الاتحاد السوفيتي
بحلول 25 ديسمبر من عام 1991، كان ميخائيل غورباتشوف رئيسًا بلا دولةٍ، فقد أعلنت حينها ثلاث من الجمهوريات الخمس عشرة في الاتحاد السوفيتي بالفعل استقلالها. وقبل أيام من ذلك وافق زعماء 11 دولةٍ أخرى على مغادرة الاتحاد السوفيتي لتشكيل كومنولث الدول المستقلة، وبمجرد أن وقع زعماء الجمهوريات على مذكرة انهيار الاتحاد السوفيتي، كان كل ما تبقى هو أن يقوم غورباتشوف بسحب القابس.
لذلك في خطابٍ متلفزٍ مدته 10 دقائق في ليلة 25 ديسمبر، خاطب غورباتشوف المرهق أمةً لم تعد موجودةً، أعلن حل الاتحاد السوفيتي واستقالته كزعيمٍ ثامنٍ وأخيرٍ.
في مارس 1991، عقد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية استفتاءً عامًا حول بقاء الاتحاد أو حله، وأراد أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين بقاء الاتحاد السوفييتي، لكن امتنعت ست جمهورياتٍ عن التصويت بالكامل. وعلى الرغم من النتائج، لم يؤثر الاستفتاء كثيرًا بوقف الانهيار، في نفس الوقت استمر يلتسين وغيره من الديمقراطيين في دفع غورباتشوف لإدخال مزيدٍ من الإصلاحات الجذرية، كما تفاوض الرئيس السوفيتي على اتفاقية السلطة اللامركزية مع جمهوريات.
في 8 ديسمبر، التقى الرئيس الروسي مع زعماء بيلاروسيا وأوكرانيا في فيلا خارج مينسك ووقع اتفاقًا لتشكيل كومنولث الدول المستقلة، "إن الاتحاد السوفيتي كموضوعٍ للواقع الدولي والجيوسياسي لم يعد له وجودٌ" وذلك مما ورد في نص الاتفاقية، وبعد أقل من أسبوعين وفي اجتماعٍ عُقد في مدينة ألما آتا الكازاخستانية، وافقت ثمان جمهوريات سوفيتية أخرى على الانضمام إلى الكيان الجديد، مع إعلان دول البلطيق وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا الاستقلال قبل أشهر.
قدم الرئيس السوفياتي استقالته في 25 ديسمبر، وقال غورباتشوف في خطابه: "بسبب الوضع الذي نشأ نتيجةً لتشكيل كومنولث الدول المستقلة، أتوقف بموجب هذا عن أنشطتي في منصب رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية"، كما قال: "سادت السياسة المتمثلة في تقطيع هذا البلد وتقسيم الدولة، وهو أمرٌ لا يمكنني الاشتراك فيه."
بعد لحظات من نهاية الخطاب، تم رفع العلم الأحمر للاتحاد السوفيتي مثل علم الجيش المستسلم فوق الكرملين أمام عددٍ قليلٍ من المتفرجين، ثم تم رفع الألوان الثلاثة لروسيا فوق سارية العلم.
أصول وتطور الاتحاد السوفيتي
في عام 1917 أطاح البلاشفة الثوريون بالقيصر الروسي وأُنشِئَت أربع جمهورياتٍ اشتراكية، في عام 1922، انضمت روسيا إلى جمهورياتها البعيدة لتشكيل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وكان أول زعيمٍ لهذه الدولة السوفيتية هو الثوري الماركسي فلاديمير لينين.
كان من المفترض أن يكون الاتحاد السوفيتي "مجتمعًا للديمقراطية الحقيقية"، لكن من نواحٍ كثيرةٍ لم يكن أقل قمعيةً من الاستبداد القيصري الذي سبقه، كان يحكمه حزب واحد- الحزب الشيوعي - وطالب بولاء كل مواطنِ روسيِّ.
بعد عام 1924، وعندما وصل جوزيف ستالين إلى السلطة، مارست الدولة سيطرتها الشمولية على الاقتصاد، وإدارة كل النشاط الصناعي وإنشاء المزارع الجماعية، كما سيطر على كل جانبٍ من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، وتم اعتقال الأشخاص الذين عارضوا سياسات ستالين وإرسالهم إلى معسكرات العمل أو إعدامهم.
