في تذكر فائق حسن: نقل الحداثة الفرنسية بوعي فنان
علي لفتة سعيد 21 يناير 2023
استعادات
فائق حسن أمام موديل في مرسمه
شارك هذا المقال
حجم الخط
مرّت قبل أيام ذكرى وفاة الفنان التشكيلي العراقي فائق حسن، رائد الفنون التشكيلية في العراق، وصاحب أشهر جدارية بعد جدارية "نصب الحرية" لجواد سليم، الذي تم إحراق جثته في فرنسا بعد وفاته، ووضعت في قارورة لنقلها إلى العراق. فماذا يقول عنه الفنانون، وما هو مصير القارورة في بغداد؟
حياته وبدايته
ولد الفنان فائق حسن في بغداد عام 1914. درس فيها المراحل التعليمية قبل الجامعية، وتابع تحصيله في مدرسة الفنون الجميلة الفرنسية. عاد إلى العراق ليؤسس أول قسم الرسم في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1939، مع الفنان جواد سليم. تأثر الفنان الراحل بأجواء العاصمة، والمشاهد الطبيعية العراقية، ولذلك هو من أكثر الرسامين واقعية، لالتصاقه بالواقع والبيئة العراقية، الشعبية منها خاصة. يؤكد على ذلك في واحدة من الحوارات الصحافية، إذ يقول إنه حين كان صبيًا شعر بدافع قوي لتقليد كل شيء يراه من رسوم ونحت، وكل شيء مرئي، حتى تمكّن منه كليًا. كان متأثّرًا، كما يقول، بالفنان العراقي، عبد القادر الرسام، الذي وجد لوحاته أمامه، فكان يرسمها وهو يحس بروحية الفنان داخله حين زار عبد القادر في بيته، وشاهد لوحاته، وكيف يرسم.
يرى الفنانون العراقيون في فائق حسن أبًا للفن التشكيلي العراقي، فهو كان نحاتًا، ومصمّم ديكورات المسرحيات التي تعرض في معهد الفنون الجميلة مع الفنان الراحل حقي الشبلي. يذكر حسن أنه حين أرسل في بعثة لدراسة الفن في فرنسا، عرض أعماله على أحد كبار الأساتذة، فقرّر قبوله فورًا. أكمل دراسته هناك، وتخرج عام 1938، ليعود إلى العراق ويشارك في جميع المعارض. نفذ جداريات في العاصمة بغداد هي الأشهر، ومن بينها "جدارية السلام"، التي وضعت في ساحة الطيران مقابل "نصب الحرية" في ساحة التحرير، على جانبي حديقة الأمة الشهيرة. هذه الجدارية كلفه بإنشائها رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم قاسم، لتكون نصبًا يعبر عن ثورة 1958، لكن الاسم لم يستقر، فتحوّل إلى جدارية باسمه بعد أن كتب الشاعر العراقي الراحل سعدي يوسف قصيدة عنوانها "تحت جدارية فائق حسن".
غرابة الحرق والدفن
الأغرب في وفاة فائق حسن، وقد كثر الحديث عنها، أن جثمانه لم ينقل إلى العراق حين توفي عام 1991. وقيل إن السبب أن عائلته تجنبت تحمل تكاليف نقل الجثمان، فأوصى أهله بحرق جثته، ووضعها في قارورة، ونقلها إلى بغداد لتدفن هناك.
