الباحث حافظ القطيبي لـ"العرب": أدب الرحلة تحتاج فيه اللغة إلى مغامرة
كيف كان الكتّاب العرب يرون الآخرين المختلفين عن ثقافتهم.
الاثنين 2022/06/06
انشرWhatsAppTwitterFacebook
يمكن أن نستفيد من كتابات المستشرقين في معرفة أخطائنا
رغم عراقته فإن أدب الرحلة العربي لم يعرف الاهتمام النقدي الوافي الذي يساهم في تعميق الوعي به والتحفيز على الإبداع والتجديد في بنياته وتشكيله ولغته وأساليبه، ولذا مثلت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات وخاصة في فرعها المخصص للبحوث فرصة لنقاش هذا الأدب المهم في التاريخ الثقافي العربي، لما له من دور ثقافي وجمالي وفكري. “العرب” التقت في هذا الحوار المتوج بالجائزة في فرع الدراسات الباحث اليمني حافظ قاسم القطيبي في حديث حول خصوصيات بحثه ومميزات أدب الرحلة.
أبوظبي- على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي اختتمت فعالياته قبل أيام تم تكريم الباحث اليمني والأستاذ بجامعة عدن، الأكاديمي حافظ قاسم القطيبي، الفائز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، في فرع الدراسات عن بحثه “كتابة الاختلاف في أدب الرحلة من القرن الثالث حتى نهاية القرن الثامن الهجري”.
وفي حواره مع “العرب” يتحدث القطيبي عن طبيعة مشاركته في الجائزة الفائز بأحد فروعها وعن حيثيات تتويجه علاوة على رؤاه لأدب الرحلة العربي اليوم.
ويقول القطيبي “بخصوص مشاركتي في مسابقة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي يقيمها المركز العربي للأدب الجغرافي ‘ارتياد الآفاق‘ فقد شاركت ببحث بعنوان ‘كتابة الاختلاف في أدب الرحلة من القرن الثالث حتى نهاية القرن الثامن الهجري‘، والحمد لله، فاز البحث بالجائزة فرع الدراسات وطبع في كتاب صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ودار السويدي بأبو ظبي”.
رؤية الآخر
حول محتوى كتابه الفائز بالجائزة يتابع “درست في الكتاب دوافع كتابة الاختلاف في أدب الرحلة وبواعثها الثقافية والحضارية والكشف عن آليات كتابة الاختلاف ومجالاته التي أثارت دهشة الرحالة، كما كشفت عن وظائف كتابة الاختلاف، إضافة إلى ذلك حاولت في هذا الكتاب إبراز رؤية الكاتب العربي لاختلاف الآخر، والكشف عن طبيعة اللغة التي صاغت تجربة الكتابة والكشف عن مضمرات الخطاب، وآلياته الخطابية”.
ويضيف الباحث “في تقديري تكمن أهمية الكتاب في كونه يكشف عن خصوصيات الكتابة التي تهتم باختلاف ثقافة الآخر عن الثقافة العربية، من خلال ما رأى الرحالة من اختلاف في أساليب العيش أو في المحيط الطبيعي والاجتماعي والأعراف والقيم، فنقل الرحالة ذلك بواسطة اللغة وإمكاناتها وأساليبها».
وقد حلل البحث كيفية توظيف هذه الأساليب في الكتابة لمعرفة أغراضها ووظائفها وغاياتها، وذلك لفهم كيفية نظرة الكاتب العربي إلى مسألة الاختلاف ومواقفه منه وأغراضه من الكتابة فيه.
ويعتبر القطيبي أن دراسة كتابة الاختلاف في أدب الرحلة تمكننا من فهم طبيعة الثقافة العربية في علاقتها بثقافة الآخر المختلف، ورؤيتها للعالم المختلف في أبعاده الطبيعية والبشرية. وهي محاولة للإسهام في توضيح مدى تنوع التفاعل الحضاري بين الأديب العربي والعالم الخارجي.
وعن رؤيته لأدب الرحلات عموما وهل يعتبره صنفا أدبيا جديدا يحظى باهتمام في القطاع الثقافي العربي اليوم، يقول الباحث القطيبي لـ”العرب”: “كانت الرحلة كفعل ثقافي حاضرة في الثقافة العربية.
