صورة: ناظم الجعفري و بورتريه لهيام دركل في مكتبها بالمتحف بدمشق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صورة: ناظم الجعفري و بورتريه لهيام دركل في مكتبها بالمتحف بدمشق


    Saad Alkassem

    منذ عام 1976، أي بعد سنتين على تخرجها من قسم الآثار في جامعة دمشق، وحتى تقاعدها عام 2013 عملت السيدة هيام دركل أمينة لقسم الفن الحديث في المتحف الوطني بدمشق، وأشرفت على فتح أقسام الفن الحديث في متاحف حلب واللاذقية والرقة ودير الزور وتدمر وبصرى والسويداء وادلب وحماه. كما شاركت مع العديد من البعثات المحلية والدولية للتنقيب عن الآثار في أفاميا ورأس البسيط وبصرى وتدمر. ودعيت لحضور معارض عالمية في فرنسا وهولندا والنمسا. وقد ساهم ذلك كله، إضافة لاهتمامها وجهدها الشخصي، في جعلها مرجعاً أساسياً للفن التشكيلي السوري الحديث، أو (ذاكرتنا التشكيلية الموثوقة) - كما نحب أن نصفها- وقد طلبت منها مجلة (الحياة التشكيلية) أن تسرد ذكرياتها عن عملها في قسم الفن الحديث، أو جناح الفن الحديث، فاستجابت للدعوة مشكورة، وكانت هذه المادة التي نشرت في العدد الأحدث من المجلة. ووقد عنونت هذه المادة ب (36 سنة مع الفن الحديث)الإشارة لفترة عملها الوظيفي في قسم الفن الحديث، لا إلى اهتمامها الشخصي الذي لم يتوقف.
    ___________________________
    36 سنة مع الفن الحديث
    هيام دركل
    منذ مطلع القرن العشرين بدأ التشكل الجنيني للحركة التشكيلية في سورية، وبعد حوالي نصف قرن تم التنبه المبكر إلى ضرورة تأريخ الحركة التشكيلية في سورية، وكانت الخطوة الجريئة والتي تعكس وعياً متقدماً في ذاك الوقت بتأسيس قسم الفن الحديث في المتحف الوطني، وهو خامس قسم في المتحف الوطني حسب التسلسل الزمني: قسم ما قبل التاريخ، القسم الكلاسيكي، قسم الشرق القديم، القسم الإسلامي، قسم الفن الحديث. تأسس قسم الفن الحديث في المتحف الوطني عام 1953، وقد أقيم في الطابق الأول من الجناح الشرقي الذي تم الانتهاء من تشييده ذلك العام. في حين خصص الطابق الثاني للمعارض المؤقتة، الأثرية والفنية حيث استضاف عدداً كبيراً من المعارض السورية والعربية أهمها المعرض السنوي للفن التشكيلي.
    يضم قسم الفن الحديث أعمالاً لفنانين تشكيليين سوريين بمختلف فروع الفن التشكيلي، إن كان في مجال التصوير الزيتي، النحت، الغرافيك أو الخزف، ومن ضمنها مقتنيات الفترة الأولى من الفن السوري، وانضم اليها فيما بعد مقتنياتنا من الفن العربي والأجنبي. وكان يتم اقتناء الأعمال الفنية من قبل لجنة فنية خاصة تختار من المعارض العامة ومن صالات العرض الخاصة، ضمن معايير وزارة الثقافة، وتختلف مقتنيات الوزارة عن مقتنيات المديرية جزئياً، فنحن كنا نقتنى الأفضل والأحسن دائماً، وعندما يعرض الفنان في معرضه حوالي ثلاثين أو أربعين لوحة، يكون لدينا أوسع مجال لاختيار العمل الأفضل. ومن بين هذه المقتنيات أعمال الرواد: توفيق طارق، سعيد تحسين، ميشيل كرشة، رشاد مصطفى، رشاد قصيباتي، صبحي شعيب. وأعمال الجيل الذي تلاهم: محمود جلال، نصير شورى، محمود حماد، خالد معاذ، ناظم الجعفري، زاره كبلان، منور موره لي، لؤي كيالي، أدهم اسماعيل، نعيم اسماعيل، جاك وردة، سعيد مخلوف، ممدوح قشلان، مروان قصاب باشي، الياس زيات، نذير نبعة، عبد القادر أرناؤوط، خزيمة علواني، نشأت الزعبي، غسان السباعي، إقبال قارصلي، الفرد بخاش، الفرد حتمل، أحمد دراق السباعي، خالد المز، عفيف بهنسى وغيرهم ممن لم تسعفني ذاكرتي لاستحضار أسمائهم.