يقول نقيب الفنانين التشكيليين، الفنان قاسم سبتي: نعم، وصلت قارورة رماد جثمانه إلى بغداد مع زوجته. كان هذا مع الحرب العراقية الأميركية (1991)، لكن ليس لدينا معرفة بالتفاصيل الدقيقة. أضاف في تصريح لـ"ضفة ثالثة" أن الذي نعرفه أن قارورة الرماد سلمت إلى وزارة الثقافة، ووضعتها الفنانة الراحلة ليلى العطار في مكتبها في الوزارة. وبعد وفاتها، سلمت القارورة إلى الورثة. ويشير سبتي إلى أن الورثة أرادوا دفنها سرًا، مؤكدًا: كنت شاهدًا على دفن القارورة في مقبرة الباب المعظم الشهيرة. وبيّن أن السرية كانت لأسباب تخص الشريعة الإسلامية التي تمنع حرق جثمان المسلم بعد وفاته. وبحسب الفنان سبتي، فإن أغلب أعمال الفنان سرقت، أو نهبت، مع أحداث عام 2003 أيام الغزو الأميركي للعراق، مثلما سرقت أعماله من قبل أناس بعضهم احتفظ بها، وبعضهم باعها في الخارج. ودعا الفنان سبتي الحكومة العراقية ووزارة الثقافة إلى العمل على استعادة أعماله، أو شرائها ممّن يحتفظ بها، لإنشاء متحف خاص به وبالفنانين العراقيين الرواد.
الطبيعة والخيول أسلوبه
وعن أسلوبه، يقول الناقد والفنان التشكيلي، فاضل ضامد، إن الراحل كان له أثر لبالغ على الحركة التشكيلية في العراق، كونه نقل الحداثة الفرنسية بقدرة ووعي فنان، لأنه لم يترك البيئة العراقية، بل ظلّ متمسكًا بها، وواعيًا لها، في لوحاته. أضاف أنه بعد التخرج غادر الرسم الفطري إلى الرسم الفكري، فترك بصمة كبيرة، حتى انتشرت لوحاته في العراق، وصار ملهمًا لكثير من الطلبة. ولفت إلى أن أكثر ما كان يلهمه هو رسم الخيول العربية في حركتها وتنقلاتها وتفاصيل جسدها، مثلما كان يهتم باللون الذي يخضع اللوحة إلى فكرتها. وذكر ضامد أن الفنان شارك في عدد من المعارض الفنية حتى عام 1967، عندما انضم إلى تأسيس مجموعة الزاوية، وشارك في معرضها الأول. كما شارك في معارض جمعية أصدقاء الفن في عامي 1943 و1946، وفي معرض ابن سينا في بغداد عام 1952. وفي الأعوام 1962ـ 1967 و1971، نظّم عددًا من المعارض الفردية في بغداد، وشارك في معظم المعارض الوطنية خارج العراق. وفي عام 1965، انضم إلى تسعة فنانين في معرض فنون العراق في بيروت، وأصبح في ما بعد عضوًا في جمعية الفنانين العراقيين.
أقوال في الراحل
الباحث حميد المطبعي: هو أول من وضع قواعد للفن التشكيلي، تبدأ من استلهام التراث الحضاري، وتنتهي بمعايشة الفولكلور المعاصر. وهو أوّل فنان عراقي فلسف اللون، وأنتج عبر تجاربه الفنية قيمًا لونية جعلها أساس اللوحة.
الناقد الدكتور جواد الزيدي: إنه فنان بارع، والمرحلة التي عاش فيها هي مرحلة فائق حسن. اتفق الجميع على ريادته للفن التشكيلي من دون اعتراض الرواد، وكان أيضًا مؤسّسًا لمشاريع، ومنظرًا لمقولات في الرسم، وهو خالد بخلود اتساعه في لوحاته.
الناقد التشكيلي عادل كامل قال عنه في كتابه "مئة عام من التشكيل العراقي": إن فائق حسن أسّس جماعة الرواد التي حملت دعوة مباشرة للبدائية، وليس للتخلي عن المعارف الأوروبية، وإنما للتخلي عن التعقيد.
الناقد حسين الهلالي: فائق حريص أشد الحرص على الحركة الفنية وديمومتها، خلق الجدية والتطور فيها، ووضع الفنانين أمام مسؤولياتهم التاريخية لقيادة الحركة التشكيلية العراقية.
