التشكيلي عبدالحميد فياض ينحاز إلى التجريد في التأليف الفني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التشكيلي عبدالحميد فياض ينحاز إلى التجريد في التأليف الفني

    التشكيلي عبدالحميد فياض ينحاز إلى التجريد في التأليف الفني


    فنان يرسم الواقع مع ربطه بأفكاره الباطنية وعالم الغيبيات.
    الأربعاء 2022/08/17
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    صورة فوتوغرافية لعالم قذر ومتواطئ

    يقدم الفنان السوري عبدالحميد فياض أعمالا تشكيلية قليلة، لكنها متشابهة أحيانا ومختلفة أحيانا أخرى، تسعى لتصوير الواقع بكثير من التجرد، وبانغماس كبير في المآسي المشتركة وخاصة تلك التي تجمع أهالي منطقته.

    عندما يعتاد أي كاتب أن يتابع أعمال فنان تشكيلي سبق أن كتب عنه يجد ذاته يبحث في كل مرة يكشف فيها الفنان عن لوحة جديدة، علامة تدل على تبدل النظرة أو اختلاف في حدة التعبير نحو موضوع دون آخر أو انغماس للفنان في ما قدم سابقا، ولكن في صيغ تأليفية متباينة لا تثير الملل في نفس المُتلقي، لاسيما إن كانت أعمالا ذات أهمية، ولكن تدفعه إلى الاسترسال بسرد الفنان البصري بمتعة وسهولة مُحببة كما يكون الانطلاق على قارب صغير على سطح ماء يعرفه ولم يمل الإبحار عليه.

    ثمة رحلات مختلفة يكشف الفنان في إحدى محطاتها عن تبدل أو تطور شعوري أو لا شعوري ملحوظ، وهناك فنانون يشيرون إلى تجربة بصرية أو وجودية كانت كفيلة من ناحية بكشف كيف أن نظرة الفنان إلى الواقع هي نظرة استثنائية تؤلف المعنى أو تعمّق من دلالاته، ومن ناحية ثانية كيف أن التجارب البصرية التي تعرضوا لها ساهمت في دفع أعمالهم إلى مواضع قد لا تكون جديدة تماما، ولكن لم تكن هي محور العمل الفني.

    الفنان قدم لوحات عبر من خلالها عن المآسي التي تعرض لها الإنسان السوري، بداية بأهل محافظة الرقة

    هذا هو حال الفنان التشكيلي السوري عبدالحميد فياض الذي نشر منذ عدة أشهر على صفحة الفيسبوك الخاصة به صورة فوتوغرافية ثم تلتها صورة أخرى بعد عدة أسابيع. لا ندري تماما إذا تدخل في تركيب عدد من جوانبها عبر تقنية المونتاج ولكن على الأرجح لم يقم بذلك، مما يساهم في جعلنا نتأمل كيف أن الواقع حينما يصير في ذهن وعين الفنان يكتسب حضورا متحورا ومعاني إضافية وإشارات خارجة تماما عما قدمه المشهد المباشر ومرتبطة بعالم الأفكار وربما بالغيبيات أيضا.

    وقبل الشروع في الدخول إلى تفاصيل تلك الصورتين وأهميتهما في فهم وتشكيل التطور الفني الملحوظ في أعمال فياض الفنية الأخيرة، يجدر ذكر وباقتضاب شديد أهم ما قدمه الفنان سابقا ولا يخرج عن منطق عمله اليوم، ولكن يدفعه إلى محاور جديدة. ونقصد بما قدمه الفنان سابقا لوحات حضر فيها اللون الأخضر الذي وظفه ليكون أكثر من حالة ظاهرية تلوينية وأشبه بمادة محسوسة أولى كـ”الطين” أخضر ورطب.

