ذكرى قرن على ظهور أول فنانة صينية في هوليوود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكرى قرن على ظهور أول فنانة صينية في هوليوود

    ذكرى قرن على ظهور أول فنانة صينية في هوليوود
    سمير رمان 4 ديسمبر 2022
    استعادات
    ميشيل كروسيك (يسار) في دور آنا ماي وونغ (نيتفليكس)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    في 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حلت الذكرى المئوية للعرض الأول للفيلم الصامت "ضحايا البحر" في نيويورك، حيث أدّت آنّا ماي وونغ/Anna May Wong (17 عامًا)، دورًا فيه، لتكون أول نجمة آسيوية في تاريخ هوليوود. في ما بعد، شاركت الفنانة في أفلامٍ صامتة وناطقة، أفلام بالأبيض والأسود، وكذلك في الأفلام الملونة. غير أنّ القوانين العنصرية المطبقة في الحياة العامّة حينها حالت دون انطلاق هذه الموهبة بكامل قوتها.
    جاء أجداد ماي وونغ إلى أميركا في ذروة حمى الذهب في منتصف القرن التاسع عشر. الوالدان استقرا في الحيّ الصيني في مدينة لوس أنجلوس، ورزقا هناك عام 1901 بابنتهما الأولى لو إين، تبعتها الابنة الثانية آنّا ماي وونغ عام 1905، ليتبعها ستة آخرون.
    في المدرسة، عانت ماي صعوبات ومضايقات مستمرة من أقرانها البيض، الأمر الذي أثر سلبًا على دراستها، ما كان يدفعها إلى التهرب من المدرسة. في سنّ العاشرة، عرض متجر فراء أن تُلتقط للصغيرة صور بقصد الدعاية. وفي الثانية عشرة، حصلت على عملٍ دائم في متجر ملابس Ville de Paris، حيث كانت تستعرض الملابس للزبائن.


    الوجوه الصفراء
    ميشيل كروسيك في دور آنا ماي وونغ الماخوذ عن كتاب "The Many Lives of Anna May Wong" (نيتفليكس)
    منذ طفولتها المبكرة، أبدت الفتاة ولعًا بالسينما، إذ كانت تستغل أية نقود إضافية تكسبها لارتياد دور السينما. منذ تلك الأيام، كان يراود الفتاة حلمٌ دائم بأنّها ستصبح نجمة سينمائية يومًا ما. كان الأب صارمًا، يجلدها عندما تتغيب عن المدرسة، ولكنّه لم يستطع اقتلاع ولعها بالسينما، إذ كانت توصد باب غرفتها لتمضي الساعات في تقليد بطلات الأفلام.
    كانت لا تفارق تشاينا تاون، وهو أحد مواقع التصوير المفضلة في هوليوود، وتلحّ في كلّ مرّة في طلب أدوارٍ في الأفلام، لدرجة أطلق عليها العاملون في هوليوود لقب "الفتاة الصينية الفضولية".
    أثمر إصرار الفتاة الطموحة، وحصلت على أول دورٍ لها وهي في سن 14 عامًا. كان ذلك في فيلم "القنديل الأحمر/ The Red Latern"، الذي يدور عن حرب البوكسر شمال الصين أعوام (1898 ـ 1901) ضدّ التواجد الأجنبي في الصين. تطلبت إحدى لقطات الفيلم تواجد 300 صيني، كانت ماي من بينهم. وهناك لفتت ماي وونغ انتباه المخرج ميكي نايلان. كان والد ماي يرى أنّ مشاركة ابنته في التمثيل يلحق العار بالعائلة، في حين كانت الأمّ تخشى أن تخسر الفتاة روحها هناك. لم يفلح الوالدان في ثنيها، وفشلت كذلك جميع محاولاتهما لإجبارها على الزواج.

    "كانت لا تفارق تشاينا تاون، وهو أحد مواقع التصوير المفضلة في هوليوود، وتلحّ في كلّ مرّة في طلب أدوارٍ في الأفلام، لدرجة أطلق عليها العاملون في هوليوود لقب "الفتاة الصينية الفضولية""


