المسرحية القصيرة نموذج للمسرحية المستقبلية
عبداللطيف فردوس: المسرح هو المسرح في أي زمان أو مكان.
الثلاثاء 2022/10/04
الكاتب العماني قطع أشواطا نحو الحداثة دون التفريط في الهوية
يدعو المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس بشكل متواصل إلى ضرورة التجديد في الفن المسرحي، وهو ما أقره من خلال جمعه بين مجالات مختلفة من الفنون من المسرح كتابة وإخراجا إلى السينما والعروض الحية، ما وفر له رؤية شاملة للفن الجديد، الأمر الذي دفعه إلى العمل مع الشباب بدرجة أولى في المغرب وخارجه.
خميس الصلتي
مسقط - الراصد لسيرة المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس يرى اشتغالاته المتعددة في مختلف الفنون والكتابة بدءا من السينما والمسرح حيث العروض المباشرة مع الاشتغال النوعي على التجديد في الفنون المسرحية، وقد زار سلطنة عُمان أخيرا ليتعرف عن قرب على أهم كُتّابها والمشتغلين فيها على القطاع المسرحي ليقدم خبرته في سياق عملي على امتداد أسبوع بمقر النادي الثقافي.
ففي علاقته وتواصله الأدبي مع الأدب المسرحي في سلطنة عُمان يقول فردوس “ربما تكون العلاقة محدودة نوعا ما وأغلبها عن طريق مجلة نزوى التي كنتُ أتابعها بانتظام كلما وصلني عدد منها إلى المغرب”.
العمل مع الشباب
بعد استنفاد كل الأشكال الفرجوية في المسرح المغربي التي تضمنها مشروع مسرحتها التفت فردوس إلى الأدب
يضيف المسرحي المغربي أن الكتب الملحقة بالمجلة كانت تقدم إبداعات في مختلف الأجناس الأدبية والفنية لسلطنة عُمان، ويقول “عبْر أحد الأعداد تعرّفت على قصص قصيرة جدا بعنوان ‘شبابيك زيانة‘ للكاتبة العمانية بشاير بنت حبراس السليمية، وأعجبتُ بها شكلا ومضمونا، وتواصلتُ مع الكاتبة لأخذ موافقتها في تحويل هذه القصص القصيرة إلى أفلام قصيرة كتدريب لي على كتابة سيناريو الفيلم القصير، مما عزز خزانتي بأكثر من 10 أفلام قصيرة مستوحاة من قصص قصيرة للقاصة العُمانية”.
ويتابع “لا أخفي عشقي لقراءة القصص القصيرة العُمانية والتمتع بها والاشتغال عليها دراميا، شيئا فشيئا، حيث بدأت دائرة اهتمامي بالأدب العُماني تتوسع نحو قراءة بعض القصائد الشعرية ومختارات من الأدب الشعبي، وأسجل هنا مبادرة النادي الثقافي في مسقط لتقديم ندوة ‘حكايات بصرية’، ومن هنا تعرفت على مجموعة من الكُتّاب العُمانيين وتكوّنت لديّ فكرة عن الأدب والفن العُماني، فأقلّ ما يمكنني أن أقول في توصيفهما هو: أنهما قطعا أشواطا بعيدة نحو الحداثة دون التفريط في الهوية المميزة لسلطنة عُمان، أما بالنسبة إلى المسرح فقد تعرفت عليه بشكل مباشر عبر مسرحية ‘مدق الحناء‘ التي شاركت في مهرجان المسرح الخليجي بالإمارات العربية المتحدة سنة 2019 ونالت جائزته”.
ويتحدث فردوس عن علاقته بالمسرح كما هو في مخيلته فيقول “انطلقت تجربتي منذ التحاقي بالنادي الفني المراكشي كوميديا سنة 1968، إحدى أهم الفرق المسرحية بالمغرب التي تأسست سنة 1956 إلى يومنا هذا، وابتدأتُ منخرطا عاديا أستقبل ولا أنتج بحكم صغر سني ومحدودية ثقافتي المسرحية آنذاك، وبعد فترة توقفت لنيل الاستحقاق التعليمي الجامعي، لكنني عدت محملا برصيد معرفي نظري وتكوين عصامي تطبيقي، فأصبحت مُخرجا رفقة مجموعة شابة أعطت للكوميديا انطلاقة جديدة، واشتغلت منذ 1976 على المسرح المدرسي، ثم التدرج نحو الكتابة”.
