علم التخلق
أظهرت العديد من الدراسات الأخيرة أن الظروف المجهدة والتجارب السلبية التي مر بها الآباء قد تؤثر على تعرض الأبناء لكثير من الحالات المرضيّة، بما فيها الأمراض النفسية، والتي ترتبط بالدرجة الأولى بخللٍ في آليات الاستجابة للضغط، كذلك تمتد لتشمل القلق غير المبرّر ونوبات الاكتئاب المتكرّرة وغير ذلك من الآثار التي تستمر لعدّة أجيال. قد يستهجن الكثيرون هذه الفكرة ويجدون صعوبة في تصديقها، حسنًا علم التخلق سيجيب.
ما هو علم التخلق Epigenetics؟
علم التخلق- علم ما فوق الجينات- أَو الوراثة اللاجينية، هو دراسة التغيرات الوراثية التي لا تتضمن تغيرات في تسلسل الحمض النووي الأساسي أي حدوث تغيير في النمط الظاهري دون تغيير في النمط الجيني، ويحدث بعدة آليات مثل: مَثيَلة الدنا، والتعديل الهستوني وغيرها.
لتسهيل فهم الفكرة سأستشهد ببعض الأمثلة من حياتنا الواقعية، حسنًا، من المعروف أن التوائم المتطابقة لها نفس الـ DNA، ومع ذلك قد يكون صديقاك التوأم الحقيقي مختلفين في كثيرٍ من صفاتهما حتى في الصفات التي تلعب فيها الوراثة دورًا هامًّا؛ مثلًا يمكن أن يصاب أحدهما بمرض القلب والأوعية الدموية في عمر الخمسين بينما الآخر يكون بصحة ممتازة، يمكن لنمط الغذاء والحياة أن يكون سببًا، لكن يعطينا علم التخلق جوابًا أكثر عمقًا والذي يدرس كيف يتفاعل الـ DNA مع الجزيئات العديدة الصغيرة التي توجد ضمن الخلايا والتي بإمكانها أن تُنشّط أو أن تُثبّط تفعيل الجينات، والتي يعتبر ووجودها وكثافتها داخل الخلايا أمر مهم للغاية.
يُعبَّر عن الجينات في الـ DNA عندما تُقرأ وتُنسخ إلى RNA، والتي تترجم بدورها إلى بروتينات بواسطة بنى تسمّى ريبوزومات، ومن المعروف أن البروتينات تساهم بشكلٍ كبيرٍ في تحديد وظائف الخليّة وخصائصها، حسنًا التغيرات التخلقية يمكنها إما أن تتوافق أو أن تتعارض مع النسخ التي تخص جينات محدّدة، أكثر هذه الازدواجيات شيوعًا هي عندما يلتصق بالـ DNA أو بالبروتينات التي يلتف الـDNA حولها- الهِستونات- بعض العلامات الكيميائية الصغيرة، هذه العلامات الكيميائية التي ترتبط بـ جينوم (DNA) خلية معينة تدعى إبيجينوم، بعض منها يقوم بكبح التعبير عن الجين مثل مجموعة الميثيل من خلال عرقلة عملية النسخ الخلوي أو التسبب في التفاف محكم للـ DNA حول بروتين الهستون، مما يجعلها صامتm.
أما تسهيل النسخ فهو عملية معاكسة تمامًا، تقوم بعض الإبيجينوم بتخفيف شدة التفاف الـ DNA حول البروتين وبالتالي يصبح نسخه أكثر سهولة، و يزداد إنتاج البروتين الموافق، هذه التغيرات التخلقية- فوق الجينية- يمكن أن تنجو من انقسام خلية؛ فقد تؤثر على كامل حياة الكائن الحي!