إلا أنها لم تتحول إلى كتابة إلا مع حلول القرن الثالث الهجري، لقد كان أدب الرحلة في تلك الفترة، نمطا جديدا من الكتابة، أي لم يكن هناك نموذج أو شكل سابق في الثقافة العربية، ينطلق منه الرحالة في الكتابة، فكان الوعي التأليفي الإنشائي ملتبسا بالقالب أو بالمنوال السردي خاصة والحكائي عامة الذي يسجل فيه الرحالة رحلته؛ لذلك تعددت التسميات والنعوت لهذا النمط من الكتابة”.
ويتابع “لقد كان خطاب الرحلة يتفاعل مع أشكال الكتابة السائدة، أدبية وغير أدبية، وكانت القواعد العامة للبلاغة النثرية قاسما مشتركا بين خطاب الرحلة وسائر الأجناس التي تشترك معها في القارئ وفي التلقي العام، وفي الأسس الجمالية للنثر العربي”.
ويضيف “إن أدب الرحلة مجال من مجالات الكتابة النثرية الإبداعية الاستكشافية الذي تحتاج فيه اللغة وأعرافها وعوالمها الإدراكية إلى خوض مغامرة الكتابة، إذ ينتمي هذا الأدب إلى التراث السردي ذي القيمة المرجعية والتخييلية أحيانا، وقد حظي أدب الرحلة في العصر الحديث باهتمام الباحثين إلا أن هذا المجال الأدبي يحتاج إلى المزيد من الدراسات نظرا إلى ما يتضمنه من معارف متنوعة ومنطلقات عدة للبحث والتقصي”..
شغف بحثي
في إجابة عن سؤال حول طبيعة اهتماماته الخاصة في مجال أدب الرحلات كناقد وباحث وهل هي جزء أصيل من نشاطه البحثي أم عمل عابر في مسيرته الثقافية، يقول القطيبي “في البداية كان لدي اهتمام بأدب الرحلة والعلاقة مع الآخر، ثم في دراستي في مرحلة الدكتوراه تحول أو نما هذا الاهتمام إلى شغف وهمّ بحثي، فصرت باحثا في هذا التخصص، وهذا الكتاب هو أطروحتي للدكتوراه، ولي أيضا بعض المشاركات في هذا المجال، ومازال اهتمامي به وتسكنني الرغبة في مواصلة البحث فيه”.
◙ السرد الرحلي يمتاز عن غيره من السرود بهيمنة بنية السفر وهذه الكتابة الأدبية فيها طرافة وتنوع فكري وجمالي
وحول رؤيته لواقع أدب الرحلات في اليمن وهل تم تعريب الجزء الأهم باعتقاده مما كتبه الرحالة عن جنوب شبه الجزيرة العربية، يضيف “بخصوص كتابات الرحالة اليمنيين فقد أنجزت بعض الدراسات القليلة وتحتاج هذه الكتابات إلى المزيد من الدراسات والبحث”.
ويتابع “أما ما يخص الشق الثاني من السؤال فهناك جزء من الرحلات الاستشراقية قد عُربت وهناك رحلات مازالت بحاجة إلى ترجمة، والجانب الآخر هناك حاجة إلى دراسة وتحليل كتابات المستشرقين عن اليمن وجنوب الجزيرة؛ لمعرفة رؤية الآخر لنا، ولبلادنا وعاداتنا وتقاليدنا وأساليب عيشنا، لنعرف الصورة الإيجابية التي نقلوها عنا ونعززها، ونصحح الرؤية السلبية التي لم تكن موضوعية. وكذلك يمكن أن نستفيد من كتابات المستشرقين في معرفة أخطائنا وسلبياتنا لنتجنبها”.
وفي معرض رده على سؤال حول إمكانية الفصل بين مصطلح أدب الرحلات وبين ما كتبه الرحالة والمستكشفون الأجانب من زاوية سياسية واجتماعية مثلا، يؤكد القطيبي أن كتابة الرحلة تختلف عن الكتابة الجغرافية من خلال اختلاف أساليب الكتابة وسرد الأخبار، مشيرا إلى أن هناك كتابة تكتفي بالرصد. وهناك أخرى يتداخل فيها الواقعي والتخييلي فنكون أمام أدب الرحلة”.
ويتابع “أدب الرحلة كتابة عن تجربة سفر فعلية قام بها رحالة بين بقاع مختلفة من البلدان. ويمتاز السرد الرحلي عن غيره من السرود بهيمنة بنية السفر وهذه الكتابة فيها طرافة وثراء وتنوع فكري وجمالي، لذلك بعض كتابات المستشرقين تعد رحلات، لأنها تحكي قصة سفر ويتداخل فيها الواقعي بالتخييلي”.