بعد وفاة ستالين في عام 1953، شجب القادة السوفييت سياساته الوحشية لكنهم حافظوا على سلطة الحزب الواحد، وركزوا بشكلٍ خاص على الحرب الباردة مع القوى الغربية، والانخراط في "سباق التسلح" المكلف والمدمّر مع الولايات المتحدة أثناء ممارسة القوة العسكرية لقمع معاداة الشيوعية وتوسيع هيمنتها في أوروبا الشرقية.
اسباب انهيار الاتحاد السوفيتي
دعت خطة غورباتشوف إلى الانفتاح السياسي والقضاء على آثار القمع الستالينية المتبقية، كالشرطة السرية، فقد أصبح بإمكانك انتقاد الصحف الحكومية مثلًا، ويمكن للأحزاب غير الحزب الشيوعي المشاركة في الانتخابات.
كانت بيريسترويكا خطة غورباتشوف لإعادة الهيكلة الاقتصادية نحو نظامٍ رأسماليٍّ هجينٍ، مع بقاء المكتب السياسي مسيطرًا على الاقتصاد، والحكومة ستسمح لقوى السوق بإملاء بعض قرارات الإنتاج والتطوير.
ورغم تخفيف القيود المفروضة على الشعب وإجراء إصلاحاتٍ للنخب السياسية والاقتصادية، إلا أن الحكومة السوفيتية بدت ضعيفةً أمام الشعب السوفيتي، الذي استخدم حريته المتاحة حديثًا للاحتجاج على الحكومة.
كان مؤسسو الاتحاد السوفيتي مدفوعين بنقاءٍ أيديولوجيٍّ مرتبطٍ بالماركسية لم يكن له أن يتكرر من قبل أجيال المستقبل.
كانت إزالة نيكيتا خروتشوف في عام 1963 إشارةً إلى حدوث تغييرٍ جوهريٍّ في السياسة السوفيتية، فقد بدأ المكتب السياسي بالابتعاد عن رؤية لينين.
وشهدت الستينيات والسبعينيات زيادةً سريعةً في ثروات النخبة الحزبية وقوتها، بينما عانت عامة الشعب من الجوع، وكان المكتب السياسي يتمتع بالكماليات. رأى الجيل الشاب هذا ورفض تبني أيديولوجية الحزب.
دخل رونالد ريغان البيت الأبيض عام 1981 موضحًا نواياه تجاه "إمبراطورية الشر" الاتحاد السوفيتي. فترة رئاسة ريغان أدت إلى زيادةٍ هائلةٍ في الإنفاق العسكري الأمريكي، وكذلك البحث عن أسلحةٍ جديدةٍ. أدى ذلك لعزل السوفييت عن بقية الاقتصاد العالمي، وساعد في خفض أسعار النفط. وبدون عائدات النفط تلك، بدأ الاتحاد السوفيتي في الانهيار.
يقوم اقتصاد أية دولةٍ على تخصيص عددٍ محدودٍ من الموارد، من أجل السلع الاستراتيجية "الأسلحة" أو السلع الاستهلاكية "الأغذية" للأمة. وإذا ركزت الأمة بشدةٍ على الأسلحة، فإن الناس يُتركون دون السلع الاستهلاكية التي يحتاجونها. ومن ناحيةٍ أخرى، إذا أنتجت البلاد الكثير من الأغذية، فلا توجد مواردٌ كافيةٌ لتنمية القدرة الاقتصادية للأمة أو حمايتها.
كانت "الخطط الخمسية" لستالين مدفوعةً بالكامل تقريبًا لزيادة إنتاج السلع الاستراتيجية للأمة، فقد كان الاتحاد السوفيتي بحاجةٍ إلى التصنيع للتنافس مع بقية العالم، وقد نُقلت كل الموارد المتاحة إلى هذا الهدف، ولم يغير المكتب السياسي اتجاهه لزيادة توفر السلع الاستهلاكية، فأدى النقص الاقتصادي إلى تقويض حجةِ تفوق النظام السوفيتي، وصاح الشعب للثورة.
