قصة الحلاج
بواسطة: تمام طعمة
٢٨ مارس ٢٠١٩ م
من هو الحلاج :
هو الحُسَين بن منصور أبو المغيث والشهير بالحلاج، أحدُ أعلام التصوُّف في العالم الإسلاميّ، فارسيُّ الأصل وُلِدَ في بلدة البيضاء الفارسيّة في عام 1207م، ثمَّ انتقل إلى العراق ونشأ في مدينة واسط، تنقَّل خلال حياته في كثير من البلدان إلى أن استقرَّ في بغداد أخيرًا، تصوَّف على يد الشيخ سهل بن عبد الله التستري، وتفقَّه في علوم الدين، له الكثيرُ من الأقوال والأشعار التي انتشرت إلى حدٍّ كبير حيثُ يعدُّ من أشهر الشعراء الصوفيين على الإطلاق، وفي هذا المقال سيدورُ الحديث حول قصة الحلاج ومذهب الحلاج وأشهر أقواله.
مذهب الحلاج:
قبل قصة الحلاج لا بدَّ من ذكر لمحة عن مذهب الحلاج، حيثُ يعدُّ الحلاج من أشهر المتصوّفين في الإسلام، فقد اتَّخذ التصوف طريقةً جهاديَّةً في سبيل نُصرةِ الحق وأهله، ولم يكُن التصوف في نظره مسلكًا تعبديًا فرديًا، فقد طور الحلاج هذه النظرة للتصوف وجعله ثورةً ضدَّ الطغيان والفساد والظلم في المجتمع وفي النفس في آنٍ واحد، فقد نشأ الحلاج في واسط ثمَّ في بغداد وتكررت زياراته إلى مكة المكرمة، حيثُ كان يعتكفُ هناك مظهرًا التّجلُّدَ والصبرَ على الشدائد والمكاره والمصاعب من جوع وعطش وحرارة الشمس أو البرد كما كان يفعل المتصوّفة عن الزرادشتيين، وقد زارَ بعد ذلك كثيرًا من بلدان العالم الإسلامي يدعو الناس على طريقته الخاصّة، وكان يُرى أحيانًا بهيئة الفقير الزاهد وتارةً بهيئة الغنيّ الثريّ وتارةً بهيئة العامل، وبذلك صار له الكثير من الأتباع. وكان يرى مؤرّخو أهل السنّة أنَّه كان يتلون وينافق كل طائفة لكي يستميلَ قلوب الناس، فيكونُ مع كل طائفةٍ على مذهبها إن كانت من أهل السنة أو الشيعة أو المعتزلة أو الصوفية أو حتّى لو كانت من الفساق، فالتصوف عند الحلاج كان باتجاهين: اتجاه مع الخالق لدرجة الفناء في حبه، واتجاه مع الخلق يجاهد فيه ضدّ الظلم والطغيان والفساد ويدعو الناس إلى مائدة الحب، ويروى أنَّه قال ذات مرة: "النقطة أصل كلّ خط، والخط كلّه نقط مجتمعة، فلا غنى للخطّ عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط، وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين، وهذا دليل على تجلِّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين، ومن هذا قلت: ما رأيتُ شيئًا إلا ورأيتُ اللهَ فيه"، فهو إلى صوفيَّته كان يؤمنُ بوحدة الوجود ويؤمنُ بالحلول والاتّحاد أي أنَّ الله يَحلُّ في خلقِه.
قصة الحلاج:
تبدأ قصة الحلاج عندَ بعض أقوالِه التي أثارت شكوكَ الناس حول عقيدتِه، فقد نُسبَ إليه الكثير من الأقوال التي كفَّرهُ كثير من العلماء عليها، حيثُ يُنسَبُ له قوله: "إنَّ الإنسان إذا أراد الحج، أفرد في داره بيتًا، وطاف به أيام الموسم، ثم جمع ثلاثين يتيمًا، وكساهم قميصًا قميصًا، وعمل لهم طعامًا طيبًا، فأطعمَهم وخدمهم وكساهم، وأعطى لكل واحدٍ سبعة دراهم أو ثلاثة، فإذا فعل ذلك، قام له ذلك مقام الحجّ"، وقال أيضًا: "أنا الحق والحق أنا"، وله بعض الأشعار التي كفَّره عليها كثير من الفقهاء وأهل العلم في ذلك العصر كقوله الذي يؤكدُ فيه على إيمانه بالحلول والاتحاد:
سبحانَ مـَن أظهرَ ناسوتَهُ سـرَّ سنا لاهوتهِ
الثاقـــب ثمّ بَدا في خلقـِه ظاهرًا في صورة الآكلِ والشارب
ويقول أيضًا في موضعٍ آخر مبيِّنًا أنَّه يعتقد بجميع المعتقدات الأخرى:
عَقَدَ الخلائقُ في الإلهِ عقائدًا وأنا اعتقدتُ جميعَ ما اعتقدوه واتُّهم بالزندقة والشعوذة والسّحر وبأنّه ادعى النبوة وأخيرًا اتهم بأنه ادَّعى الربوبيّة، وبسببِ ما صدرَ عنه وما اتُّهم به وبسبب قصة الحلاج التي وصلت إلى القاضي أبي عمر محمّد بن يوسف المالكي أهدرَ دمَه وكفَّره بعد أن أقام عليه البينة الشرعية وبعدها أجمع علماء عصره على أنَّه مرتدٌّ، وصدرَ قرار الخليفة العباسي المقتدر بالله بعد ما وصلت إليه قصة الحلاج يتضمن ما يلي: "إذا كانت فتوى القضاة فيه بما عرضت، فأحضره مجلس الشرطة واضربه ألف سوط، فإن لم يمت فتقدّم بقطع يديه ورجليه ثم اضرب رقبته، وانصب رأسه واحرق جثته"، وعندما أخذَ إلى المكان الذي سيقتل فيه قال لأصحابه أنَّه سيعود بعد ثلاثين يومًا لكنَّه لم يعد، فقطعت يداه ورجلاه ثمَّ قُتل مرتدًا في عام 309هـ الموافق لعام 1273م، وأحرقت جثَّته بعد أن قُتل.
أشهر أقوال الحلاج:
بعد الحديث عن قصة الحلاج ونهايته المؤلمة التي تعرَّض لها، سيتمُّ ذكر بعض أشهر أقوال الحلاج والتي كان أكثرها سببًا من أسباب ذلك المصير فقد كشفت عن عقيدته التي قتل مرتدًا بسببِها وأصبح رمزًا من رموز الصوفية، وفيما يأتي بعض أشهر أقوال الحلاج:
ما رأيتُ شيئًا إلَّا ورأيتُ الله فيه.
ما انفصلت البشريّة عنه، ولا اتصلت به.
حجبهم بالاسم فعاشوا، ولو أبْرَزَ لهم علومَ القدرة لَطاشوا، ولو كشَفَ لهم عن الحقيقةِ لَماتوا.
من ظنَّ أنَّ الالهية تمتزج بالبشريّة أو البشرية بالإلهيّة فقد كَفَر.
أسماء اللّه تعالى، من حيث الإدراك اسم، ومن حيث الحقّ حقيقة. إلهي! أنتَ تعلمُ عجزي عن مواضعِ شكرك، فاشكرْ نفسَك عنّي، فإنَّه الشكرُ لا غير.
تعليق