عن نجوم السينما و"استثنائيتهم"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عن نجوم السينما و"استثنائيتهم"

    عن نجوم السينما و"استثنائيتهم"
    راسم المدهون 30 ديسمبر 2022
    آراء
    أحمد زكي وسعاد حسني
    شارك هذا المقال
    حجم الخط


    روى المخرج المصري الراحل توفيق صالح أن المخرج المعروف محمد كريم كان حريصًا على تصوير كل شيء جميل ونظيف إلى الحدّ الذي دفع البعض للقول إنه طلب "غسل" الجاموسة كي "تليق" بالظهور في أحد أفلامه.

    وبعيدًا عن هذه الكاريكاتيرية في وصف رائد الواقعية في السينما المصرية وصاحب فيلم "العزيمة" الشهير، يمكن القول إن مسألة الجمال رافقت منذ البداية عمل المخرجين خصوصًا في عاصمة الفن السابع هوليوود، وهي مسألة استنسخت أشكالًا متعددة للجمال يبدأ بوسامة البطل وجمال المرأة ويصل إلى جمال المكان ونظافته وأناقته، وهي "صفات" استدرجت موضوعات وقصصًا تخدم تلك الغاية وتعززها حتى بدت حياة أبطال الفيلم بل ناسه كلهم "مخملية" تستطيع أن تشكل "النموذج" الذي يمكن أن يداعب مخيلة المشاهد فيدفعه لأن يحلم به باعتباره عالمًا متكاملًا من السحر والجاذبية.

    من هوليوود أتت الفكرة وصار تقليدًا راسخًا أن ينتقي منتجو الأفلام ومحققوها من المخرجين رجالًا استثنائيين في وسامتهم ونساء على درجات عالية من الجمال والجاذبية كي يعيشوا ويعيش معهم المشاهد قصص الحب وحكايات العشاق، وهو تقليد نجح في غرس فكرة تجعل الحب كقيمة إنسانية وجمالية عليا وقفًا على من يمتلكون مقاييس الجمال والوسامة بل وبدقة أكثر حسب مقاييس السينما الهوليوودية حصرًا، وتلك الوسامة والجمال وما يحيط بهما من حياة مخملية جعلت السينما بمعنى ما يقع في أقاصي المخيلة أكثر من وقوعه في الشوارع والأزقة، حتى في الأفلام الواقعية لم تتمكن (غالبًا) من الإنفكاك من ذلك وهي إن فعلت إنما بصورة استثنائية لا ترقى إلى مستوى التقليد الراسخ.

    إلى يوم الناس هذا تتداول الأوساط السينمائية والنقدية مشهد القبلة الشهيرة بين كلارك غيبل وفيفيان لي في فيلمهما الشهير والهام "ذهب مع الريح" الذي أنتج عام 1939 ولم يزل إلى اليوم واحدا من روائع السينما العالمية والإشارات المتكررة لتلك "اللقطة" تعكس إلى حد كبير ذهنية الإنتاج السينمائي الذي صار نمطًا راسخًا بل مدرسة لها أتباعها وتلاميذها ليس بين السينمائيين وحسب بل بين الجمهور أيضًا وهي حالة تأثرت بها مراكز الإنتاج السينمائي في أوروبا كما في البلدان العربية.
    أنور وجدي تربّع على عرش "الفتى الأول" في مرحلة السينما الرومانسية
    فتى الشاشة الأول

    في مراحل السينما العربية كلها كان هناك دائمًا من يجسّد أكثر من غيره من الممثلين شخصية "فتى الشاشة" الذي يمتلك تلك الوسامة الاستثنائية التي تؤهله لأن يكون نموذج الشباب وفتى أحلام الفتيات والنساء عمومًا، ولا تقف هذه المسألة عند الأفلام التي تقدم قصص الحب وحكايات العشاق وحسب، بل تشمل السينما عمومًا حتى في "أفلام الأكشن" وقد عاشت السينما العربية عقودًا طويلة تحتكم في خياراتها لما تقدمه من أعمال على هذه المسألة فتحولت السينما إلى نوع من "حياة بديلة" تسكن مخيلة الأفراد من الجنسين وتفرض سطوتها عليهم. كانت شخصية "فتى الشاشة" القادمة إلينا من هوليوود تتغير وفقًا لتبدلات الحياة وتغير مفاهيمها ولعل أبرز من احتل هذه المكانة كان أنور وجدي الذي رحل عن عالمنا في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي لتأتي من بعده مجموعة من الأسماء منهم كمال الشناوي وعماد حمدي، ولكن بصورة أكبر شكري سرحان في حين واظبت السينما على استقطاب نجماتها من بين أجمل النساء وخصوصًا هند رستم ومريم فخر الدين وفي مراحل لاحقة نادية لطفي ثم سعاد حسني.
    "من هوليوود أتت الفكرة وصار تقليدًا راسخًا أن ينتقي منتجو الأفلام ومحققوها من المخرجين رجالًا استثنائيين في وسامتهم ونساء على درجات عالية من الجمال والجاذبية كي يعيشوا ويعيش معهم المشاهد قصص الحب وحكايات العشاق"
    أنور وجدي تربع على عرش "الفتى الأول" في مرحلة السينما الرومانسية وخصوصًا زمن ليلى مراد وأفلام الحياة المخملية التي قدمت للمشاهد صورًا وردية جعلت عالم السينما بديلًا للحياة الواقعية.