كما يمكن ربط سقوط الاتحاد السوفيتي بهيكل الأمة نفسها، فقد كان الاتحاد السوفيتي أمةً تتألف من 15 جمهورية مختلفة جذريًا. في جميع أنحاء البلاد كان هناك العشرات من الأعراق واللغات والثقافات، والتي كان الكثير منها غير متوافقٍ مع بعضه البعض. سبب تذمر الأقليات العرقية من الأغلبية الروسية إلى توتراتٍ على طول المقاطعات النائية.
في عام 1989، أدت الحركات القومية في أوروبا الشرقية إلى تغيير النظام في بولندا، وسرعان ما امتدت الحركة إلى تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، ومع انسحاب هذه الجمهوريات السوفيتية من الاتحاد السوفيتي، ضعفت قوة الدولة المركزية.
نتائج انهيار الاتحاد السوفيتي
إن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكتفِ بوضع الأنظمة الاقتصادية والعلاقات التجارية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية في مأزقٍ، بل أدى إلى اندلاع الاضطرابات في العديد من بلدان أوروبا الشرقية وأدى إلى زيادة معدلات الجريمة والفساد داخل الحكومة الروسية، فعندما سقطت الحكومة السوفيتية، تدخلت المافيا الروسية التي كانت مُلاحَقَةً خلال ذروة الشيوعية، كما تبخرت البنية التحتية الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، اختفت خدمات كشوف المرتبات الحكومية بالكامل تقريبًا، لذا فإن ضباط الكي جي بي السابقين وضباط الشرطة وجنود الجيش السوفيتي غمروا صفوف المافيا بحثًا عن عملٍ ثابتٍ.
استولى رجال المافيا على الشركات المملوكة للدولة في جميع أنحاء روسيا، مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكات الطاقة والصناعات، وقمعت المافيا الجمهور في مقابل توفير الأمن وإنفاذ القوانين أينما لم تتمكن الحكومة الروسية من ذلك. رغم أن الإدارة الروسية الحالية حققت بعض النجاح في مكافحة الجريمة المنظمة، إلا أن المافيا الروسية لا تزال قويةً للغاية وذات صلاتٍ جيدةٍ، ففي مجتمعٍ استبداديٍّ مثل مجتمع روسيا، سيتم إلقاء القبض على أي شخصٍ يتحدث حول الفساد الحكومي أو نفيه أو حتى القتل في ظروفٍ غامضةٍ. هذا الاضطهاد يحبط فرص روسيا في إقامة ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ ويسمح للفساد الحكومي بالاستمرار في التوسع.
كان لسقوط الإمبراطورية السوفيتية آثارٌ بعيدة المدى على العالم ككلٍ. بالنسبة لبعض البلدان، مثل أذربيجان وكازاخستان، خلقت صادرات النفط والغاز الطبيعي الرخاء لكنها مكنت الفساد أيضًا، وشهدت بلدان مثل ليتوانيا ولاتفيا تحولاتٍ هائلةً عن طريق التحول السريع إلى الغرب، حيث تبنت المثل الغربية وميولها السياسية، بينما ناضلت بلدانٌ أخرى، مثل أرمينيا وطاجيكستان، من أجل الازدهار في فترةِ ما بعد الحقبة السوفيتية، لكن ما زال العديد من المواطنين يعانون من الفقر.
كما أثر انهيار الاتحاد السوفيتي على بلدان خارج الكتلة السوفيتية السابقة؛ على سبيل المثال، منذ نهاية الحرب الباردة، توسعت الصين لتصبح قوةً عالميةً كبرى، وقد وسع الاتحاد الأوروبي نفوذه إلى مناطقٍ كانت موسكو تسيطر عليها ذات يومٍ.
إن انهيار الاتحاد السوفيتي ترك الولايات المتحدة كقوةٍ عظمى عالمية وحيدة، مما حررها من القيود التي يفرضها وجود أي منافسٍ قويٍّ، سمح ذلك للحكومة الأمريكية بالتدخل عسكريًا أو غير ذلك في البلدان الأخرى دون خوفٍ من أي رد فعلٍ.
