في مثل هذا اليوم
منذ ٨ سنوات
نشطFareed Zaffour
١٠ ديسمبر ٢٠١٣ ·
http://www.almooftah.com/vb/showthread.php?p=293427...
نادي حمص الثقافي الاجتماعي مع قصي طعمة أبو روز و
٣٣ آخرين
.
١٠ ديسمبر ٢٠١٣ ·
نسيب عريضة/ صوت الحجارة السود في المهجر..
/منى محمد حمود/
هو نسيب بن أسعد عريضة (1888 - 1946)، والدته سليمة حداد، وُلِدَ في حمص سنة 1888، ونشأ فيها وتلقّى علومه الأوليّة في المدرسة الأرثوذكسيّة, وبعدها انتقل إلى دار المعلمين الروسيّة في الناصرة حيث تمكّن من أصول اللغتين العربية والروسية تمكّناً أتاح له فيما بعد مطالعاته الواسعة في آداب اللغتين حتى أنّ أصحابه لقّبوه بدائرة المعارف. وفي الناصرة تعرّف إلى التلميذ ميخائيل نعيمة فتصادقا وتحابّا, وبعد نيله الشهادة من دار المعلّمين هاجر إلى نيويورك عام 1905. فالمطالعات شحذت مواهبه الغزيرة ودفعت به إلى حياة الحبر والقرطاس والقلم بعيداً عن المتاجر والمصانع التي كان قد لجأ إليها لتحصيل رزقه.
وفي عام 1912 أسّس مطبعة "الأتلنتيك" وأصدر مجلة "الفنون" التي حملت لواء التجديد في الأدب العربي, تغذيها أقلامٌ فتيّة قويّة ويتعهّدها من حيث الإخراج ذوقٌ مسرفٌ في الأناقة والترتيب حيث لاقت المجلة إقبالاً كبيراً, لكنّ الحرب العالمية الأولى من جهة وضيق ذات اليد من جهة أخرى قضيا عليها قبل أن يكتمل العام الأول من عمرها، وكان موتها أكبر صدمة تلقّاها عريضة فما فارقته أوجاعها حتى فارق كل أوجاعه الأرضيّة. لكنه أعاد الكرّة فجددّ حياة "الفنون" بمساعدة بعض الأصدقاء عام 1916 ولكنّها توقّفت نهائياً عن الصدور ولمّا تكمل بعدُ العامين من عمرها الثاني.
أسّس عريضة الرابطة القلميّة في نيويورك مع إخوانه أساطين الأدب العربي في المهجر: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، ندرة حداد، عبد المسيح حداد، رشيد أيوب، إيليا أبي ماضي، أمين الريحاني، وليم كاتسفيلد، ولم يشذّ نسيب عن إخوانه أعضاء الرابطة القلميّة من حيث شعورهم بغربتين متلازمتين: غربتهم عن الوطن المادي وغربتهم عن الوطن الروحي . ولعلّ الغربة الثانية كانت الأقسى على قلبه . فلاعجب أن تسمع للأسى في شعره أنغاماً شجّية وأن تبصر فيه كل ألوان الحيرة والوحدة والوحشة، ومن أجمل قصائده الوطنيّة الحنين ( إلى فلسطين) و(ياحمص يا أم الحجار السود).
وهذه مقاطع من قصيدتيه إلى فلسطين من وراء البحار ألقاها في حفلة الجامعة العربية في بروكلن سنة 1938 لمناسبة وعد بلفور:
فلسطين من غربةٍ موثقةْ/ نُراعيك في الكُربةِ المُطبِقةْ
فتعلو وتهبُطُ منّا الصّدورُ/ ونهفُو وأبصارُنا مُطرِقةْ
ومن خلفِ هذا الخضمّ البعيدِ/ نُحييّكِ بالدَّمعةِ المُحرقةْ
جهادُكِ أورى زِنادَ النفوسِ/ فطارت شرارتُها مُبرقةْ
جهادٌ ملأتِ به الخافِقَينِ/ فضاقت به القوّةُ المُرهِقةْ
وسَطّرتِ آياته في الخلودِ/ بأرواحِ أبنائكِ المُزهََقَةََ
ومن قصيدة أم الحجار السّود:
حمص العديّةُ, كلُّنا يهواكِ
يا كعبةَ الأبطالِ, انّ ثراكِ
غِمدٌ لسيفِ الله في مثواكِ
ولَكم لنا من خشْعةٍ وسجودِ
في هيكلِ النَّجوى ومن تمجيدِ
يا دهرُ قد طالَ البُعادُ عن الوطنْ
هلْ عودةٌ تُرجى وقد فاتَ الظَّعنْ
عُدْ بي إلى حمص ولو حشْو الكفنْ
واهتفْ: أتيتُ بعاثرٍ مردودِ
واجعلْ ضريحي من حجارٍ سودِ
وإذ انقطع رجاء نسيب عريضة بعودة معشوقته "الفنون" إلى الحياة, انصرف عنها إلى هموم الساعة وتدبير شؤون المعيشة, فتزوج بعد الحرب العالمية الأولى من نجيبة حداد شقيقة عبد المسيح حداد والشاعر ندرة حداد, فما رزقا أولاداً. كانت نفس نسيب قد سئمت العمل في المتاجر والمصانع, فآثر أن يعيش وإن على القلة ولكن برفقة القلم والحبر. فاشتغل حيناً في تحرير "السائح" و"مرآة الغرب" و"الهدى"، ثم في مكتب الأنباء الأميركي إبان الحرب الأخيرة. وكان حزنه على شقيقه سابا المتوفى في ربيع شبابه بُعَيْدَ الحرب العالمية الأولى, ثم مآسيه الروحيّة والماديّة الكثيرة التي عقبت احتجاب "الفنون" قد هدّت جسمه القوي فانتقل إلى رحمة ربه في مدينة بروكلين يوم الاثنين في 25 آذار 1946، قامت مديرية التربية بحمص تخليداً لذكراه بإطلاق اسمه على إحدى الثانوياتـ غير أن رفاته ظلت بعيدة عن.
