"مظلة" مسرحية سعودية شبابية تناقش قضية الهوية
يسري حسان
يتميز نص مسرحية "مظلة" للكاتب السعودي إبراهيم الحارثي بلغته المكتنزة بالشعر، وما يتيحه لها ذلك من تكثيف وقدرة على الإشارة لا التصريح. وهي، في الوقت نفسه، تحافظ على دراميتها، بمعنى أن الشعري هنا حاضر كمعين للدراما ومانحاً إياها طاقته التي تعمق أسئلتها، بخاصة أن الدراما هنا، لا تسير وفق خط منتظم أو تقليدي.
هذا النص قدمه فريق المسرح في جامعة الطائف خلال مشاركته في الملتقى الدولي الرابع للمسرح الجامعي بالقاهرة، إخراج مساعد الزهراني، وسبق للحارثي والزهراني أن تعاونا معاً من قبل في عرض "نعش"، الذي قدمه فريق جامعة الطائف في المهرجان نفسه قبل ثلاثة أعوام.
الحركة في المسرحية (خدمة المهرجان)
وإذا كان إبراهيم الحارثي قد استفاد في نص "نعش" من نص الأميركي أروين شو "ثورة الموتى"، ونص "الرقصة الأخيرة" لسعدالله ونوس، وكتب نصه الذي يخصه بحسه الشعري والفلسفي، فإنه في نص "مظلة" يتكئ على سؤال الراهن المتعلق بالهوية، تلك الهوية التي تتقاذفها رياح العولمة، ليصبح القابض عليها كالقابض على الجمر. فبلا مظلة لن تبدو الحياة كما ترون، هكذا يقول أحد أفراد فريق العرض، والمظلة، كما جاء في معاجم اللغة، هي ما يُستر ويُستظل به من الشمس والمطر وغيرهما. وكما تفارق الكلمة داخل القصيدة معناها المتداول خارجها، فإن المظلة هنا تصبح هي الهوية التي من دونها يفقد الإنسان نفسه، وتضيع بوصلته ويضل طريقه.
ملاءمة البيئة
في العروض التي تقدمها فرق الأقاليم المسرحية المصرية يحرص صناعها على أن تكون النصوص المختارة ملائمة للبيئة التي تتوجه إليها، وهذا الحرص نفسه موجود هنا، فالعرض يتوجه إلى طلاب الجامعة، هؤلاء الذين في حاجة أكثر إلى التحذير من فقد الهوية، وهو في الوقت نفسه، وبالقضية التي يتناولها، يصلح للتوجه إلى أي بيئة أو جماعة، باعتبارنا أمام قضية وجود تمس المجتمعات كافة، مع الأخذ في الاعتبار أننا هنا لسنا أمام عرض تعليمي يسعى إلى توعية الطلاب بالحفاظ على هويتهم. فهذه ليست مهمة الفن بالتأكيد، وهو ما التفت إليه صناع العرض، مدركين أنهم بصدد عمل فني يتوسل بالجمالي لتوصيل مغزاه.
كلمة مظلة هنا من دون ألف لام التعريف، هذان الحرفان اللذان يدخلان على الأسماء لتحويلها من أسماء نكرة إلى أسماء معرفة، ويبدو أن الكاتب هنا قصد أن يكون الاسم نكرة، وهو أمر له دلالته ويتسق وطبيعة النص وهدفه. فالتعريف هنا، في ظني، يُضعف من قيمة النص، فإن النكرة هي الأصل في الأسماء، والمعرفة هي الفرع، النكرة هي السابقة على المعرفة ولا تحتاج إلى قرينة في معناها. ومن هنا فإن "مظلة" هكذا من دون تعريف، هي الأكثر توفيقاً، والأكثر تعبيراً عن فكرة النص ومقصده.
لعبة مشهدية (خدمة المهرجان)
لا مكان أو زمان محددين تدور فيهما الأحداث، مجموعة من خمسة أشخاص، بلا أسماء، على طريق ما، لا معالم واضحة تحدد هويته، وإن بدا فقيراً ومقفراً، وبدت أزياؤهم متشابهة، وكذلك سلوكياتهم، تتناثر حولهم مظلات ممزقة، إشارة إلى فقدهم هوياتهم. يستوقفون شخصاً عابراً يحمل مظلته، يمررون عداءهم إليه، في محاولة منهم لتمزيق مظلته وبالتالي هويته، وهنا يحدث الصراع، الذي تتخلله جمل إشارية دالة ولافتة، وإن احتاجت إلى دربة خاصة في الإلقاء والتلقي.
