تويت
ذكرى كوكب الشرق: صوتها جمع بين القوة والإحساس
خطيب بدلة 2 فبراير 2023
استعادات
أم كلثوم على مسرح الأولمبيا بباريس (14/11/1967 ,Getty Images)
شارك هذا المقال
حجم الخط
أم كلثوم، فاطمة إبراهيم سيد البلتاجي، من مواليد آخر يوم من سنة 1898، وقد توفيت يوم 3 شباط/ فبراير 1975، أي قبل ثماني وأربعين سنة. لها تمثال في مدينة "المنصورة"، ضمن ساحة تحمل اسمها، ولها متحف أنشأته وزارة الثقافة المصرية في منطقة "الروضة" في القاهرة، بالقرب من شاطئ النيل، سنة 2001، ولها، في مدخل المتحف، تمثال رائع أبدعه الفنان آدم حنين.
هذا، في الحقيقة، أمر مُفرح يُسَجَّل للقوة الناعمة التي ما تزال الدولة المصرية تمتلكها، فإقامة تمثال لامرأة، وإحداث متحف باسمها، أمران نادران على مستوى العالم كله، وأما في العالم العربي فهما أقرب إلى الاستحالة... ولست أدري لماذا لا تُحدث الأمم المتحدة، مثلًا، جائزة كبيرة، تُمنح لشخصيات نسائية عالمية من طراز أم كلثوم، أو فيروز، أو أن تحدث جائزة عربية للفن الغنائي باسم أم كلثوم نفسها؟
موجز السيرة الأولى
يكثر، في الصحافة الفنية، منذ ثلاثينيات القرن العشرين، استخدامُ المانشيت الذي يعبر بدقة عن تطور شخصية أم كلثوم الفنية: (مِن فَلّاحة فقيرة إلى كوكب الشرق)، أو: أم كلثوم الفلاحة الصغيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس... إلخ.
حكى كثيرون عن نشأة أم كلثوم، وتطورها، وغنائها في الموالد، ثم انتقالها إلى القاهرة، واستمرارها في الإبداع مدة ستين سنة من الزمان، وأكثر... ولعل المسلسل الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن، وأخرجته إنعام محمد علي (من إنتاج التلفزيون المصري، 1999)، هو الأقدر على الإجابة عن كل الأسئلة التي تتعلق بتفاصيل حياتها، وأبرزها، في نظري، أنها قررت، فور وصولها إلى القاهرة، تغيير زي الصبي الذي كانت ترتديه، وفوقه العقال القروي، إلى زي امرأة مدنية، ترتدي من الملابس أجملها، وأغلاها، ولكن دون تبرج.
عن النجاح الساحق الذي حققته أم كلثوم بعد انتقالها إلى القاهرة، ثمة ملاحظة معبرة سجلها الباحث د. سعد الله آغا القلعة، في معرض حديثه عن محمد القصبجي، إذ قال:
- عندما أذكر محمد القصبجي، يقفز إلى ذهني المونولوج الذي لحنه لأم كلثوم سنة 1928، "إن كنت أسامح وأنسى الأسية"، الذي حقق أكبر عدد من الأسطوانات المباعة خلال العقود الأولى من القرن العشرين.
وأضيف: إذا كان لأي باحث، أو دارس، أو ذواق، أن يعدد خمس أغنيات خالدة لأم كلثوم، فلا بد أن يضع بينها رائعة محمد القصبجي رق الحبيب - شعر أحمد رامي 1944.
أبرز ملامح شخصية أم كلثوم
لا يمكن أن تقرأ سيرة مطرب، أو عازف، أو ملحن مصري كبير، ولا تجد فيها أنه كان يتطلع إلى مقام السيدة أم كلثوم برهبة، أو بتحفظ، أو يطمح لأن يلحن لها أغنية، أو قصيدة، وعندما تتابع المقابلات الصحافية أو التلفزيونية المسجلة مع غالبية هؤلاء المبدعين، لا بد أن تعثر على حكاية أو أكثر، عن موقف جَمَعَ هذا المبدع بأم كلثوم شخصيًا، أو بواسطة شخص آخر، "كوبري" يؤدي إلى السيدة أم كلثوم.