    في عام 1920، لعبت ماي وونغ دورًا مميزًا في فيلم "خارج القانون/ Outside the Law"، فلفتت انتباه المخرج تود براونينغ، والممثل لون تشيني. بعدها، تحسنت العروض التي كانت تتلقاها حتى وصلت مرحلة لعب الأدوار الثانوية. في فيلم "لحظات من الحياة/ Bits of Life" لعبت ماي دور زوجة مالك مقهى لتعاطي الأفيون، في حين لعب لون تشيني دور الزوج. في تلك الآونة، كانت هوليوود معتادة على إسناد أدوار الآسيويين إلى ممثلين بيض من الفرنسيين، الإنكليز، والأيرلنديين... وفي المسرح، كان الممثلون البيض يتولون أيضًا دور الآسيويين، بعد إجراء عمليات المكياج. أطلق على هؤلاء لقب "الوجه الأصفر/ yellow face".
    بحلول عام 1922، حصلت على الدور الرئيسي الأول في أول أفلام هوليوود الملونة "ضحايا البحر/ The Toll oft he See". في الفيلم، لعبت ماي وونغ (زهرة اللوتس) دور العشيقة التي هجرها صديقها الأميركي المخادع، لتلقي بنفسها مع نهاية الفيلم في مياه المحيط. حظي الفيلم بإعجاب النقاد والجمهور، وشاهدته جماهير أميركا، وأوروبا، واليابان.
    بعد نجاح الفيلم، وقعت ماي وونغ عقودًا مع أكبر استديوهات السينما: Metro Pictures ـ Famous Players ـLasky .
    في فيلم "الانجراف/ Drifting" عام 1922 لعبت ماي أيضًا الدور الرئيسي أيضًا، وظهر اسمها في إعلانات الدعاية للفيلم. وفي فيلم "لصّ بغداد" عام 1924، إلى جانب دوغلاس فيربنكس، لعبت دور عبدةٍ منغولية في دورٍ ثانوي، وظهرت إلى جانب دوغلاس بثيابٍ كانت فاضحة في حينها.
    في عام 1926، مثلت ماي في أربعة أفلام، ليرتفع العدد إلى ثمانية أفلام عام 1927. بيد أنّ جميع هذه الأفلام كانت أفلامًا من الدرجة الثانية. في تلك المرحلة، كانت الأدوار الرئيسية، حتى وإن كانت آسيوية، تناط بالممثلات الغربيات، بعد مداخلات خبراء الماكياج. على سبيل المثال، في فيلم "المدينة القرمزية/The Crimson City"، لعبت الدور الرئيسي الممثلة ميرزا لوي، حيث كانت ماي وونغ تعلمها طريقة الأكل الصينية بالعصيّ.


    وداعًا أميركا
    لم تستطع ماي وونغ الانتقال من كونها نجمة سينمائية إلى مرتبة نجمة كبيرة، إذ كانت قواعد هوليوود الأخلاقية تقف حائلًا أمامها. ولهذا السبب بالذات لم يعرض أيّ مخرجٍ لعب دور البطلة في قصص الحبّ السعيدة التي تنتهي بقبلة يتبادلها الحبيبان، حتى وإن كان الدور في السيناريو آسيويًا، فقد كان الدور يناط في كلّ الأحوال بممثلة أوروبية. كانت القبلات بين الأوروبي والآسيوي من المحرمات على الشاشة، كما هي حال الزواج.

    "في عام 1920، لعبت ماي وونغ دورًا مميزًا في فيلم "خارج القانون"، فلفتت انتباه المخرج تود براونينغ، والممثل لون تشيني"


    كان القانون الأميركي يحرّم زواجها من رجلٍ أوروبي الأصل أيضًا، وبهذا تكون السعادة فقط مع رجلٍ من عرقها، الأمر الذي واجه عراقيل تتعلق بمعايير الجمال السائدة بين الرجال الأميركيين من أصول صينية. ومن ناحيةٍ أُخرى، لم يكن ممكنًا الزواج من رجلٍ صيني الجنسية، لأنّ هذا يعني التخلي عن الجنسية الأميركية. وعلى الرغم من خوضها تجارب عاطفية مع أوروبيين أكبر منها سنًّا في الغالب، فإنّ ماي وونغ لم تتزوج، ولم يكن لديها أطفال.
    لم تستطع الفنانة التغلب على مشكلة التمييز في صناعة السينما إلا بعد انتقالها وأختها لولو إلى أوروبا عام 1928، حيث شكّل فيلم المخرج الألماني ريهارد إيخبرغ "نقود قذرة/ Schmuziges Geld" عام 1928 بداية الطريق. في الفيلم، لعبت ماي وونغ بطولة الفيلم، بدور الراقصة (سون) أمام الممثل الألماني هنريك غورغي. تسابقت الصحف الالمانية في مديح موهبة الممثلة الخارقة، وجمالها الأخّاذ. بعد الفيلم الألماني، جاء الفيلم الإنكليزي "بيكاديللي"/ Picadilly (1929)، الذي لعبت فيه دور السجينة شوشو، التي تتمتع بموهبة مذهلة في الرقص، لتموت في نهايته ميتة تراجيدية، كما في فيلم " ضحايا البحر". نال الفيلم شهرة واسعة في أميركا، على الرغم من حذف الرقابة مشاهد القبل بين ماي والممثل البريطاني جيمسون توماس، الأمر الذي أثار حفيظة الممثلة. في بريطانيا، رأى النقاد في الفيلم أفضل أفلام العام، وواحدًا من أفضل الأفلام البريطانية في ذلك الوقت.
    بعد فيلم "النقود القذرة"، أسند لها المخرج نفسه الدور الرئيسي في الفيلم الألماني ـ البريطاني المشترك "فراشة المدينة الكبيرة"/ Gro Stadt Metterling (1930) تحت ثلاثة عناوين مختلفة، منها الإنكليزية بعنوان "لهيب الحبّ". تدور أحداث الفيلم في روسيا ما قبل الثورة. قوبل الفيلم بترحيب كبير من المشاهدين، وخاصة مشاهد القبل، التي حذفت من جديد في دور السينما الأميركية.
    ظهرت صور ماي وونغ في الصحف الأوروبية بشكلٍ مستمر. وفي لندن، اشتركت ماي على خشبة مسرح "نيو تياتر" في مسرحية "دائرة الطباشير"/ The circle of Chalk، لتظهر صورها على كليشيهات المسرحية الدعائية كلّها. أمّا على مسارح فيينا، فظهرت ماي في أوبريت.
    في أميركا، وبعد ازدياد شهرة ماي وونغ، بدأت تأخذ مركزًا يليق بموهبتها، لتعود عام 1930 إلى هوليوود، ولتظهر على خشبة مسرح برودواي، حيث لعبت دور فتاة صينية في مسرحية "في موقع الجريمة"، للمخرج إدغار ويلس، ولتصعد للمرة الأولى خشبة مسرح (فورست تياتر). وفي عام 1932، ظهر فيلم "قطار شنغهاي السريع"، للمخرج جوزيف فون شتيرنبيرغ، الذي عُدَّ أفضل أفلام لماي وونغ. وكان الفيلم من بطولة الممثلة مارلين دياتريش.