صلاح البيضاني
كيف كان الكتّاب العرب يرون الآخرين المختلفين عن ثقافتهم.
الاثنين 2022/06/06
انشرWhatsAppTwitterFacebook
يمكن أن نستفيد من كتابات المستشرقين في معرفة أخطائنا
رغم عراقته فإن أدب الرحلة العربي لم يعرف الاهتمام النقدي الوافي الذي يساهم في تعميق الوعي به والتحفيز على الإبداع والتجديد في بنياته وتشكيله ولغته وأساليبه، ولذا مثلت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات وخاصة في فرعها المخصص للبحوث فرصة لنقاش هذا الأدب المهم في التاريخ الثقافي العربي، لما له من دور ثقافي وجمالي وفكري. “العرب” التقت في هذا الحوار المتوج بالجائزة في فرع الدراسات الباحث اليمني حافظ قاسم القطيبي في حديث حول خصوصيات بحثه ومميزات أدب الرحلة.
أبوظبي- على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي اختتمت فعالياته قبل أيام تم تكريم الباحث اليمني والأستاذ بجامعة عدن، الأكاديمي حافظ قاسم القطيبي، الفائز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، في فرع الدراسات عن بحثه “كتابة الاختلاف في أدب الرحلة من القرن الثالث حتى نهاية القرن الثامن الهجري”.
وفي حواره مع “العرب” يتحدث القطيبي عن طبيعة مشاركته في الجائزة الفائز بأحد فروعها وعن حيثيات تتويجه علاوة على رؤاه لأدب الرحلة العربي اليوم.
ويقول القطيبي “بخصوص مشاركتي في مسابقة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي يقيمها المركز العربي للأدب الجغرافي ‘ارتياد الآفاق‘ فقد شاركت ببحث بعنوان ‘كتابة الاختلاف في أدب الرحلة من القرن الثالث حتى نهاية القرن الثامن الهجري‘، والحمد لله، فاز البحث بالجائزة فرع الدراسات وطبع في كتاب صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ودار السويدي بأبو ظبي”.
رؤية الآخر
حول محتوى كتابه الفائز بالجائزة يتابع “درست في الكتاب دوافع كتابة الاختلاف في أدب الرحلة وبواعثها الثقافية والحضارية والكشف عن آليات كتابة الاختلاف ومجالاته التي أثارت دهشة الرحالة، كما كشفت عن وظائف كتابة الاختلاف، إضافة إلى ذلك حاولت في هذا الكتاب إبراز رؤية الكاتب العربي لاختلاف الآخر، والكشف عن طبيعة اللغة التي صاغت تجربة الكتابة والكشف عن مضمرات الخطاب، وآلياته الخطابية”.
ويضيف الباحث “في تقديري تكمن أهمية الكتاب في كونه يكشف عن خصوصيات الكتابة التي تهتم باختلاف ثقافة الآخر عن الثقافة العربية، من خلال ما رأى الرحالة من اختلاف في أساليب العيش أو في المحيط الطبيعي والاجتماعي والأعراف والقيم، فنقل الرحالة ذلك بواسطة اللغة وإمكاناتها وأساليبها».
وقد حلل البحث كيفية توظيف هذه الأساليب في الكتابة لمعرفة أغراضها ووظائفها وغاياتها، وذلك لفهم كيفية نظرة الكاتب العربي إلى مسألة الاختلاف ومواقفه منه وأغراضه من الكتابة فيه.
ويعتبر القطيبي أن دراسة كتابة الاختلاف في أدب الرحلة تمكننا من فهم طبيعة الثقافة العربية في علاقتها بثقافة الآخر المختلف، ورؤيتها للعالم المختلف في أبعاده الطبيعية والبشرية. وهي محاولة للإسهام في توضيح مدى تنوع التفاعل الحضاري بين الأديب العربي والعالم الخارجي.
وعن رؤيته لأدب الرحلات عموما وهل يعتبره صنفا أدبيا جديدا يحظى باهتمام في القطاع الثقافي العربي اليوم، يقول الباحث القطيبي لـ”العرب”: “كانت الرحلة كفعل ثقافي حاضرة في الثقافة العربية.