تحدث التغيرات فوق الجينية بشكل طبيعي وتفسر تمايز خلايا أجسادنا إلى خلايا شعر أو جلد أو كبد، ففي الجنين تبدأ الخلايا بجينوم أساسي واحد وعند انقسام الخلايا تنشط بعض الجينات وتتثبط الأخرى، عبر الوقت ومن خلال إعادة البرمجة الجينية تتطور بعض الخلايا إلى خلايا قلب أو بنكرياس وغيرها، السبب أنه صحيح لهذه الخلايا الجينوم نفسه لكن لكل خلية إيبيجينوم خاص بها، لذلك تتمايز إلى أعضاء مختلفة، في سياق آخر، لو أخذت إحدى الأمهات بويضات من متبرعة، سيأخذ الجنين نقاط شبه من هذه الأم! ربما أصبحت الفكرة أكثر وضوحًا.
الإشارات الكيميائية (الإبيجينوم) التي تُنشّط وتثبط عمل الجينات، قد تتأثر بالعديد من العوامل مثل الحمية ونمط الحياة والتعرض للكيماويات وبعض الأدوية والظروف البيئية. يمكن للتغيرات التخلقية أن تتسبب بأمراض خطيرة بشكل مفاجئ إذا قامت هذه الإشارات الكيميائية مثلًا بتثبيط الجين المسؤول عن صنع بروتين كبح الورم!
تجدر الإشارة إلى أن التجارب الاجتماعية تتسبب بحدوث تغيرات تخلّقية؛ في تجربة تم تطبيقها على الفئران تم إشغال الأمهات لفترة كافية عن صغارها، وكانت النتيجة إيقاف عمل جينات الصغار التي تساعدهم على تحمل الضغط وهذا قد يستمر لعدة أجيال. على الرغم من أن معظم الإبيجينوم تُمسح عندما تتكون خلايا النطاف والبويضات لكن بعضًا منها ينجو لتنتقل تلك الصفات للأجيال القادمة.
هنا يمكن القول أن تجارب والديك في حياتهم قد تشكل الإبيجينوم الخاصة بك، لكن لا تقلق إن كانت غير جيدة يمكن تعديلها من خلال أسلوب حياة صحي يتضمن غذاءً متوازنًا والابتعاد عن الملوثات وممارسة الرياضة بانتظام، كل ذلك كفيل أن يُنشئ لك إيبيجينوم صحيًّا على المدى الطويل.
علم التخلق وعلاقته بالأبوّة والأمومة
الآباء الذين تعرضوا لصدمات وأزمات نفسية في حياتهم المبكرة يؤثرون في نسلهم عن طريق الرنا الميكروي للحيوانات المنوية
عندما نتحدث عن الصحة الإنجابية، أصبح من الواضح أن بيئة الأم الحامل واختياراتها تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على صحة الطفل من خلال الوراثة اللاجينية وبشكل خاص الأم التي تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ليس فقط الأمهات اتضح أيضًا أن الآباء أيضًا والذين تعرضوا لإجهادات نفسية كبيرة في وقتٍ مبكّر من حياتهم، قد يؤثرون لاجينيًّا على الصحة النفسية والعقلية لأولادهم.
تقول الافتراضات السابقة أن الأب ينقل الحمض النووي إلى بويضة الأم أثناء الإخصاب فقط، لكن حديثًا تم اكتشاف أن الحيوانات المنوية بحد ذاتها تساهم في الحمض الريبي النووي، أي تحمل أثرًا قد يمتد لعدة أجيال لاحقة. ففي دراسة حديثة تمت في جامعة تافتس بيّنت أن الصدمات المبكرة في ذكور الفئران تؤدي إلى تغيرات فوق جينية في الـ: miRNA (الرنا الميكروي) للحيوانات المنوية، مما يتسبب في ضعف الصحة العقلية والنفسية لنسلهم، نفس الأمر تمامًا ينطبق على البشر!
وفي دراسة بحثية أخرى أجريت على آباء ذكور بشر عانوا من تجارب مؤلمة في وقت باكر من حياتهم مثل الاعتداء الجنسي أو اللفظي أو الجسدي، وأيضًا الإهمال والتهميش، والطفولة القاسية، ومن خلال طرح استبيان عليهم أو ما يسمى اختبار ACE و فحص الـ miRNA في حيواناتهم المنوية، تم الخلوص إلى أن هؤلاء الآباء تكون أجيالهم اللاحقة مهيأة للتخلّق المتوالي بنسبة أكبر.