مسرحة الأشكال الفرجوية في التراث المغربي من بين الأعمال الطويلة التي قام المسرحي فردوس بالعمل عليها، ويتحدث عنها قائلا “مما حفزني على مشروع مسرحة الظواهر الفرجوية في التراث المغربي هو اشتغالي كمؤلف مع فرقة حلقة إبداع دراما بمراكش، وهي فرقة فاعلة في مسار المسرح المغربي لها مكانتها على الصعيد المحلي في المغرب، حيث دام العمل على المشروع 10 سنوات وأعطى 12 عرضا مسرحيا، فاز بعضها بالجائزة الكبرى وجائزة النص في المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي في المغرب الذي كان ينظم بمدينة مكناس وحاليا بتطوان، كما تم تصوير بعض هذه العروض للتلفزيون ونشر النصوص المسرحية التي نتجت عنه، واقتناعا مني بأن الشباب هم المستقبل وقاطرة قطار التنمية الشاملة، توجهت إلى العمل على حلقات في الكتابة، ومن بينها وأهمها ندوة النادي الثقافي بمسقط ‘حكايات بصرية‘، فكل هذه الندوات وحلقات العمل سيكون لها امتداد بعد كتابة النصوص”.
تجربة مسرحية طويلة
ولفردوس أعمال كثيرة في شأن مسرحة النص السردي وعلاقته بالمسرح وتحويله إلى واقع بصري ملموس، وهنا يتحدث عنها قائلا “بعد استنفاد كل الأشكال الفرجوية في المسرح المغربي التي تضمنها مشروع مسرحتها، التفتت إلى القصة القصيرة والرواية، حيث عملت على مسرحة قصص قصيرة وروائية لكتاب مغاربة منهم القاص والشاعر المرحوم أحمد طليمات، والمفكر والروائي حسن أوريد، وأغلبية النصوص المسرحية التي ألفتها تم نشرها بمؤسسة آفاق للدراسات والنشر واشتغلت عليها فرق مسرحية محترفة بالمغرب وفرنسا كفرقة تانسيفت والوفاء المراكشية، ومسرح الأصدقاء بفرنسا ومدرسة سيرك شمسي بالمغرب”.
ويتابع “أذكر أني كمؤلف لي رفقة الفنانة لطيفة أحرار والفنان هشام الإبراهيمي تجربة تقديم عرض مسرحي بعنوان ‘مسرح القرب‘، بهدف تقريب المسرح من الجمهور، وكانت تحت شعار ‘إذا لم يأت المتفرج إلى المسرح، المسرح يذهب إليه‘”.
ويسأل المسرحي فردوس لماذا هو ضد التقسيمات الجغرافية التي تؤطر المسرح وتجعل منه “مناطقيًا” أو يعود إلى بيئة ما، يكشف عن ذلك التكوين الأول للمسرح ونشأته جغرافيا فيقول “في نظري إن أي تأطير للمسرح ما هو إلا تحقيب زمني أو توطين جغرافي أو توصيف للشكل والمستفيد، وهذا لا يغير أي شيء من طبيعة المسرح سواء كان عرضا فرجويّا أو جنسا أدبيّا”.
ويضيف “المسرح له منطلقاته أو أصوله وله أشكاله أو مدارسه وله انتماءاته وله توصيفاته، لكنه يبقى دائما مسرحا ببعده الإنساني، وهو كيفما كان، قديما، كلاسيكيا، حديثا، ما بعد الحداثة، هاويا أو احترافيا، مدرسيا أو جامعيا، عربيا أو إسلاميا أو غربيا، يبقى هو المسرح في أي زمان أو مكان، صحيح يختلف حسب الزمان وحسب المكان وحسب النوع لكنه إلى يومنا هذا لم يخرج عن كونه مسرحا، و لم يتحول إلى شيء آخر”.