علي لفتة سعيد 21 يناير 2023
استعادات
فائق حسن أمام موديل في مرسمه
شارك هذا المقال
حجم الخط
مرّت قبل أيام ذكرى وفاة الفنان التشكيلي العراقي فائق حسن، رائد الفنون التشكيلية في العراق، وصاحب أشهر جدارية بعد جدارية "نصب الحرية" لجواد سليم، الذي تم إحراق جثته في فرنسا بعد وفاته، ووضعت في قارورة لنقلها إلى العراق. فماذا يقول عنه الفنانون، وما هو مصير القارورة في بغداد؟
حياته وبدايته
ولد الفنان فائق حسن في بغداد عام 1914. درس فيها المراحل التعليمية قبل الجامعية، وتابع تحصيله في مدرسة الفنون الجميلة الفرنسية. عاد إلى العراق ليؤسس أول قسم الرسم في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1939، مع الفنان جواد سليم. تأثر الفنان الراحل بأجواء العاصمة، والمشاهد الطبيعية العراقية، ولذلك هو من أكثر الرسامين واقعية، لالتصاقه بالواقع والبيئة العراقية، الشعبية منها خاصة. يؤكد على ذلك في واحدة من الحوارات الصحافية، إذ يقول إنه حين كان صبيًا شعر بدافع قوي لتقليد كل شيء يراه من رسوم ونحت، وكل شيء مرئي، حتى تمكّن منه كليًا. كان متأثّرًا، كما يقول، بالفنان العراقي، عبد القادر الرسام، الذي وجد لوحاته أمامه، فكان يرسمها وهو يحس بروحية الفنان داخله حين زار عبد القادر في بيته، وشاهد لوحاته، وكيف يرسم.
"يقول إنه حين كان صبيًا شعر بدافع قوي لتقليد كل شيء يراه من رسوم ونحت، وكل شيء مرئي، حتى تمكّن منه كليًا" |
يرى الفنانون العراقيون في فائق حسن أبًا للفن التشكيلي العراقي، فهو كان نحاتًا، ومصمّم ديكورات المسرحيات التي تعرض في معهد الفنون الجميلة مع الفنان الراحل حقي الشبلي. يذكر حسن أنه حين أرسل في بعثة لدراسة الفن في فرنسا، عرض أعماله على أحد كبار الأساتذة، فقرّر قبوله فورًا. أكمل دراسته هناك، وتخرج عام 1938، ليعود إلى العراق ويشارك في جميع المعارض. نفذ جداريات في العاصمة بغداد هي الأشهر، ومن بينها "جدارية السلام"، التي وضعت في ساحة الطيران مقابل "نصب الحرية" في ساحة التحرير، على جانبي حديقة الأمة الشهيرة. هذه الجدارية كلفه بإنشائها رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم قاسم، لتكون نصبًا يعبر عن ثورة 1958، لكن الاسم لم يستقر، فتحوّل إلى جدارية باسمه بعد أن كتب الشاعر العراقي الراحل سعدي يوسف قصيدة عنوانها "تحت جدارية فائق حسن".
غرابة الحرق والدفن
الأغرب في وفاة فائق حسن، وقد كثر الحديث عنها، أن جثمانه لم ينقل إلى العراق حين توفي عام 1991. وقيل إن السبب أن عائلته تجنبت تحمل تكاليف نقل الجثمان، فأوصى أهله بحرق جثته، ووضعها في قارورة، ونقلها إلى بغداد لتدفن هناك.