على الرغم من أن انهيار الاتحاد السوفيتي قد سمح للولايات المتحدة بالحصول على السلطة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اتخاذ موسكو موقفًا أقوى في الشؤون العالمية، من خلال إعفاء 10 مليارات دولارٍ من ديون الحقبة السوفيتية المستحقة على بيونغيانغ، وبيع النفط لكوريا الشمالية. إن تحقيق هذا الوضع كقوةٍ عظمى، سيجعل من الأسهل بكثيرٍ بالنسبة لروسيا التأثير المباشر على الصراعات في جميع أنحاء العالم.
المحاولة الانقلابية في الاتحاد السوفيتي 1991
فشل الانقلاب على الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بعد ثلاثة أيامٍ فقط من بدايته. وعلى الرغم من نجاحه في تجنب الإقالة من منصبه، إلا أن أيام غورباتشوف في السلطة كانت معدودةً.
بدأ الانقلاب على غورباتشوف في 18 أغسطس، بقيادة عناصرٍ شيوعيةٍ متشددةٍ في الحكومة والجيش السوفيتي، وكانت المحاولة سيئةَ التخطيط وغير منظمةٍ. كما كان قادة الانقلاب يقضون وقتًا طويلًا في المشاحنات فيما بينهم، ومع ذلك، فقد تمكنوا من وضع غورباتشوف قيد الإقامة الجبرية وطالبوا باستقالته من قيادة الاتحاد السوفيتي.
حاولت الولايات المتحدة أن تحول دعمها إلى الرئيس الروسي بوريس يلتسين، وارتفعت أسهم يلتسين بحدةٍ حيث ندد علنًا بالانقلاب ونظم الإضرابات والاحتجاجات في الشوارع مع الشعب الروسي، إلا أن قادة الانقلاب، الذين يرون أن معظم الجيش السوفيتي لم يدعموا عملهم، ألغوا المحاولة في 21 أغسطس.
بناءً على ما حدث خلال انقلاب أغسطس 1991، بدأ الناس يميلون ببطءٍ وبثباتٍ نحو يلتسين، واستقال غورباتشوف من زعامة الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991. على الرغم من الاضطرابات المحيطة به، استمر يلتسين في رئاسةِ أكبر وأقوى الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة، روسيا.
بحلول 25 ديسمبر من عام 1991، كان ميخائيل غورباتشوف رئيسًا بلا دولةٍ، فقد أعلنت حينها ثلاث من الجمهوريات الخمس عشرة في الاتحاد السوفيتي بالفعل استقلالها. وقبل أيام من ذلك وافق زعماء 11 دولةٍ أخرى على مغادرة الاتحاد السوفيتي لتشكيل كومنولث الدول المستقلة، وبمجرد أن وقع زعماء الجمهوريات على مذكرة انهيار الاتحاد السوفيتي، كان كل ما تبقى هو أن يقوم غورباتشوف بسحب القابس.
لذلك في خطابٍ متلفزٍ مدته 10 دقائق في ليلة 25 ديسمبر، خاطب غورباتشوف المرهق أمةً لم تعد موجودةً، أعلن حل الاتحاد السوفيتي واستقالته كزعيمٍ ثامنٍ وأخيرٍ.
في مارس 1991، عقد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية استفتاءً عامًا حول بقاء الاتحاد أو حله، وأراد أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين بقاء الاتحاد السوفييتي، لكن امتنعت ست جمهورياتٍ عن التصويت بالكامل. وعلى الرغم من النتائج، لم يؤثر الاستفتاء كثيرًا بوقف الانهيار، في نفس الوقت استمر يلتسين وغيره من الديمقراطيين في دفع غورباتشوف لإدخال مزيدٍ من الإصلاحات الجذرية، كما تفاوض الرئيس السوفيتي على اتفاقية السلطة اللامركزية مع جمهوريات.
في 8 ديسمبر، التقى الرئيس الروسي مع زعماء بيلاروسيا وأوكرانيا في فيلا خارج مينسك ووقع اتفاقًا لتشكيل كومنولث الدول المستقلة، "إن الاتحاد السوفيتي كموضوعٍ للواقع الدولي والجيوسياسي لم يعد له وجودٌ" وذلك مما ورد في نص الاتفاقية، وبعد أقل من أسبوعين وفي اجتماعٍ عُقد في مدينة ألما آتا الكازاخستانية، وافقت ثمان جمهوريات سوفيتية أخرى على الانضمام إلى الكيان الجديد، مع إعلان دول البلطيق وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا الاستقلال قبل أشهر.
