رحلات مترجمة.. سفر عبر القارات والبحار والممالك
أمير يسافر إلى الحج وطالبان يعبران العالم على دراجة هوائية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أغرب رحلة على دراجة
يعتبر أدب الرحلة نافذة على عصور كانت فيها الكاميرا هي القلم والشاشة هي الورقة، فقد ألف الكثير من الرحالة نصوصا أدبية رحلية تميزت بالوصف الدقيق والتفاصيل المثيرة والأخبار والتواريخ والجغرافيات المتنوعة والعادات والثقافات وغيرها، حيث كل نص من أدب الرحلة وثائقي متكامل تتناقله الأجيال.
لا تكتفي جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، التي منحها المركز العربي للأدب الجغرافي، ارتياد الآفاق في أبوظبي، بالكتب العربية، بل تقدم كذلك جوائزها للمؤلفات الرحلية المترجمة.
من بين كتب أدب الرحلة الفائزة بجائزة ابن بطوطة في دورتها التاسعة عشرة لعامي 2020 و2021، كتابان، أولهما بعنوان “هداية السبيل وكفايةُ الدليل: من إيران إلى روسيا وتركيا ومصر والحجاز والشام” لمراد ميرزا “حسام السلطنة” (1818 – 1883)، والثاني بعنوان “أمريكيان يعبران آسيا على دراجة هوائية 1894 من إستانبول إلى بكين” لتوماس غاسكل آلن الابن ووليم لويس ساكليبن، وترجمة وتقديم الباحث محمد عبدالغني من مصر.
هداية السبيل
تُعدّ رحلة “هداية السبيل وكفايةُ الدليل”، التي ترجمها عن الفارسية الدكتور عبدالكريم جرادات من الأردن، واحدة من أهم رحلات الحج المكتوبة باللغة الفارسية، ليس فقط للمكانة التي يتمتع بها صاحبها بوصفه من بين أشهر الأمراء القاجاريين، فهو عم الملك ناصرالدين شاه وشخصية سياسية بارزة وواسعة النفوذ من شخصيات العصر القاجاري، بل أيضا لكونها رحلة ذات مسار طويل عبر قارات ثلاث، وسفر في البر والبحر وعبر الممالك.
يوميات حسام السلطنة حافلة بمعلومات قيّمة فيما رحلة الطالبين الأميركيين مغامرة مثيرة ومليئة بالأحداث والتقلبات
تمتد الرحلة من إيران إلى روسيا فتركيا ومصر والحجاز فالشام، واستُقبل خلال رحلته من طرف السلاطين والملوك والحكام ورجالات الدول بحفاوة كبيرة، وأقيمت له المآدب، ومُنح الأوسمة، وجرى استقباله وتوديعه بمراسم رسمية واحتفاء شعبي.
لقد كان حسام السلطنة الشخصية الثانية بعد السلطان القاجاري. وقبل قيامه بهذه الرحلة إلى الحج، والتي استمرت أكثر من تسعة شهور ما بين 6 أغسطس 1880 و23 مايو 1881، سبق لصاحب هذه اليوميات أن رافق الملك ناصرالدين شاه في رحلته الأولى إلى أوروبا سنة 1873.
على أن هذه الرحلة هي أكثر من رحلة إلى الحج، فالمحطات التي توقف فيها الرحّالة، واللقاءات التي أجراها مع الملوك والحكام باسم الحكم القاجاري، والصور التي نقلها والسطور التي دونها في وصف المدن والناس والأحوال، إنما تجعل منها صفحات بالغة الأهمية عن زمنها.
من المعروف أن أغلب رجالات البلاط القاجاري ممن كتبوا رحلاتهم في أواخر القرن التاسع عشر لم يكلفوا أنفسهم عناء تدوين وقائع رحلاتهم، وما حفلت به من أخبار ومشاهدات وخواطر، فقد “كان كل واحد منهم يصطحب معه كاتبا ليكتب ما يملي عليه صاحب الرحلة”، ولم يشذ صاحب هذه اليوميات عن هذا التقليد فقد استصحب معه الكاتب ميرزا رضا فـ”كان ملازما لركاب حسام السلطنة، يخط على عجل ما يمليه عليه سمو الأمير يوما بيوم”.