مثلًا؛ يروي بليغ حمدي، في مقابلة تلفزيونية، أنه كان قد لحن القسم الأول من "حب إيه"، وكان محمد فوزي وأنور منسي على علم باللحن، فلما دُعي إلى سهرة فيها أم كلثوم، لم يكن يعرف ما الحكاية، وإذا بفوزي ومنسي يطلبان منه أن يغني. دهش الشاب بليغ، وقال:
- إيه ده؟ أنا أغني وأم كلثوم موجودة؟
ولكن أنور منسي بدأ بعزف مقدمة "حب إيه"، ففهم بليغ أن "الست" عندها فكرة. فغنى، وطلبت منه أن يجلس قربها، وأن يعيد، فأعاد. وفي اليوم الثاني طلبته إلى بيتها، وقالت له:
- الكلمات لمين؟
قال بليغ: لواحد صديقي اسمه عبد الوهاب محمد.
وكان لقاء مع عبد الوهاب محمد، واستكملت الأغنية تأليفًا وتلحينًا وغنتها أم كلثوم، وحققت نجاحًا استثنائيًا.
السؤال الملح، الذي يفرض نفسه هنا: لماذا، وكيف، وما هي العوامل التي أدت إلى امتلاك تلك الفلاحة الصعيدية كلَّ تلك الأهمية؟
الصوت
نبدأ بالصوت، فلعله يكون المفتاح الأول، والأهم، لفهم أسرار نجاحها، وأعتقد أن رأي موسيقار كبير، من حجم محمد عبد الوهاب، بصوت أم كلثوم، يمكن أن يُغنينا عن كثير من الآراء.
يقول عبد الوهاب، حرفيًا: كل صوت في الدنيا له مساحات، وله مناطق: منطقة واطية، يسمونها القرار، وهناك منطقة عالية، يسمونها الجواب... ثم إن كل مطرب له منطقتان، يبقى صوتُه فيهما حلوًا، ويبقى مقتدرًا فيهما... وأما أم كلثوم فكانت تتميز بأن كل المناطق التي في صوتها واحدة من حيث اقتدارها، ومن حيث سلطتُها الكاملة على المناطق المنخفضة، والمتوسطة، والعالية، هذه الموهبة لم يخلقها الله لغير أم كلثوم، وهي تؤدي أغنيتَها بطريقة تجبرك على الاحترام، وهناك ناحية أخرى، أن صوتها يجمع بين القوة والإحساس، وهذا أمر نادر أيضًا.
محمد عبد الوهاب، هو الآخر، كان شخصية مركزية، لديه جاذبية (تحكيمية) كبيرة، بمعنى أنه كان باستطاعة أي موسيقار كبير، أو مطرب كبير، أن يتصل به، ويسأله: إيه رأيك يا أستاذ في اللحن الفلاني، أو الغنوة الفلانية؟ ليس هذا وحسب، بل إنه كان يراقب إبداعات الآخرين، ويحاول الاستفادة منها، وهناك حادثة يرويها محمد سلطان، عن أغنية "خليكو شاهدين" التي غنتها فايزة أحمد من ألحانه- 1965، أن محمد عبد الوهاب الذي ينام (بدري)، بقي ساهرًا ليلتئذ حتى الساعة الثانية، واتصل بمحمد سلطان وفايزة بعد انتهاء الحفلة، وهنأهما بالنجاح الذي حققاه.
