيًا له ولقرّائه سلامة العيش ودوام العطاء وحسن الختام .
------------
القس جوزيف إيليا
١ - ٧ - ٢٠٢١
Yousif Jazrawy