معرض تشكيلي يحيي حضور الخمرة في الشعرين العربي والفرنسي.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرض تشكيلي يحيي حضور الخمرة في الشعرين العربي والفرنسي.

    خالد الساعي يلاحق أصوات الشعر وألوان الشراب بحروف عربية في فرنسا


    معرض تشكيلي يحيي حضور الخمرة في الشعرين العربي والفرنسي.
    الأحد 2022/09/25
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    انتشاء يرقى بالروح إلى المطلق

    للحروف العربية طاقة تشكيلية خلاقة، وهذا ما استقطب الكثير من الفنانين العرب وحتى الغربيين لاقتحام الحروفيات التي تحقق الدهشة كلما عرضت لمشاهدين من خارج الثقافة العربية خاصة، وهذا ما نجحت فيه أعمال الفنان السوري خالد الساعي المعروضة في فرنسا، والتي تجمع العربية بالفرنسية وعوالم الخمر والنشوة بروحانيات الحروف.

    كمال البستاني

    افتتح في صالة نصف العالم في مدينة سومور (saumur) الواقعة في إقليم لالوار وسط فرنسا معرض الفنان التشكيلي والحروفي المشهور خالد الساعي. ويستمر المعرض حتى نهاية شهر سبتمبر الجاري. وحضر الافتتاح جمهور غفير ونوعي شارك فيه عمدة المدينة إضافة إلى مديرة الإقليم وعدد من الفنانين والذواقة والمهتمين من أبناء المدينة التي تشتهر باحتفائها بالفنون.

    مديرة الصالة ماريان شيفالييه (Marine Chevalier) اعتبرت المعرض وهو الأول من نوعه لفنان عربي في هذه الصالة العريقة، فرصة مهمة لزوار المدينة التي تعج بالسياح للتعرف على الفن الحروفي العربي في التشكيل، معتبرة أنه المعرض المحوري أو الرئيسي للصالة في هذا الموسم.

    ويضم المعرض 24 عملا فنيا، تتفاوت فيها المقاسات من المتوسط إلى الكبير، كما تتنوع فيها الخامات من الاشتغال على الورق إلى الاشتغال على القماش أو القماش الشفاف. وتمثل التقنيات التي اعتمدها الفنان في الأعمال حدثا لافتا من ناحية التنوع والجودة العالية. فقد اشتغل بالأصباغ الطبيعية والأحبار وألوان الإكرليك على الورق، كما اشتغل بتقنيات الكولاج الورقي والقماشي على حد سواء، مما أعطى مساحة كبيرة لاستعراض المواد.

    المعرض حاول فيه الفنان القبض على الهارب من الكلام المتمرئي الذي لا يني يرسل عبر العصور أشعة نشوة لا تفنى

    وكتبت عن المعرض العديد من الصحف الفرنسية وكذلك مواقع التواصل بشقيها الفرنسي والعربي. وقد استبق ذلك لقاء إذاعي مع الفنان في راديو مونتي كارلو أجرته الإعلامية المشهورة غابي لطيف.

    للإضاءة على لوحات المعرض ننشر هنا الكلمة المصاحبة للأعمال.

    إذ يذكر الساعي أنه في كتاب الشاعر الخليفة العباسي ابن المعتز (861 – 908 م) “فصول التماثيل وتباشير السرور” نقع على كل ما هو مدهش في ما يتعلق بالشراب وأوانيه وألوانه وأشكاله وأوصافه وآدابه ومجالسه، والنديم والسقاة والغناء واللهو والطرب، وأثر الشراب على النفس والجسد، والأجمل من ذلك هو تأويلات الشعراء فيه وما قاله المبدعون عن الشراب وحالاته، فللخمر روح تنتقل إلى شاربها فيصبح بروح مضاعفة؛ وقد يكون وجه الساقية أو قوامها باعثا على النشوة أكثر مما يفعلُ الشرابُ نفسه. وكذلك النديم لحضوره في جوار نديمه أثر مضاف باعث على الزهو.

    والكتاب المذكور يصور ما كان عليه من الرقي الروحي والثقافي حال عشاق النبيذ قبل أكثر من ألف سنة من اليوم. وما أكثر ما كُتب عن الشراب والخمر في الأدب العربي (والفرنسي بطبيعة الحال)، ففي الشعر والأدب العربيين هناك صدى هائل للشراب، وعُدّ بعض الشعراء كشعراء خمريين مثل الأعشى والأخطل وأبي نواس وأبي الهندي وعمر بن أبي ربيعة حتى لتكاد ثنائية الكأس والشعر متلازمة وملهمة للطرفين.

    ليس الانتشاء من الشراب وحده ما يُسكر. ولكن “أسمّي كل ما يسلب لبي خمرة إن كان حُسناً أو قراح الماء، أو بيت شعر“، (مظفر النوّاب). الخمر يطلق الشعر. ولكن يمكن للشعر أن يُسكِر أيضا ويفعل مفعول النبيذ.