ومما يرويه محمد عبد الوهاب، في إحدى مقابلاته، أن أم كلثوم كان تتصل به، وتحكي له بعض همومها، وتسأله في كل شيء، حتى إنه يعرف، مثلًا، أنها كانت مولعة بتناول بيض الدجاج المسلوق، ولكنها تمتنع عن أكله قبل الحفلة بأسبوع، لأنه يسبب لها حساسية تنعكس سلبيًا على صوتها، وفي وقت متأخر من ليل الحفلة، عند الصباح تقريبًا، يتصل بها، ويهنئها على نجاح الحفلة، ومن جملة ما تقول له إنها لم تنم قبل أن تتناول طعامها المفضل، البيض.
بليغ حمدي
يروي الموسيقار بليغ حمدي حكاية عن التحضيرات لأغنية ألف ليلة وليلة، أنه عَرَضَ على أم كلثوم فكرة اختصار المقدمة الموسيقية، لأنها طويلة جدًا، فرفضت فكرة الاختصار، وأوضحت له أن طول المقدمة يمكن أن يعطيها فرصة لالتقاط أنفاسها قبل مواجهة الجمهور، ففي كل مرة، قبل البدء بالغناء، تتصادم ساقاها المرتجفتان ببعضهما، ويداها تصبحان باردتين كالثلج، وقالت له:
- سيب المقدمة زي ما هيَّ، سيبها يا ابني، ما تختصرهاش.
محمد الموجي
في أول بروفة للفرقة الموسيقية لأغنية "اسأل روحك" (إنتاج 1970)، لم يصل صوت أم كلثوم، وهي في سن الـ 72 سنة، في الكوبليه الأخير، إلى الطبقات التي كان يصل إليها من قبل.
يقول الموجي في مقابلة معه: عبد الوهاب أنقذني. لما عرف المأزق اللي أنا فيه اتصل، وقال لي: انزل بالطبقة طون ونص.
قلت له: لما ننزل طون ونص حَ تبقى الآلات مهلهلة.
قال لي: بِدَاهية!
التزمت بنصيحته، وبعد تقديم الأغنية في حفلة أم كلثوم اتصل بي وقال لي:
- غنينا كويس، مش كده؟
حلمي بكر
بعدما تم الصلح بين رياض السنباطي وأم كلثوم، قال لها رياض: يا أم كلثوم، في ملحن اسمه حلمي بكر، إبقي هاتيه. قالت له: غريبة. انت تاني واحد بيقول لي عليه. الأول كان كمال الطويل.
وذات مرة كان حلمي بكر جالسًا مع صديقه عبد الوهاب محمد، الذي اتصل بأم كلثوم، وأعطاه السماعة ليتكلم معها، فلما عرف حلمي أن المتكلمة أم كلثوم صار يقول، من شدة الرهبة: آ آ آ..
وأعاد السماعة لعبد الوهاب، فقالت له الست:
- خايفة تكون ألحانو زي أخلاقو!
وخلاصة القصة، أنه التقاها، وشجعته على تقديم لحن، وفي اتصال هاتفي أسمعها لحن (معندكش فكرة)، فأعجبها، وكان المقرر أن تقدمها بعد العودة من رحلة العلاج، ولكنها عادت ميتة. (بعد سنة قُدم اللحن بصوت وردة الجزائرية).
مرسي جميل عزيز
وعلى الرغم من اعتداد أم كلثوم بنفسها، باعتبار أن المبدعين يأتون إليها، فقد اتصلت بمرسي جميل عزيز، وطلبت منه أن يكتب لها، فأبى، وتمنع، حتى إنها مازحته بقولها: أنت واحد معقد. كل الشعراء بيتمنوا أنا أغني من أشعارهم، أما أنت فترفض.
وكانت النتيجة أن غنت من كلماته حب إيه، وفات الميعاد، وألف ليلة وليلة.
أخيرًا
من الأمور التي تبهج القلب أن أم كلثوم حققت، قبل أيام، المركزَ رقم 61، ضمن التصنيف العالمي الذي نشرته مجلة "رولينغ ستون" الأميركية لأعظم مائتي مُغَنٍّ حول العالم.
