الكوميديا ضرورية لمنتجي الأفلام للتعامل مع أحلك الموضوعات
الضحك فعال جدًا في إثارة نقاط سياسية قوية ولا يكتفي باجتذاب الجمهور لشاشات السينما.
الأحد 2022/02/27
انشرWhatsAppTwitterFacebook
ربيعة تغزو واشنطن بالسخرية
هل يوجد بعض القصص الحقيقية التي تعتبر خطيرة للغاية بحيث لا يمكن سردها في إطار كوميدي؟ يتبادر ذلك السؤال إلى الذهن بسبب الفيلم المسمى "ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش" وهو فيلم يحكي عن حبس مراد كورناز لمدة خمس سنوات في معتقل غوانتانامو دون محاكمة، والذي أثار الكثير من الضحك في المنافسة الرئيسية في مهرجان برلين السينمائي الأسبوع الماضي.
تحولت تلك الضحكات إلى جوائز. الفيلم من إخراج أندرياس دريسن، وفازت كاتبة السيناريو ليلى شتيلر بجائزة أفضل سيناريو، وفازت الفنانة الألمانية – التركية ميلتيم قبطان بجائزة أفضل أداء.
من خلال الضحك، حشد المخرج الألماني أندرياس دريسن التقمص الوجداني والتعاطف مع شخصيته المركزية، وهي والدة أحد السجناء في معتقل غوانتانامو. وتقدم شخصية ربيعة كورناز الرخصة لإثارة نقاط جدية حول التعذيب المقيت للسجناء (حيث يعرض صورًا من معتقل أبوغريب) كما يسلط الضوء على الحاجة إلى محاكمات عادلة للجميع وكيف كانت الحكومة الألمانية متواطئة في ذلك الظلم.
سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا ستعتبر شخصية ربيعة في الفيلم مسيئة كما وجد البعض في الجالية اليهودية فيلم "الحياة جميلة" عندما تم عرضه
ولكن على الرغم من الضحك والجوائز، والتسلية الواضحة التي خلقها الفيلم، إلا أن هناك شيئا مبتذلا إلى حدّ ما في صنع كوميديا من قضية الانتهاك المأساوي والمخزي لحقوق الإنسان. فهل هناك أيّ شيء مضحك عن شخص بريء يتم تصويره بنمط عنصري ثم يقضي خمس سنوات في السجن حيث يتعرض للتعذيب لسنوات؟
فعلى المرء فقط مشاهدة فيلم "الحياة جميلة"، الذي حصد عدة جوائز أوسكار للمخرج روبرتو بينيني والتي تدور أحداثه في معسكر اعتقال ألماني خلال الحرب العالمية الثانية. نال ذلك الفيلم في البداية إشادة من النقاد على الصعيد العالمي في عام 1997، ولكن بعد ذلك جاء رد الفعل العنيف على أساس وجهة النظر القائلة بأن فيلم “الحياة جميلة” قلل من حجم مأساة الهولوكوست أو “المحرقة” وهي وجهة النظر التي نمت مصداقيتها بمرور الوقت.
ولا يعد فيلم "ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش" الأول الذي يمكن تسميته “كوميديا إرهابية” ولكن على عكس كوميديا المخرج كريس موريس في فيلمه "الأسود الأربعة" على سبيل المثال، وهو حكاية هزلية عن بعض المراهقين البريطانيين المسلمين الذين يشاركون في عمل إرهابي، فإن فيلم "ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش" يستند على شخصيات وأحداث حقيقية.
يروي الفيلم قصة حقيقية مروعة عن مراد كورناز المولود في بريمن، والذي كان يبلغ من العمر 19 عامًا في سبتمبر 2001. وعلى الرغم من نشأته في ألمانيا، إلا أنه كان من الناحية القانونية مواطنًا تركيًا، وكان يضطر إلى تجديد إقامته الألمانية كل ستة أشهر. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ذهب إلى باكستان وبعد فترة وجيزة، تم القبض عليه واتهامه بأنه إرهابي. وقد اتخذت الحكومة الألمانية قرارًا سياسيًا مفاده أنه على الرغم من الأدلة الواهية والظرفية، فإنها لن تساعد “التركي” كورناز الذي تم إرساله إلى معتقل غوانتانامو.