المسرحيات القصيرة
إبداع وتكريم في مختلف الأجناس الأدبية والفنية
يشير فردوس حول الحاجة اليوم إلى العرض المسرحي القصير جدا، والمؤثرات الحقيقية التي استدعت وجوده وتأثيره على مسار المسرح، قائلا “تعود جذور المسرحيات القصيرة إلى القرن الـ16 حيث ظهرت كفواصل تمثيلية، أو كمقاطع تأتي بين فصول مسرحية طويلة كما كان يقع في إسبانيا، واعتبر السكيتش الذي ظهر في الولايات المتحدة وانتقل إلى أوروبا نموذجا للدراما القصيرة، التي يقول عنها سريندبورغ إنها ‘مسرحية قصيرة جدًّا حيث يمكن عرضها في 15 دقيقة مثلا، إن المسرحية القصيرة انتقلت من مسرحية الفصل الواحد إلى المشهد الواحد‘ ويضيف ‘في إطار قانون الجمال الحديث، تلغى كل القوانين الممنوعة وتبقى الكلمة فيها لذوق وحاجات المسرح الحديث‘”.
أما الإنجليز فقد اعتمدوا المعيار الزمني وحددوا مدة 30 دقيقة في تعاملهم مع هذا الجنس الأدبي، في حين أن أريان منوشكين مؤسسة فرقة وتجربة مسرح الشمس بفرنسا وضعت كبسولات مسرحية لا يتعدى غلافها الزمني 5 دقائق، وحتى لا نتوه بين المفاهيم والمصطلحات فإن فردوس يتبنى إجرائيا تعريفا للمسرحية القصيرة وهو التعريف الذي اعتمده في مختبر “سوالف بصرية”.
المسرحية القصيرة كتابة درامية حول فكرة واحدة بحدث، وإن كانت هناك أحداث، فإنها تتنامى عرضيا وليس طوليا
ويقول “المسرحية القصيرة كتابة درامية تدور حول فكرة واحدة بحدث، وإن كانت هناك أحداث، فإنها تتنامى عرضيّا وليس طوليّا، كما هو الأمر في المسرحيات الأخرى، ويتوغل هذا الحدث في الأبعاد النفسية أكثر من التوغل في الزمان. وتتحقق وحدة الحدث بالتكثيف وليس بالإيجاز أو الاختصار، فهي ليست مسرحية طويلة يطلب منا إيجازها أو اختصارها، وإنما حدث نطرحه بتكثيف في الصياغة وفي عرض الأفكار والصور، المسرحية القصيرة عمل درامي شكلا ومضمونا تشح فيه الكلمات وتتوقف فيه الشخصيات عن الحياة مما يطرح على المؤلف الاشتغال على عنصر التشويق وهو مكون أساس في كتابة المسرحية القصيرة جعل البعض كالفرنسي أوجين سكريب يسميها ‘المسرحية ذات الحبكة‘”.
ويضيف فردوس “بسبب الأزمة التي عرفتها الكتابات الدرامية في الثمانينات من القرن الـ19 والتي طرحها الناقد الألماني بيتر زوندي في كتابه ‘نظرية الدراما الحديثة‘ وهو شكل جاء مرتبطا بحركة التجديد الذي انخرط فيها كتاب مسرحيون منهم الفرنسي جان جوليان والنرويجي أوغست ستريندبورغ الذي أكد أن ‘المسرحية القصيرة نموذج للمسرحية المستقبلية‘، ودعمه بيكيت بتأليف نصوص مسرحية قصيرة منها ‘دراما قصيرة‘ و‘ارتجالية اوهيو‘.
وأكد على ذلك تشيكوف بـ9 مسرحيات قصيرة وهو الذي كان يرى أن البعد التجريبي يتجلى في نقل القصة إلى مسرحية، وكان يسميه ‘الدراسة المسرحية’، وفي العالم العربي فلا يمكن أن نغفل كتابات سعدالله ونوس ‘حكاية جوقة التماثيل‘ ولا زكريا تامر أو محمد الماغوط”.