مقترحات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقترحات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

    مقترحات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب
    مها حسن 23 يناير 2023
    آراء
    الملصق الرسمي لمعرض القاهرة للكتاب 2023
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    من الأسئلة التي وُجهت لي في تنقلاتي لترويج روايتي الصادرة بالفرنسية، سؤال لم أعرف إجابته بدقة: ما هو البلد العربي الذي يمكن اعتباره اليوم الأكثر حراكًا في عالم النشر!
    قلت إننا كنا نعتبر إلى وقت متأخر لبنان بمثابة خاصرة حرية الكتابة والنشر، ونحن السوريين اعتدنا طويلًا اللجوء إلى دور النشر اللبنانية، كون هذه الدور لا تحتاج إلى موافقات سياسية، كما هو الحال في سورية.
    ولكن سائليّ لم يجدوا في ردي ما ينتظرون معرفته، لأُسأل مجددًا: أي بلد عربي اليوم هو الذي يطبع أكثر من غيره؟
    إذًا، السؤال يتعلق بالكمية، وليس بالحرية! هكذا أحاول أن أفهم ماذا يريد أن يعرف القارئ الغربي عن عالم الكتب. الإقبال: هذه هي المسألة التي كان يهتم بها سائلي... في أي بلد عربي يحظى الكتاب بإقبال أكثر؟
    رغم أنني حظيت بالمشاركة في عديد معارض الكتب في العالم العربي، في الشارقة، والمغرب، وتونس، وبيروت، والقاهرة، لكنني لا أستطيع الجزم اليوم أي معرض كتاب هو الأكثر جذبًا للجمهور من ناحية، وكذلك أي بلد عربي هو اليوم الأكثر إنتاجًا في عالم الطباعة والنشر...
    أحاول الرد، متوخية الموضوعية أكثر ما أستطيع، فأقول متشككة: أعتقد أنها القاهرة. العاصمة الفعلية للنشر، كونها مدينة عريقة ثقافيًا، ولوجود أعداد كبيرة من المبدعين العرب في مصر، من عرب غير مصريين، إضافة إلى أبناء البلد.
    يأتي جوابي عاطفيًا غير مدعم بأرقام مبيعات تشرف عليها لجان رسمية، ربما لا تتواجد أيضًا بدقة في عالم النشر، على المستوى العربي، لا الإقليمي.


    معرض القاهرة وأزمة الكتاب العربية
    بعد أيام قليلة، ستنعقد الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في ظل ارتفاع أسعار الكتب كما يُتوقع، بعد الحديث عن الأزمات الاقتصادية، وقلق الناشرين.
    شخصيًا، لم أعتد حضور أي معرض للكتاب، سواء في أوروبا، أو العالم العربي، من دون دعوة رسمية، وذلك لأسباب اقتصادية محضة، خاصة معارض الخليج العربي. لكن المعرض الوحيد في العالم، الذي أذهب لحضور فعالياته من دون دعوة رسمية، هو القاهرة، لأنها عاصمتنا نحن الكتاب العرب، أو أغلبنا.

    "بعد أيام قليلة، ستنعقد الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في ظل ارتفاع أسعار الكتب كما يُتوقع، بعد الحديث عن الأزمات الاقتصادية، وقلق الناشرين"


    توفّر القاهرة لأغلب الكتاب العرب، خاصة القادمين من أوروبا، شروطًا مثالية للتوجه إليها، ويأتي المعرض مناسبة ثقافية واجتماعية في الوقت نفسه، لنلتقي جميعًا، نحن الكتاب المتناثرين في المنافي، ليكون معرض القاهرة هو المكان الذي نلتقي فيه من دون اتفاقات مسبقة.
    في آخر معرض ذهبت إليه، التقيت من دون أن أعرف بوجوده في القاهرة، بالروائي الصديق الراحل إلياس فركوح، والتقيت أيضًا، من دون اتفاق مسبق، بالروائي الأخ، كما أدعوه، أمير تاج السر، وتعرفت لأول مرة على القاص السعودي عبد الله ناصر، الذي كنت أعتقد أن كتابه "فن التخلي" لكاتب أجنبي! عدا عن الخطط المسبقة التي نرتبها، نحن مجموعة أصدقاء لا تسمح لنا ظروف إقاماتنا في بلاد متباعدة باللقاء، فنضرب موعدًا في معرض القاهرة، إضافة إلى اللقاء بالأصدقاء المقيمين أصلًا في القاهرة، وفي حالتي، يشكل أصدقائي المصريين من الكتاب، أكثر من نصف عدد أصدقائي بالمجمل من جميع الكتّاب.
    حتى صديقاتي الكاتبات اللاتي نلتقي في أمكنة أخرى، في فرنسا، أو غيرها، نتفق على الذهاب معًا إلى القاهرة، لأن صداقتنا وعلاقتنا ذاتها تصبح أكثر بهاء في القاهرة، برفقة الأصحاب الآخرين، وبصحبة الشمس التي نفتقدها بقوة في منافينا الباردة، الرمادية غالبًا.
    يتحول معرض القاهرة بالنسبة لي، ولغيري بالتأكيد، إلى عرس، أو حفل يشبه أجواء "الليلة الكبيرة" لدى المصريين، لقاءات، وحوارات، وطعام مصري، وشمس، وكتب، ونمائم ثقافية... كل هذا من دون شك، أي ما نذهب به ونقوم به، نحن الجمهور المحب للقاهرة وناسها وكتبها وشمسها ومائها، نستطيع قليلًا، تحريك السياحة، بطريقة ما.
    السياحة هنا لا تأتي عبر ذلك الغريب البعيد الذي يأتي ليدفع بالعملة الصعبة، مقابل زيارة الأماكن التاريخية، أو الإقامة في الفنادق الغالية، إنما هذا النوع من السياحة الثقافية: المشاركة في العرس الأدبي وحركة الكتاب، الذي يحتاج، أيضًا، إلى قارئ قادم من أرض أخرى، خارج مصر، يُظهر أهمية هذا البلد في استقطابنا، نحن البعيدين جغرافيًا، الملتصقين ثقافيًا وروحيًا، بل واجتماعيًا، لنبدو من أبناء البلد، لا تظهر علينا ملامح السياح الأجانب، حتى لو دخلنا بجوازات سفر أجنبية، ودفعنا تأشيرات الدخول، بوصفنا أجانب على الورق.
    وجودنا، إذًا، نحن الكتّاب والناشرين والمترجمين، العرب من جهة، والأجانب المهتمين بالمشهد الثقافي العربي، وسوق النشر من جهة أخرى، من الأسباب الإضافية التي تجعل من المعرض فرصة سياحية قد تأتي ببعض التحسينات الاقتصادية.