استعادات
أم كلثوم على مسرح الأولمبيا بباريس (14/11/1967 ,Getty Images)
شارك هذا المقال
حجم الخط
أم كلثوم، فاطمة إبراهيم سيد البلتاجي، من مواليد آخر يوم من سنة 1898، وقد توفيت يوم 3 شباط/ فبراير 1975، أي قبل ثماني وأربعين سنة. لها تمثال في مدينة "المنصورة"، ضمن ساحة تحمل اسمها، ولها متحف أنشأته وزارة الثقافة المصرية في منطقة "الروضة" في القاهرة، بالقرب من شاطئ النيل، سنة 2001، ولها، في مدخل المتحف، تمثال رائع أبدعه الفنان آدم حنين.
هذا، في الحقيقة، أمر مُفرح يُسَجَّل للقوة الناعمة التي ما تزال الدولة المصرية تمتلكها، فإقامة تمثال لامرأة، وإحداث متحف باسمها، أمران نادران على مستوى العالم كله، وأما في العالم العربي فهما أقرب إلى الاستحالة... ولست أدري لماذا لا تُحدث الأمم المتحدة، مثلًا، جائزة كبيرة، تُمنح لشخصيات نسائية عالمية من طراز أم كلثوم، أو فيروز، أو أن تحدث جائزة عربية للفن الغنائي باسم أم كلثوم نفسها؟
موجز السيرة الأولى
يكثر، في الصحافة الفنية، منذ ثلاثينيات القرن العشرين، استخدامُ المانشيت الذي يعبر بدقة عن تطور شخصية أم كلثوم الفنية: (مِن فَلّاحة فقيرة إلى كوكب الشرق)، أو: أم كلثوم الفلاحة الصغيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس... إلخ.
حكى كثيرون عن نشأة أم كلثوم، وتطورها، وغنائها في الموالد، ثم انتقالها إلى القاهرة، واستمرارها في الإبداع مدة ستين سنة من الزمان، وأكثر... ولعل المسلسل الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن، وأخرجته إنعام محمد علي (من إنتاج التلفزيون المصري، 1999)، هو الأقدر على الإجابة عن كل الأسئلة التي تتعلق بتفاصيل حياتها، وأبرزها، في نظري، أنها قررت، فور وصولها إلى القاهرة، تغيير زي الصبي الذي كانت ترتديه، وفوقه العقال القروي، إلى زي امرأة مدنية، ترتدي من الملابس أجملها، وأغلاها، ولكن دون تبرج.
| "عبد الوهاب: أم كلثوم كانت تتميز بأن كل المناطق التي في صوتها واحدة من حيث اقتدارها، ومن حيث سلطتُها الكاملة على المناطق المنخفضة، والمتوسطة، والعالية، هذه الموهبة لم يخلقها الله لغيرها" |
- عندما أذكر محمد القصبجي، يقفز إلى ذهني المونولوج الذي لحنه لأم كلثوم سنة 1928، "إن كنت أسامح وأنسى الأسية"، الذي حقق أكبر عدد من الأسطوانات المباعة خلال العقود الأولى من القرن العشرين.
وأضيف: إذا كان لأي باحث، أو دارس، أو ذواق، أن يعدد خمس أغنيات خالدة لأم كلثوم، فلا بد أن يضع بينها رائعة محمد القصبجي رق الحبيب - شعر أحمد رامي 1944.
أبرز ملامح شخصية أم كلثوم
لا يمكن أن تقرأ سيرة مطرب، أو عازف، أو ملحن مصري كبير، ولا تجد فيها أنه كان يتطلع إلى مقام السيدة أم كلثوم برهبة، أو بتحفظ، أو يطمح لأن يلحن لها أغنية، أو قصيدة، وعندما تتابع المقابلات الصحافية أو التلفزيونية المسجلة مع غالبية هؤلاء المبدعين، لا بد أن تعثر على حكاية أو أكثر، عن موقف جَمَعَ هذا المبدع بأم كلثوم شخصيًا، أو بواسطة شخص آخر، "كوبري" يؤدي إلى السيدة أم كلثوم.