قدم الرئيس السوفياتي استقالته في 25 ديسمبر، وقال غورباتشوف في خطابه: "بسبب الوضع الذي نشأ نتيجةً لتشكيل كومنولث الدول المستقلة، أتوقف بموجب هذا عن أنشطتي في منصب رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية"، كما قال: "سادت السياسة المتمثلة في تقطيع هذا البلد وتقسيم الدولة، وهو أمرٌ لا يمكنني الاشتراك فيه."
بعد لحظات من نهاية الخطاب، تم رفع العلم الأحمر للاتحاد السوفيتي مثل علم الجيش المستسلم فوق الكرملين أمام عددٍ قليلٍ من المتفرجين، ثم تم رفع الألوان الثلاثة لروسيا فوق سارية العلم.
أصول وتطور الاتحاد السوفيتي
في عام 1917 أطاح البلاشفة الثوريون بالقيصر الروسي وأُنشِئَت أربع جمهورياتٍ اشتراكية، في عام 1922، انضمت روسيا إلى جمهورياتها البعيدة لتشكيل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وكان أول زعيمٍ لهذه الدولة السوفيتية هو الثوري الماركسي فلاديمير لينين.
كان من المفترض أن يكون الاتحاد السوفيتي "مجتمعًا للديمقراطية الحقيقية"، لكن من نواحٍ كثيرةٍ لم يكن أقل قمعيةً من الاستبداد القيصري الذي سبقه، كان يحكمه حزب واحد- الحزب الشيوعي - وطالب بولاء كل مواطنِ روسيِّ.
بعد عام 1924، وعندما وصل جوزيف ستالين إلى السلطة، مارست الدولة سيطرتها الشمولية على الاقتصاد، وإدارة كل النشاط الصناعي وإنشاء المزارع الجماعية، كما سيطر على كل جانبٍ من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، وتم اعتقال الأشخاص الذين عارضوا سياسات ستالين وإرسالهم إلى معسكرات العمل أو إعدامهم.
بعد وفاة ستالين في عام 1953، شجب القادة السوفييت سياساته الوحشية لكنهم حافظوا على سلطة الحزب الواحد، وركزوا بشكلٍ خاص على الحرب الباردة مع القوى الغربية، والانخراط في "سباق التسلح" المكلف والمدمّر مع الولايات المتحدة أثناء ممارسة القوة العسكرية لقمع معاداة الشيوعية وتوسيع هيمنتها في أوروبا الشرقية.
اسباب انهيار الاتحاد السوفيتي
- البيريسترويكا والغلاسنوست
دعت خطة غورباتشوف إلى الانفتاح السياسي والقضاء على آثار القمع الستالينية المتبقية، كالشرطة السرية، فقد أصبح بإمكانك انتقاد الصحف الحكومية مثلًا، ويمكن للأحزاب غير الحزب الشيوعي المشاركة في الانتخابات.
كانت بيريسترويكا خطة غورباتشوف لإعادة الهيكلة الاقتصادية نحو نظامٍ رأسماليٍّ هجينٍ، مع بقاء المكتب السياسي مسيطرًا على الاقتصاد، والحكومة ستسمح لقوى السوق بإملاء بعض قرارات الإنتاج والتطوير.
ورغم تخفيف القيود المفروضة على الشعب وإجراء إصلاحاتٍ للنخب السياسية والاقتصادية، إلا أن الحكومة السوفيتية بدت ضعيفةً أمام الشعب السوفيتي، الذي استخدم حريته المتاحة حديثًا للاحتجاج على الحكومة.
- المكتب السياسي والإيديولوجيا الماركسية
كان مؤسسو الاتحاد السوفيتي مدفوعين بنقاءٍ أيديولوجيٍّ مرتبطٍ بالماركسية لم يكن له أن يتكرر من قبل أجيال المستقبل.
كانت إزالة نيكيتا خروتشوف في عام 1963 إشارةً إلى حدوث تغييرٍ جوهريٍّ في السياسة السوفيتية، فقد بدأ المكتب السياسي بالابتعاد عن رؤية لينين.