مصافحة المظلة
يقول الشخص المسافر حاملاً مظلته: "أصافح مظلتي، أقدر لها كل الأسئلة، هي خاتمة الحياة، ونفق الأمل، بلا مظلة لن تبدو الحياة كما ترونها... أنا مسافر الآن، لا أعرف إلى أين سأنطلق، ولا تعرف بوصلتي اتجاهاً محدداً، لو بقيت هنا، سأبقى معلقاً فلا تستقبلني حياة ولن تقطفني يد الموت". فالبقاء في هذه المنطقة الرمادية، التي تلتبس فيها الأشياء، ولا تُعرف هويتها، لا يعني حياة ولا موتاً، ولا يبقى سوى المظلة دليلاً ومرشداً وحامياً.
كثيرون مروا بهذا الطريق ولم يفلحوا في العبور، منهم من كان بلا مظلة، ومنهم من كانت مظلته ممزقة أو مشوهة. وحده المسافر المتمسك بمظلته، هويته، والمدافع عنها، هو الذي استطاع العبور ومواصلة طريقه في النهاية
هاجس المظلة (خدمة المهرجان)
هكذا يمرر العرض مغزاه بنعومة وعبر مباريات كلامية، تتخللها تعبيرات جسدية تجسد ذلك الصراع وتنهض بدراما العرض وتصنع صورته.
لا ديكور تقريباً في العرض، مجرد مجموعة من المظلات الممزقة ملقاة هنا أو هناك، وبعض المهملات المتناثرة على الخشبة، إشارة إلى بؤس المكان الذي تحيا فيه هذه المجموعة من البشر، التي هي أشبه بخفافيش الظلام، وفي العمق ستارة بيضاء تم تشكيلها في ما يشبه هيئة الخفاش، أطلت المجموعة الفاقدة الهوية من بين ثقوبها في أحد المشاهد، لتؤكد هذا المعنى المحتمل، وكأن فقد الهوية وما ينتج منه من عداء تجاه من يستمسكون بها، قد حول هؤلاء إلى كائنات شائهة وكريهة، لا تستطيع العيش في النور، ويسوؤها أن يعيش فيه غيرها.
توظيف الممثلين
نجح مساعد الزهراني في توظيف هذه المجموعة من الممثلين لتوصيل رسالة العرض، بحيث أن لا بطولة مطلقة لأحدهم. وعلى رغم أن البطولة الأكبر هنا كانت للنص والرؤية الإخراجية، فقد شكل فريق التمثيل، بفهمه الواعي لطبيعة النص، واحداً من عناصر العرض المهمة واللافتة، وكانوا الجسر الذي عبر العرض بواسطته إلى غايته، تلك الغاية التي ما كان له أن يبلغها من دونهم. ذلك أن النص دائماً ما يشير ولا يصرح، مما تطلب وعياً من الممثلين بكل كلمة وكل حركة أو حتى إيماءة. فالكلمات المتناثرة هنا وهناك- مثل موتيفات الديكور- وكذلك التعبيرات الحركية، تحتاج إلى ممثلين موهوبين يتمتعون بفضيلة إنكار الذات. إنهم في عمل جماعي يكتمل ويحقق أثره في حالة تناغمهم وتعاونهم معاً، بعيداً من فكرة استعراض المهارات، أو مداعبة الجمهور، والحصول على تصفيقه، بخاصة أن العرض هنا مثل السلسلة، التي إن فقدت إحدى حلقاتها فقدت وظيفتها، وهو ما وعى إليه الممثلون.
العرض المسرحي "مظلة" تمثيل: عمرو محمد العدواني، عبد الرحمن عبد الهادي الحميدي، فهد علي السفياني، مالك أحمد المالكي، أمجد عثمان التكروني، أمجد أحمد سيفين، ومسؤول الفرقة مساعد الزهراني، إدارة الخشبة: عبدالله فيصل البدوي، فني صوت: فراس عبد الحق قاري، تأليف إبراهيم حامد الحارثي، إخراج مساعد حسن الزهراني.