مثلًا؛ يروي بليغ حمدي، في مقابلة تلفزيونية، أنه كان قد لحن القسم الأول من "حب إيه"، وكان محمد فوزي وأنور منسي على علم باللحن، فلما دُعي إلى سهرة فيها أم كلثوم، لم يكن يعرف ما الحكاية، وإذا بفوزي ومنسي يطلبان منه أن يغني. دهش الشاب بليغ، وقال:
- إيه ده؟ أنا أغني وأم كلثوم موجودة؟
ولكن أنور منسي بدأ بعزف مقدمة "حب إيه"، ففهم بليغ أن "الست" عندها فكرة. فغنى، وطلبت منه أن يجلس قربها، وأن يعيد، فأعاد. وفي اليوم الثاني طلبته إلى بيتها، وقالت له:
- الكلمات لمين؟
قال بليغ: لواحد صديقي اسمه عبد الوهاب محمد.
وكان لقاء مع عبد الوهاب محمد، واستكملت الأغنية تأليفًا وتلحينًا وغنتها أم كلثوم، وحققت نجاحًا استثنائيًا.
السؤال الملح، الذي يفرض نفسه هنا: لماذا، وكيف، وما هي العوامل التي أدت إلى امتلاك تلك الفلاحة الصعيدية كلَّ تلك الأهمية؟
| لأم كلثوم تمثال في مدينة "المنصورة" ضمن ساحة تحمل اسمها |
نبدأ بالصوت، فلعله يكون المفتاح الأول، والأهم، لفهم أسرار نجاحها، وأعتقد أن رأي موسيقار كبير، من حجم محمد عبد الوهاب، بصوت أم كلثوم، يمكن أن يُغنينا عن كثير من الآراء.
يقول عبد الوهاب، حرفيًا: كل صوت في الدنيا له مساحات، وله مناطق: منطقة واطية، يسمونها القرار، وهناك منطقة عالية، يسمونها الجواب... ثم إن كل مطرب له منطقتان، يبقى صوتُه فيهما حلوًا، ويبقى مقتدرًا فيهما... وأما أم كلثوم فكانت تتميز بأن كل المناطق التي في صوتها واحدة من حيث اقتدارها، ومن حيث سلطتُها الكاملة على المناطق المنخفضة، والمتوسطة، والعالية، هذه الموهبة لم يخلقها الله لغير أم كلثوم، وهي تؤدي أغنيتَها بطريقة تجبرك على الاحترام، وهناك ناحية أخرى، أن صوتها يجمع بين القوة والإحساس، وهذا أمر نادر أيضًا.
محمد عبد الوهاب، هو الآخر، كان شخصية مركزية، لديه جاذبية (تحكيمية) كبيرة، بمعنى أنه كان باستطاعة أي موسيقار كبير، أو مطرب كبير، أن يتصل به، ويسأله: إيه رأيك يا أستاذ في اللحن الفلاني، أو الغنوة الفلانية؟ ليس هذا وحسب، بل إنه كان يراقب إبداعات الآخرين، ويحاول الاستفادة منها، وهناك حادثة يرويها محمد سلطان، عن أغنية "خليكو شاهدين" التي غنتها فايزة أحمد من ألحانه- 1965، أن محمد عبد الوهاب الذي ينام (بدري)، بقي ساهرًا ليلتئذ حتى الساعة الثانية، واتصل بمحمد سلطان وفايزة بعد انتهاء الحفلة، وهنأهما بالنجاح الذي حققاه.