وإذا كان “الطابع العام لجُلّ الرحلات التي قام بها الشاه ورجالات حاشيته مرتبطا بالمرح، واحتساء القهوة، وتدخين النرجيلة، وتبادل المجاملات مع الآخرين”، فإن يوميات حسام السلطنة احتوت على ما هو أكثر قليلا من ذلك من حيث أنها حفلت بمعلومات أخرى قيّمة.
إلى جانب دقته في الترجمة وأمانته في النقل من الفارسية إلى العربية في لغة سلسة ورائقة، بذل المترجم جهدا كبيرا في ضبط أسماء الأعلام والأسماء الجغرافية، وحاول شرح ما غمض، وتصويب ما يمكن أن يكون خطأ وقع فيه الناسخ أو حتى المؤلف، لاسيما في ما يتعلق بأسماء الأماكن ومواقعها والشخصيات وتواريخها مما ورد في متن النص الفارسي وحواشيه.
على دراجة هوائية
في كتاب “أمريكيان يعبران آسيا على دراجة هوائية 1894 من إستانبول إلى بكين” لتوماس غاسكل آلن الابن ووليم لويس ساكليبن، يدون الطالبان الأميركيان وقائع رحلتهما من إسطنبول إلى بكين على دراجة هوائية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، والتي ترجمها وقدّم لها الباحث محمد عبدالغني من المغرب، عندما كانت الدراجة الهوائية لا تزال مجهولة لدى أغلب المجتمعات في العالم.
بعد يوم من تخرجهما في جامعة واشنطن بسانت لويس قاد الشابان دراجتيهما إلى نيويورك، ومن هناك أقلعا بالباخرة إلى ليفربول وحلا فيها في 23 يونيو 1890. ولم يكن في عزمهما أن يطوفا العالم على دراجة هوائية، لكن الفكرة تبلورت في رأسيهما في المدينة البحرية الإنجليزية، مستلهمين رحلة مغامر إنجليزي يدعى توماس ستيڤنس (1854 – 1935) قضى في طوافه في العالم قرابة ثلاث سنوات (أبريل 1884 – ديسمبر 1886).
وهكذا انطلق المغامران الأميركيان الصديقان بعدما اقتنيا دراجتين خفيفتين، من ليفربول في يونيو 1890، مرورا بنورماندي ووصولا إلى مرسيليا فالريفييرا الفرنسية فإيطاليا، ثم كورفو وجزر أخرى في اليونان، ثم عبرا خليج كورينثي إلى أثينا، حيث قضيا شتاء سنة 1891، وفي أبريل بلغا إسطنبول في باخرة. ومن هناك، من على ضفاف البوسفور سوف تبدأ المغامرة الكبرى التي ستحملهما على دخول الصين عبر صحراء منغوليا، على طريق الحرير الذي عبره ماركو بولو في القرون الوسطى، وذلك دون دليل محلي، ومن ثم العودة من هناك إلى نيويورك وقد أمضيا في ترحالهما ثلاث سنوات وبضعة شهور، وقطعا 15044 ميلا بالدراجة، وهي أطول رحلة برية متصلة قُطعت يوما، لاسيما على دراجة هوائية.
يوميات حافلة بمعلومات عن شعوب وقبائل آسيوية شتى
تروي هذه اليوميات أخبارا وتسوق وقائع وأحداثا وقعت للرحّالتين، أو كانا شاهدين عليها في الديار العثمانية واليونان وبلاد فارس وأرض المغول وصولا حتى سور الصين العظيم. ومن ثم فإن اليوميات حافلة بالمعلومات عن شعوب وقبائل آسيوية شتى، وبصور قلمية بعضها طريف وبعضها الآخر يعكس ما داخل المسافرين من توجس أو خوف جراء تجارب لم يسبق لصاحبي اليوميات الشابين أن اختبرا مثيلا لها.
هذه اليوميات لا تغادر واقعيتها، فهي تحفل بصور من الحياة اليومية، من خلال إقامة الرحّالتين “في الخيام مع القبائل”، والمبيت “في مخازن الغلال، وفي العراء، ومع الكهنة الرحّل”. أما الكلام على الحريم الشرقي، وهي الفكرة الفاتنة التي طالما تطلبتها مخيلات الغربيين، فإن هذه اليوميات تبدو محبطة لمثل هذا الغرض، فليس ثمة في سطور هذه اليوميات أي ضرب من ضروب الخيال الذي نطالعه عادة في كتابات رحّالة القرن التاسع عشر الغربيين، الذين زاروا الشرق وعملوا على فبركة صور لا صلة لها بالواقع، إرضاء لمخيلات عطشى، لقرّاء ينتظرون أن ينقل لهم المسافر صورا عجائبية عن شرق عجائبي.