كان ديوان "الأرواح الحائرة" في يد المجلّد عندما لفظ صاحبه أنفاسه. وله ديوان آخر لم يُنشر وآثار نثريّة قيّمة منها قصّتاه البديعتان: "ديك الجن الحمصي" و"حديث الصماصمة" و"أسرار البلاط الروسي" وهي رواية ترجمها عن الروسية.
حسْبك أن تقرأ قصيدة أو قصيدتين من نظمه لتشْعر أنّك في حضرة شاعر فذّ, رحب الخيال، فتراه يبتعد عن السبل المطروقة والقوالب المألوفة ويترفّع عن كل مبتذل في اللون واللحن والمعنى, فلا يتملّق ولا يُماري ولا يتصنعّ ولا يُبرق ولا يُرعد أو يرغي ويُزبد ليهوّل عليك بالضجيج والصخب, بل هو يبثّ شعوره بالحياة بثاً أشبه ما يكون برذاذ المطر يتساقط في سكينة الليل على بقاع عطشى فيؤنسها ولا يزعجها ويحييها ولا يجر فيها على عكس ما يفعل السيل العارم.
من قصائده:
(أمام الغروب)
رُويدك ِ شمسَ الحياة/ ولا تسرعي في الغروبْ!
فما نالَ قلبي ُمناه/ وما ذاقَ غيرَ الخطوبْ
حَنانيّكَ داعي الرّحيلْ/ أنمضي كذا مُرغمينْ؟
ولم نروِ بعدُ الغليلْ/ فمهلاً ودَعنا ِلحينْ!
أتمضي الحياة سدى/ وما طال فيها المَقامْ
ولمْ نجتزْ المُبتدا/ فسرعانَ يأتي الختامْ !
(رباعيّات)
شربتُ كأسي أمام نفسي/ وقلتُ : يانفسُ ما المَرامْ ؟
حياةُ شكَّ وموتُ شكَّ/ فلْنغمُرَ الشكَّ بالمُدامْ
آماُلنا شَعشَت فغابتْ/ كالآلِ أبقى لنا الاوامْ
لابأس. ليس الحياةُ الاّ/ مرحلةٌ بدؤها ختامْ
(سِيّان)
سيان.. أن تُصغي/ للُنصح أو تُغضي
يا نفسُ فالآتي/ مثلُ الذي يمضي
فافعلْ كما تهوى/ يا قلبُ لاتحذَرْ
إن كنتَ من تبرٍ/ ما ضرك المصَهرْ
(يا نفْسُ)
يانفْسُ, مالكِ والأنين؟/ تتألّمين وتؤلِمينْ!
عذّبتِ قلبي بالحنين/ وكَتَمْتِهِ ماتقصُدينْ
يا نفْسُ مالكِ في اضطراب/ كفريسةٍ بين الذئابْ ؟
هلاّ رجَعتِ إلى الصواب/ وبدلتِ رَيْبك باليقينْ!
(النهاية)
رُبَّ ثارٍِ,
رُبَّ عارٍ؛
رُبَّ نارٍ؛
حركتْ قلبَ الجبانْ
كلُّها فينا ولكن لم تحرّك
ساكناً الاّ الّلسانْ
كفّنوه ؛
وادفنوه ؛
أسكنوهُ
هُوَّةَ اللحد العميق
واذهبوا لا تندبوه,
فهو شعْبٌ
ميّتٌ ليسَ يفيقْ
(سِفر الدّهور )
يا نديمي إنّ بعضَ النّاسِ/ إن جُستَ الأمورْ
ذو ثراءٍ يحسبُ المالَ/ غنىً وهو غرورْ
يَملِكُ المالَ ولكن/ هو للمالِ أجيرْ
دعْكَ منه.. وأقلبِ/ الصفحةَ في سفر الدَّهورْ
(على قبري)
أقيموا على قبري من الصّخرِ دميةً/ بها رمز عيشي بعدَ موتي يُعرضُ
يدان بلا جسمٍ تُمدّانِ في الفضا/ تُمدّانِ من صخرٍ على القبر يربِضُ
فيُمناهُما مبسوطةٌ تشحذُ الجَدا/ لتُشبِع جوعَ النفسِ والجوعُ يرفضُ
ويُسراهُما فيها فؤادٌ مضرّجٌ/تُقدّمه للناس , والناسُ تُعرضُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- نسيب عريضة: مناهل الأدب العربي 1950
- مجلة جادة الرشاد: حنا خباز 1923
- تاريخ حمص الجزء 2 : منير الخوري عيسى أسعد 1984
- أدبنا وأدباؤنا في المهاجر : جورج صيدح بيروت 1957
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
/منى محمد حمود/ نادي حمص الثقافي الاجتماعي/