تيفلوين/تزنيت : أو حين تستعرض المدينة العتيقة قدراتها
يعتبر مفهوم "المدينة العتيقة" مفهوما حديثا، لم يظهر في بلدنا إلا بعد التحولات التي أحدثها التغلغل الفرنسي، خاصة بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، حيث وبتوجيه من بعض مستشاريه، عمل الجنرال ليوطي على تجنب التجربة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، فالتزم بالحفاظ على المغرب "التقليدي" كما هو مع بناء مغرب "جديد" بجانبه. ولذلك سن سياسة خاصة بالأهالي "les indigènes"، بما في ذلك على المستوى العمراني، حيث أسس أحياء جديدة خاصة بالمعمرين، فأصبحت فيما بعد مدنا حديثة، وبذلك ظهرت تسمية المدينة العتيقة، لتلصق بالمدينة الأصلية، الموجودة قبل مجيء الاستعمار، وتم تبني إسم "la médina"، الذي وجد لنفسه موقعا في اللغة الفرنسية. ومنذئذ إلتصقت بهذه المدن العديد من التمثلات السلبية المرتبطة عموما بصورة "الأصلي indigène"، كما تصوره الغرب عموما، كما قد تلصق بها أحيانا بعض الصور الغرائبية exotisme. وهي الصورة التي بقيت بعد الاستقلال لدى المغاربة أيضا حيث يعتبر السكن في المدينة العتيقة عنوانا للفقر والتخلف، وكل من ترقى اجتماعيا يسعى لمغادرتها. ولذلك لا نستغرب إن وجدنا أعدادا كبيرة من أبناء بعض المدن الكبرى المتوفرة على مدينة عتيقة محاطة بسور لا يزورونها إلا ناذرا، رغم أنها لا تبعد عنهم إلا ببضع أمتار.
تسعفني هذه المقدمة للحديث عن مهرجان "تيفلوين" المنظم بتزنيت إحتفالا برأس السنة الأمازيغية 2973 (2023 م). فكرة مبدعة لأنها جعلت من المدينة العتيقة لتزنيت، مركز الإهتمام، أولا من قبل ساكنة المدينة نفسها، قبل زوارها من الجهة والوطن عموما.
كل شيء كان مفكرا فيه بكثير من العناية لكي يتمكن زائر المدينة العتيقة من رؤية أكبر عدد ممكن من المآثر التاريخية ومن التراث اللامادي في أبهى تجلياته. لقد تحولت المدينة العتيقة إلى نقطة جذب قوية، حيث تحولت قصبة أغناج، إلى فضاء مفتوح للإبداع الفني، وبذلك تصالحت الساكنة مع المكان، بعد أن كان مصدر آلام حين كان لعقود سجنا ومكان سلب الحرية، والتف الناس حول "العين أقديم"، بحمولته الثقافية والتاريخية والأنثربولوجية وأسطورته المؤسسة للمدينة. أما جدران الزقاق فقد تحولت لمعرض مفتوح للوحات والصور الفوتوغرافية، تجعل الزائر الأجنبي يتمنى التيه في المكان لأكبر وقت ممكن، كما يقال عن فونيز الايطالية "ici, on ne regrette pas de se perdre.".
لم ينس المنظمون الغنى التراثي الفني للمدينة والاقليم، فالزائر يكتشف مختلف أنواع الرقص والغناء الجماعي، كما وجدت الأنشطة الكرنفالية "إمعشار" لنفسها موقعا، كيف لا وهي تتجول في أزقتها التاريخية. وإلى جانب هذا البعد الاحتفالي المتميز، الذي خصص للأطفال أيضا موقعا متميزا لتعلم الألعاب التقليدية الأصلية، تنسيهم لبعض الوقت التأثيرات السلبية للهواتف النقالة، كان للبعد الاقتصادي مكانا في البرمجة من خلال حضور التعاونيات المهتمة بالاقتصاد التضامني، كما حضرت الأطباق التقليدية والملابس المحلية، بشكل يتبث الاحتضان الشعبي للتظاهرة.
وانسجاما مع التصور الذي يسعى لتحريك مختلف فضاءات المدينة العتيقة، كان للنقاش العلمي مكانا متميزا، سواء من خلال طبيعة المواضيع المطروحة (المعمار في المدينة العتيقة، اليهود المغاربة، الروايس) أو من خلال الفضاءات المخصصة لهذا النقاش (أسرير، أكراو أنامور، رياض الجنوب)، وهي كلها فضاءات ثقافية وسياحية داخل المدينة العتيقة.
لقد نجح مهرجان تيفلوين بتزنيت في أن يعزز جاذبية المدينة العتيقة، ويحول الأنظار إليها، بعدما كان ينظر إليها عن بعد، كما تبين بالملموس الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في الاستراتيجية التنموية للمدينة وفي تقوية جاذبيتها المجالية، ويمكن أن يكون هذا المهرجان بداية التفكير الجدي في تأهيل المدينة العتيقة على جميع المستويات لتكون في مستوى استضافة زوارها الذين سيزدادون بتوالي دورات هذا المهرجان.
من حائط صفحة الأستاذ Lahoucine Bouyaakoubi Anir
تعليق