أظهرت العديد من الدراسات الأخيرة أن الظروف المجهدة والتجارب السلبية التي مر بها الآباء قد تؤثر على تعرض الأبناء لكثير من الحالات المرضيّة، بما فيها الأمراض النفسية، والتي ترتبط بالدرجة الأولى بخللٍ في آليات الاستجابة للضغط، كذلك تمتد لتشمل القلق غير المبرّر ونوبات الاكتئاب المتكرّرة وغير ذلك من الآثار التي تستمر لعدّة أجيال. قد يستهجن الكثيرون هذه الفكرة ويجدون صعوبة في تصديقها، حسنًا علم التخلق سيجيب.
ما هو علم التخلق Epigenetics؟
علم التخلق- علم ما فوق الجينات- أَو الوراثة اللاجينية، هو دراسة التغيرات الوراثية التي لا تتضمن تغيرات في تسلسل الحمض النووي الأساسي أي حدوث تغيير في النمط الظاهري دون تغيير في النمط الجيني، ويحدث بعدة آليات مثل: مَثيَلة الدنا، والتعديل الهستوني وغيرها.
لتسهيل فهم الفكرة سأستشهد ببعض الأمثلة من حياتنا الواقعية، حسنًا، من المعروف أن التوائم المتطابقة لها نفس الـ DNA، ومع ذلك قد يكون صديقاك التوأم الحقيقي مختلفين في كثيرٍ من صفاتهما حتى في الصفات التي تلعب فيها الوراثة دورًا هامًّا؛ مثلًا يمكن أن يصاب أحدهما بمرض القلب والأوعية الدموية في عمر الخمسين بينما الآخر يكون بصحة ممتازة، يمكن لنمط الغذاء والحياة أن يكون سببًا، لكن يعطينا علم التخلق جوابًا أكثر عمقًا والذي يدرس كيف يتفاعل الـ DNA مع الجزيئات العديدة الصغيرة التي توجد ضمن الخلايا والتي بإمكانها أن تُنشّط أو أن تُثبّط تفعيل الجينات، والتي يعتبر ووجودها وكثافتها داخل الخلايا أمر مهم للغاية.
يُعبَّر عن الجينات في الـ DNA عندما تُقرأ وتُنسخ إلى RNA، والتي تترجم بدورها إلى بروتينات بواسطة بنى تسمّى ريبوزومات، ومن المعروف أن البروتينات تساهم بشكلٍ كبيرٍ في تحديد وظائف الخليّة وخصائصها، حسنًا التغيرات التخلقية يمكنها إما أن تتوافق أو أن تتعارض مع النسخ التي تخص جينات محدّدة، أكثر هذه الازدواجيات شيوعًا هي عندما يلتصق بالـ DNA أو بالبروتينات التي يلتف الـDNA حولها- الهِستونات- بعض العلامات الكيميائية الصغيرة، هذه العلامات الكيميائية التي ترتبط بـ جينوم (DNA) خلية معينة تدعى إبيجينوم، بعض منها يقوم بكبح التعبير عن الجين مثل مجموعة الميثيل من خلال عرقلة عملية النسخ الخلوي أو التسبب في التفاف محكم للـ DNA حول بروتين الهستون، مما يجعلها صامتm.
أما تسهيل النسخ فهو عملية معاكسة تمامًا، تقوم بعض الإبيجينوم بتخفيف شدة التفاف الـ DNA حول البروتين وبالتالي يصبح نسخه أكثر سهولة، و يزداد إنتاج البروتين الموافق، هذه التغيرات التخلقية- فوق الجينية- يمكن أن تنجو من انقسام خلية؛ فقد تؤثر على كامل حياة الكائن الحي!