ويريد المخرج دريسن إيصال أفكار مهمة من خلال الفيلم، لذلك على عكس الكوميديا الهزلية “هروب هارولد وكومار من معتقل غوانتانامو”، لم يُظهر المخرج الألماني دور التعذيب في معتقل غوانتانامو من أجل إضحاك الجمهور، وهو يعتمد على السيدة ربيعة لتقديم الكوميديا. فهي بشخصيتها السعيدة والمقبلة على الحياة، تطبخ الطعام التركي وتطلق تعليقات مرحة عندما لا تكون مشاركة في حملة للإفراج عن ابنها المسجون. وهناك شيء حول ربيعة يجعلنا نرغب في الضحك في كل مرة تظهر فيها على الشاشة، على الرغم من حجم المأساة.
وتنعكس طاقتها وحيويتها مع المزيد من التأثير الهزلي من خلال علاقتها بمحاميها بيرنهارد دوك حيث تلعب هذه العلاقة دورًا في كل صورة نمطية ثقافية للأمهات التركيات الصاخبات والألمان الجادين.
ولكن من الصعب تجاهل حقيقة أن الأوصاف النمطية الثقافية قد تكون فظة بعض الشيء، والتي قد يجدها البعض غير حساسة ثقافيًا. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا ستعتبر شخصية ربيعة في الفيلم مسيئة كما وجد البعض في الجالية اليهودية فيلم "الحياة جميلة" عندما تم عرضه.
على الرغم من الضحك والجوائز، والتسلية الواضحة التي خلقها الفيلم، إلا أن هناك شيئا مبتذلا إلى حدّ ما في صنع كوميديا من قضية الانتهاك المأساوي والمخزي لحقوق الإنسان.
أقول إنه من غير الراجح وقوع ذلك الأمر، على الرغم من أني أتفق مع الكثير من التحفظات على الفيلم، ذلك لأن المخرج دريسن بنى فيلمه على شيء من السهل نسيانه وهي قوة الضحك. والمقارنة الواضحة هي بين فيلم “ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش” وفيلم "الموريتاني" للمخرج كيفن ماكدونالدز حول سجن محمدو ولد صلاحي في غوانتانامو بتهمة زائفة، حيث يعرض ذلك الفيلم أداء فرديا مذهلا من طاهر رحيم، وتلقى الفيلم ترشيحات لجوائز بافتا وغولدن غلوب. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل المؤهلات والتميز، إلا أن ذلك الفيلم قد غاب عن الذاكرة، ولم يُحدث أثرا كبيرا في الوعي العام بالطريقة التي كان ينبغي له، والسبب في ذلك هو كونه دراما قاسية. وكان من الصعب مشاهدته، خاصة أثناء الوباء عندما شعر الناس أن الإغلاق العام كان بمثابة السجن.
وإلى جانب المساعدة في جذب الناس إلى السينما، فإن الضحك أيضًا فعال جدًا في إثارة نقاط سياسية قوية، وأشهر مثال على ذلك هو فيلم "الدكتاتور العظيم" لتشارلي شابلن، والذي سخر من أدولف هتلر، حيث استخدم تشابلن الكوميديا لتسليط الضوء على مدى سخف شخصية هتلر. لكن من نواحٍ أخرى، لا يعد ذلك مقارنة حقيقية بفيلم “ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش” حيث كان هتلر شريرًا. ويريد منا المخرج دريسن الوقوف مع ربيعة، حتى عندما يكون من غير الواضح في معظم مشاهد الفيلم ما إذا كان ابنها إرهابيًا أم لا.
نشأت الكوميديا القائمة على التعاطف والتقمص الوجداني من فكرة أنه إذا تمكنت من إضحاك الجمهور، فسيشعرون بصلة تربطهم مع البطل. وقد لخص الفكاهي والموسيقي فيكتور بورج هذه الفكرة عندما قال “الضحك هو أقصر مسافة بين شخصين”. وهذه هي الفكرة التي يستخدمها المخرج دريسن بصورة أساسية. نعم، في معظم الحالات، لن يكون معتقل غوانتانامو موضوعًا جيدًا للكوميديا، ولكن يمكن أن يكون الطريقة الأكثر فعالية لرواية قصة عندما يتم التعامل معها بكافة تفاصيلها الدقيقة. ولا يهتم دريسن دائمًا بالفروق الصغيرة، ولكن تم إنتاج الفيلم بصورة جيدة بما فيه الكفاية لإثبات أنه حتى أكثر الموضوعات بشاعة يمكن أن تكون موضوعاً كوميدياً عندما تتوفر الخبرات والنوايا الحسنة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
كليم أفتاب
ناقد سينمائي بريطاني
الضحك فعال جدًا في إثارة نقاط سياسية قوية ولا يكتفي باجتذاب الجمهور لشاشات السينما.