وينبهنا المترجم في مقدمته إلى أن الكاتبين لم يهملا تناول شيء من العلاقات السياسية المتفاعلة حينا، والمتعارضة حينا آخر، في ما بين “الإمبراطوريات” الأربع التي عبرا أراضيها، فضلا عما ساقا من أخبار شائعة عن ذلك التنافر الدائم بين السلطان والقيصر، وتلك المهادنة من الشاه للقيصر، وما شهده الماضي من صراعات بين العثمانيين والفرس، والعثمانيين ورعاياهم من الكرد الموصوفين بكونهم شديدي المراس، إضافةً إلى ما كان يدور من صراع بين الصين من جهة وروسيا وإنجلترا واليابان من جهة أخرى.
يلاحظ المترجم أن المؤلفين سجلا أسماء الأعلام وأسماء المواقع الجغرافية بالأحرُف اللاتينية “كما سمعاها من الناس، أو كما اشتهرت في الصحافة الغربية، فتعرضت بعض الأسماء إلى شيء من التحريف أبعدها في بعض الأحيان عن نطقها الأصلي، هذا فضلا عما أحدثته التبدلات السياسية والثقافية وغيرها من تغيير جذري في الكثير من أسماء البلدان، لا في تركيا وحدها، التي كانت لا تزال تعتمد في لغتها الرسمية الحرف العربي، بل على طول الرحلة في إيران وتركستان والصين”، فسعى المترجم جاهدا كي يقف على الأسماء المقصودة مستعينا بالقرائن الجغرافية والتاريخية، كما استعان بترجمة عثمان قوبيلاي غول الذي ترجم الكتاب إلى التركية الحديثة.
وتجدر الإشارة إلى أن الرحّالتين التقطا خلال سنوات ترحالهما ما يزيد على ألفين وخمس مئة صورة نشرا بعضها في الكتاب. وهذه الصور أقيم لها في أميركا، مؤخرا، معرض احتفى بها وباليوميات.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عواد علي
كاتب عراقي
أمير يسافر إلى الحج وطالبان يعبران العالم على دراجة هوائية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أغرب رحلة على دراجة
يعتبر أدب الرحلة نافذة على عصور كانت فيها الكاميرا هي القلم والشاشة هي الورقة، فقد ألف الكثير من الرحالة نصوصا أدبية رحلية تميزت بالوصف الدقيق والتفاصيل المثيرة والأخبار والتواريخ والجغرافيات المتنوعة والعادات والثقافات وغيرها، حيث كل نص من أدب الرحلة وثائقي متكامل تتناقله الأجيال.
لا تكتفي جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، التي منحها المركز العربي للأدب الجغرافي، ارتياد الآفاق في أبوظبي، بالكتب العربية، بل تقدم كذلك جوائزها للمؤلفات الرحلية المترجمة.
من بين كتب أدب الرحلة الفائزة بجائزة ابن بطوطة في دورتها التاسعة عشرة لعامي 2020 و2021، كتابان، أولهما بعنوان “هداية السبيل وكفايةُ الدليل: من إيران إلى روسيا وتركيا ومصر والحجاز والشام” لمراد ميرزا “حسام السلطنة” (1818 – 1883)، والثاني بعنوان “أمريكيان يعبران آسيا على دراجة هوائية 1894 من إستانبول إلى بكين” لتوماس غاسكل آلن الابن ووليم لويس ساكليبن، وترجمة وتقديم الباحث محمد عبدالغني من مصر.
هداية السبيل
تُعدّ رحلة “هداية السبيل وكفايةُ الدليل”، التي ترجمها عن الفارسية الدكتور عبدالكريم جرادات من الأردن، واحدة من أهم رحلات الحج المكتوبة باللغة الفارسية، ليس فقط للمكانة التي يتمتع بها صاحبها بوصفه من بين أشهر الأمراء القاجاريين، فهو عم الملك ناصرالدين شاه وشخصية سياسية بارزة وواسعة النفوذ من شخصيات العصر القاجاري، بل أيضا لكونها رحلة ذات مسار طويل عبر قارات ثلاث، وسفر في البر والبحر وعبر الممالك.
