الجامع الأموي في دمشق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجامع الأموي في دمشق




    شُيد الجامع الأموي في وسط مدينة دمشق القديمة، على يد الخليفة الوليد الأول ( ٧٠٥-٧١٥) منذ وصوله إلى الحكم. ويُعتبر تحفة هندسية وفنية مدهشة نظراً لمخطط بنائه وزينة سقفه وجدرانه الفسيفسائية المغشّاة بالذهب. خضع الجامع الأموي لعدة عمليات تأهيل وترميم على مرّ التاريخ ومختلف الفترات، توالت حتى يومنا هذا، ما يشهد على فخامة وتميّز هذا العمل الاستثنائي في الفن الإسلامي.

    مكان للعبادة منذ العصور القديمة
    أقيم الجامع في مكان يعكس تاريخ المدينة الطويل والمتغير. فبعد أن كان معبداً مخصصاً للإله الآرامي حدد تم تشييده بين القرنين العاشر والحادي عشر قبل الميلاد، أصبح هذا الصرح الأثري معبداً يونانياً للإله جوبيتر قبل أن يترك الرومان بصماتهم عليه في القرن الأول ليتحول في القرن الرابع إلى كنيسة تحتوي على ضريح القديس يوحنا المعمدان ضمن إطار عملية تأهيل واسعة لسوره. ثم جاء الجامع ليندرج في قداسة هذا المكان احتراماً لجميع الديانات الأخرى. في الواقع، تم الاحتفاظ بضريح يوحنا المعمدان داخل الحرم في المسجد في مثوى من رخام.


    إحدى عجائب المخلوقات
    حظي الجامع منذ إنشائه بدهشة وإطراء جميع الزائرين والمارين من مدينة دمشق. وقد تم ذكره إلى جانب الكعبة في إحدى المخطوطات الفارسية في القرن الثالث عشر بعنوان "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات".


    شُيّد الجامع في حدود المعبد القديم وفق مخطط بازيليكي وهو ينتمي إلى التقليد المعماري الخاص بالعصور القديمة المتأخرة. وقد أكد الجامع بذلك من جديد على استمرارية قداسة المكان الذي أقيم فيه مع تعديل عمارته لتتلاءم مع احتياجات الدين الإسلامي. بهذا الصدد، تم تزويد الجامع بحائط القبلة ومحراب إضافة إلى صحن يحيط به رواق كبير يفضي إلى حرم بثلاثة مجازات أفقية ويتوسطه مجاز قاطع تعلوه قبة فاخرة.



    زينة فاخرة
    كان الجامع يتضمن أساساً زينة زخرفية على مستويين. الجزء السفلي ويشمل لوحات مصفّحة بخطوط ملونة تشكل زخارف هندسية جميلة والجزء العلوي بجدرانه الفسيفسائية الملونة المغشاة بالذهب. ويُحتفظ حتى الآن بجزء من هذه الزينة الأصلية الفاخرة والتي تجعل من الجامع شاهداً استثنائياً على الملامح الأولى للفن الإسلامي العريق.



    وفي مطلع القرن الرابع الميلادي، تم فصل المعبد عن المدينة بمجموعتين من الجدران امتدتا لمساحات واسعة، ولا تزال بقايا هذا المعبد، الذي يُعد أكبر معبد روماني في سوريا، موجودة حتى الآن غرب الجامع الأموي؛ حيث تظهر بقايا الأعمدة الرومانية ذات التيجان الكورنثية ومقدمة القوس الرئيسية في المعبد.

    وفي عام 391 ميلادية، أقيمت في المنطقة الغربية الشمالية من مكان معبد "جوبتير" كنيسة "يوحنا المعمدان"، وتحول المعبد إلى كاتدرائية بأمر من الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الأول (379-395م)، ويقال إن رأس النبي يحيى، أو يوحنا المعمدان، مدفونة هناك.



    وعقب فتح المسلمين لدمشق في عصر الخلافة الراشدة عام 634م، ثم قيام الدولة الأموية عام 662م، قسّمت كاتدرائية "يوحنا المعمدان" إلى قسم شرقي خُصص للمسلمين وقسم غربي خُصص للمسيحيين، وقد بُني في القسم الشرقي المخصص للمسلمين في جزئه الجنوبي الشرقي غرفة صلاة، صلى فيها الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وكان يدخل إليها من الباب القبلي الروماني. وشهد الموقع الصلاتين الإسلامية والمسيحية كرمز للسلام والتعايش السلمي وحرية العقيدة.

    وعندما تولى الوليد بن عبد الملك، سادس خلفاء بني أمية، الخلافة عام 705م، أمر ببناء "الجامع الأموي الكبير" بدمشق في موقع الكاتدرائية البيزنطية مقابل منح المسيحيين كنيسة "حنانيا"، وتم إجراء تغييرات بسيطة في شكل البنيان والجدران الخارجية والأبواب، واكتمل البناء عام 715م.



    وتشرف على صحن الجامع الأموي 3 مآذن، هي: مئذنة قايتباي، ومئذنة عيسى، ومئذنة العروس، وللجامع 4 أبواب، 3 منها تنفتح على صحن الجامع وهي الشرقي والغربي والشمالي، أما الباب الرابع وهو الباب القبلي فينفتح على حرم الجامع، كما يشتمل الصحن على 3 قباب.



    واستطاع الجامع أن يبقى صامدًا وشامخًا على مر العصور التي تعاقبت على دمشق، رغم تعرضه لسلسة من النكبات والزلازل والحرائق، فما زالت جدران الجامع الخارجية تحتفظ ببقايا زخارف وكتابات رومانية، ومن تحت أحجارها، ظهرت آثار آرامية، وتوجد أيضًا بقايا بيزنطية من خلال تيجان الأعمدة المستخدمة وبعض الأعمدة المنتشرة أمام أبواب الجامع، أما البصمة الأموية فهي الأوضح والأكثر استمرارًا، من خلال مخطط الجامع وبقاياه الأصلية، كالفسيفساء والزخارف والنوافذ.



    وفي عهد الاحتلال الفرنسي، تم ترميم الجامع الأموي، وكذلك في ظل الجمهورية السورية الأولى عام 1963. وشهد الجامع أكبر عملية ترميم في العقود الأخيرة، حيث رممت مئذنة قايتباي والواجهة الغربية والجدار الشمالي وأعيد تبليط المدخل الغربي للجامع واستبدلت القواعد الحجرية التالفة للأعمدة، وأعيد إنشاء وتركيب قبة داخل صحن الجامع وانتهت أعمال الترميم عام 1994، ليبقي أثرًا خالدًا وفريدًا على مر العصور، وما زال الجامع صامدًا رغم سنوات الحرب في سوريا.
    التعديل الأخير تم بواسطة Ahmad Alebrahim; الساعة 12-04-2021, 08:21 PM.
يعمل...
X