    مقترح
    في معرض محلي صغير في فرنسا، ترشحت روايتي الفرنسية على اللائحة الطويلة لجائزة معرض الكتاب. فكرت بهذا فجأة، وأنا أنتبه إلى اقتراب موعد معرض القاهرة للكتاب: لماذا لا تكون جائزة معرض القاهرة مفتوحة أمام الكتاب العرب، مثل جائزة معرض الشارقة، أو حتى جائزة ملتقى الرواية التي حصل عليها كتاب عرب، أو جائزة نجيب محفوظ التي يحصل عليها أيضًا الكتاب العرب.
    رغم الجدال العنيف أحيانًا حول الجوائز وإشكالياتها الكبرى، لكن جائزة يمنحها معرض القاهرة لكتاب عرب، إضافة لكتاب مصريين، تمنح هذا المعرض حيوية أكثر، ليس بسبب إشكالية الجوائز، وما تخلقه من حيوية، رغم قتامة الأفكار الدائرة حولها أحيانًا، ولكن لأنها تخلق آفاقًا جديدة، وتعبر عن انفتاح المشهد الثقافي الرسمي في القاهرة على الثقافة العربية، لأن القاهرة بالنسبة لكثير من المبدعين العرب تعتبر عاصمة الثقافة العربية.

    "رغم الجدال العنيف أحيانًا حول الجوائز وإشكالياتها الكبرى، لكن جائزة يمنحها معرض القاهرة لكتاب عرب، إضافة لكتاب مصريين، تمنح هذا المعرض حيوية أكثر"


    ليس المهم بالتأكيد مبلغ الجائزة، لأن رمزية "معرض القاهرة للكتاب" هي في حد ذاتها تكريم للحاصل على الجائزة، ومن الضروري، في رأيي، أن توجه هذه الجائزة للكتاب الأول، حيث يعاني كثير من الكتاب المبتدئين من التجاهل، وصعوبة التواجد في المشهد الثقافي.
    إن جائزة لكاتب جديد يطبع كتابه الأول لا يشترط أن يكون مصريًا، صادرة عن معرض الكتاب، ستكون في اعتقادي بادرة مهمة من القاهرة، التي لا يمكنها منافسة العواصم الأخرى في القدرة الشرائية، وتوفر الكتاب بسهولة، لكنها بمرجعيتها الثقافية تستطيع أن تقف على أرض قوية للمنافسة.


    أفكار جديدة
    في ظل القفزة الإعلامية العالمية، وتفاقم نشاط وسائل التواصل والترويج والتسويق، تنبّهت كثير من المؤسسات العربية المتمتعة بالملاءة الاقتصادية إلى أهمية تحقيق وجودها المعرفي، وترك أثرها الثقافي أيضًا، فظهرت دور نشر جديدة بشروط "مثالية" لاستقطاب الكتاب، ولخلق سوق نشر اقتصادية مبتكرة، متخلية عن كثير من أساليب التفكير التقليدية، وهذا يعني أن المال الذكي يمكنه خدمة الثقافة، ولكن حين لا يتوفر هذا المال لدى المؤسسات التي تعاني من أزمات اقتصادية، فإن الثقافة، كما يُفترض، يمكنها أن تساهم في خلق حيوية اقتصادية لتؤكد على كونها قيمة في حد ذاتها، مطلوبة ومرغوبة ومنافِسة.
    لهذا، فإن الأمل في معارض الكتب العربية جميعها، من دون أي استثناء، هو المعوّل الأساسي في قدرة الكتاب على التواجد، والحفاظ على خصوصية هذا البلد، أو غيره، في أن يحتل مكانه على الخارطة، العالمية حتى.
    هكذا، بتواضع، يمكن أن يكون الكتاب إحدى أدوات الإنقاذ من الأزمات الاقتصادية، وبدلًا من أن يشكل إنتاجه وإخراجه وطباعته ونشره عبئًا وقلقًا للناشر العربي، يمكن أن يتحول إلى أداة منافسة، تحتفظ بقيمتها الإنسانية والإبداعية، وتساهم في خلق الحراك الاقتصادي.
يعمل...
X