الأحد 2022/02/27
انشرWhatsAppTwitterFacebook
ربيعة تغزو واشنطن بالسخرية
هل يوجد بعض القصص الحقيقية التي تعتبر خطيرة للغاية بحيث لا يمكن سردها في إطار كوميدي؟ يتبادر ذلك السؤال إلى الذهن بسبب الفيلم المسمى "ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش" وهو فيلم يحكي عن حبس مراد كورناز لمدة خمس سنوات في معتقل غوانتانامو دون محاكمة، والذي أثار الكثير من الضحك في المنافسة الرئيسية في مهرجان برلين السينمائي الأسبوع الماضي.
تحولت تلك الضحكات إلى جوائز. الفيلم من إخراج أندرياس دريسن، وفازت كاتبة السيناريو ليلى شتيلر بجائزة أفضل سيناريو، وفازت الفنانة الألمانية – التركية ميلتيم قبطان بجائزة أفضل أداء.
من خلال الضحك، حشد المخرج الألماني أندرياس دريسن التقمص الوجداني والتعاطف مع شخصيته المركزية، وهي والدة أحد السجناء في معتقل غوانتانامو. وتقدم شخصية ربيعة كورناز الرخصة لإثارة نقاط جدية حول التعذيب المقيت للسجناء (حيث يعرض صورًا من معتقل أبوغريب) كما يسلط الضوء على الحاجة إلى محاكمات عادلة للجميع وكيف كانت الحكومة الألمانية متواطئة في ذلك الظلم.
سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا ستعتبر شخصية ربيعة في الفيلم مسيئة كما وجد البعض في الجالية اليهودية فيلم "الحياة جميلة" عندما تم عرضه
ولكن على الرغم من الضحك والجوائز، والتسلية الواضحة التي خلقها الفيلم، إلا أن هناك شيئا مبتذلا إلى حدّ ما في صنع كوميديا من قضية الانتهاك المأساوي والمخزي لحقوق الإنسان. فهل هناك أيّ شيء مضحك عن شخص بريء يتم تصويره بنمط عنصري ثم يقضي خمس سنوات في السجن حيث يتعرض للتعذيب لسنوات؟
فعلى المرء فقط مشاهدة فيلم "الحياة جميلة"، الذي حصد عدة جوائز أوسكار للمخرج روبرتو بينيني والتي تدور أحداثه في معسكر اعتقال ألماني خلال الحرب العالمية الثانية. نال ذلك الفيلم في البداية إشادة من النقاد على الصعيد العالمي في عام 1997، ولكن بعد ذلك جاء رد الفعل العنيف على أساس وجهة النظر القائلة بأن فيلم “الحياة جميلة” قلل من حجم مأساة الهولوكوست أو “المحرقة” وهي وجهة النظر التي نمت مصداقيتها بمرور الوقت.
ولا يعد فيلم "ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش" الأول الذي يمكن تسميته “كوميديا إرهابية” ولكن على عكس كوميديا المخرج كريس موريس في فيلمه "الأسود الأربعة" على سبيل المثال، وهو حكاية هزلية عن بعض المراهقين البريطانيين المسلمين الذين يشاركون في عمل إرهابي، فإن فيلم "ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش" يستند على شخصيات وأحداث حقيقية.
يروي الفيلم قصة حقيقية مروعة عن مراد كورناز المولود في بريمن، والذي كان يبلغ من العمر 19 عامًا في سبتمبر 2001. وعلى الرغم من نشأته في ألمانيا، إلا أنه كان من الناحية القانونية مواطنًا تركيًا، وكان يضطر إلى تجديد إقامته الألمانية كل ستة أشهر. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ذهب إلى باكستان وبعد فترة وجيزة، تم القبض عليه واتهامه بأنه إرهابي. وقد اتخذت الحكومة الألمانية قرارًا سياسيًا مفاده أنه على الرغم من الأدلة الواهية والظرفية، فإنها لن تساعد “التركي” كورناز الذي تم إرساله إلى معتقل غوانتانامو.