    كما قدم الفنان لوحات عبّر من خلالها عن المآسي التي تعرّض لها الإنسان السوري، بداية بأهل محافظة الرقة. كما بدأت شيئا فشيئا تظهر الكتل العضلية، ولكن المُسطَحة في أجساد شخوصه المرسومة التي شبعها بألوان صارخة. فاكتنزت زخما ضاعفت من حدّته التدرجات اللونية للظلال وتحوّلت شخوصه إلى كائنات شبه أسطورية وليس بالضرورة كائنات “خيّرة” دائما، ثم برزت الوحوش الإنسانية لهول ما رأت وتعرّضت له. ولكن أيضا لهول ما أجرمت في حق الآخر.

    وفي العودة إلى الصورتين اللتين نشرهما الفنان، نذكر الأولى التي ظهر فيها فتى مُرهق الملامح يستلقي على سرير رث ربما في أحد الشوارع السورية ووراءه حائط “ملوّث” بألوان تكاد تفوح منها رائحة العفن. أما الثانية فتظهر على خلفية سوداء توحي بفراغ عميق يذكر بصور “الناسا”، أو هو أسود “فنائيّ” الملامح، إذ صح التعبير “سعى” كالأفعى على مجموعة من الأوراق والكتب والمخطوطات ممزقة ومحروقة الأطراف لـ”يعدمها”.


    صورة فوتوغرافية لعالم قذر ومتواطئ


    عندما يرى المُشاهد كلا الصورتين يخيّل لأكثر من عدة دقائق أنها لوحات تشكيلية وليست صورا. وقد توقع الفنان ذلك عندما علق على الصورة الأولى “هذه ليست لوحة”. وعلق على الثانية أيضا بالقول “هذه ليست لوحة. إنها حياتنا المركبة وغير المستقرة”، إلى جانب غرائبية تلك الصور بسبب من ناحية التباسها مع الواقع، ومن ناحية ثانية بسبب ما تشير إليه من آلام صامتة وحيرة فهي تكشف عن مرجعيته التي اعتمد عليها في تأليف ربما جميع لوحاته، تلك المُغرقة في التجريدية التعبيرية والأخرى التشكيلية التعبيرية أو الرمزية. المرجعية هي الواقع الفج الذي باستطاعة الفنان حتى وهو ذاهب ليشتري خضروات أن “يرى” الاستثنائي في العادي والرمزي في الوضوح التام. وذات الكلام ينطبق إن هو رأى صورة مهملة في درج عتيق.

    ويلاحظ متابع الفنان أن بعد تلك الصور وفي الفترة الزمنية الفاصلة بين مدة نشرهما انحاز الفنان من جديد إلى التجريد وقدم لوحات تحمل عناوين لافتة نذكر منها “شيئا ما سيحدث” و”سيأتونك من كل فجّ عميق” و”الآن 2022 لأنهم سلبوا كل شيء جميل وملون من الواقع وبتنا نرسم الألوان من الذاكرة” و”بعض من الحب” و”الآن شرق الأهوار” وغيرها من اللوحات.

    وينظر المُشاهد إلى هذه اللوحات وكأنه أول مرة يرى فيها لوحات تجريدية، ولكن “واقعية” تحيلنا إلى الصورتين اللتين رأيناهما على صفحته. إنها لوحات تقول “أنا التجريد. وأنا أقصى درجات الواقع الذي امتد ليطال كل بقعة تصل إليها عينك. لا مفر مني لأنني الاختناق”.

    تجدر الإشارة إلى أن الفنان عبدالحميد فياض ولد في مدينة الرقة سنة 1953، ثم تخرَّج في كلية الفنون الجميلة في دمشق. عضو مؤسس لتجمع فناني “الرقة”، وعضو اتحاد التشكيليين في سوريا، واتحاد التشكيليين العرب، رئيس فرع “الرقة” لاتحاد التشكيليين منذ منتصف الثمانينات. وهو عضو لجنة الحفاظ على التراث الهندسي في “الرقة” وعضو لجنة جائزة الإبداع فيها.

    وشارك في عد كبير من المعارض الجماعية في سوريا وخارجها. له العديد من المعارض الفردية والثنائية. وهو من الفنانين القلائل الذين ساهموا بتأسيس الحركة التشكيلية في الرقة.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
يعمل...
X