    غريبة بين أهلها
    في عام 1936، غادرت ماي وونغ الولايات المتحدة، ولكن إلى آسيا هذه المرة. كانت المرة الأولى التي ستزور فيها أرض الأجداد، التي لم تعرف عنها سوى النزر اليسير. كانت تدفعها رغبة فهم الناس من جنسها بشكلٍ أعمق، كي تبدو على الشاشة أنّها فتاة صينية حقًا.
    في الصين، كان الجميع يعرفها من خلال إعلانات دور السينما للأفلام التي مثلت فيها. هناك كرمت في حفلات استقبال في شنغهاي دُعي إليها دبلوماسيون ورجالات الدولة. لكن العدد الأكبر من السكان أظهر موقفًا سلبيًا من الفنانة الأميركية، التي تعرضت في إحدى تلك الحفلات إلى سيلٍ من الانتقادات لأدوارها، وللطريقة التي أظهرت فيها النساء الصينيات. ونظرًا لحجم الاحتجاج، أجبرت السلطات على منعها من زيارة قرية الآباء والأجداد.
    عادت ماي إلى سان فرانسيسكو بعد زيارتها الصين، ومع أنّه لم تتح لها الفرصة لزيارتها ثانية، إلا أنّ رابطًا قويًا كان يربطها بهذه البلاد، إذ قامت عام 1938 بجولةٍ طويلة عبر أستراليا بهدف جمع الأموال لصالح صندوق دعم ضحايا الحرب في الصين. في سنوات الحرب العالمية الثانية، شاركت ماي في أفلامٍ معاديةٍ لليابان، حيث لعبت دور الجاسوسة الصينية الشجاعة في فيلم "قنابل فوق بورما"/ Bombs over Burma (1942)، كما لعبت دور قائد فصيلٍ من فصائل المقاومة في فيلم "سيدة من تشون تسين/ Lady from Chungking".

    "في شنغهاي، أظهر السكان موقفًا سلبيًا من ماي وونغ، التي تعرضت في إحدى تلك الحفلات إلى سيلٍ من الانتقادات لأدوارها، وللطريقة التي أظهرت فيها النساء الصينيات"


    في الخمسينيات، انتقلت ماي وونغ إلى المسلسلات التلفزيونية، لتكون أول آسيوية تلعب الدور الرئيسي في مسلسلٍ تلفزيوني. ظهر فيلم تلفزيوني من عشر حلقات بعنوان "معرض صور السيدة ليو تسين" (ليو تسين: اسم الممثلة الذي أطلق عليها عند الولادة). وقد كتب السيناريو خصيصًا لها.


    تقدير متأخر مستحق
    في عام 2021، أصدرت الحكومة الأميركية عملة من فئة ربع دولار نقشت عليها صورة آنا ماي وونغ (Getty)
    في عام 1960، ظهرت نجمة جديدة باسم أنّا ماي وونغ في "ممشى المشاهير/ Walk of Fame"، الذي افتتح حديثًا في هوليوود. وفي عمر 56 عامًا، توفيت ماي وونغ في 3 فبراير/ شباط عام 1961، إثر نوبةٍ قلبية أصابتها وهي نائمة.
    في بداية القرن الحالي، عاد الاهتمام بحياة وأفلام وونغ، إذ صدر عام 2003 أول كتاب عن سيرة الفنانة الذاتية "The Many Lives of Anna May Wong"، تبعه عدد من الكتب والمقالات.
    أمّا التكريم الأكبر فجاء عام 2021، حيث أعلن عن تخليد ذكرى أنّا ماي وونغ مع عددٍ من النساء الأخريات تقديرًا لمساهمة تلك النسوة الكبيرة في الدفاع عن الحقوق المدنية، ومشاركتهنّ في الحياة السياسية والأعمال الإنسانية والعلوم. وأصدرت الحكومة الأميركية نقودًا من فئة ربع دولار نقشت عليها صورهن.
يعمل...
X