    في إحدى مقابلاته التلفزيونية روى الفنان الراحل أحمد زكي أنه فوجئ بتراجع منتج فيلمه الأول عن العقد وإسناد الدور الذي كان له للممثل الراحل نور الشريف وحين سأله عن السبب قال إن موزع الفيلم رفض إسناد الدور له بحجة أنه من غير المعقول أن يحب فتى أسمر كأحمد زكي "الساندريلا" سعاد حسني. ويضيف زكي: كان من العبث إقناع ذلك الموزع أن بطل القصة هو من سيحب بطلة القصة ولا علاقة للأمر بأحمد زكي وسعاد حسني. مع ذلك – ورغم أن حادثة التراجع عن إسناد الدور له تكررت مرة أخرى – فقد دارت الأيام ونجح أحمد زكي في الحصول على دور جديد مع شركة إنتاج أخرى وجاءه "الموزع" إياه كي يشارك في فيلم من إنتاجه بعد أن نجح زكي وحظي بحب جمهور المشاهدين.

    ذلك الموزع لم يكن يعترض على موهبة أحمد زكي في التمثيل وقدرته على تجسيد الدور بل على عدم امتلاك زكي لمواصفات "الفتى الأول" الهوليوودية والتي يراها لا تنطبق عليه دون أن يلاحظ أن مواصفات الفتى الأول ذاتها قد تغيرت وأصبحت أكثر اقترابًا من البشر العاديين بفعل الزمن والتطور الطبيعي ولكن أيضًا بفعل نجاحات كبرى حققتها السينما الواقعية ونجحت خلالها في معالجة قضايا حياتية أبطالها من الفئات الاجتماعية الدنيا الذين يقبعون في أسفل السلَم الإجتماعي بحسب مواصفات هوليوود. ومن تابع السينما يكتشف أن هذا "التطور" قد بدأ أيضًا في هوليوود ذاتها التي باتت تقدم نجومها من بين البشر العاديين الذين لا يتمتعون بالمواصفات "الاستثنائية" السابقة.

    حدث ذلك بالترافق مع نشأة التلفزيون وظهور الدراما التلفزيونية... هنا بالذات دخلت "الدراما المصورة" حياة أخرى مختلفة أبرز مواصفاتها اقترابها الأكبر من الواقعية، ومن حياة مشاهديها، فالتلفزيون الذي يشاهده الناس في بيوتهم ليس كالسينما التي يذهبون إليها وفق رغبة انتقائية. قصص الدراما التلفزيونية جاءت من الواقع وقدمت "أبطالها" العاديين فبتنا نشاهد شخصيات من الشارع البسيط ويتحدثون لغة بسيطة متداولة دفعت بالضرورة إلى التخلي عن المفاهيم والمواصفات السابقة القديمة والتي لا تتناسب مع واقعية التلفزيون ومحاكاته للحياة اليومية وقضاياها وقصصها. ما نشاهده اليوم – بل ومنذ زمن طويل – من خلال الشاشة الصغيرة هو استجابة طبيعية لفكرة أن التلفزيون هو فن الناس في مقابل فن السينما الذي لم يزل إلى اليوم "نخبويًا" يختاره المشاهدون في انتقائية لا لبس فيها وهو يقارب حياة الناس وأفرادها وجماعاتها على نحو مغاير فيه الكثير من الواقعية وصدقية التجسيد ما جعله يبحث عن ممثليه بين "العامة" والأكثر تعبيرًا عن الحياة اليومية بكل ما فيها من هموم ومشكلات على اختلاف أنواعها وأشكالها.

    جاءت السينما من فكرة "الرؤية" الساحرة للحياة فانتقت كما شاءت لها رغباتها ولكنها مع ذلك وبالرغم عنه خرجت من تلك الرؤى ودخلت في الواقع بدرجات متدرجة حملت الكثير من الرغبة في التوافق مع حقيقية الأشياء فقدمت أعمالها المتطورة والمعبرة عن جموع الناس في مختلف قطاعات الإنتاج ومختلف المهن.
يعمل...
X