يوميات حسام السلطنة حافلة بمعلومات قيّمة فيما رحلة الطالبين الأميركيين مغامرة مثيرة ومليئة بالأحداث والتقلبات
تمتد الرحلة من إيران إلى روسيا فتركيا ومصر والحجاز فالشام، واستُقبل خلال رحلته من طرف السلاطين والملوك والحكام ورجالات الدول بحفاوة كبيرة، وأقيمت له المآدب، ومُنح الأوسمة، وجرى استقباله وتوديعه بمراسم رسمية واحتفاء شعبي.
لقد كان حسام السلطنة الشخصية الثانية بعد السلطان القاجاري. وقبل قيامه بهذه الرحلة إلى الحج، والتي استمرت أكثر من تسعة شهور ما بين 6 أغسطس 1880 و23 مايو 1881، سبق لصاحب هذه اليوميات أن رافق الملك ناصرالدين شاه في رحلته الأولى إلى أوروبا سنة 1873.
على أن هذه الرحلة هي أكثر من رحلة إلى الحج، فالمحطات التي توقف فيها الرحّالة، واللقاءات التي أجراها مع الملوك والحكام باسم الحكم القاجاري، والصور التي نقلها والسطور التي دونها في وصف المدن والناس والأحوال، إنما تجعل منها صفحات بالغة الأهمية عن زمنها.
من المعروف أن أغلب رجالات البلاط القاجاري ممن كتبوا رحلاتهم في أواخر القرن التاسع عشر لم يكلفوا أنفسهم عناء تدوين وقائع رحلاتهم، وما حفلت به من أخبار ومشاهدات وخواطر، فقد “كان كل واحد منهم يصطحب معه كاتبا ليكتب ما يملي عليه صاحب الرحلة”، ولم يشذ صاحب هذه اليوميات عن هذا التقليد فقد استصحب معه الكاتب ميرزا رضا فـ”كان ملازما لركاب حسام السلطنة، يخط على عجل ما يمليه عليه سمو الأمير يوما بيوم”.
وإذا كان “الطابع العام لجُلّ الرحلات التي قام بها الشاه ورجالات حاشيته مرتبطا بالمرح، واحتساء القهوة، وتدخين النرجيلة، وتبادل المجاملات مع الآخرين”، فإن يوميات حسام السلطنة احتوت على ما هو أكثر قليلا من ذلك من حيث أنها حفلت بمعلومات أخرى قيّمة.
إلى جانب دقته في الترجمة وأمانته في النقل من الفارسية إلى العربية في لغة سلسة ورائقة، بذل المترجم جهدا كبيرا في ضبط أسماء الأعلام والأسماء الجغرافية، وحاول شرح ما غمض، وتصويب ما يمكن أن يكون خطأ وقع فيه الناسخ أو حتى المؤلف، لاسيما في ما يتعلق بأسماء الأماكن ومواقعها والشخصيات وتواريخها مما ورد في متن النص الفارسي وحواشيه.
على دراجة هوائية
في كتاب “أمريكيان يعبران آسيا على دراجة هوائية 1894 من إستانبول إلى بكين” لتوماس غاسكل آلن الابن ووليم لويس ساكليبن، يدون الطالبان الأميركيان وقائع رحلتهما من إسطنبول إلى بكين على دراجة هوائية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، والتي ترجمها وقدّم لها الباحث محمد عبدالغني من المغرب، عندما كانت الدراجة الهوائية لا تزال مجهولة لدى أغلب المجتمعات في العالم.
بعد يوم من تخرجهما في جامعة واشنطن بسانت لويس قاد الشابان دراجتيهما إلى نيويورك، ومن هناك أقلعا بالباخرة إلى ليفربول وحلا فيها في 23 يونيو 1890. ولم يكن في عزمهما أن يطوفا العالم على دراجة هوائية، لكن الفكرة تبلورت في رأسيهما في المدينة البحرية الإنجليزية، مستلهمين رحلة مغامر إنجليزي يدعى توماس ستيڤنس (1854 – 1935) قضى في طوافه في العالم قرابة ثلاث سنوات (أبريل 1884 – ديسمبر 1886).