يقول نقيب الفنانين التشكيليين، الفنان قاسم سبتي: نعم، وصلت قارورة رماد جثمانه إلى بغداد مع زوجته. كان هذا مع الحرب العراقية الأميركية (1991)، لكن ليس لدينا معرفة بالتفاصيل الدقيقة. أضاف في تصريح لـ"ضفة ثالثة" أن الذي نعرفه أن قارورة الرماد سلمت إلى وزارة الثقافة، ووضعتها الفنانة الراحلة ليلى العطار في مكتبها في الوزارة. وبعد وفاتها، سلمت القارورة إلى الورثة. ويشير سبتي إلى أن الورثة أرادوا دفنها سرًا، مؤكدًا: كنت شاهدًا على دفن القارورة في مقبرة الباب المعظم الشهيرة. وبيّن أن السرية كانت لأسباب تخص الشريعة الإسلامية التي تمنع حرق جثمان المسلم بعد وفاته. وبحسب الفنان سبتي، فإن أغلب أعمال الفنان سرقت، أو نهبت، مع أحداث عام 2003 أيام الغزو الأميركي للعراق، مثلما سرقت أعماله من قبل أناس بعضهم احتفظ بها، وبعضهم باعها في الخارج. ودعا الفنان سبتي الحكومة العراقية ووزارة الثقافة إلى العمل على استعادة أعماله، أو شرائها ممّن يحتفظ بها، لإنشاء متحف خاص به وبالفنانين العراقيين الرواد.
الطبيعة والخيول أسلوبه
"يرى الفنانون العراقيون في فائق حسن أبًا للفن التشكيلي العراقي، فهو كان نحاتًا، ومصمّم ديكورات المسرحيات التي تعرض في معهد الفنون الجميلة مع الفنان الراحل حقي الشبلي" |
وعن أسلوبه، يقول الناقد والفنان التشكيلي، فاضل ضامد، إن الراحل كان له أثر لبالغ على الحركة التشكيلية في العراق، كونه نقل الحداثة الفرنسية بقدرة ووعي فنان، لأنه لم يترك البيئة العراقية، بل ظلّ متمسكًا بها، وواعيًا لها، في لوحاته. أضاف أنه بعد التخرج غادر الرسم الفطري إلى الرسم الفكري، فترك بصمة كبيرة، حتى انتشرت لوحاته في العراق، وصار ملهمًا لكثير من الطلبة. ولفت إلى أن أكثر ما كان يلهمه هو رسم الخيول العربية في حركتها وتنقلاتها وتفاصيل جسدها، مثلما كان يهتم باللون الذي يخضع اللوحة إلى فكرتها. وذكر ضامد أن الفنان شارك في عدد من المعارض الفنية حتى عام 1967، عندما انضم إلى تأسيس مجموعة الزاوية، وشارك في معرضها الأول. كما شارك في معارض جمعية أصدقاء الفن في عامي 1943 و1946، وفي معرض ابن سينا في بغداد عام 1952. وفي الأعوام 1962ـ 1967 و1971، نظّم عددًا من المعارض الفردية في بغداد، وشارك في معظم المعارض الوطنية خارج العراق. وفي عام 1965، انضم إلى تسعة فنانين في معرض فنون العراق في بيروت، وأصبح في ما بعد عضوًا في جمعية الفنانين العراقيين.
أقوال في الراحل
الباحث حميد المطبعي: هو أول من وضع قواعد للفن التشكيلي، تبدأ من استلهام التراث الحضاري، وتنتهي بمعايشة الفولكلور المعاصر. وهو أوّل فنان عراقي فلسف اللون، وأنتج عبر تجاربه الفنية قيمًا لونية جعلها أساس اللوحة.
الناقد الدكتور جواد الزيدي: إنه فنان بارع، والمرحلة التي عاش فيها هي مرحلة فائق حسن. اتفق الجميع على ريادته للفن التشكيلي من دون اعتراض الرواد، وكان أيضًا مؤسّسًا لمشاريع، ومنظرًا لمقولات في الرسم، وهو خالد بخلود اتساعه في لوحاته.
الناقد التشكيلي عادل كامل قال عنه في كتابه "مئة عام من التشكيل العراقي": إن فائق حسن أسّس جماعة الرواد التي حملت دعوة مباشرة للبدائية، وليس للتخلي عن المعارف الأوروبية، وإنما للتخلي عن التعقيد.
الناقد حسين الهلالي: فائق حريص أشد الحرص على الحركة الفنية وديمومتها، خلق الجدية والتطور فيها، ووضع الفنانين أمام مسؤولياتهم التاريخية لقيادة الحركة التشكيلية العراقية.