وشهدت الستينيات والسبعينيات زيادةً سريعةً في ثروات النخبة الحزبية وقوتها، بينما عانت عامة الشعب من الجوع، وكان المكتب السياسي يتمتع بالكماليات. رأى الجيل الشاب هذا ورفض تبني أيديولوجية الحزب.
- العدوان الغربي
دخل رونالد ريغان البيت الأبيض عام 1981 موضحًا نواياه تجاه "إمبراطورية الشر" الاتحاد السوفيتي. فترة رئاسة ريغان أدت إلى زيادةٍ هائلةٍ في الإنفاق العسكري الأمريكي، وكذلك البحث عن أسلحةٍ جديدةٍ. أدى ذلك لعزل السوفييت عن بقية الاقتصاد العالمي، وساعد في خفض أسعار النفط. وبدون عائدات النفط تلك، بدأ الاتحاد السوفيتي في الانهيار.
- الأسلحة والغذاء
يقوم اقتصاد أية دولةٍ على تخصيص عددٍ محدودٍ من الموارد، من أجل السلع الاستراتيجية "الأسلحة" أو السلع الاستهلاكية "الأغذية" للأمة. وإذا ركزت الأمة بشدةٍ على الأسلحة، فإن الناس يُتركون دون السلع الاستهلاكية التي يحتاجونها. ومن ناحيةٍ أخرى، إذا أنتجت البلاد الكثير من الأغذية، فلا توجد مواردٌ كافيةٌ لتنمية القدرة الاقتصادية للأمة أو حمايتها.
كانت "الخطط الخمسية" لستالين مدفوعةً بالكامل تقريبًا لزيادة إنتاج السلع الاستراتيجية للأمة، فقد كان الاتحاد السوفيتي بحاجةٍ إلى التصنيع للتنافس مع بقية العالم، وقد نُقلت كل الموارد المتاحة إلى هذا الهدف، ولم يغير المكتب السياسي اتجاهه لزيادة توفر السلع الاستهلاكية، فأدى النقص الاقتصادي إلى تقويض حجةِ تفوق النظام السوفيتي، وصاح الشعب للثورة.
- الحركات القومية
كما يمكن ربط سقوط الاتحاد السوفيتي بهيكل الأمة نفسها، فقد كان الاتحاد السوفيتي أمةً تتألف من 15 جمهورية مختلفة جذريًا. في جميع أنحاء البلاد كان هناك العشرات من الأعراق واللغات والثقافات، والتي كان الكثير منها غير متوافقٍ مع بعضه البعض. سبب تذمر الأقليات العرقية من الأغلبية الروسية إلى توتراتٍ على طول المقاطعات النائية.
في عام 1989، أدت الحركات القومية في أوروبا الشرقية إلى تغيير النظام في بولندا، وسرعان ما امتدت الحركة إلى تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، ومع انسحاب هذه الجمهوريات السوفيتية من الاتحاد السوفيتي، ضعفت قوة الدولة المركزية.
نتائج انهيار الاتحاد السوفيتي
- الجريمة والتغيرات الثقافية والاضطرابات الاجتماعية
إن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكتفِ بوضع الأنظمة الاقتصادية والعلاقات التجارية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية في مأزقٍ، بل أدى إلى اندلاع الاضطرابات في العديد من بلدان أوروبا الشرقية وأدى إلى زيادة معدلات الجريمة والفساد داخل الحكومة الروسية، فعندما سقطت الحكومة السوفيتية، تدخلت المافيا الروسية التي كانت مُلاحَقَةً خلال ذروة الشيوعية، كما تبخرت البنية التحتية الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، اختفت خدمات كشوف المرتبات الحكومية بالكامل تقريبًا، لذا فإن ضباط الكي جي بي السابقين وضباط الشرطة وجنود الجيش السوفيتي غمروا صفوف المافيا بحثًا عن عملٍ ثابتٍ.
استولى رجال المافيا على الشركات المملوكة للدولة في جميع أنحاء روسيا، مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكات الطاقة والصناعات، وقمعت المافيا الجمهور في مقابل توفير الأمن وإنفاذ القوانين أينما لم تتمكن الحكومة الروسية من ذلك. رغم أن الإدارة الروسية الحالية حققت بعض النجاح في مكافحة الجريمة المنظمة، إلا أن المافيا الروسية لا تزال قويةً للغاية وذات صلاتٍ جيدةٍ، ففي مجتمعٍ استبداديٍّ مثل مجتمع روسيا، سيتم إلقاء القبض على أي شخصٍ يتحدث حول الفساد الحكومي أو نفيه أو حتى القتل في ظروفٍ غامضةٍ. هذا الاضطهاد يحبط فرص روسيا في إقامة ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ ويسمح للفساد الحكومي بالاستمرار في التوسع.
