بيار سولاج فنان سخر سبعين عاما من عمره للاحتفاء باللون الأسود
رسام متمرد على الألوان يخط لنفسه اسما لا ينسى في الفن التشكيلي الفرنسي والعالمي.
الجمعة 2022/10/28
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فنان أطلق السواد وخلق منه نورا
باريس - كرس الرسام الفرنسي الراحل بيار سولاج الذي يلقَّب بـ”رسام ما بعد الأسود”، أكثر من سبعين عاما من عمره لتجسيد التحولات الضئيلة للون الأسود في مواجهة الضوء، حتى أنه صار بمثابة رمز للاشتغال الفني على السواد.
ويقول عن ذلك “أعشق سلطة الأسود. إنه لون لا يقبل أي تسوية. لون شرس، يحثك رغم ذلك إلى الاستبطان. إنه اللون واللالون في نفس الوقت. عندما ينعكس الضوء على الأسود، يغيره هذا اللون ويحوله. إنه يفتح مجالا ذهنيا خاصا به لوحده”.
كما قال عن تركيزه على اللون الأسود في ديسمبر 2019 “أحب سلطة هذا اللون ووضوحه… وتطرفه”. وأضاف “إنه لون نشط جدا. لو وضعنا الأسود قرب لون قاتم، لأصبح مشعا”.
واستطاع الرسام المتمرد على الألوان جميعها ما عدا الأسود، أن يخط لنفسه اسما لا ينسى في الفن التشكيلي الفرنسي والعالمي، وحظيت سيرته وتجربته الفنية بإشادة واسعة بمجرد الإعلان عن وفاته مساء الأربعاء.
سولاج ظل يمارس فنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنه اكتسب شهرته في خمسينات القرن الماضي
وغيّب الموت سولاج في العام الثاني بعد المئة من عمره، إثر نوبة قلبية.
وقال الصديق القديم لسولاج ألفرِد باكمان الذي يترأس متحفا يحمل اسم الفنان في روديز بجنوب فرنسا “إنه خبر محزن. لقد كنت أتحدث قبل قليل مع أرملته كوليت سولاج” التي “احتفل معها قبل أيام بعيد زواجهما الثمانين”.
وعلّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر تويتر على وفاة سولاج معتبرا أنه “عرف كيف يعيد اختراع اللون الأسود من خلال جعل النور ينبثق منه. وبالإضافة إلى اللون الأسود، تشكّل أعماله استعارات حية يستمد منها كل منا الأمل”.
ورأت وزيرة الثقافة ريما عبدالملك أن وفاته “خسارة كبيرة لعالم الفن ولفرنسا”، فيما أسف سلفها جاك لانغ لـ”رحيل أحد كبار الفن”.
وكتبت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن على تويتر أن سولاج “يترك وراءه نتاجا هائلا عابرا للزمن”، مذكّرة بأن الرسام الراحل “أعاد ابتكار اللون الأسود بشكل مذهل”، وواصفة إياه بأنه “سيد الأضواء”.
ولد الفنان التشكيلي في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1919 في مدينة روديز الفرنسية. وأغرم بالرسم منذ نعومة أظفاره، خاصة الرسومات الصخرية والفن الرومانسكي (مصطلح يشير إلى الفن في أوروبا الغربية منذ عام 1000 ميلادي تقريبا وحتى ظهور الطراز القوطي في القرن الثالث عشر أو ما بعده وفقا للمنطقة)، ونذر نفسه لتدريس الرسم، لكنه انقطع عن الدراسة في كلية الفنون الجميلة على الرغم من نجاحه في امتحان القبول فيها، والسبب، بحسب تعبيره، أنه كان “مُروَّعا” من مناهج التعليم فيها.
وظل سولاج يمارس فنه بانتظام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى آخر أيامه، لكنه اكتسب شهرة واسعة اعتبارا من خمسينات القرن الماضي، ودخلت لوحاته أرقى المتاحف في العالم كمتحف غوغنهايم في نيويورك أو معرض تايت في لندن.
وطوال أكثر من خمسة وسبعين عاما، كانت أعماله محط اهتمام المؤسسات الثقافية وسوق الفن. وفي نوفمبر 2021 بيعت لوحة له تعود إلى عام 1961 بمبلغ 20.2 مليون دولار في نيويورك. وتجاوز ثمن اللوحة بأشواط الرقم القياسي السابق الذي حققه أحد أعمال سولاج عام 2019 في باريس والبالغ 10.8 مليون دولار.
الرسام المتمرد على الألوان جميعها ما عدا الأسود، استطاع أن يخط لنفسه اسما لا ينسى في الفن التشكيلي
وفي مايو 2014، وكان يومها في الرابعة والتسعين، حضر افتتاح متحف مخصص بالكامل لأعماله في مدينته روديز.
وفي ديسمبر 2019 أصبح سولاج بين قلة من الفنانين حصلوا على شرف عرض أعمالهم في متحف اللوفر العريق وهم على قيد الحياة. وسبق لرسامين فقط أن كرما قبله بهذه الطريقة هما بيكاسو وشاغال عند بلوغهما سن التسعين.
وكرّس جزء كبير من المعرض يومها لـ”أوترنوار” (ما بعد الأسود)، العالم الذي تخيله سولاج العام 1979 عندما اعتمد الأسود الكامل مراهنا على التباين بين الأملس والمحزوز واللامع والكامد والأسود والنور.
وكان المعرض احتفاء بمئوية مولده وضمّ مختارات من أعماله طوال العقود الثمانية التي فرض خلالها نفسه كفنان غير تصويري، بما فيها أعماله الأخيرة، في ترتيب كرونولوجي يمكّن الزائر من أن يتتبع مسار من لُقّب بفنان السواد والضوء حينا، وفنان “ما وراء الأسود” حينا آخر، عبر أعمال تشهد على مختلف المراحل التي ارتبطت برغبة شديدة لدى الفنان في إبراز الضوء بالمفارقة بين اللون الأسود والجوانب الصافية، أو بالتطابق والقَشط، أو باستخدام لون وحيد.
ويذكر أن سولاج، هو أيضا أحد مؤسسي هيئة “المثقفين لأجل أوروبا الحريات” عام 1978، وهو أيضا من مؤسسي قناة أرتي الفرنسية - الألمانية.