علي ماهر.. الموسيقار الذي أغنى رصيد الأغنيتين الليبية والعربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي ماهر.. الموسيقار الذي أغنى رصيد الأغنيتين الليبية والعربية

    علي ماهر.. الموسيقار الذي أغنى رصيد الأغنيتين الليبية والعربية


    ملحّن عرّف نغمات بلاده بأصوات نجوم الفن العربي.
    الثلاثاء 2022/07/05
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    علي ماهر واحد من سفراء الفن الليبي

    منذ ستينات القرن الماضي لمعت موهبة الفنان الليبي علي ماهر في سماء الفن العربي، ليكون ملحنا ومكتشفا للمواهب، وأحد سفراء الموسيقى والنغمات الليبية في القطر العربي، وترك برحيله العديد من المصنفات الفنية وإرثا موسيقيا سيخلّد اسمه داخل وطنه وخارجه لعقود أخرى.

    لا يمكن الحديث عن الفن الليبي دون التوقف طويلا عند اسم علي ماهر، أحد الأضلاع الأربعة الأبرز لمسيرة الغناء والموسيقى في هذا البلد خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى جانب الراحلين كاظم نديم وحسن العريبي ومحمد حسن، والذي استطاع أن ينحت خصوصيات تجربته على جدار الانتماء الثقافي والحضاري إلى وطنه في سياق عربي شامل متجاوزا بذلك الإطار المحلّي إلى الامتداد الأوسع من خلال أعماله التي تغنى بها عدد كبير من أساطين الطرب.

    وعندما كانت طرابلس تودعه الأسبوع الماضي إلى مثواه الأخير، بعد الإعلان عن وفاته في إحدى مصحات تونس، كان صدى ألحانه الوطنية والعاطفية والاجتماعية يتردد على ألسنة الليبيين ممن تابعوا مسيرته الموسيقية التي دشنها في أواخر الستينات من القرن الماضي، وقدم من خلالها المئات من الأعمال الفنية بأصوات ليبية وعربية. وقد كرّس من خلالها تجربته الخاصة كمدرسة متفردة لا يدانيه فيها أحد، لاسيما من خلال التحليق في فضاءات أرحب أعطته صفة المبدع العربي الكبير بهوية تتجاوز السياق المحلي.
    تجربة ثرية



    علي ماهر قدّم علامات فارقة في تاريخ الأغنية الليبية ولا تزال أعماله إلى حد اليوم عنوانا لثراء تجربته


    ولد علي ماهر في العاصمة طرابلس عام 1945، وهناك استنشق عبير الفن والياسمين وعانق أمواج البحر وخضرة البساتين، وكان يتابع الأعمال الفنية المحلية بروحها الأصيلة ويلاحق التسجيلات الطربية القادمة من مصر وخاصة لأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وإسمهان وصالح عبدالحي وغيرهم، بالإضافة إلى تعلقه بالشعر العربي والرسم والتمثيل وانتمائه إلى النشاط الكشفي برعاية المرحوم علي خليفة الزائدي، وهو ما ربّى لديه ذائقة فنية ساعدت على تشكيل ملامح شخصيته، وكذلك على نجاحه الدراسي حيث حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة المدينة القديمة ثم على شهادة الثانوية العامة في طرابلس، ومنها انتقل إلى بنغازي ليلتحق بجامعتها وفي نفس الوقت ليصقل موهبته في الموسيقى من خلال الدروس المسائية على يد الأستاذ خليل بكري.

    تخرج علي ماهر من كلية الاقتصاد والتجارة عام 1965، وبعودته إلى طرابلس التحق عام 1966 بمصرف ليبيا المركزي، ثم طالب بنقله إلى الإذاعة الليبية التي عينته بقسم المالية، وهناك وجد مجالا واسعا للتواصل مع الفنانين من ملحنين وشعراء ومطربين ومطربات وعازفين إلى جانب الإعلاميين ومعدي ومقدمي البرامج، في ظل حالة من النهضة الشاملة عرفتها البلاد في آخر أعوام نظامها الملكي، وقد ساعده ذلك المناخ العام على التوجّه سنة 1967 إلى قسم الموسيقى بعد قبول انتسابه إليه كعازف وملحّن ليقدم من هناك أول ألحانه وهو “طوّالي” الذي غناه الفنان النجم آنذاك خالد سعيد عن كلمات للشاعر الغنائي مسعود القبلاوي في صياغة تتمحور حول قضية الهجرة والحنين إلى الأوطان، وقد حظيت الأغنية بانتشار واسع في ليبيا وتونس وأصبحت تذاع يوميا في المحطات الإذاعية.