كان لسقوط الإمبراطورية السوفيتية آثارٌ بعيدة المدى على العالم ككلٍ. بالنسبة لبعض البلدان، مثل أذربيجان وكازاخستان، خلقت صادرات النفط والغاز الطبيعي الرخاء لكنها مكنت الفساد أيضًا، وشهدت بلدان مثل ليتوانيا ولاتفيا تحولاتٍ هائلةً عن طريق التحول السريع إلى الغرب، حيث تبنت المثل الغربية وميولها السياسية، بينما ناضلت بلدانٌ أخرى، مثل أرمينيا وطاجيكستان، من أجل الازدهار في فترةِ ما بعد الحقبة السوفيتية، لكن ما زال العديد من المواطنين يعانون من الفقر.
كما أثر انهيار الاتحاد السوفيتي على بلدان خارج الكتلة السوفيتية السابقة؛ على سبيل المثال، منذ نهاية الحرب الباردة، توسعت الصين لتصبح قوةً عالميةً كبرى، وقد وسع الاتحاد الأوروبي نفوذه إلى مناطقٍ كانت موسكو تسيطر عليها ذات يومٍ.
- قوة الولايات المتحدة
إن انهيار الاتحاد السوفيتي ترك الولايات المتحدة كقوةٍ عظمى عالمية وحيدة، مما حررها من القيود التي يفرضها وجود أي منافسٍ قويٍّ، سمح ذلك للحكومة الأمريكية بالتدخل عسكريًا أو غير ذلك في البلدان الأخرى دون خوفٍ من أي رد فعلٍ.
على الرغم من أن انهيار الاتحاد السوفيتي قد سمح للولايات المتحدة بالحصول على السلطة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اتخاذ موسكو موقفًا أقوى في الشؤون العالمية، من خلال إعفاء 10 مليارات دولارٍ من ديون الحقبة السوفيتية المستحقة على بيونغيانغ، وبيع النفط لكوريا الشمالية. إن تحقيق هذا الوضع كقوةٍ عظمى، سيجعل من الأسهل بكثيرٍ بالنسبة لروسيا التأثير المباشر على الصراعات في جميع أنحاء العالم.
المحاولة الانقلابية في الاتحاد السوفيتي 1991
فشل الانقلاب على الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بعد ثلاثة أيامٍ فقط من بدايته. وعلى الرغم من نجاحه في تجنب الإقالة من منصبه، إلا أن أيام غورباتشوف في السلطة كانت معدودةً.
بدأ الانقلاب على غورباتشوف في 18 أغسطس، بقيادة عناصرٍ شيوعيةٍ متشددةٍ في الحكومة والجيش السوفيتي، وكانت المحاولة سيئةَ التخطيط وغير منظمةٍ. كما كان قادة الانقلاب يقضون وقتًا طويلًا في المشاحنات فيما بينهم، ومع ذلك، فقد تمكنوا من وضع غورباتشوف قيد الإقامة الجبرية وطالبوا باستقالته من قيادة الاتحاد السوفيتي.
حاولت الولايات المتحدة أن تحول دعمها إلى الرئيس الروسي بوريس يلتسين، وارتفعت أسهم يلتسين بحدةٍ حيث ندد علنًا بالانقلاب ونظم الإضرابات والاحتجاجات في الشوارع مع الشعب الروسي، إلا أن قادة الانقلاب، الذين يرون أن معظم الجيش السوفيتي لم يدعموا عملهم، ألغوا المحاولة في 21 أغسطس.
بناءً على ما حدث خلال انقلاب أغسطس 1991، بدأ الناس يميلون ببطءٍ وبثباتٍ نحو يلتسين، واستقال غورباتشوف من زعامة الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991. على الرغم من الاضطرابات المحيطة به، استمر يلتسين في رئاسةِ أكبر وأقوى الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة، روسيا.