تحدث التغيرات فوق الجينية بشكل طبيعي وتفسر تمايز خلايا أجسادنا إلى خلايا شعر أو جلد أو كبد، ففي الجنين تبدأ الخلايا بجينوم أساسي واحد وعند انقسام الخلايا تنشط بعض الجينات وتتثبط الأخرى، عبر الوقت ومن خلال إعادة البرمجة الجينية تتطور بعض الخلايا إلى خلايا قلب أو بنكرياس وغيرها، السبب أنه صحيح لهذه الخلايا الجينوم نفسه لكن لكل خلية إيبيجينوم خاص بها، لذلك تتمايز إلى أعضاء مختلفة، في سياق آخر، لو أخذت إحدى الأمهات بويضات من متبرعة، سيأخذ الجنين نقاط شبه من هذه الأم! ربما أصبحت الفكرة أكثر وضوحًا.
الإشارات الكيميائية (الإبيجينوم) التي تُنشّط وتثبط عمل الجينات، قد تتأثر بالعديد من العوامل مثل الحمية ونمط الحياة والتعرض للكيماويات وبعض الأدوية والظروف البيئية. يمكن للتغيرات التخلقية أن تتسبب بأمراض خطيرة بشكل مفاجئ إذا قامت هذه الإشارات الكيميائية مثلًا بتثبيط الجين المسؤول عن صنع بروتين كبح الورم!
تجدر الإشارة إلى أن التجارب الاجتماعية تتسبب بحدوث تغيرات تخلّقية؛ في تجربة تم تطبيقها على الفئران تم إشغال الأمهات لفترة كافية عن صغارها، وكانت النتيجة إيقاف عمل جينات الصغار التي تساعدهم على تحمل الضغط وهذا قد يستمر لعدة أجيال. على الرغم من أن معظم الإبيجينوم تُمسح عندما تتكون خلايا النطاف والبويضات لكن بعضًا منها ينجو لتنتقل تلك الصفات للأجيال القادمة.
هنا يمكن القول أن تجارب والديك في حياتهم قد تشكل الإبيجينوم الخاصة بك، لكن لا تقلق إن كانت غير جيدة يمكن تعديلها من خلال أسلوب حياة صحي يتضمن غذاءً متوازنًا والابتعاد عن الملوثات وممارسة الرياضة بانتظام، كل ذلك كفيل أن يُنشئ لك إيبيجينوم صحيًّا على المدى الطويل.
علم التخلق وعلاقته بالأبوّة والأمومة
الآباء الذين تعرضوا لصدمات وأزمات نفسية في حياتهم المبكرة يؤثرون في نسلهم عن طريق الرنا الميكروي للحيوانات المنوية
عندما نتحدث عن الصحة الإنجابية، أصبح من الواضح أن بيئة الأم الحامل واختياراتها تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على صحة الطفل من خلال الوراثة اللاجينية وبشكل خاص الأم التي تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ليس فقط الأمهات اتضح أيضًا أن الآباء أيضًا والذين تعرضوا لإجهادات نفسية كبيرة في وقتٍ مبكّر من حياتهم، قد يؤثرون لاجينيًّا على الصحة النفسية والعقلية لأولادهم.
تقول الافتراضات السابقة أن الأب ينقل الحمض النووي إلى بويضة الأم أثناء الإخصاب فقط، لكن حديثًا تم اكتشاف أن الحيوانات المنوية بحد ذاتها تساهم في الحمض الريبي النووي، أي تحمل أثرًا قد يمتد لعدة أجيال لاحقة. ففي دراسة حديثة تمت في جامعة تافتس بيّنت أن الصدمات المبكرة في ذكور الفئران تؤدي إلى تغيرات فوق جينية في الـ: miRNA (الرنا الميكروي) للحيوانات المنوية، مما يتسبب في ضعف الصحة العقلية والنفسية لنسلهم، نفس الأمر تمامًا ينطبق على البشر!
وفي دراسة بحثية أخرى أجريت على آباء ذكور بشر عانوا من تجارب مؤلمة في وقت باكر من حياتهم مثل الاعتداء الجنسي أو اللفظي أو الجسدي، وأيضًا الإهمال والتهميش، والطفولة القاسية، ومن خلال طرح استبيان عليهم أو ما يسمى اختبار ACE و فحص الـ miRNA في حيواناتهم المنوية، تم الخلوص إلى أن هؤلاء الآباء تكون أجيالهم اللاحقة مهيأة للتخلّق المتوالي بنسبة أكبر.
تعليق