    هناك عدد من الفنانين نمتلك لهم أعمالاً من جميع مراحل تجربتهم، مثل نصير شورى الذي نمتلك له أعمالاً من مرحلته الأولى الواقعية، فالانطباعية وحتى وصوله إلى مرحلة التجريد مروراً بالجمع بين الانطباعية والحداثة. ومحمود حماد بدءاً من المرحلة الواقعية التي كان يرسم فيها أشخاصاً ومناظر طبيعية وصولاً لمرحلة الحروفية، وكذلك لدينا مجموعة للؤي كيالي منها لوحة كبيرة عن أرواد رسمها في المتحف خصيصاً لقسم الفن الحديث. و للفنانات السوريات من فترة الأربعينيات وحتى الآن، وهناك فنانات سوريات لهن أسماء شهيرة مثل منور موره لي، وقد شاركت أعمالها في معرض الذاكرة التشكيلية، وإقبال قارصلي وليلى نصير. وبلغ عدد الأعمال المقتناة في المتحف الوطني حين كنت في الخدمة نحو 3000 عمل بما فيها أعمال الفنانين العرب والأجانب.
    تسلمت إدارة قسم الفن الحديث في عام 1976 من الأستاذ حسن كمال - رحمه الله- لم أدرس في كلية الفنون الجميلة، وإنما حصلت على إجازة عامة في الآداب قسم الآثار في عام 1975. وقد عملت بدايةً في مديرية الوثائق التاريخية لعدة شهور. ثم توجهت برغبة منى إلى التنقيب الأثري في فترات الصيف للقيام بأعمال التنقيب الأثري. ولكن الدكتور عفيف بهنسي - وكان وقتذاك مديراً عاماً للآثار والمتاحف - أخبرني بأني يجب أن أعمل بقسم الفن الحديث، حاولت في البداية توثيق الخبرة التي امتلكتها من الأستاذ حسن كمال رئيسي المباشر، وله فضل كبير علي في ذلك لأنه جعلني أهتم بالفن التشكيلي، خاصة وأنه شخصياً قد درس في كلية الحقوق أولاً ومن ثم درس تاريخ الفن في فرنسا وتخرج منها. ووثق معلوماته بشكل أكاديمي، علمني الأستاذ كمال كيف ندرس اللوحات ونوثقها وكيف نختارها. وعلمني كيفية الأرشفة. ويعود له الفضل بتأسيس متحف الفن الحديث. كما أن للدكتور عفيف بهنسي (الرسام والنحات) فضل كبير في تطور القسم، وقد شجع الفن الحديث في سورية.
    مع الأيام أصبحت أتذوق الفن التشكيلي وأعرف كيفية الاختيار. ورغم ذلك كنت أعود دائماً للأساتذة الكبار، لأستنير بآرائهم. خاصة حين يصادفني فنان قديم لا أملك المعلومات الكافية عنه، فأبحث عنه وأعود إلى الأساتذة الكبار الذين يعرفونه حتى أوسع معلوماتي.