    ومحمود درويش في رائعته “انتظرها” يشعل الحواس الخمس لتشترك في طقس النبيذ وتتداخل أدوارها، وتنفتح على بعضها البعض، فالعين تشرب أيضا، والأذن تسكر وتعشق، واليد تدوخ، حواس مُطلقةٌ على بعضها البعض ولكن الشراب لا يْسكِر في نظر البعض إنه يضاعف الصّحو، ومن أسمائه العربية القديمة “قهوة“، فلما ينقضي الصحو ينبغي مقاضاة وصل الشراب. ومازال الشعر والشراب حالتين من الإبداع تغذيان وتلهمان الشعراء منذ العصور المبكرة للأدب، قبل الإسلام “اليوم خمر وغداً أمر” (امرؤ القيس) وإلى يومنا هذا.

    المتصوفة، بدورهم، ذهبوا بعيدا في توصيف الخمر حتى أن بعضهم كتب قصائد طوالا عن الخمر. وبعض القصائد سميت بالخمرية. فأخذوا الخمر والشراب إلى آفاق أخرى، فالخمرة الإلهية هي خمرة الحب والكلمة.


    روحانيات الحروف في أبهى حلة


    وهي حالة من الارتقاء بهذا المفهوم وإعطائه أبعادا جديدة. فالشراب يرتقي بالمرء درجات في حالة روحية عليا يفقد الجسد معها وزنه، ويُحَلّق مع الروح (الحب، الكلمة، الخمرة) ويسبح في ملكوت التخيلات وجنّة الأفكار. “شربت الحب” (البسطامي)، “سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرم”. لكن في الخمر معنى ليس في العنب، وخمرة ابن الفارض نور يضيء الروح والعقل، ولكم ارتبطت الخمرة بالطقوس المقدسة حتى أصبحت الكأس هي نفسها مقدسة، فالكأس التي تشغل الروح وترتقي بالخيال تصبح مسرح تخيلات، فهي البدر والشمس والقمر والهلال والنجم.

    ”لو كنتُ أعرف أن الكأس تكون هكذا سابقة كلّ موعدٍ/ هل كنتُ بكّرت لأرعى في الهالة قامة النار“، (نوري الجراح)، فالكأس فاتحة المواعيد وقرينة الحب والمحبوب، والمركب النشوان هو المركب القادر على حمل الإنسان برحلة الكشف والمتعة، فيها تصبح كل موجودات الوجود وكذا الطبيعة في حالة سكر وانتشاء. فالخمر، هذا، حبيس الزجاج هو شعر يفيض نورا وشغفا ما أن يتجرعه المتلهفون للشراب، فالخمر روح والكأس جسد.

    أعود لابن المعتز الذي يُشَبّه الشاربين في الحانة بالحروف، فكل مستوى من الانتشاء بالنبيذ يشبه حرفا، لكن السّقاة هم أبدا مثل حرف الألف.

    “وكأن السقاة بين الندامى ألفاتٌ على السطور قيام”.

    الخمر/النبيذ: هو حِبر الحب يطوف في العروق والشرايين على شكل كلمات من النشوة والخيال، بحروف لانهائية، لا تني تتشكل، وتعيد تشكيل نفسها في كل لحظة لتمازج الدمَ والنَّبضَ.

    ويضيف الفنان الساعي “في هذا المعرض حاولت القبض على الهارب من هذا الكلام المتمرئي في تبدلات لانهائية، وثراء لا يني يرسل عبر العصور أشعة نشوة لا تفنى”.

    * ينشر المقال بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية اللندنية

    شيء عن الفنان



    خالد الساعي فنان تشكيلي وحروفي، درس الفن في جامعة دمشق والخط في إسطنبول.أقام أكثر من ثلاثين معرضا فرديا وعددا كبيرا من المشاركات بالمتاحف والملتقيات والصالات، منها في المتحف الوطني بدمشق، متحف الفن بون في ألمانيا، متحف جواتي روخو في المكسيك، البيت العربي في مدريد، كوزومز وورد في بلجيكا، المجلس جاليري في دبي، بينالي روما، صالة غاتينو في كندا، صالة بيج بوند في فرجينيا بالولايات المتحدة، جويت آرت جاليري ويلسلي في بوسطن والكثير من المشاركات في العالم .

    قام بتدريس الفن والخط في عدد من المؤسسات والجامعات مثل جامعة ميشيجان، ويلسلي كوليج، جامعة ييل، المؤسسة العربية الأوروبية في غرناطة، وأصيلة في المغرب وغيرها.

    أعماله مقتناة في عدد من المتاحف والمؤسسات والبنوك والمجموعات الخاصة مثل: المتحف البريطاني في لندن، متحف البرغامون في برلين، البيت العربي في مدريد، متحف بويبلا في المكسيك، مؤسسة أصيلة في المغرب، قطر فاونديشن، متحف الشارقة للخط، دويشة بنك، بنك المشرق، بنك قطر الأول، قاعة روز رويز في لندن ودبي. والكثير منها ومن المجموعات الخاصة في مختلف أنحاء العالم.

    حاز على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى لبنك البركة بإسطنبول، الجائزة الأولى في بينالي الشارقة لمرتين. والجائزة الأولى الحروفية في مهرجان الجزائر للخط الدورة الثانية، والجائزة الأولى لخط الديواني الجلي في المسابقة الدولية لفن الخط في إسطنبول Ircica. يعيش ويعمل ما بين الإمارات وفرنسا والولايات المتحدة.
    PreviousNext
    انشرWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X