كتب الباحث السوري محمد قجة..عن ابن رشد.. رائد الحوار في الحضارة الإسلامية.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتب الباحث السوري محمد قجة..عن ابن رشد.. رائد الحوار في الحضارة الإسلامية.



    ابن رشد.. رائد الحوار في الحضارة الإسلامية

    كتب الباحث محمد قجة من سورية
    تتصاعد قضية الاهتمام بفكر "ابن رشد" على المستوى العربي والعالمي، وتتم إعادة قراءته ودراسته في ضوء المتغيرات التي تشهدها الساحة الفكرية العربية، حيث يجري استحضاره كممثل للعقلانية والفكر الحر والطروحات المنهجية التي مرّ عليها ثمانية قرون وهي لا تزال حية عميقة التأثير في التيارات الفكرية؛ تاريخاً وفلسفةً ومرتكزاتٍ إيديولوجية وسياسية. إن المشكلات الفكرية التي طرحها "ابن رشد" في القرن 6هـ/12م لا تزال مطروحة في الفكر العربي والإسلامي حتى يومنا هذا، ويلخصها سؤال واحد هام: كيف يمكن أن تكون العلاقة بين العقل الديني والعقل الفلسفي؟
    ولد "ابن رشد" في قرطبة عام 520هـ/ 1126م، وهو أبو الوليد أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد. من أسرة قرطبية عريقة في العلم والقضاء والنفوذ السياسي والعلمي. ونشأ في ظل الدولة الموحدية التي كانت تحكم الأندلس، وعرّفه "ابن طفيل" على الخليفة الموحدي "أبي يعقوب المنصور" عام 565هـ/1169م.
    ترك ابن رشد أكثر من مائة كتاب، أكثرها في مجال الفلسفة والعلوم الإلهية، وبعضها في الطب، وقليل منها في الفقه والنحو واللغة والأدب. وقد أحصي له 92 كتاباً في الفلسفة والإلهيات. من أبرزها: (تهافت التهافت)، (اتصال العقل الفعال بالإنسان) و(المقدمات) في الفلسفة، (فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال) و(الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة) في علوم العقائد، (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه، و(الكليات) في الطب.
    تكاد الآراء تتفق على أن "ابن رشد" هو أكبر فلاسفة الإسلام، وأحد كبار الفلاسفة على مدى التاريخ البشري، وقد سبقه في الأندلس مفكرون مهدوا له السبيل؛ مثل "ابن طفيل" و"ابن باجه" و"ابن مسرّة".
    و"ابن رشد" شارح ممتاز "لأرسطو" من جهة، ومؤلف أصيل من جهة ثانية، ولا غرابة أن يطلق عليه (الشارح الأكبر) لكتب "أرسطو". أما "ابن رشد" المؤلف في مجال الفلسفة، فيرى أن الموازنة بين الدين والفلسفة ليست ضرورية، وإذا اختلف المدلول الديني والفلسفي وجب أن نؤوِّل ما جاء به الدين. وهو يحث على أخذ الحقيقة من أية جهة جاءت، ومن أي إنسان وصلت، بغض النظر عن انتمائه ودينه. ويتحدث في نظرية المعرفة عن علاقة الفكر بالمادة، وعن العلة والسبب، وعن الارتباط الضروري بين الأسباب والمسبّبات، وعن الحقيقتين: حقيقة الشرع وحقيقة العلم، وهما في رأيه شيء واحد لا يختلف في العبارة ولا يختلف في الجوهر.
    إن الظاهرة الأساسية في مذهب "ابن رشد" الفلسفي هي (العقلانية) وارتكازه على العقل والبرهان والنظر والتأويل على أساس ذلك، وهو يشدّد على دور العقل في انطلاقه الحر للبحث عن قوانين الطبيعة، رابطاً السبب الفاعل بالموجودات، ويؤكد على تمجيد العقل مع التوفيق بين الدين والعقل، فالشرع قد دعا إلى البحث في المعقولات.