يسري حسان
يتميز نص مسرحية "مظلة" للكاتب السعودي إبراهيم الحارثي بلغته المكتنزة بالشعر، وما يتيحه لها ذلك من تكثيف وقدرة على الإشارة لا التصريح. وهي، في الوقت نفسه، تحافظ على دراميتها، بمعنى أن الشعري هنا حاضر كمعين للدراما ومانحاً إياها طاقته التي تعمق أسئلتها، بخاصة أن الدراما هنا، لا تسير وفق خط منتظم أو تقليدي.
هذا النص قدمه فريق المسرح في جامعة الطائف خلال مشاركته في الملتقى الدولي الرابع للمسرح الجامعي بالقاهرة، إخراج مساعد الزهراني، وسبق للحارثي والزهراني أن تعاونا معاً من قبل في عرض "نعش"، الذي قدمه فريق جامعة الطائف في المهرجان نفسه قبل ثلاثة أعوام.
الحركة في المسرحية (خدمة المهرجان)
وإذا كان إبراهيم الحارثي قد استفاد في نص "نعش" من نص الأميركي أروين شو "ثورة الموتى"، ونص "الرقصة الأخيرة" لسعدالله ونوس، وكتب نصه الذي يخصه بحسه الشعري والفلسفي، فإنه في نص "مظلة" يتكئ على سؤال الراهن المتعلق بالهوية، تلك الهوية التي تتقاذفها رياح العولمة، ليصبح القابض عليها كالقابض على الجمر. فبلا مظلة لن تبدو الحياة كما ترون، هكذا يقول أحد أفراد فريق العرض، والمظلة، كما جاء في معاجم اللغة، هي ما يُستر ويُستظل به من الشمس والمطر وغيرهما. وكما تفارق الكلمة داخل القصيدة معناها المتداول خارجها، فإن المظلة هنا تصبح هي الهوية التي من دونها يفقد الإنسان نفسه، وتضيع بوصلته ويضل طريقه.
ملاءمة البيئة
في العروض التي تقدمها فرق الأقاليم المسرحية المصرية يحرص صناعها على أن تكون النصوص المختارة ملائمة للبيئة التي تتوجه إليها، وهذا الحرص نفسه موجود هنا، فالعرض يتوجه إلى طلاب الجامعة، هؤلاء الذين في حاجة أكثر إلى التحذير من فقد الهوية، وهو في الوقت نفسه، وبالقضية التي يتناولها، يصلح للتوجه إلى أي بيئة أو جماعة، باعتبارنا أمام قضية وجود تمس المجتمعات كافة، مع الأخذ في الاعتبار أننا هنا لسنا أمام عرض تعليمي يسعى إلى توعية الطلاب بالحفاظ على هويتهم. فهذه ليست مهمة الفن بالتأكيد، وهو ما التفت إليه صناع العرض، مدركين أنهم بصدد عمل فني يتوسل بالجمالي لتوصيل مغزاه.
كلمة مظلة هنا من دون ألف لام التعريف، هذان الحرفان اللذان يدخلان على الأسماء لتحويلها من أسماء نكرة إلى أسماء معرفة، ويبدو أن الكاتب هنا قصد أن يكون الاسم نكرة، وهو أمر له دلالته ويتسق وطبيعة النص وهدفه. فالتعريف هنا، في ظني، يُضعف من قيمة النص، فإن النكرة هي الأصل في الأسماء، والمعرفة هي الفرع، النكرة هي السابقة على المعرفة ولا تحتاج إلى قرينة في معناها. ومن هنا فإن "مظلة" هكذا من دون تعريف، هي الأكثر توفيقاً، والأكثر تعبيراً عن فكرة النص ومقصده.
لعبة مشهدية (خدمة المهرجان)
لا مكان أو زمان محددين تدور فيهما الأحداث، مجموعة من خمسة أشخاص، بلا أسماء، على طريق ما، لا معالم واضحة تحدد هويته، وإن بدا فقيراً ومقفراً، وبدت أزياؤهم متشابهة، وكذلك سلوكياتهم، تتناثر حولهم مظلات ممزقة، إشارة إلى فقدهم هوياتهم. يستوقفون شخصاً عابراً يحمل مظلته، يمررون عداءهم إليه، في محاولة منهم لتمزيق مظلته وبالتالي هويته، وهنا يحدث الصراع، الذي تتخلله جمل إشارية دالة ولافتة، وإن احتاجت إلى دربة خاصة في الإلقاء والتلقي.
