مقولة كثيرًا ما تتردد على ألسنة الأمهات في مصر، وقد ارتبطت بشكل كبير بتوبيخ الفتيات على شيء ما، ولكن واقع الأمر ان هذا يرجع لقصة في التاريخ المصري، يرويها لنا شيخ المؤرخين، الجبرتي في تاريخه، في زمن الاحتلال الفرنسي لمصر، منذ مائتين وخمسة وعشرين عاما تقريبا.
وبطلة قصتنا اليوم هي فتاة اسمها زينب البكري، وكان عمرها 16 عامًا آنذاك، والتي اتهمها الناس بأنها خرجت عن أعراف وتقاليد المجتمع عندما بهرتها التقاليد الفرنسية والنمط الاجتماعي الجديد، فقررت اعتناقه والسير على خطاه. فارتدت الفساتين وخالطت الرجال بحرية تامة، وقيلت إنها شوهدت هي ورفيقاتها يضحكن بصوت عالي في الطرقات. الامر الذي لم يكن مألوفا في ذلك الزمان، بل يعد امرا مرفوضا. وحسب وصف الجبرتي، أُطلق على هؤلاء الفتيات لقب "المتفرنجات".
ولأن زينب وصديقاتها كُنّ من الطبقة الراقية، فهي سليلة الحسب والنسب، والدها هو الشيخ خليل البكري، نقيب الأشراف بمصر وشيخ السجادة البكرية (احدى الطرق الصوفية)، وعضو الديوان وكثيرا ما يجتمع مع القادة الفرنسيين. ولذا حيكت حوله وابنته كثير من الشائعات، بأنها تتردد على بيوت الفرنسيين كأبيها، ووصل الأمر أن اتهمها البعض أنها على علاقة بنابليون شخصيا، ورغم انه لم يتوفر دليلًا تاريخًا على حقيقة الأمر وكل ما تردد كانت شائعات وأقاويل، فلم يشاهدهما احد معا بل لم يجمعمها مكان واحد قط! وما يُضعف من القصة أن نابيلون نفسه كان يتحدث عن عشيقاته في التجمعات، وكانت له عشيقة مشهورة، أتت معه من بلاده وهي "مدام بولين".
وما إن غادر الفرنسيون مصر عام 1801م، حتى انصب غضب البعض على الشيخ خليل البكري وابنته زينب ورفيقاتها، ودخل ذلك ضمن الصراع على المناصب والفوضى الذي اتسمت بها تلك الفترة الحرجة. فخلع محمد باشا خسرو الوالي العثماني الشيخ البكري من نقابة الاشراف، وألّب عليه العامة، وأرسل جنوده إلى بيته ليجدوا زينب، سألها قائد الجند عما شاع عنها فقالت "إني تُبت عن ذلك، وقد تبرأ أبي من أفعالي". ولكن العامة لم يقتنعوا بذلك فاقتحموا دار الشيخ ونهبوها في احداث مؤسفة، واعتدوا على ابنته حتى كُسر عنقها وماتت نتيجة أحد المشاجرات، لتصبح أول "مقصوفة رقبة" في تاريخنا الحديث، ولتكون عِبرة لغيرها من النساء اللاتي خرجن على تقاليد المجتمع وأعرافه في ذلك الزمان.