وهكذا انطلق المغامران الأميركيان الصديقان بعدما اقتنيا دراجتين خفيفتين، من ليفربول في يونيو 1890، مرورا بنورماندي ووصولا إلى مرسيليا فالريفييرا الفرنسية فإيطاليا، ثم كورفو وجزر أخرى في اليونان، ثم عبرا خليج كورينثي إلى أثينا، حيث قضيا شتاء سنة 1891، وفي أبريل بلغا إسطنبول في باخرة. ومن هناك، من على ضفاف البوسفور سوف تبدأ المغامرة الكبرى التي ستحملهما على دخول الصين عبر صحراء منغوليا، على طريق الحرير الذي عبره ماركو بولو في القرون الوسطى، وذلك دون دليل محلي، ومن ثم العودة من هناك إلى نيويورك وقد أمضيا في ترحالهما ثلاث سنوات وبضعة شهور، وقطعا 15044 ميلا بالدراجة، وهي أطول رحلة برية متصلة قُطعت يوما، لاسيما على دراجة هوائية.
يوميات حافلة بمعلومات عن شعوب وقبائل آسيوية شتى
تروي هذه اليوميات أخبارا وتسوق وقائع وأحداثا وقعت للرحّالتين، أو كانا شاهدين عليها في الديار العثمانية واليونان وبلاد فارس وأرض المغول وصولا حتى سور الصين العظيم. ومن ثم فإن اليوميات حافلة بالمعلومات عن شعوب وقبائل آسيوية شتى، وبصور قلمية بعضها طريف وبعضها الآخر يعكس ما داخل المسافرين من توجس أو خوف جراء تجارب لم يسبق لصاحبي اليوميات الشابين أن اختبرا مثيلا لها.
هذه اليوميات لا تغادر واقعيتها، فهي تحفل بصور من الحياة اليومية، من خلال إقامة الرحّالتين “في الخيام مع القبائل”، والمبيت “في مخازن الغلال، وفي العراء، ومع الكهنة الرحّل”. أما الكلام على الحريم الشرقي، وهي الفكرة الفاتنة التي طالما تطلبتها مخيلات الغربيين، فإن هذه اليوميات تبدو محبطة لمثل هذا الغرض، فليس ثمة في سطور هذه اليوميات أي ضرب من ضروب الخيال الذي نطالعه عادة في كتابات رحّالة القرن التاسع عشر الغربيين، الذين زاروا الشرق وعملوا على فبركة صور لا صلة لها بالواقع، إرضاء لمخيلات عطشى، لقرّاء ينتظرون أن ينقل لهم المسافر صورا عجائبية عن شرق عجائبي.
وينبهنا المترجم في مقدمته إلى أن الكاتبين لم يهملا تناول شيء من العلاقات السياسية المتفاعلة حينا، والمتعارضة حينا آخر، في ما بين “الإمبراطوريات” الأربع التي عبرا أراضيها، فضلا عما ساقا من أخبار شائعة عن ذلك التنافر الدائم بين السلطان والقيصر، وتلك المهادنة من الشاه للقيصر، وما شهده الماضي من صراعات بين العثمانيين والفرس، والعثمانيين ورعاياهم من الكرد الموصوفين بكونهم شديدي المراس، إضافةً إلى ما كان يدور من صراع بين الصين من جهة وروسيا وإنجلترا واليابان من جهة أخرى.
يلاحظ المترجم أن المؤلفين سجلا أسماء الأعلام وأسماء المواقع الجغرافية بالأحرُف اللاتينية “كما سمعاها من الناس، أو كما اشتهرت في الصحافة الغربية، فتعرضت بعض الأسماء إلى شيء من التحريف أبعدها في بعض الأحيان عن نطقها الأصلي، هذا فضلا عما أحدثته التبدلات السياسية والثقافية وغيرها من تغيير جذري في الكثير من أسماء البلدان، لا في تركيا وحدها، التي كانت لا تزال تعتمد في لغتها الرسمية الحرف العربي، بل على طول الرحلة في إيران وتركستان والصين”، فسعى المترجم جاهدا كي يقف على الأسماء المقصودة مستعينا بالقرائن الجغرافية والتاريخية، كما استعان بترجمة عثمان قوبيلاي غول الذي ترجم الكتاب إلى التركية الحديثة.
وتجدر الإشارة إلى أن الرحّالتين التقطا خلال سنوات ترحالهما ما يزيد على ألفين وخمس مئة صورة نشرا بعضها في الكتاب. وهذه الصور أقيم لها في أميركا، مؤخرا، معرض احتفى بها وباليوميات.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عواد علي
كاتب عراقي