إلا أنها لم تتحول إلى كتابة إلا مع حلول القرن الثالث الهجري، لقد كان أدب الرحلة في تلك الفترة، نمطا جديدا من الكتابة، أي لم يكن هناك نموذج أو شكل سابق في الثقافة العربية، ينطلق منه الرحالة في الكتابة، فكان الوعي التأليفي الإنشائي ملتبسا بالقالب أو بالمنوال السردي خاصة والحكائي عامة الذي يسجل فيه الرحالة رحلته؛ لذلك تعددت التسميات والنعوت لهذا النمط من الكتابة”.
ويتابع “لقد كان خطاب الرحلة يتفاعل مع أشكال الكتابة السائدة، أدبية وغير أدبية، وكانت القواعد العامة للبلاغة النثرية قاسما مشتركا بين خطاب الرحلة وسائر الأجناس التي تشترك معها في القارئ وفي التلقي العام، وفي الأسس الجمالية للنثر العربي”.
ويضيف “إن أدب الرحلة مجال من مجالات الكتابة النثرية الإبداعية الاستكشافية الذي تحتاج فيه اللغة وأعرافها وعوالمها الإدراكية إلى خوض مغامرة الكتابة، إذ ينتمي هذا الأدب إلى التراث السردي ذي القيمة المرجعية والتخييلية أحيانا، وقد حظي أدب الرحلة في العصر الحديث باهتمام الباحثين إلا أن هذا المجال الأدبي يحتاج إلى المزيد من الدراسات نظرا إلى ما يتضمنه من معارف متنوعة ومنطلقات عدة للبحث والتقصي”..
شغف بحثي
في إجابة عن سؤال حول طبيعة اهتماماته الخاصة في مجال أدب الرحلات كناقد وباحث وهل هي جزء أصيل من نشاطه البحثي أم عمل عابر في مسيرته الثقافية، يقول القطيبي “في البداية كان لدي اهتمام بأدب الرحلة والعلاقة مع الآخر، ثم في دراستي في مرحلة الدكتوراه تحول أو نما هذا الاهتمام إلى شغف وهمّ بحثي، فصرت باحثا في هذا التخصص، وهذا الكتاب هو أطروحتي للدكتوراه، ولي أيضا بعض المشاركات في هذا المجال، ومازال اهتمامي به وتسكنني الرغبة في مواصلة البحث فيه”.
◙ السرد الرحلي يمتاز عن غيره من السرود بهيمنة بنية السفر وهذه الكتابة الأدبية فيها طرافة وتنوع فكري وجمالي
وحول رؤيته لواقع أدب الرحلات في اليمن وهل تم تعريب الجزء الأهم باعتقاده مما كتبه الرحالة عن جنوب شبه الجزيرة العربية، يضيف “بخصوص كتابات الرحالة اليمنيين فقد أنجزت بعض الدراسات القليلة وتحتاج هذه الكتابات إلى المزيد من الدراسات والبحث”.
ويتابع “أما ما يخص الشق الثاني من السؤال فهناك جزء من الرحلات الاستشراقية قد عُربت وهناك رحلات مازالت بحاجة إلى ترجمة، والجانب الآخر هناك حاجة إلى دراسة وتحليل كتابات المستشرقين عن اليمن وجنوب الجزيرة؛ لمعرفة رؤية الآخر لنا، ولبلادنا وعاداتنا وتقاليدنا وأساليب عيشنا، لنعرف الصورة الإيجابية التي نقلوها عنا ونعززها، ونصحح الرؤية السلبية التي لم تكن موضوعية. وكذلك يمكن أن نستفيد من كتابات المستشرقين في معرفة أخطائنا وسلبياتنا لنتجنبها”.
وفي معرض رده على سؤال حول إمكانية الفصل بين مصطلح أدب الرحلات وبين ما كتبه الرحالة والمستكشفون الأجانب من زاوية سياسية واجتماعية مثلا، يؤكد القطيبي أن كتابة الرحلة تختلف عن الكتابة الجغرافية من خلال اختلاف أساليب الكتابة وسرد الأخبار، مشيرا إلى أن هناك كتابة تكتفي بالرصد. وهناك أخرى يتداخل فيها الواقعي والتخييلي فنكون أمام أدب الرحلة”.
ويتابع “أدب الرحلة كتابة عن تجربة سفر فعلية قام بها رحالة بين بقاع مختلفة من البلدان. ويمتاز السرد الرحلي عن غيره من السرود بهيمنة بنية السفر وهذه الكتابة فيها طرافة وثراء وتنوع فكري وجمالي، لذلك بعض كتابات المستشرقين تعد رحلات، لأنها تحكي قصة سفر ويتداخل فيها الواقعي بالتخييلي”.
صلاح البيضاني