ومما يرويه محمد عبد الوهاب، في إحدى مقابلاته، أن أم كلثوم كان تتصل به، وتحكي له بعض همومها، وتسأله في كل شيء، حتى إنه يعرف، مثلًا، أنها كانت مولعة بتناول بيض الدجاج المسلوق، ولكنها تمتنع عن أكله قبل الحفلة بأسبوع، لأنه يسبب لها حساسية تنعكس سلبيًا على صوتها، وفي وقت متأخر من ليل الحفلة، عند الصباح تقريبًا، يتصل بها، ويهنئها على نجاح الحفلة، ومن جملة ما تقول له إنها لم تنم قبل أن تتناول طعامها المفضل، البيض.
بليغ حمدي
يروي الموسيقار بليغ حمدي حكاية عن التحضيرات لأغنية ألف ليلة وليلة، أنه عَرَضَ على أم كلثوم فكرة اختصار المقدمة الموسيقية، لأنها طويلة جدًا، فرفضت فكرة الاختصار، وأوضحت له أن طول المقدمة يمكن أن يعطيها فرصة لالتقاط أنفاسها قبل مواجهة الجمهور، ففي كل مرة، قبل البدء بالغناء، تتصادم ساقاها المرتجفتان ببعضهما، ويداها تصبحان باردتين كالثلج، وقالت له:
- سيب المقدمة زي ما هيَّ، سيبها يا ابني، ما تختصرهاش.
محمد الموجي
في أول بروفة للفرقة الموسيقية لأغنية "اسأل روحك" (إنتاج 1970)، لم يصل صوت أم كلثوم، وهي في سن الـ 72 سنة، في الكوبليه الأخير، إلى الطبقات التي كان يصل إليها من قبل.
يقول الموجي في مقابلة معه: عبد الوهاب أنقذني. لما عرف المأزق اللي أنا فيه اتصل، وقال لي: انزل بالطبقة طون ونص.
قلت له: لما ننزل طون ونص حَ تبقى الآلات مهلهلة.
قال لي: بِدَاهية!
التزمت بنصيحته، وبعد تقديم الأغنية في حفلة أم كلثوم اتصل بي وقال لي:
- غنينا كويس، مش كده؟
حلمي بكر
بعدما تم الصلح بين رياض السنباطي وأم كلثوم، قال لها رياض: يا أم كلثوم، في ملحن اسمه حلمي بكر، إبقي هاتيه. قالت له: غريبة. انت تاني واحد بيقول لي عليه. الأول كان كمال الطويل.
وذات مرة كان حلمي بكر جالسًا مع صديقه عبد الوهاب محمد، الذي اتصل بأم كلثوم، وأعطاه السماعة ليتكلم معها، فلما عرف حلمي أن المتكلمة أم كلثوم صار يقول، من شدة الرهبة: آ آ آ..
وأعاد السماعة لعبد الوهاب، فقالت له الست:
- خايفة تكون ألحانو زي أخلاقو!
وخلاصة القصة، أنه التقاها، وشجعته على تقديم لحن، وفي اتصال هاتفي أسمعها لحن (معندكش فكرة)، فأعجبها، وكان المقرر أن تقدمها بعد العودة من رحلة العلاج، ولكنها عادت ميتة. (بعد سنة قُدم اللحن بصوت وردة الجزائرية).
مرسي جميل عزيز
وعلى الرغم من اعتداد أم كلثوم بنفسها، باعتبار أن المبدعين يأتون إليها، فقد اتصلت بمرسي جميل عزيز، وطلبت منه أن يكتب لها، فأبى، وتمنع، حتى إنها مازحته بقولها: أنت واحد معقد. كل الشعراء بيتمنوا أنا أغني من أشعارهم، أما أنت فترفض.
وكانت النتيجة أن غنت من كلماته حب إيه، وفات الميعاد، وألف ليلة وليلة.
أخيرًا
من الأمور التي تبهج القلب أن أم كلثوم حققت، قبل أيام، المركزَ رقم 61، ضمن التصنيف العالمي الذي نشرته مجلة "رولينغ ستون" الأميركية لأعظم مائتي مُغَنٍّ حول العالم.