ويريد المخرج دريسن إيصال أفكار مهمة من خلال الفيلم، لذلك على عكس الكوميديا الهزلية “هروب هارولد وكومار من معتقل غوانتانامو”، لم يُظهر المخرج الألماني دور التعذيب في معتقل غوانتانامو من أجل إضحاك الجمهور، وهو يعتمد على السيدة ربيعة لتقديم الكوميديا. فهي بشخصيتها السعيدة والمقبلة على الحياة، تطبخ الطعام التركي وتطلق تعليقات مرحة عندما لا تكون مشاركة في حملة للإفراج عن ابنها المسجون. وهناك شيء حول ربيعة يجعلنا نرغب في الضحك في كل مرة تظهر فيها على الشاشة، على الرغم من حجم المأساة.
وتنعكس طاقتها وحيويتها مع المزيد من التأثير الهزلي من خلال علاقتها بمحاميها بيرنهارد دوك حيث تلعب هذه العلاقة دورًا في كل صورة نمطية ثقافية للأمهات التركيات الصاخبات والألمان الجادين.
ولكن من الصعب تجاهل حقيقة أن الأوصاف النمطية الثقافية قد تكون فظة بعض الشيء، والتي قد يجدها البعض غير حساسة ثقافيًا. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا ستعتبر شخصية ربيعة في الفيلم مسيئة كما وجد البعض في الجالية اليهودية فيلم "الحياة جميلة" عندما تم عرضه.
على الرغم من الضحك والجوائز، والتسلية الواضحة التي خلقها الفيلم، إلا أن هناك شيئا مبتذلا إلى حدّ ما في صنع كوميديا من قضية الانتهاك المأساوي والمخزي لحقوق الإنسان.
أقول إنه من غير الراجح وقوع ذلك الأمر، على الرغم من أني أتفق مع الكثير من التحفظات على الفيلم، ذلك لأن المخرج دريسن بنى فيلمه على شيء من السهل نسيانه وهي قوة الضحك. والمقارنة الواضحة هي بين فيلم “ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش” وفيلم "الموريتاني" للمخرج كيفن ماكدونالدز حول سجن محمدو ولد صلاحي في غوانتانامو بتهمة زائفة، حيث يعرض ذلك الفيلم أداء فرديا مذهلا من طاهر رحيم، وتلقى الفيلم ترشيحات لجوائز بافتا وغولدن غلوب. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل المؤهلات والتميز، إلا أن ذلك الفيلم قد غاب عن الذاكرة، ولم يُحدث أثرا كبيرا في الوعي العام بالطريقة التي كان ينبغي له، والسبب في ذلك هو كونه دراما قاسية. وكان من الصعب مشاهدته، خاصة أثناء الوباء عندما شعر الناس أن الإغلاق العام كان بمثابة السجن.
وإلى جانب المساعدة في جذب الناس إلى السينما، فإن الضحك أيضًا فعال جدًا في إثارة نقاط سياسية قوية، وأشهر مثال على ذلك هو فيلم "الدكتاتور العظيم" لتشارلي شابلن، والذي سخر من أدولف هتلر، حيث استخدم تشابلن الكوميديا لتسليط الضوء على مدى سخف شخصية هتلر. لكن من نواحٍ أخرى، لا يعد ذلك مقارنة حقيقية بفيلم “ربيعة كورناز ضد جورج دبليو بوش” حيث كان هتلر شريرًا. ويريد منا المخرج دريسن الوقوف مع ربيعة، حتى عندما يكون من غير الواضح في معظم مشاهد الفيلم ما إذا كان ابنها إرهابيًا أم لا.
نشأت الكوميديا القائمة على التعاطف والتقمص الوجداني من فكرة أنه إذا تمكنت من إضحاك الجمهور، فسيشعرون بصلة تربطهم مع البطل. وقد لخص الفكاهي والموسيقي فيكتور بورج هذه الفكرة عندما قال “الضحك هو أقصر مسافة بين شخصين”. وهذه هي الفكرة التي يستخدمها المخرج دريسن بصورة أساسية. نعم، في معظم الحالات، لن يكون معتقل غوانتانامو موضوعًا جيدًا للكوميديا، ولكن يمكن أن يكون الطريقة الأكثر فعالية لرواية قصة عندما يتم التعامل معها بكافة تفاصيلها الدقيقة. ولا يهتم دريسن دائمًا بالفروق الصغيرة، ولكن تم إنتاج الفيلم بصورة جيدة بما فيه الكفاية لإثبات أنه حتى أكثر الموضوعات بشاعة يمكن أن تكون موضوعاً كوميدياً عندما تتوفر الخبرات والنوايا الحسنة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
كليم أفتاب
ناقد سينمائي بريطاني