مصافحة المظلة
يقول الشخص المسافر حاملاً مظلته: "أصافح مظلتي، أقدر لها كل الأسئلة، هي خاتمة الحياة، ونفق الأمل، بلا مظلة لن تبدو الحياة كما ترونها... أنا مسافر الآن، لا أعرف إلى أين سأنطلق، ولا تعرف بوصلتي اتجاهاً محدداً، لو بقيت هنا، سأبقى معلقاً فلا تستقبلني حياة ولن تقطفني يد الموت". فالبقاء في هذه المنطقة الرمادية، التي تلتبس فيها الأشياء، ولا تُعرف هويتها، لا يعني حياة ولا موتاً، ولا يبقى سوى المظلة دليلاً ومرشداً وحامياً.
كثيرون مروا بهذا الطريق ولم يفلحوا في العبور، منهم من كان بلا مظلة، ومنهم من كانت مظلته ممزقة أو مشوهة. وحده المسافر المتمسك بمظلته، هويته، والمدافع عنها، هو الذي استطاع العبور ومواصلة طريقه في النهاية
هاجس المظلة (خدمة المهرجان)
هكذا يمرر العرض مغزاه بنعومة وعبر مباريات كلامية، تتخللها تعبيرات جسدية تجسد ذلك الصراع وتنهض بدراما العرض وتصنع صورته.
لا ديكور تقريباً في العرض، مجرد مجموعة من المظلات الممزقة ملقاة هنا أو هناك، وبعض المهملات المتناثرة على الخشبة، إشارة إلى بؤس المكان الذي تحيا فيه هذه المجموعة من البشر، التي هي أشبه بخفافيش الظلام، وفي العمق ستارة بيضاء تم تشكيلها في ما يشبه هيئة الخفاش، أطلت المجموعة الفاقدة الهوية من بين ثقوبها في أحد المشاهد، لتؤكد هذا المعنى المحتمل، وكأن فقد الهوية وما ينتج منه من عداء تجاه من يستمسكون بها، قد حول هؤلاء إلى كائنات شائهة وكريهة، لا تستطيع العيش في النور، ويسوؤها أن يعيش فيه غيرها.
توظيف الممثلين
نجح مساعد الزهراني في توظيف هذه المجموعة من الممثلين لتوصيل رسالة العرض، بحيث أن لا بطولة مطلقة لأحدهم. وعلى رغم أن البطولة الأكبر هنا كانت للنص والرؤية الإخراجية، فقد شكل فريق التمثيل، بفهمه الواعي لطبيعة النص، واحداً من عناصر العرض المهمة واللافتة، وكانوا الجسر الذي عبر العرض بواسطته إلى غايته، تلك الغاية التي ما كان له أن يبلغها من دونهم. ذلك أن النص دائماً ما يشير ولا يصرح، مما تطلب وعياً من الممثلين بكل كلمة وكل حركة أو حتى إيماءة. فالكلمات المتناثرة هنا وهناك- مثل موتيفات الديكور- وكذلك التعبيرات الحركية، تحتاج إلى ممثلين موهوبين يتمتعون بفضيلة إنكار الذات. إنهم في عمل جماعي يكتمل ويحقق أثره في حالة تناغمهم وتعاونهم معاً، بعيداً من فكرة استعراض المهارات، أو مداعبة الجمهور، والحصول على تصفيقه، بخاصة أن العرض هنا مثل السلسلة، التي إن فقدت إحدى حلقاتها فقدت وظيفتها، وهو ما وعى إليه الممثلون.
العرض المسرحي "مظلة" تمثيل: عمرو محمد العدواني، عبد الرحمن عبد الهادي الحميدي، فهد علي السفياني، مالك أحمد المالكي، أمجد عثمان التكروني، أمجد أحمد سيفين، ومسؤول الفرقة مساعد الزهراني، إدارة الخشبة: عبدالله فيصل البدوي، فني صوت: فراس عبد الحق قاري، تأليف إبراهيم حامد الحارثي، إخراج مساعد حسن الزهراني.