    الرُّشْدية:
    يقول المستشرق " أنخل غونثالث بالنثيا Ángel González Palencia": ((كان تأثير مذهب ابن رشد في تاريخ الفكر الأوروبي حاسماً، فقد أخذ اليهود شروحه وترجموها إلى العبرية، أو عملوا منها ملخصات في هذه اللغة. وكانت هذه الترجمات والمختصرات العماد الأكبر الذي بُني عليه العلم العبري ابتداءً من القرن الثالث عشر الميلادي).
    وكان أثر ابن رشد في الحركة الإسكولاستية النصرانية أعظم من أثره بين اليهود. وقد كانت مدرسة منجّمي طليطلة هي المركز الذي انتقلت عن طريقه الفلسفة العربية إلى أوروبا، وفيها أتم "ميخائيل الاسكتلندي Michael Scottus" ترجمة كتب "ابن رشد" إلى اللاتينية، ويبدو أن "ميخائيل" هذا كان أول من عرّف علماء الأمم اللاتينية "بابن رشد". وفي طليطلة أيضاً شرع "هارمان الألماني Hermannus Alemanus" في نقل مؤلفات فيلسوف قرطبة إلى اللاتينية مرة أخرى. ومن المعروف أن هذه الترجمات حافلة بالعيوب والأخطاء، لأن الترجمة تمّت فيها على مرحلتين: من العربية إلى عجمية الأندلس، ومن هذه إلى اللاتينية.
    وأما القديس "توما الأكويني" فقد كان أشد خصوم مذهب "ابن رشد"، ولكن يمكن اعتباره في نفس الوقت تلميذاً له في المنهج، بل في طريقة التأليف. وقد أثبت "آسين" اعتماد القديس "توما" على "ابن رشد" في المسألة التي يمكن أن تعتبر منتهى ما تصل إليه علوم اللاهوت، أي في التوفيق بين الدين والفلسفة.
    أما أنصار نظريات "ابن رشد" فنجدهم بين رجال المدرسة الفرانشيسكية، مثل: "روجر بيكون"، وفي جامعة باريس، ومن أقطاب هذا الاتجاه في تلك الجامعة "سيجر البرابانتي". ومن أبرز المستشرقين الأوروبيين الذين تحدثوا عن الرشدية و"ابن رشد" ثلاثة هم: "رينان"، و"غوتيه"، و"بلاثيوس". وقد كتب "رينان" كتابه المعروف (ابن رشد والرشدية)، ورأى بعد عشر سنوات من إصدار كتابه أنه لم ينصف "ابن رشد" ولم يوفّه حقه، وقال: إنّ "ابن رشد" قد عظُم في نظري، وإنّه لحقٌّ أن الفلسفة العربية منطلقة من أساس تقليدي قد وصلت إلى أصالة حقيقية في القرنين 11و12 الميلاديين.
    الفكر اللاتيني وتأثّره بابن رشد:
    منذ القرن الثالث عشر الميلادي كان "ابن رشد" ومذهبه (الرشدية) موضع خلاف وصراع على المنابر الأوروبية، في الجامعات والكنائس والمحافل الثقافية. ولقد أحدث فكر "ابن رشد" هزة عميقة في الفكر الأوروبي لا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم بين مؤيد للرشدية ومعارض لها. وإن كل مدرسة فكرية فلسفية في أوروبا بعد القرن 13م، تأثرت بالرشدية بصورة أو بأخرى، ومن ذلك:
    - مدرسة (الحقيقيين) الذين يرون أن النوع هو الوجود الحقيقي الذي يوجد الأشخاص لتمثيله في العالم المحسوس.
    - مدرسة (الاسميين) الذين يرون أن وجود النوع إنّما هو اسم أو كلمة ما لم يقترن بوجود الأشخاص.
    ويمثل المدرسة الأولى "سكوتس" بينما الثانية "أوكهام". وكان "مارتن لوثر" يقول مفتخراً: ((إن أوكهام هو أستاذي العزيز)). والمدرستان أساساً منبثقتان عن المدرسة التجريبية التي وضع أسسها "روجر بيكون".
    وتوزعت المواقف من "ابن رشد" ومذهبه في تيارات ثلاثة:
    أ‌- تيار كنسي رفض "ابن رشد" وشروحه "لأرسطو"، ودعا للتمسّك بآراء "أوغسطين" والكنيسة.
    ب‌- تي
يعمل...
X