    ثم جاء العمل الثاني وهو قصيد “بلد الطيوب” لشاعر الشباب علي صدقي عبدالقادر، والذي أداه المطرب محمود كريم ولا يزال إلى اليوم يتردد على ألسنة الليبيين كعمل فني جامع يتغنى بالوطن وينابيع السحر والجمال فيه، تلاه عمل آخر وهو أوبريت “هند ومنصور” عام 1971 ومن تأليف وإخراج الروائي أحمد إبراهيم الفقيه، وبعد ذلك سافر علي ماهر إلى القاهرة لدراسة الموسيقى والمسرح ونال بكالوريوس التخصص وكذلك دبلوم دراسات عليا وعاد عام 1977 على أمل أن يتخصص في المسرح الغنائي، لكن ذلك لم يتحقق.
    موسيقى مبسّطة


    كانت للفنان علي ماهر تجارب في الغناء خلال عقد السبعينات ولكنها لم تستمر، حيث رأى أن الأفضل بالنسبة إليه أن يتخصص في التلحين سواء للأصوات الليبية أو للأصوات العربية التي تغنت بموسيقاه، ومنها فائزة أحمد في أغنية “يلّا معانا” وعليّة التونسية في “لا القلب قلبي لا الحبيب حبيبي”، وقد اتسعت القائمة لاحقا من خلال التعامل مع الفنان الكبير وديع الصافي في أغنية “الوطن” والفنانة سعاد محمد في نشيد “المعتصم بالله” وقصيدة “قد كفاني” وفهد بلان في أغنية “تكرام”.


    الملحّن الليبي تميّز من خلال تجاربه مع الأصوات العربية بقدرته على تبسيط المفردات الموسيقية المحلية


    ولحّن الموسيقي الليبي للمطربة السورية ميادة الحناوي أغنية “إيش قيمتك يا حب”، وهي من كلمات مسعود القبلاوي، وقصيدة “غنيت لك ولك أغني” للشاعر نوري الحميدي. ولحن للفنانة أصالة نصري عددا من الأغاني من بينها “شط الحنان” و”شمعة وحيدة”، بالإضافة إلى أصوات أخرى من بينها لطفي بوشناق من تونس، ومن المغرب نعيمة سميح وعبدالهادي بالخياط الذي غنى له عدة ألحان منها “ارحميني” و”غني لي الليلة” و”شارد في الليل” و”يوم التحرير” و”لا تقتليه”، وغيرها الكثير من القصائد التي كتبها العقيد معمر القذافي بنفسه وكانت تنتج في إطار “المنوعات المختارة”.

    وقد تميّز علي ماهر من خلال تجاربه مع الأصوات العربية بقدرته على تبسيط المفردات الموسيقية المحلية وتوسيع مجالات التحرك من داخلها لتكون في متناول المستمع العربي حيثما كان، ولكن دون أن تفقد ألحانه بصمتها الليبية الطرابلسية، وبذلك نجح في تشكيل خصوصيات مدرسته الفنية التي يشهد لها القاصي والداني بالأهمية، بينما كانت بعض السهام تتجه إليه بسبب تجاوزه وتحديه لما كان سائدا من هيمنة الغناء البدوي في صورته الضيقة ضمن سياقات المرحلة السياسية وخياراتها الثقافية.

    وقد دخل الفنان في جملة من التحديات، ومنها التحدي المتعلق بالرد على نعته بالملحن “المتمشرق” والعاجز عن مجاراة اللون الليبي، ليقدم جملة من الألحان التي انتشرت بسرعة ولا تزال تمثل إضافة راقية إلى خزينة الأغاني الليبية، متعاملا في ذلك مع عدد من الأصوات البارزة من بينها خالد سعيد ومحمد رشيد في أغنية “شيله يا تيار”، ومحمد السليني في أغاني “أم الضفائر” و”أجاويد” و”نكرتي” وقصيدة “إن أسعدتني” وغيرها، والفنان فتحي أحمد في أغنية “قولولها” و”لومي علي”، والفنان مراد إسكندر في أغنيته الشهيرة “ودي نقي”، والفنان مصطفى طالب في أغنيتي “ننسى” و”البيعة”، بالإضافة الى الفنان خالد الزواوي وعلي الشول والفنان راسم فخري في النشيد الشهير “عالي صوت الحق ينادي”. كما قدم مع المطرب محمود كريم عددا من الأغاني بعد “بلد الطيوب” من بينها “تعيشي يا بلدي”، من كلمات الشاعر أحمد الحريري، وقصيدة “قناعك”، وهي من كلمات الشاعر محمد الطاهر شقليلة.

    وقدم علي ماهر علامات فارقة في تاريخ الأغنية الليبية، ولا تزال أعماله إلى حد اليوم عنوانا لثراء تجربته التي جعلت منه أحد أهم رواد الموسيقى الليبية والعربية. لكن ذلك لم يشفع له خلال السنوات الماضية، حيث واجه بعد 2011 الكثير من التجاهل والإهمال والتنكر لدوره ورصيده، مثله مثل الكثير من الفنانين والمبدعين الذين مروا بظروف مادية ومعنوية صعبة، ولم يجدوا مجالا لتقديم أعمالهم الجديدة، ولم يحظوا بالتقدير الذي يستحقونه، ليتوفى أغلبهم في مصحات دول الجوار.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    الحبيب الأسود
    كاتب تونسي
يعمل...
X