    أنا من مواليد دمشق، كان عمي في وقت من الأوقات مديراً عاماً للآثار والمتاحف وقد تأثرت به. معظم عائلتي تهتم بالعطارة (الطب الشعبي) وهم موجودون في سوق مدحت باشا، وهذه المهنة متوارثة في العائلة منذ أجيال. لدي ابنتان، الكبرى اسمها ليلى قوتلي تخرجت من كلية الآثار، وقد أحبت الآثار برغبة منها ودون تدخل مني، وخرجت مع بعثات أثرية فرنسية، وعملت مع ( تل الكوم ) على ما قبل التاريخ. ابنتي الثانية سلمى ليس لديها اهتمام كبير بالآثار. وإنما اهتمامها يتوجه إلى الفن التشكيلي، وكانت تدرس في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية وتتعلم الرسم هناك، إضافة إلى دراستها للترجمة الفورية في الجامعة وقد تخرجت وسافرت إلى فرنسا، وأخيرا حازت على درجة الماجستير. بالنسبة لوقتي أثناء فترة عملي كنت مشغولة دائماً بأرشفة المتحف والمستودعات والمعرض، هذا في الفترة الصباحية. أما في الفترة المسائية فكنت أتابع معارض فنية ومحاضرات، فدائماً كان وقتي ممتلئ، في بعض الأوقات كنت لا أستطيع حضور افتتاح معارض. فأتابعها من خلال ما يكتب عنها عن طريق الإنترنت. كما أحب أن أحضر المحاضرات التي لها علاقة بالفنون التشكيلية لتوسيع معلوماتي أكثر وأكثر، وكنت أقرأ كثيراً عن الفن التشكيلي. وكنت أحياناً أذهب لحضور حفلات موسيقية. إضافة لعضويتي في جمعية أصدقاء دمشق، وأتابع المحاضرات التي تتعلق بالبيئة و بالتراث. أحب الاستماع إلى محاضرات حول حوار الحضارات. لم يكن لدي وقت لممارسة الرسم، وكنت اشتركت منذ زمن بعيد في دورة مع الفنان عزيز إسماعيل عندما كان يدرّس في مركز أدهم إسماعيل. كنت أتمنى لو أني تعلمت الرسم، ولكني للأسف لم أتمكن من ذلك. ونقلت هذه الرغبة إلى ابنتي الصغرى التي كنت أشجعها على الرسم باستمرار، وأعطيها بعض الملاحظات، فأنا أنقد الفن التشكيلي بشكل معقول نظرياً. وقد ذهبت ذات مرة في فيينا برفقة الفنان عمر حمدي لزيارة بعض صالات الفن الحديث، وزرنا معارض لفنانين نمساويين ولفنان أميركي جاء ليعمل معرضاً هناك. و احتفلوا به كثيراً، لكني وجدته أقل من مستوى فنانينا، وكان هذا رأي عمر حمدي، تأثرت كثيراً لأن لدينا فنانين على مستوى عالي جداً ولا يحظون بنفس المكانة. لدينا فنانون ممتازون ولكنهم يفتقدون لفرص المشاركة ورؤية الفن خارج سورية. الفنان السوري بطبعه دؤوب ويعمل على نفسه، وأنا هنا لا أتحدث عن الفن التجاري، وإنما أتحدث عن الفن الأكاديمي و الفن الراقي، هناك كثير من الفنانين الذين لا يحملون شهادات ولكن لديهم خبرة عملية طويلة، وهناك فنانين مهمين ومن الرواد لكن حظهم قليل جداً، فهناك مثلاً الفنان خير الدين الأيوبي ورشاد مصطفى، هؤلاء من الفنانين الذين كانت أعمالهم قليلة، ولكنها ظهرت بعد وفاتهم وبدأ الناس يهتمون بها مؤخراً، وهناك ميلاد الشايب فنانٌ لديه أعمال جميلة جداً ولم يصل إلى العالمية، لأنه لم يكن هناك تشجيع للفنان بالفترات السابقة، أما الآن فالمجال مفتوح أكثر أمام الفنان ليعمل معارض وأحياناً يسافر ويطلع، و هذا يفتح أفقاً جديداً.
    مع تطور الأرشفة الإلكترونية الفنية سعينا للإفادة من هذا التطور، و شارك المتحف بجناح في معرض الذاكرة التشكيلية الأول في عام 2008 بمناسبة احتفالية (دمشق عاصمة الثقافة العربية)، عرضنا فيه لوحات فنية مع بعض المقالات الصحفية من الأرشيف الفني تعود لفترة الأربعينيات والخمسينيات وما قبلها ، وقد عملنا على توثيقها عن طريق تصويرها بالماسح الضوئي كي يتم الحفاظ عليها باعتبار أنها ضمن جرائد ومطبوعات ورقية قديمة، كما نحتفظ ب (كاتالوكات) قديمة لمعارض الفنانين. قسم الفن الحديث لا يضم فقط الأعمال الفنية التشكيلية، بل يضم أيضاً نقوداً سورية ونقوداً من دول العالم، وطوابع من نحو 200 سنة وحتى اليوم، وهو يزداد اتساعاً باستمرار في مجالات كثيرة.
    إن اول ما يلفت انتباه الزائر لقسم الفن الحديث في المتحف الوطني أعمال الرواد التي أصبحت الآن من تراث الشعب السوري ففيها نجد تأريخاً لنمط الحياة وكيفية العيش في زمن مضى، غير أن الزائر سيجد أمام ناظريه مجمل التجربة التشكيلية السورية منذ قرن وحتى الآن بتتالي أجيالها وتجاربهم الثرية.
    * الصورة: ناظم الجعفري و بورتريه لهيام دركل في مكتبها بالمتحف
يعمل...
X